روابط مصاحف م الكاب الاسلامي

روابط مصاحف م الكاب الاسلامي
 

الثلاثاء، 24 مايو 2022

مجلد 1جامع الأصول في أحاديث الرسول المؤلف : مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير (المتوفى : 606هـ)

 

1.. مجلد 1جامع الأصول في أحاديث الرسول
المؤلف : مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير (المتوفى : 606هـ)

مجلد 1.ـ[جامع الأصول في أحاديث الرسول]ـ
المؤلف : مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير (المتوفى : 606هـ)
تحقيق : عبد القادر الأرنؤوط - التتمة تحقيق بشير عيون
الناشر : مكتبة الحلواني - مطبعة الملاح - مكتبة دار البيان
الطبعة : الأولى
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ومذيل بحواشي المحقق الشيخ عبد القادر الأرنؤوط - رحمه الله - ، وأيضا أضيفت تعليقات أيمن صالح شعبان (ط : دار الكتب العلمية) في مواضعها من هذه الطبعة]
__________
الجزء [1 ،2] : 1389 هـ ، 1969 م
الجزء [3 ، 4] : 1390 هـ ، 1970 م
الجزء [5] : 1390 هـ ، 1971 م
الجزء [6 ، 7] : 1391 هـ ، 1971 م
الجزء [8 - 11] : 1392 هـ ، 1972 م
الجزء [12] (التتمة) : ط دار الفكر ، تحقيق بشير عيون

- أ -

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المحقق
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
وبعد : فإن السنة النبوية هي الأصل الثاني من أصول الأحكام الشرعية التي أجمع المسلمون على اعتبارها أصلاً قائماً بذاته ، فهي والقرآن متلازمان ، لا ينفك أحدهما عن الآخر ، فالقرآن كليُّ هذه الشريعة ، والرسول صلى الله عليه وسلم مبين بسنته لجزئياتها . قال الله تعالى : {وأنزلنا إليك الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ للنَّاس ما نُزِّلَ إليهم} [النحل : 44] .
فما ورد في القرآن من الآيات مجملاً أو مطلقاً أو عاماً ، فإن السنة النبوية ، القولية منها أو الفعلية تقوم ببيانها ، فتقيد مطلقها ، وتخصص عامها ، وتفسر مجملها ، ولذا كان أثرها عظيماً في إظهار المراد من الكتاب ، وفي إزالة ما قد يقع في فهمه من خلاف أو شبهة .
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : " إن الله جل ثناؤه ، وتقدست أسماؤه ، بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلِّه ولو كره المشركون ، وأنزل عليه كتابه ، فيه الهدى والنور لمن اتبعه ، وجعل رسوله الدال على ما أراد من ظاهره وباطنه ، وخاصه وعامه ، وناسخه ومنسوخه ، وما قصد له الكتاب ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المعبِّر عن كتاب الله ، الدال على معانيه " .

- ب -

وقد تظاهرت الآيات في وجوب العمل بالسنة النبوية ، والاعتماد عليها ، والإذعان لها ، وتحكيمها في كل شأن من شؤون حياتنا . قال تعالى : {وما آتاكم الرسول فخُذوهُ وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر : 7] وقال : {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [النساء : 80] وقال : {فلا وربِّك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلِّموا تسليماً} [النساء : 65] وقال : {فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} [النساء : 59] وقال : {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسولُه أمراً أن يكون لهم الخِيرَةُ من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً} [الأحزاب : 36] .
وقد أنعم الله على هذه الأمة الإسلامية بأن قيَّض لها في القرون الأولى المشهود لها بالفضل نخبة ممتازة وصفوة مختارة ندبت أنفسها لخدمة السنة النبوية المطهرة ولم شتاتها ، فالتقطوها من أفواه سامعيها ، وجمعوها من صدور حامليها ، وطَوَوْا الفيافي والقِفار إلى حَفَظَتِها في كل قطر ومصر ، وبذلوا في سبيل ذلك أموالهم ، وأفنوا أعمارهم ، فكان من أثر ذلك تدوين المؤلفات الضخمة العديدة التي ضمت تراث نبينا الكريم ، فاستحقوا بذلك رضوان الله تعالى ، والشكر والتكريم .
والكتاب الذي نقدمه للقراء - وهو أحد تلك المؤلفات العظيمة تأليف الإمام أبي السعادات مجد الدين المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري ، ثم الموصلي المعروف بابن الأثير من رجال القرن السادس الهجري -
قد عمد فيه المؤلف إلى الأحاديث التي وعتها الأصول الستة المعتمدة عند الفقهاء والمحدثين : - الموطأ ، والبخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، التي حوت معظم ما صح عن النبي الكريم - فجمعها وأدمجها كلها في مؤلف واحد بعد أن رتبَّها وهذَّبها وذلَّل صِعابها ، وقرب نفعها ، وافتتحه بمقدمة ضافية فصل فيها الطريقة التي اتبعها في تصنيف الكتاب ، وذكر جل قواعد مصطلح الحديث التي تمس الحاجة إلى معرفتها ، وختمها

- جـ -

بتراجم الأئمة السنة الذين جمع كتبهم في تأليفه هذا ، فجاء فَذَّاً في بابه ، لم ينسج أحد - فيما نعلم - على منواله ، فكل من يقتنيه عن الأصول الستة يغنيه .

خطة المؤلف في الكتاب :
لقد ذكر المؤلف في مقدمته أن أول عمل قام به ، هو حذف الأسانيد ، فلم يثبت إلا اسم الصحابي الذي روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إن كان خبراً ، أو اسم من يرويه عن الصحابي إن كان أثراً ، اللهم إلا أن يعرض في الحديث ذكر اسم أحد رواته فيما تمس الحاجة إليه ، فإنه يذكره لتوقف فهم المعنى المذكور في الحديث عليه .
وأما متون الأحاديث فقد أثبت منها ما كان حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أثراً عن صحابي ، وما وجد من أقوال التابعين والأئمة المجتهدين في الأصول التي جمعها في كتابه ، فلم يذكرها إلا نادراً .
واعتمد في النقل من كتابي البخاري ومسلم على " الجمع بين الصحيحين " للإمام أبي عبد الله الحميدي ، وذكر أنه أحسن في ذكر طرقه ، واستقصى في إيراد رواياته ، وأن إليه المنتهى في جمع هذين الكتابين .
وأما باقي الكتب الأربعة ، فقد نقلها من الأصول التي قرأها وسمعها ، كما اعتمد على نسخ أخرى منها غير مسموعة له .
وقد عوَّل في المحافظة على ألفاظ البخاري ومسلم أكثر من غيرهما من باقي الأئمة الأربعة ، اللهم إلا أن يكون في غيرهما زيادة أو بيان أو بسط ، فإنه يذكرها ، كما يتتبع الزيادات من جميع الأمهات ، ويضيفها إلى مواضعها .
وقد عدل عن الطريقة التي اتبعها أصحاب الأصول الستة في الترتيب والتبويب ، لأن كل واحد منهم قد ذكر أحاديث في أبواب من كتابه ، ذكرها غيره في غير تلك

- د -

الأبواب ، فعمد إلى الأحاديث المضمنة في هذه الأصول ، فاعتبرها وتتبعها واستخرج معانيها ، وبني الأبواب على المعاني التي دلت عليها الأحاديث .
وكل حديث انفرد بمعنى ، أثبته في باب يخصُّه ، وما اشتمل من الأحاديث على أكثر من معنى إلا أنه بأحدها أخص وهو فيها أغلب ، فقد أثبته في الباب الذي هو أخص به وأغلب عليه ، وإذا كان يشتمل على أكثر من معنى ولا يغلب أحد المعاني على الآخر ، فقد أورده في آخر الكتاب في اللواحق .
ثم إنه خرَّج أسماء الكتب المودعة في الكتاب ، وجعلها مرتبة على حروف المعجم ، طلباً لتسهيل كلفة الطلب ، وتقريباً على المريد بُلْغَةَ الأرب ، إلى آخر ما سيراه القارئ الكريم مفصلاً في مقدمته .
وقد أثبت ما وجده في كتب الغريب واللغة والفقه من معنى مستحسن ، أو نكتة غريبة ، أو شرح وافٍ في آخر كل حرف على ترتيب الكتب (1) بعد الاحتياط فيما نقله ، وما لم يجده فيها - وهو قليل - فقد ذكر فيه ما سنح له بعد سؤال أهل المعرفة والدراية .
ومما لا شك أنه قد أسدى بتأليفه هذا الكتاب العظيم إلى الإسلام وأهله يداً لا تزال مشكورة ما دام في الدنيا من يدين بهذا الدين ، ويتبع سبيل المؤمنين ، فجزاه الله تعالى وسلفه وخلفه ممن نهج نهجه وسلك سبيله في خدمة هذا الدين خير جزاء .
ولما اتجهت النية إلى إخراج هذا الكنز النفيس من دفائنه ونشره نشرة صحيحة متقنة ، انعقدت العزائم على إصداره أجزاء متتالية وبقيمة ميسرة بالتعاون مع الناشرين الأفاضل : السيد حسين ناظم الحلواني ، والسيد عبد الله الملاح ، والسيد بشير عيون ، ومن ثمَّ شرعنا نبحث عن الأصول الخطية لاعتمادها في الطبع ، وقد عثرنا - ولله الحمد والمنَّة - على عدة نسخ
__________
(1) وقد عدلنا عن صنيع المؤلف هذا ، فأثبتنا غريب كل حديث وشرحه عقبه تسهيلاً للقارئ .

- هـ -

جيدة نادرة في دار الكتب الظاهرية العامرة بدمشق الشام المحروسة ، منها ما هو تام ، ومنها ما هو ناقص ، وهاك وصفها .

وصف النسخ
النسخة الأولى تحت رقم (210) حديث
1- وهي نسخة خزائنية تامة جيدة الضبط والإتقان ، نادرة الغلط ، يمكن الثقة بها والاطمئنان إليها ، وقد أثبت على هوامشها تصحيحات وتصويبات تشير إلى أنها مقروءة من بعض أهل العلم الذين لهم اطلاع ومعرفة .
وتقع في مجلد ضخم ، عدد أوراقها (875) ورقة من المقاس الكبير ، في كل صفحة (33) سطراً ، وفي كل سطر (20) كلمة تقريباً ، وخطها نسخي مقروء واضح ، وقد جاء في آخرها أن كاتبها - وهو آدم بن محمد بن محمد بن محسن بن علي بن سليمان - ابتدأ كتابتها في السادس من شهر الله المحرم سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة ، وأتمها في السادس والعشرين من الشهر المذكور سنة أربع وسبعين وسبعمائة ، وهي من الكتب التي أوقفها والي الحاج وأمير الشام في القرن الثاني عشر الهجري ، أسعد باشا العظم صاحب القصر الأثري المعروف بدمشق ، على مدرسة والده إسماعيل باشا العظم
2- النسخة الثانية : الموجود منها ثلاث مجلدات ، المجلد الثالث تحت رقم (199) وعدد أوراقه (262) ورقة ، يبدأ بالكتاب السادس من حرف الصاد ، صلة الرحم ، وينتهي بفضائل مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والمجلد الرابع تحت رقم (200) وعدد أوراقه (270) ورقة ، يبدأ بالباب التاسع من كتاب الفضائل ، وينتهي بالفصل الرابع من أحاديث متفرقة من كل نوع ، والمجلد الخامس تحت رقم (201) وعدد أوراقه (258) ، يبدأ بالركن الثالث في الخواتم ، وينتهي بآخر الكتاب . وخط هذه النسخة معتاد جيد مقروء ، كتبها محمد بن محمد بن فائد الحنفي ، بالمدرسة العادلية في الحادي والعشرين من شهر شوال سنة (733 هـ) ، وهذه النسخة بأجزائها الثلاثة المتتالية ، تقارب ثلاثة أخماس الكتاب .

- و -

3- النسخة الثالثة : الموجود منها ثلاث مجلدات ، المجلد الثاني تحت رقم (206) وعدد أوراقه (256) ورقة ، يبدأ بالأذان والمؤذن ، وينتهي بآخر كتاب الحج ، والمجلد الثامن تحت رقم (203) وعدد أوراقه (203) ورقات يبدأ بفضل الأذان ، وينتهي بالأحاديث التي تتعلق بأشراط الساعة ، والمجلد العاشر تحت رقم (204) وعدد أوراقه (204) ورقات يبدأ بالباب الخامس من معجزاته صلى الله عليه وسلم ، وينتهي بالباب الثاني في ذكر جماعة من الأنبياء . وخط هذه الأجزاء الثلاثة نسخي معتاد مقروء ، كتبت في أواسط القرن الثامن الهجري ، وقد جاء في المجلد الثامن ما نصه : كتب في سلخ شوال سنة (745 هـ) بالقدس الشريف ، بيد محمد بن سالم بن عبد الناصر الحاكم بها يومئذ ، وهذه النسخة يتخلل نصوصها فوائد شتى من كلام على متن حديث أو سنده أو معناه ، وقد كتبت بالمداد الأحمر ، تمييزاً لها عن أصل المؤلف ، وقد نبَّه على ذلك كاتبها في الورقة الأخيرة من المجلد الثامن ، وهي تعادل ربع الكتاب تقريباً .
4- نسخة موجود منها المجلد الرابع فقط ، تحت رقم (208) وعدد أوراقه (223) ورقة ، يبدأ بكتاب الصوم ، وينتهي بكتاب العمرى ، وهو آخر حرف العين ، كتب بخط نسخي جيد ،وهو غاية في النفاسة والإتقان والضبط ، فإنه بخط المؤلف رحمه الله كما جاء في الورقة الأخيرة منه ، وقد من كتابته ، سنة (586 هـ) أي قبل وفاته بعشرين سنة ، وقد قرأه على المؤلف أفاضل العلماء في عصره ، كما ستراه مثبتاً في السماعات المصورة ، وقد جاء عنوان الكتاب على الصفحة الأولى هكذا : جامع الأصول في أحاديث الرسول .
5- نسخة موجود منها المجلد السابع تحت رقم (202) وعدد أوراقه (304) ورقات ، يبدأ بكتاب الفضائل من حرف الفاء ، وينتهي بحرف القاف ، وخطه نسخي جيد ممتاز ، كتب في حياة المؤلف ، بيد أبي القاسم عمر بن سعد بن الحسين سنة (593) هـ . وقد سمعه غير واحد من العلماء على صاحبه أبي يوسف يعقوب بن محمد بن الحسن الموصلي بحق سماعه من المؤلف رحمه الله ، وقد جاء في ظاهر الورقة الأولى منه ما نصه : هذا

- ز -

الكتاب ملك الفقير إلى الله الغني به عما سواه ، الحسيب إسماعيل بن محمد بن الحسن أمير المؤمنين رضي الله عنه .
6- نسخة موجود منها المجلد الثاني تحت رقم (205) وعدد أوراقه (193) ورقة يبدأ بفضائل القرآن والقراء ، وينتهي بالكتاب السادس في القتال الحادث بين الصحابة والتابعين والاختلاف ، وليس عليه تاريخ كتابته ولا اسم ناسخه ، ومن المرجح أن يكون تاريخ نسخه في القرن السابع أو الثامن الهجري ، وخطه نسخي واضح بين .
7- نسخة موجود منها المجلد السادس تحت رقم (211) وعدد أوراقه (341) ورقة ، يبدأ بالباب الأول والثاني في ذكر جماعة من الأنبياء ، وينتهي بنهاية الكتاب ، وخطه فارسي جيد ، فرغ من كتابته صبيحة الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان من شهور سنة (694) هـ . محمد بن المعتز بن أبي سعد بن نصر الله بن بركات ، وجاء في هامش الورقة الأخيرة ما نصه : بلغت المقابلة حسب الوسع والطاقة بنسخ مقروءة مقابلة بنسخة المؤلف وخطه .
8- نسخة موجود منها المجلد العاشر تحت رقم (209) عدد أوراقه (260) ورقة يبدأ بالباب الثاني في ذكر جماعة من الأنبياء ، وينتهي بترجمة كعب بن الخزرج ، وخطه نسخي جيد لا يعرف تاريخ كتابته ولا اسم ناسخه لكن عليه سماعات يرجع تاريخها إلى سنة (667) هـ .
9- نسخة موجود منها المجلد الرابع تحت رقم (207) عدد أوراقه (221) ورقة يبدأ بكتاب الفتن وينتهي بالفصل الثامن في الكفارة ، كتب بعدة خطوط ممتازة لا بأس بها ، وهو غفل عن تاريخ نسخه واسم الناسخ .
هذا وقد سبق لهذا الكتاب أن طبع في مطبعة السنة المحمدية بمصر في اثني عشر مجلداً بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية ، وبإشراف مفتي الديار المصرية سابقاً الشيخ عبد المجيد سليم ، سنة 1368 هـ - 1949 م . وهذه الطبعة لا بأس بها إلا أنها غير تامة . وما لم يطبع منها يوازي خمس الكتاب تقريباً ، وفيها من التصحف والتحريف ما سنشير إلى بعضه في مواضعه إن شاء الله تعالى .

- حـ -

عملنا في تحقيق الكتاب :
لقد تولينا تصحيح النص وضبطه ومقابلته على ما بأيدينا من الأصول الخطية التي سبق وصفها ، والأصول الستة التي جمع المؤلف كتابه منها ، وبذلنا الجهد في ترقيمه وتفصيله ، وألممنا بمذاهب الأئمة المجتهدين ومناحي أقوالهم ، وذكرنا جملاً نافعة من الفوائد المستنبطة من الأحاديث ، وتتبعنا الأحاديث التي لم يلتزم أصحابها إخراج الصحيح ، كأبي داود ، والترمذي ، والنسائي ، وتكلمنا على كل حديث من جهة الصحة والضعف . لأن المؤلف لم يتعرض لذلك ، مع أن معرفة كون الحديث صحيحاً أو ضعيفاً أمر هام يوقف القارئ على جلية الأمر ، ويتيح له وضع الأسس الصحيحة والتفريغات القائمة على نهج السلامة .
ثم إننا قد استشهدنا بأحاديث صحيحة من خارج الكتاب مما هو مدون في المسانيد والكتب كلما دعت الحاجة إلى ذلك ، وقد يكون في بعض ما نذهب إليه من التحقيق شيء من الخطأ ، فما يخلو عمل إنسان غير معصوم من الخطأ ، فالمأمول من أهل العلم والفضل ممن له بصر ومعرفة في هذا الفن الشريف ، ألا يبخلوا علينا بملاحظاتهم أو استدراكاتهم أو تعقيباتهم ، فإننا سنقبل كل ذلك ، ونرحب به ، ونضعه في مواضعه إن شاء الله . والله الموفق لا رب سواه

يوم الخميس 14 صفر 1389 هـ
الموافق لـ 1 أيار 1969 م
عبد القادر الأرناؤوط

- ط -

ترجمة المؤلف
هو الإمام البارع مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري ثم الموصلي المعروف بابن الأثير .
ولد في أحد الربيعين سنة أربع وأربعين وخمسمائة في جزيرة ابن عمر ، وهي - على ما يقول ياقوت الحموي معاصر المؤلف - بلدة فوق الموصل ؛ بينهما ثلاثة أيام ، ونشأ بها وتلقى من علمائها معارفه الأولى ، من تفسير وحديث ونحو ولغة وفقه ، ثم تحول سنة (565 هـ) إلى الموصل ، وفيها بدأت معارفه تنضج وثقافته تزداد ، وأقام بها إلى أن توفي .
قرأ الأدب على ناصح الدين أبي محمد سعيد بن المبارك بن الدهان البغدادي ، وأبي بكر يحيى بن سعدون القرطبي ، وأبي الحزم مكي بن الريان بن شبَّة النحوي الضرير ، وسمع الحديث بالموصل من جماعة ، منهم خطيب الموصل أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسي ، وقدم بغداد حاجاً فسمع بها من أبي القاسم صاحب ابن الخلِّ ، وعبد الوهاب بن سُكينة ، وعاد إلى الموصل فروى بها وحدث وانتفع به الناس .
وصفه من أرخ له بأنه كان من محاسن الزمن ، ذا دين متين ، وطريقة مستقيمة ، عارِفاً ، فاضلاً ، وَرِعاً ، عاقلاً ، مطاعاً ، رئيساً ، مُشاوراً ، ذا بر وإحسان . قد جمع بين علم العربية والقرآن والنحو واللغة والحديث والفقه ، وصنف تصانيف مشهورة وألف كتباً مفيدة .
منها " غريب الحديث " على حروف المعجم ، وهو المعروف بالنهاية ، و " الشافي شرح مسند الشافعي " و " الإنصاف بين الكشف والكشاف " جمع فيه بين تفسيري

- ي -

الثعلبي والزمخشري ، و " البديع " في النحو ، و " الباهر في الفروق " في النحو أيضاً . و " تهذيب فصول ابن الدهان " و " المصطفى المختار من الأدعية والأذكار " و " كتاب لطيف في صناعة الكتابة " وله رسائل في الحساب مُجَدْوَلات ، وكتاب ديوان رسائله : كتاب البنين والبنات ، والآباء والأمهات ، والأذواء والذوات . و " جامع الأصول في أحاديث الرسول " وهو هذا الكتاب . إلى غير ذلك من المؤلفات القيمة والمصنفات النافعة .
قال ياقوت الحموي في " معجم الأدباء " : حدثني أخوه أبو الحسن قال : تولى أخي أبو السعادات الخزانة لسيف الدين الغازي بن مودود بن زنكي ، ثم ولاه ديوان جزيرة ابن عمر وأعمالها ، ثم عاد إلى الموصل ، فناب في الديوان عند الوزير جلال الدين أبي الحسن علي بن جمال الدين محمد بن منصور الأصبهاني ، ثم اتصل بمجاهد الدين قايماز - وكان نائب المملكة - بالموصل أيضاً ، فنال عنده درجة رفيعة ، فلما قُبِضَ على مجاهد الدين سنة 589 هـ (1) اتصل بخدمة أتابَك عز الدين مسعود بن مودود إلى أن توفي عز الدين وآل الأمر إلى ولده نور الدين شاه ، فاتصل بخدمته حتى صار واحد دولته حقيقة ، بحيث إن السلطان كان يقصده في منزله في مهام نفسه ، لأنه أُقعد في آخر زمانه ، فكانت الحركة تصعب عليه ، فكان يجيئه بنفسه أو يرسل إليه بدر الدين لؤلؤاً .
وكان قد عرض عليه غير مرة أن يستوزره ، وهو يأبى ، فركب السلطان إليه ، فامتنع أيضاً ، حتى غضب عليه ، فاعتذر إليه وقال له : أنا رجل كبير ، وقد خدمت العلم عمري واشتهر ذلك عني في البلاد ، وأعلم أني لو اجتهدت في إقامة العدل بغاية جهدي ما قدرت أن أؤدي حقه ، ولو ظُلم أكّار (حرَّاث) في ضيعة من أقصى أعمال السلطان لنسب ظلمه إليَّ ، ورجعتَ أنت وغيرك باللائمة عليَّ ، والملك لا يستقيم إلا بشيء من العسف والظلم ، وأخذِ الخَلْق بالشدة ، وأنا لا أقدر عليه ، ولا يليق بي ، فعذره وأعفاه .
__________
(1) وقول الشيخ محمد حامد الفقي في ترجمة المؤلف : حتى قبض على مجد الدين أبي السعادات ، مخالف لما جاء في " معجم الأدباء " لياقوت ، وهو معاصر المؤلف ، وأعرف بهذا من غيره .

- ك -

ولما أُقعد آخره عمره ، جاء رجل مغربي فعالجه بدهن صنعه ، فبانت ثمرته ، وتمكَّن من مدِّ رجليه ، فقال لأخيه عز الدين أبي الحسن علي بن الأثير : أعطه ما يرضيه ، واصرفه ، فقال أخوه : لماذا وقد ظهر النُّجح ؟! قال : هو كما تقول ، ولكني في راحة من صحبة هؤلاء القوم - يعني الأمراء والسلاطين - وقد سكنت نفسي إلى الانقطاع والدعة ، وبالأمس كنت أُذِل نفسي بالسعي إليهم ، وهنا في منزلي لا يأتون إليَّ إلا في مشورة مهمة ، ولم يبق من العمر إلا القليل ، فدعني أعش باقيه حراً سليماً من الذل ، قال أخوه : فقلبت قوله وصرفت الرجل بإحسان .
فلزم بيته صابراً محتسباً ، يقصده العلماء ، ويفد إليه السلاطين والأمراء ، يقبسون من علمه ، وينهلون من فيضه ، حتى توفي رحمه الله بالموصل سنة 606 هـ .

* * *

- ل -

راموز الصفحة الأولى من النسخة الأولى التامة

- م -

راموز الورقة الأولى من كتاب اللواحق من النسخة الأولى

- ن -

راموز الورقة الأخيرة وجه أول من النسخة الأولى

راموز الورقة الأخيرة وجه ثاني من النسخة الأولى

راموز الصفحة الأولى من المجلد الثالث من النسخة الثانية

راموز الصفحة الأخيرة من المجلد الخامس من النسخة الثانية

راموز الصفحة الأخيرة من المجلد الثامن من النسخة الثالثة

راموز عنوان نسخة المؤلف التي كتبها بيده

راموز الصفحة الأولى من نسخة المؤلف بخطه

راموز الصفحة الأخيرة من نسخة المؤلف بخطه

راموز السماعات المثبتة في آخر نسخة المؤلف وفيها توقيعه

راموز سماعات نسخة المؤلف

راموز سماعات نسخة المؤلف

راموز سماعات نسخة المؤلف

راموز سماعات نسخة المؤلف

راموز الصفحة الأولى من المجلد السابع وقد كتب في حياة المؤلف

راموز الصفحة الأخيرة من المجلد السابع وفيها السماعات

راموز السماعات المثبتة في آخر الجزء السابع الذي كتب في حياة المؤلف

راموز عنوان الجزء العاشر وفيه السماعات

راموز الصفحة الأخيرة من المجلد العاشر المثبت فيها السماعات

[مقدمة المصنف]
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسّر وتمم بالخير
الحمد الله الذي أوضح لمعالم الإسلام سبيلا ، وجعل السنة على الأحكام دليلا ، وبعث لمناهج الهداية رسولا ، مَهَّد لمشارع الشرائع وصولا .
أحمده حمداً يكون برضاه كفيلا ، وللفوز بلقائه منيلا.
وأشهد أن لا إله إلا الله ، شهادة تجعل رَبْع الغواية محيلا (1) ، ومنازل الشرك كثيباً مهيلا.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله شهادة تشفي من ظمأ القلوب غليلا.
وأصلي عليه وعلى آله وأصحابه صلاة ترجع ظل التوفيق ظليلا ، وتحقق إخلاصها أملاً وسُولا.
أما بعد ، فإن مبنى هذا الكتاب على ثلاثة أركان :
__________
(1) الربع : الدار بعينها حيث كانت ، والمحلة . والغواية : الجهالة ، وفي المطبوع " العامة " وهو تحريف . ومحيلاً : مندرساً .

الأول : في المبادئ ، والثاني : في المقاصد ، والثالث :في الخواتيم ،
والركن الأول ينقسم إلى خمسة أبواب :
الباب الأول : في الباعث على عمل الكتاب ، وفيه مقدمة وأربعة فصول
المقدمة
ما زلتُ في ريعان الشباب ، وحداثة السن ، مشغوفًا بطلب العلم ، ومجالسة أهلهِ ، والتشبُّه بهم حَسْبَ الإمكانِ ، وذلك من فضل الله عليَّ ، ولُطفه بي أن حببهُ إليَّ ، فبذلتُ الوُسع في تحصيل ما وفِّقتُ له من أنواعه ، حتى صارت فيَّ قوة الاطلاع على خفاياه ، وإدراك خباياه ، ولم آلُ جهدًا - والله الموفق - في إجمال الطلب ، وابتغاء الأرب ، إلى أن تَشَبَّثتُ من كلٍّ بطرف تشبهت فيه بأضرابي ، ولا أقول : تميزتُ به على أترابي ، ولله الحمد على ما أنعم به من فضله ، وأجزل من طَوله ، وإليه المفزع في الإسعاد بالزلفى يوم المعاد ، والأمن من الفزع الأكبر يوم التناد ، وأن يُوزعني شكر ما منحنيه من الهداية ، وجنَّبنيه من الغَواية ، وآتانيه من نعمة الفهم والدراية ، منذ (1) المنشأ والبداية ، وإليه
__________
(1) في المطبوع " منه " وهو تحريف .

أرغب أن يجعل ذلك عطاءً يتصل طارفه وتليده ، ولباسًا لا يبلى جديده ، وذُخرًا لا يفنى عتيدُه ، وحباءً (1) يورق عوده ، ويثمر وعوده .
وبعد ، فإن شرف العلوم يتفاوت بشرف مدلولها ، وقدرها يعظم بعظم محصولها. ولا خلاف عند ذوي البصائر أن أجلَّها ما كانت الفائدة فيه أعم ، والنفع به أتم ، والسعادة باقتنائه أدوم ، والإنسان بتحصيله ألزم ، كعلم الشريعة الذي هو طريق السعداء إلى دار البقاء ، ما سلكه أحد إلا اهتدى ، ولا استمسك به من خاب ، ولا تجنبه من رَشَد ، فما أمنع جنابَ من احتمى بحماه ، وأرغد مآب من ازدان بحُلاه .
وعلوم الشريعة على اختلافها تنقسم إلى: فرض ، ونفل .
والفرض ينقسم إلى : فرض عين ، وفرض كفاية .
ولكل واحد منهما أقسام وأنواع ، بعضها أصول ، وبعضها فروع ، وبعضها مقدِّمات ، وبعضها مُتَمِّمَات ، وليس هذا موضعَ تفصيلها ، إذ ليس لنا بغرض .
إلا أن من أصول فروض الكفايات ، علم أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وآثار أصحابه - رضي الله عنهم - ، التي هي ثاني أدلة الأحكام .
ومعرفتها أمر شريف ، وشأن جليل ، لا يحيط به إلا من هذَّب
__________
(1) في المطبوع " وخبئاً " وهو تصحيف .

نفسه بمتابعة أوامر الشرع ونواهيه ، وأزال الزيغ عن قلبه ولسانه .
وله أصول وأحكام وقواعد ، وأوضاع ، واصطلاحات ذكرها العلماء ، وشرحها المحدِّثون ، والفقهاء ، يحتاج طالبه إلى معرفتها ، والوقوف عليها بعد تقديم معرفة اللغة والإعراب ، اللَّذين هما أصلٌ لمعرفة الحديث ، لورود الشريعة المطهرة بلسان العرب .
وتلك الأشياء :
كالعلم بالرجال ، وأساميهم ، وأنسابهم ، وأعمارهم ، ووقت وفاتهم .
والعلم بصفات الرواة ، وشرائطهم التي يجوز معها قبول روايتهم .
والعلم بمستند الرواة ، وكيفية أخذهم الحديث ، وتقسيم طرقه .
والعلم بلفظ الرواة ، وإيرادهم ما سمعوه ، وإيصاله إلى من يأخذه عنهم ، وذكر مراتبه.
والعلم بجواز نقل الحديث بالمعنى ، ورواية بعضه ، والزيادة فيه ، والإضافة إليه ما ليس منه ، وانفراد الثقة بزيادة فيه .
والعلم بالمسند وشرائطه ، والعالي منه ، والنازل .
والعلم بالمرسل ، وانقسامه إلى المنقطع ، والموقوف ، والمعضل ، وغير ذلك ، واختلاف الناس في قبوله ، وردِّه .

والعلم بالجرح والتعديل ، وجوازهما ووقوعهما ، وبيان طبقات المجروحين .
والعلم بأقسام الصحيح ، والكاذب ، وانقسام الخبر إليهما ، وإلى الغريب ، والحسن وغيرهما .
والعلم بأخبار التواتر ، والآحاد ، والناسخ ، والمنسوخ .
وغير ذلك مما تواضع عليه أئمة الحديث ، وهو بينهم متعارف .
فمن أتقنها ، أتى دار هذا العلم من بابها ، وأحاط بها من جميع جهاتها ، وبقدر ما يفوته منها تنزل عن الغاية درجته ، وتنحط عن النهاية رتبته ، إلا أن معرفة التواتر والآحاد ، والناسخ والمنسوخ - وإن تعلقت بعلم الحديث - فإن المحدث لا يفتقر إليها ؛ لأن ذلك من وظيفة الفقيه ؛ لأنه يستنبط الأحكام من الأحاديث ، فيحتاج إلى معرفة المتواتر ، والآحاد ، والناسخ ، والمنسوخ
فأما المحدث ، فوظيفته أن ينقل ، ويروي ما سمعه من الأحاديث كما سمعه ، فإن تصدى لما وراءه ، فزيادة في الفضل ، وكمال في الاختيار .
جمعنا الله وإياكم معشر الطالبين على قبول الدلائل ، وألهمنا وإياكم الاقتداء بالسلف الصالح من الأئمة الأوائل ، وأحلَّنا وإياكم من العلم النافع أعلى المنازل ، ووفقنا وإياكم للعمل بالعالي من الحديث ، والنازل ، إنه سميع الدعاء ، حقيق بالإجابة .

الفصل الأول : في انتشار علم الحديث ، ومبدإِ جمعه وتأليفه
حيث ثبت ما قلناه في المقدمة ، من كون علم الحديث من العلوم الشرعية ، وأنه من أصول الفروض ، وجب الاعتناء به ، والاهتمام بضبطه وحفظه ، ولذلك يَسَّرَ الله - سبحانه وتعالى - له أولئك العلماء الأفاضل ، والثقات الأماثل ، والأعلام المشاهير ، الذي حفظوا قوانينه ، واحتاطوا فيه ، فتناقلوه كابرًا عن كابر ، وأوصلوه كما سمعه أولٌ إلى آخر ، وحبَّبه الله إليهم لحكمة حفظ دينه ، وحراسة شريعته . فما زال هذا العلم من عهد الرسول صلوات الله وسلامه عليه - والإسلام غض طري ، والدين محكم الأساس قوي (1) - أشرف العلوم ، وأجلَّها لدى الصحابة - رضي الله عنهم - ، والتابعين بعدهم ، وتابعي التابعين ، خلفًا بعد سلف (2) ، لا يشرف بينهم أحد بعد حفظ كتاب الله عز وجل ، إلا بقدر ما يحفظ منه ، ولا يعظم في النفوس إلا بحسب ما يُسْمَعُ من الحديث عنه ، فتوفرت الرغبات فيه ، وانقطعت الهمم على تعلُّمه ، حتى لقد كان أحدهم يرحل المراحل ذوات العدد
__________
(1) في المطبوع " قوياً " وهو خطأ ، لأنه خبر بعد خبر .
(2) في المطبوع : يعظمه وأهله الخلف بعد سلف .

ويقطع الفيافي والمفاوز الخطيرة ، ويجوب البلاد شرقاً وغرباً في طلب حديثٍ واحدٍ ليسمعه من راويه . فمنهم من يكون الباعث له على الرِّحلة طلب ذلك الحديث لذاته . ومنهم من يقرن بتلك الرغبة سماعه من ذلك الراوى بعينه ، إما لثقته في نفسه ، وصدقه في نقله ، وإما لعلو إسناده ، فانبعثت العزائم إلى تحصيله .
وكان اعتمادهم أولاً على الحفظ والضبط في القلوب والخواطر ، غير ملتفتين إلى ما يكتبونه ، ولا معولين على ما يسطرونه ، محافظة على هذا العلم ، كحفظهم كتاب الله عز وجل ، فلما انتشر الإسلام ، واتسعت البلاد ، وتفرقت الصحابة في
الأقطار ، وكثرت الفتوح ، ومات معظم الصحابة ، وتفرق أصحابهم وأتباعهم ، وقل الضبط ، احتاج العلماء إلى تدوين الحديث وتقييده بالكتابة ، ولعمري إنها الأصل ، فإن الخاطر يغفل ، والذهن يغيب ، والذكر يهمل ، والقلم يحفظ ولا ينسى (1) .
فانتهى الأمر إلى زمن جماعة من الأئمة ، مثل عبد الملك بن جريج ،
__________
(1) على أنه ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يكتبون بعضاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم أو لغيرهم ، من ذلك كتابة بعض الصحابة لأبي شاه - وهو رجل من أهل اليمن - بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة من خطبه ، ومنه ما ذكر أبو هريرة من شأن عبد الله بن عمرو بن العاص ، رضي الله عنهما ، ومنه ما كان من قصة صحيفة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه فيها شيء من العلم ، وكل ذلك في الصحيح ، ومن ذلك كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن ، أخرجه النسائي والدارمي وغيرهما .

ومالك بن أنس ، وغيرهما ممن كان في عصرهما . فدوَّنوا الحديث .
حتى قيل : إن أول كتاب صنف في الإسلام «كتاب ابن جريج (1)» وقيل : «موطأ مالك» -رحمة الله عليهما .
وقيل: إن أول من صنف وبوَّب الربيع بن صبيح (2) بالبصرة .
ثم انتشر جمع الحديث وتدوينه ، وسطره في الأجزاء والكتب ، وكثر ذلك وعظم نفعه إلى زمن الإمامين ، أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري ، - رحمهما الله - فدونا كتابيهما ، وفعلا ما الله مجازيهما عليه من نصح المسلمين ، والاهتمام بأمور الدين ، وأثبتا في كتابيهما من الأحاديث ما قطعا بصحته ، وثبت عندهما نقله .
وسيجيء فيما بعد من هذه المقدمة شرط كتابيهما ، وذكر الصحيح والفاسد مشروحاً مفصلاً إن شاء الله تعالى ، وسميا كتابيهما «الصحيح من الحديث» وأطلقا هذا الاسم عليهما ، وهما أول من سمى كتابه ذلك ،
__________
(1) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم المكي ثقة فقيه فاضل ، لكنه يدلس ويرسل ، خرج له الجماعة . مات سنة مئة وخمسين أو بعدها وقد جاوز السبعين .
(2) هو الربيع بن صبيح - بفتح الصاد كما ضبطه الحافظ في " التقريب " - السعدي البصري صدوق سيئ الحفظ وكان عابداً مجاهداً .
وقد ذكروا أن أول من جمع الحديث ابن جريج بمكة وابن إسحاق و مالك في المدينة ، والربيع بن صبيح أو سعيد بن أبي عروبة أو حماد بن سلمة بالبصرة ، وسفيان الثوري بالكوفة ، والأوزاعي بالشام ، وهشيم بواسط ، ومعمر باليمن ، وجرير بن عبد الحميد بالري ، وابن المبارك بخراسان ، وكل هؤلاء من رجال القرن الثاني الهجري ، وما جمعوه من الحديث كان مختلطاً بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين .

ولقد صدقا فيما قالا ، وبرَّا فيما زعماً (1) ، ولذلك رزقهما الله من حسن القبول في شرق الأرض وغربها ، وبرها وبحرها ، والتصديق لقولهما ، والانقياد لسماع كتابيهما ، ما هو ظاهر مستغن عن البيان ، وما ذلك إلا لصدق النية ، وخلوص الطوية ، وصحة ما أودعا كتابيهما من الأحاديث .
ثم ازداد انتشار هذا النوع من التصنيف والجمع والتأليف ، وكثر في أيدي المسلمين وبلادهم ، وتفرقت أغراض الناس ، وتنوعت مقاصدهم ، إلى أن انقرض ذلك العصر الذي كانا فيه حميدًا (2) عن جماعة من الأئمة والعلماء قد جمعوا وألفوا : مثل أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي ، وأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ، وأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي - رحمهم الله جميعاً - وغيرهم من
العلماء الذين لا يحصون كثرة . وكأن ذلك العصر كان خلاصة العصور في تحصيل هذا العلم ، وإليه المنتهى .
ثم من بعده نقص ذلك الطلب بعد ، وقل ذلك الحرص ، وفترت تلك الهمم ، وكذلك كلُّ نوع من أنواع العلوم والصنائع والدول وغيرها (3) فإنه يبتدئ قليلاً قليلاً ، ولا يزال ينمى ويزيد ، و يعظم إلى أن يصل
__________
(1) الزعم هنا بمعنى الظن الراجح .
(2) في المطبوع : ذلك العصر الحميد .
(3) في المطبوع : وغيرهم .

إلى غاية هي منتهاه ، ويبلغ إلى أمَد هو أقصاه ، ثم يعود ، فكأنَّ غاية هذا العلم انتهت إلى البخاري ومسلم ، ومن كان في عصرهما من علماء الحديث . ثم نزل وتقاصر إلى زماننا هذا ، وسيزداد تقاصرًا والهمم قصورًا ، سنة الله في خلقه ، ولن تجد لسنة الله تبديلاً .

الفصل الثاني : في بيان اختلاف أغراض الناس ومقاصدهم في تصنيف الحديث
ما زلت أتتبع كتب الحديث ، وأطلبها رغبة في معرفته ، والإحاطة به ، لما يلزمني من أمور الإسلام والدين (1) ، فوجدت بعون الله فيها كل مطلوب ، و أدركت فيها بلطفه كل مرغوب ، ورأيت هذا العلم على شرفه وعلو منزلته ، و عظم قدره ، علماً عزيزاً ، مشكل اللفظ والمعنى ، والناس في تصانيفهم التي جمعوها فيه و ألفوها مختلفو الأغراض ، متنوعو المقاصد .
فمنهم من قصرت همته على تدوين الحديث مطلقاً ليحفظ لفظه ، ويستنبط منه الحكم ، كما فعله عبيد الله بن موسى العبسي (2) ، وأبو داود
__________
(1) في المطبوع : " يبعثني وازع الإسلام والدين " .
(2) هو أبو محمد بن عبيد الله بن موسى بن أبي المختار باذام العبسي الكوفي ثقة خرج له الجماعة مات سنة 213 هـ .

الطيالسي (1) وغيرهما من أئمة الحديث أولاً وثانياً أحمد بن حنبل ومن بعده ، فإنهم أثبتوا الأحاديث في مسانيد رواتها ، فيذكرون مسند أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - مثلاً ، ويثبتون فيه كل ما رووه عنه ، ثم يذكرون بعده الصحابة واحداً بعد واحد على هذا النسق .
ومنهم من يثبت الأحاديث في الأماكن التي هي دليل عليها ، فيضعون لكل حديث باباً يختص به ، فإن كان في معنى الصلاة ، ذكروه في «باب الصلاة» وإن كان في معنى الزكاة ، ذكروه في «باب الزكاة» ، كما فعله مالك بن أنس في كتاب «الموطأ» إلا أنه - لقلة ما فيه من الأحاديث قلت أبوابه .
ثم اقتدى به من بعده .
فلما انتهى الأمر إلى زمن البخاري ومسلم ، وكثرت الأحاديث المودعة في كتابيهما ، كثرت أبوابهما وأقسامهما ، واقتدى بهما من جاء بعدهما .
وهذا النوع أسهل مطلباً من الأول لوجهين .
__________
(1) هو الحافظ الكبير سليمان بن داود بن الجارود الفارسي الأصل البصري الثقة صاحب المسند المطبوع في الهند ، وقد رتبه الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا الساعاتي على الأبواب وأسماه " منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود " مات سنة أربع ومائتين عن عمر يناهز الثمانين .

الأول : أن الإنسان قد يعرف المعنى الذي يطلب الحديث لأجله ، وإن لم يعرف راويه ، ولا في مسند من هو ، بل ربما لا يحتاج إلى معرفة راويه . فإذا أراد حديثاً يتعلق بالصلاة طلبه من «كتاب الصلاة» ، وإن لم يعرف أن راويه أبو بكر - رضي الله عنه - .
والوجه الثاني : أن الحديث إذا ورد في «كتاب الصلاة» ، علم الناظر فيه أن ذلك الحديث هو دليل ذلك الحكم من أحكام الصلاة ، فلا يحتاج أن يتفكر فيه ليستنبط الحكم منه ، بخلاف الأول .
ومنهم من استخرج أحاديث تتضمن ألفاظاً لغوية ، ومعاني مشكلة ، فوضع لها كتاباً قصره على ذكر متن الحديث ، وشرح غريبه وإعرابه ومعناه ، ولم يتعرض لذكر الأحكام كما فعله أبو عبيد القاسم بن سلام (1) ، وأبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة وغيرهما .
ومنهم من أضاف إلى هذا الاختيار ذكر الأحكام وآراء الفقهاء ، مثل أبي سليمان حَمْد بن محمد الخطابي (2) في «معالم السنن» ، و «أعلام السنن» وغيره من العلماء .
__________
(1) وكتابه في غريب الحديث طبع حديثاً في الهند ، ويقع في ثلاثة أجزاء .
(2) هو الإمام العلامة حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الثقة الثبت أحد أوعية العلم والأدب واللغة والفقه ، وكتابه " معالم السنن " الذي أملاه على " سنن أبي داود " يشهد له بطول الباع وسعة الإطلاع توفي رحمه الله سنة 388 هـ .

ومنهم من قصد ذكر الغريب دون متن الحديث ، فاستخرج الكلمات الغريبة ، ودونها ورتبها وشرحها ، كما فعله أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي وغيره من العلماء .
ومنهم من قصد إلى استخراج أحاديث تتضمن ترغيباً وترهيباً ، وأحاديث تتضمن أحكاماً شرعية غير جامعة ، فدوَّنها وأخرج متونها وحدها ، كما فعله أبو محمد الحسين بن مسعود (1) في كتاب «المصابيح» وغير هؤلاء المذكورين من أئمة الحديث لو رُمْنا أن نستقصى ذكر كتبهم ، واختلاف أغراضهم ومقاصدهم في تصانيفهم ، لطال الخطب ، ولم ننته إلى حد .
فاختلاف الأغراض هو الداعي إلى اختلاف التصانيف .

الفصل الثالث : في اقتداء المتأخرين بالسابقين ، وسبب اختصارات كتبهم وتأليفها
لما كان أولئك الأعلام هم الأولين في هذا الفن ، والسابقين إليه ، لم يأت صنعهم على أكمل الأوضاع وأتم الطرق ، فإن غرضهم كان أولاً حفظ الحديث مطلقاً وإثباته ، ودفع الكذب عنه ، وحذف
__________
(1) هو محيي السنة الحسين بن مسعود الفراء البغوي المفسر المحدث الفقيه صاحب المؤلفات النافعة التي تدل على اتساع دائرته في النقل والتحقيق ، توفي في مرو الروذ من مدن خراسان سنة 516 هـ وله من العمر بضع وسبعون سنة .

الموضوعات عليه ، والنظر في طرقه وحفظ رجاله ، وتزكيتهم ، واعتبار أحوالهم ، والتفتيش عن دخائل أمورهم ، حتى قدحوا فيمن قدحوا ، وجرحوا من جرحوا ، وعدَّلوا من عدَّلوا ، وأخذوا عمن أخذوا ، و تركوا من تركوا . هذا بعد الاحتياط والضبط والتدبر ، فكان هذا مقصدهم الأكبر ، وغرضهم الأوفر ، ولم يتسع الزمان لهم والعمر لأكثر من هذا الغرض الأعم ، والمهم الأعظم (1) ، ولا رأوا في أديانهم (2) أن يشتغلوا بغيره من لوازم هذا الفن التي هي كالتوابع ، بل ولا كان يجوز لهم ذلك ، فإن الواجب أولاً إثبات الذات ، ثم ترتيب الصفات ، والأصل ، إنما هو عين الحديث وذاته ، ثم بعد ذلك ترتيبه وتحسين وضعه ، ففعلوا ما هو الفرض المتعين ، واخترمتهم المنايا قبل الفراغ والتخلي لما فعله التابعون لهم ، والمقتدون بهم ، والمهتدون بهديهم ، فتعبوا - رحمهم الله - لراحة من بعدهم ، ونصبوا لدعة (3) من اقتفى آثارهم .
ثم جاء الخلف الصالح ، فأحبوا أن يظهروا تلك الفضيلة ، ويشيعوا تلك المنقبة الجليلة ، وينشروا تلك العلوم التي أفنوا أعمارهم في جمعها ، ويفصلوا تلك الفوائد التي أجملوا تحسين وضعها ، إما بإبداع ترتيب ، أو بزيادة تهذيب ، أو اختصار وتقريب ، أو استنباط حكم ، وشرح غريب .
__________
(1) في المطبوع : والمهم حتى يستوفوا الكلام على المهم الأعظم .
(2) في المطبوع " دنياهم " .
(3) الدعة : الخفض والسعة في العيش .

فمن هؤلاء المتأخرين من جمع بين كتب الأولين بنوع من التصرف والاختصار ، كما فعله أبو بكر أحمد بن محمد البرقاني (1) ، وأبو مسعود إبراهيم ين محمد بن عبيد الدمشقي (2) ، واقتفى أثرهما أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي (3) . فإنهم جمعوا بين كتابي البخاري ومسلم ، ورتبوا كتبهم على المسانيد ، دون الأبواب ، كما سبق ذكره .
وتلاهم آخراً أبو الحسن رزين بن معاوية العبدري السرقسطي (4) ، فجمع بين كتب البخاري ومسلم و «الموطأ» لمالك ، و «جامع أبي عيسى الترمذي» ، و «سنن أبي داود السجستاني» ، و «سنن أبي عبد الرحمن النسائي» - رحمة الله عليهم -
.ورتب كتابه على الأبواب دون المسانيد ،
__________
(1) هو الحافظ شيخ الفقهاء والمحدثين أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي البرقاني شيخ بغداد ، قال الخطيب : كان ثقة ورعاً ثبتاً لم نر في شيوخنا أثبت منه ، عارفاً بالفقه ، له حظ من علم العربية كثير ، صنف مسنداً ضمنه ما اشتمل عليه صحيح البخاري ومسلم ، مات سنة 425 هـ .
(2) هو إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي الحافظ مصنف كتاب " الأطراف " وأحد من برز في هذا العلم . قال الخطيب : سافر الكثير وكتب ببغداد عن أصحاب أبي سعيد الحراني وبالبصرة والأهواز وواسط وخراسان وأصبهان ، وكان له عناية بالصحيحين ، كان صدوقاً دينا ورعاً فهماً ، مات سنة إحدى وأربعمئة .
(3) هو الحافظ الثبت الإمام أبو عبد الله محمد بي أبي نصر الأزدي الحميدي الاندلسي الظاهري . قال ابن ماكولا : لم أر مثل صديقنا الحميدي في نزاهته وعفته وورعه وتشاغله بالعلم . كان ورعاً ثقة إماماً في الحديث وعلله ورواته ، متحققاً في علم التحقيق والأصول على مذهب أصحاب الحديث ، له عدة مؤلفات منها " جذوة المقتبس " و " الجمع بين الصحيحين " رحمه الله توفي سنة 488 هـ .
(4) هو أبو الحسن رزين بن معاوية بن عمار العبدري السرقسطي الأندلسي جاور بمكة زمناً طويلاً وتوفي بها سنة 535 هـ ، واسم كتابه " التجريد للصحاح الستة " .

إلا أن هؤلاء جميعهم لم يودعوا كتبهم إلا متون الحديث عارية من الشرح والتفسير ، حسب ما أداهم إليه الغرض ، و أحسنوا في الصنع ، وفعلوا ما جنوا ثمرته دنيا وأخرى ، وسنوا لمن بعدهم الطريق ومهدوا المحجة في طلب هذا العلم ، فأحسن الله إليهم .

الفصل الرابع : في خلاصة الغرض من جمع هذا الكتاب
لما وقفت على هذه الكتب ، ورأيتها في غاية من الوضع الحسن والترتيب الجميل ، ورأيت كتاب «رزين» هو أكبرها وأعمها ، حيث حوى هذه الكتب الستة التي هي أم كتب الحديث ، وأشهرُها في أيدي الناس ، وبأحاديثها أخذ العلماء ، واستدل الفقهاء ، وأثبتوا الأحكام ، و شادوا مباني الإسلام .
ومصنفوها أشهر علماء الحديث ، وأكثرهم حفظاً ، وأعرفهم بمواضع الخطأ والصواب ، وإليهم المنتهى ، وعندهم الموقف . وسنعقد فيما بعد باباً يتضمن مناقبهم وفضائلهم ، وإلى أين انتهت مراتبهم في هذا الفن .
فحينئذ أحببت أن أشتغلَ بهذا الكتاب الجامع لهذه الصحاح ،

وأعتني بأمره ، ولو بقراءته ونسخه ، فلما تتبعته وجدته - على ما قد تعب فيه - قد أودع أحاديث في أبواب ، غير تلك الأبواب أولى بها ، وكرر فيه أحاديث كثيرة ، وترك أكثر منها .
ثم إنني جمعت بين كتابه وبين الأصول الستة التي ضمنها كتابه ، فرأيت فيها أحاديث كثيرة لم يذكرها في كتابه ، إما للاختصار ، أو لغرض وقع له فأهملها ، ورأيت في كتابه أحاديث كثيرة لم أجدها في الأصول التي قرأتها وسمعتها ونقلت منها ، وذلك لاختلاف النسخ والطرق ، ورأيته قد اعتمد في ترتيب كتابه على أبواب البخاري ، فذكر بعضها ، وحذف بعضها .
فناجتني نفسي أن أُهذِّب كتابه ، وأرتب أبوابه ، وأوطئ مقصده ، وأسهل مطلبه ، وأضيف إليه ما أسقطه من الأصول ، وأتبعه شرح ما في الأحاديث من الغريب والإعراب والمعنى ، وغير ذلك مما يزيده إيضاحاً وبياناً ، فاستصغرت نفسي عن ذلك ، واستعجزتها (1) ، ولم يزل الباعث يقوى ، والهمة تنازع ، والرغبة تتوفر ، وأنا أعللها بما في ذلك من التعرض للملام ، للانتصاب للقدح ، والأمن من ذلك جميعه مع الترك ، ويأبي الله إلا أن يتم نوره ، فتحققت بلطف الله العزيمة ،
__________
(1) في المطبوع : فاستصغرت نفسي هنالك واستعجزتها عن ذلك .

وصدقت بعونه النية ، وخلصت بتوفيقه الطوية . فشرعت في الجمع بين هذه الكتب الستة التي أودعها «رزين» -رحمه الله - كتابه ، وصَدَفْتُ عما فعله ورتبه ، فاعتمدت على الأصول دون كتابه ، واخترت له وضعاً يزيد (1) ، بيانه حسبما أدى إليه اجتهادي وانتهى إليه عرفاني .
هذا بعد أن أخذت فيه رأي أولى المعارف والنُّهى ، وأرباب الفضل والذكاء ، وذوي البصائر الثاقبة ، والآراء الصائبة ، واستشرت فيه من لا أتهمه ديناً وأمانة وصدقاً ونصيحة (2) ، وعرضت عليه الوضع الذي عرض لي ، واستضأت به في هذا الصنع الذي سنح لي ، فكلٌّ أشار بما قوى العزم ، وحقق إخراج ما في القوة إلى الفعل.
فاستخرت الله تعالى ، وسألته أن يجعله خالصاً لوجهه ، ويتقبله ويعين على إنجازه بصدق النية فيه ، ويسهله ، وهو المجازي على مودعات السرائر ، وخفيات الضمائر .
هذا مع كثره العوائق الدنيوية ، وازدحام العوارض الضرورية ، وتكاثر الفوادح النفسانية ، وضيق الوقت عن فراغ البال لمثل هذا المهم
__________
(1) في الأصل : يرد .
(2) في هامش الأصل ما نصه : كان شيخاً له في ديار بكر .

العزيز ، والغرض الشريف الذي إذا أعطاه الإنسان كله واتاه منه أيسره ، وإذا قصر عليه عمره أمكنه منه أقصره ، ولولا أن الباعث عليه ديني ، والغرض منه أخروي ، لكانت القدرة على الإلمام به واهية ، والهمة عن التعرض إليه قاصرة ، والعزيمة عن الشروع فيه فاترة ، وإنما كان المحرك قوياً ، والجاذب شريفاً علياً .
وأنا أسأل كل من وقف عليه ، ورأى فيه خللاً ، أو لمح فيه زللاً أن يصلحه ، حائزاً به جزيل الأجر وجميل الشكر ، فإن المهذب قليل ، والكامل عزيز ، بل عديم ، وأنا معترف بالقصور والتقصير ، مقر بالتخلف عن هذا المقام الكبير .
على أن هذا الكتاب في نفسه بحر زاخرة أمواجه ، وبر وعرة فجاجه ، لا يكاد الخاطر يجمع أشتاته ، ولا يقوم الذكر بحفظ أفراده ، فإنها كثيرة العدد ، متشعبة الطرق ، مختلفة الروايات ، وقد بذلت في جمعها وترتيبها الوسع ، واستعنت بتوفيق الله تعالى ومعونته في تأليفه وتهذيبه ، وتسهيله وتقريبه .
وسميته : «جامع الأصول في أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -» .

الباب الثاني : في كيفية وضع الكتاب ، وفيه ستة فصول
الفصل الأول : في ذكر الأسانيد والمتون
لما وفق الله سبحانه وتعالى للشروع في هذا الكتاب ، وسهل طريقه ، فكنت فيه طالباً أقرب المسالك وأهداها إلى الصواب ، أول ما بدأت به أنني حذفت الأسانيد ، كما فعله الجماعة المقدَّم ذكرهم - رحمة الله عليهم - و لنا في الاقتداء بهم أسوة حسنة ، لأن الغرض من ذكر الأسانيد كان أولاً لإثبات الحديث وتصحيحه ، وهذه كانت وظيفة الأولين رحمة الله عليهم (1) - ، وقد كفونا تلك المؤنة ، فلا حاجة بنا إلى ذكر ما قد
__________
(1) بل هي وظيفة كل عالم في كل عصر إذا تمكن في هذا العلم وقويت معرفته ، فله أن يحكم بالصحة أو بالضعف على الحديث بعد الفحص عن إسناده وعلله ، قال النووي رحمه الله في رده على ابن الصلاح : والأظهر عندي جواز التصحيح لمن تمكن وقويت معرفته ، قال العراقي : وهذا هو الذي عليه عمل أهل الحديث ، فقد صحح غير واحد من المعاصرين لابن الصلاح ومن بعده أحاديث لم يجر لمن تقدمهم فيها تصحيح كأبي الحسن بن القطان ، والضياء المقدسي ، وزكي الدين عبد العظيم المنذري ومن بعدهم . انظر المقدمة ص 12 ، 13 .

فرغوا منه ، وأغنونا عنه ، فلم أثبت إلا اسم الصحابي الذي روى الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إن كان خبراً ، أو اسم من يرويه عن الصحابي إن كان أثراً ، اللهم إلا أن يعرض في الحديث ذكر اسم أحد رواته فيما تمس الحاجة إليه ، فأذكره لتوقف فهم المعنى المذكور في الحديث عليه .
وقد أفردت باباً في آخر الكتاب يتضمن أسماء الجماعة المذكورين في جميع الكتاب ، إن كان صحابياً ، أو تابعياً ، أو غيره ، ورتبته على حروف (أ ب ت ث) .
وكتبت الأسماء في أول الحديث على الهامش ، وذكرت بإزائه ما أمكن معرفته من نسبه وعمره ، وإسلامه وحاله ، حسبما انتهت إليه القدرة ، ومن لم أجد له ذكراً ذكرت اسمه ، وتركته مفتوحاً لأحققه ، وقصدت في ذلك إزالة الخلل والتصحيف في الأسماء والاشتباه .
وأما متون الحديث ، فإنني لم أثبت منه إلا ما كان حديثًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، أو أثراً عن صحابي ، وما كان من أقوال التابعين ومن بعدهم من مذاهب الفقهاء والأئمة ، فلم أذكره إلا نادراً ، اقتداء بالحميدي -رحمه الله - وغيره ممن جمع بين الكتب ما عدا رزيناً ، فإنه ذكر في كتابه فقه مالك -رحمه الله - الذي في «الموطأ» ، وتراجم

أبواب كتاب البخاري ، وغير ذلك مما لا حاجة إليه .
واعتمدت في النقل من كتابي البخاري ومسلم على ما جمعه الإمام أبو عبد الله الحُميدي في كتابه ، فإنه أحسن في ذكر طرقه ، واستقصى في إيراد رواياته ، وإليه المنتهى في جمع هذين الكتابين (1) .
وأما باقي الكتب الأربعة ، فإني نقلتها من الأصول التي قرأتها وسمعتها ، وجمعت بينها وبين نسخ أخرى منها .
وعولت في المحافظة على ألفاظ البخاري ومسلم أكثر من غيرهما من باقي الأئمة الأربعة ، اللهم إلا أن يكون في غيرهما زيادة أو بيان أو بسط ، فإنني أذكرها ، وإن كان الحميدي قد أغفل شيئاً وعثرت عليه ، أثبته من الأصول ، وتتبعت الزيادات من جميع الأمهات ، وأضفتها إلى مواضعها .
وأما الأحاديث التي وجدتها في كتاب «رزين» ، ولم أجدها في الأصول ، فإنني كتبتها نقلاً من كتابه على حالها في مواضعها المختصة بها ، وتركتها بغير علامة ، وأخليت لذكر اسم من أخرجها موضعًا ،
__________
(1) ذكر العلماء بأن الحميدي لم يقتصر في كتابه على ذكر ألفاظ " الصحيحين " ، بل أتى فيه بزيادات صرح بأنها من كتب المستخرجين عليهما ، ولعل المؤلف ينقل عنه ما كان منسوباً إلى الشيخين البخاري ومسلم أو أحدهما ، دون ما زاده من كتب المستخرجين وغيرها ، فقد تتبع في غير ما حديث ، فوجد كما ذكرنا .

لعلي أتتبع نسخًا أخرى لهذه الأصول وأعثر عليها فأُثبت اسم من أخرجها.
وقد أشرت في أوائل الكتاب إلى ذكر أحاديث ، من ذلك : أن رزينًا أخرجها ولم أجدها في الأصول .و أخليت ذكر الباقي ليعلم أنه من ذلك القبيل .

الفصل الثاني : في بيان وضع الأبواب والفصول
قد سبق في الباب الأول أن من العلماء من رتب كتابه على المسانيد ، ومنهم من رتبه على الأبواب ، ورجحنا اختيار الأبواب على المسانيد بما قدمنا ذكره ، فلذلك اخترنا لكتابنا الأبواب على المسانيد ، ولأن هذه الكتب الستة الأصول ، جميعها مرتبة على الأبواب ، فكان الاقتداء بهم أولى .
وحيث اعتبرت أبواب كتبهم وجدتها مختلفة في الوضع ، فإن البخاري قد ذكر أحاديث في أبواب من كتابه ذكرها غيره في غير تلك الأبواب وكذلك كل منهم ، فصدفت عن ذلك ،
ثم إنني عمدت إلى الأحاديث جميعها في هذه الكتب الستة ، فاعتبرتها وتتبعتها ، واستخرجت معانيها ، فبنيت الأبواب على المعاني التي دلت عليها الأحاديث ، فكل حديث انفرد بمعنى أثبته في باب يخصه .

فإن اشتمل على أكثر من معنى واحد ، فلا يخلو : أن يكون اشتماله على ذلك اشتمالاً واحداً ، أو أحد المعاني فيه أغلب من الآخر ، فإن كان اشتماله عليه اشتمالا واحداً ، أوردته في آخر الكتاب في كتاب سميته «كتاب اللواحق» وقسمته إلى أبواب عدة ، يتضمن كل باب منها أحاديث تشتمل على معاني متعددة من جنس واحد.
على أن هذا «كتاب اللواحق» جميعه ما يعظم قدره ولا يطول ، فإنه لا يتجاوز ثلاثة كراريس (1) .
وأما ما كان مشتملاً على أكثر من معنى واحد ، إلا أنه بأحدها أخص ، و هو فيه أغلب ، فإنني أثبته في الباب الذي هو أخص به وأغلب عليه ، وقصدت فيه غالباً أن يكون في باب المعني الذي هو أول الحديث .
ثم إنني عمدت إلى كل كتاب من الكتب المسماة في جميع الكتب وفصلته إلى أبواب ، وفصول ، وأنواع ، وفروع ، وأقسام ، بحسب ما اقتضته القسمة التي تراها في الكتاب .
وكان الموجب لهذا التقسيم اختلاف معاني الأحاديث التي تختص
__________
(1) جمع كراسة وهي الجزء من الصحيفة ، يقال : قرأت كراسة من كتاب سيبويه ، وهذا الكتاب عدة كراريس ، وتقول : التاجر مجده في كيسه ، والعالم مجده في كراريسه .

بكل كتاب ، فإن منها ما يتعلق بوجوبه (1) ، ومنها ما يتعلق بأركانه وحقيقته ، ومنها ما يتعلق بسننه ونوافله ، ومنها ما يتعلق بشروطه ولوازمه ، ومنها ما يتعلق بالحث عليه والترغيب فيه ، ومنها ما يتعلق بفضله وشرفه .
وأشياء كثيرة تراها في غضون الكتاب ، كل واحد منها لمعنى .
ثم إنني عمدت إلى كل فصل وكل فرع وكل باب ، فنضدت الأحاديث فيه ، كل حديث يتلو ما يشبهه ، أو يماثله أو يقاربه بحيث إنك إذا تجاوزت ذلك المعنى من ذلك الفصل لا تكاد تعود تراه في باقي الفصول إلا نادراً ، لضرورة اقتضته ، أو سهو .
وإذا جاء من الأحاديث شيء يتعلق بذلك الكتاب وليس معه حديث آخر من نوعه ، كتبته في فصل أو فرع من تقسيم ذلك الكتاب ، حيث ليس معه حديث من جنسه ونوعه مثله أو أمثاله .
ثم إنني عمدت إلي ما جاء من الأحاديث في فضائل جميع الكتب المودعة في كتابنا ، وما جاء في فضائل الأنبياء والصحابة وغيرهم ، فجعلته كتاباً واحداً سميته «كتاب الفضائل والمناقب» وأودعته كل حديث
__________
(1) في المطبوع : بموجبه ، وهو تحريف .

يتضمن فضل شيء من الأعمال والأقوال والأحوال والرجال ، ولم أضف فضل كل شيء إلى بابه ، فإنه يجيء متفرقاًَ ، فرأيت أن جمعه أولى ، وستراه إن شاء الله تعالى مفصلاً مبوباً .

الفصل الثالث : في بيان التقفية ، وإثبات الكتب في الحروف
لما نضدت الأحاديث في الأبواب والفصول والفروع - كما سبق بيانه - رأيتها كثيرة العدد ، والكتاب في نفسه كبير المقدار ، يحتاج الناظر فيه والطالب لحديث من أحاديثه أن يتطلب كتبه التي هي تراجمه ، حتى يجد الحديث المطلوب فيها ، وكان عليه في ذلك كلفة ومشقة متعبة ، فخرجت أسماء الكتب المودعة في الكتاب ، وجعلتها مرتبة على حروف (أ ب ت ث) طلباً لتسهيل كلفة الطلب ، وتقريباً على المريد بلوغ الأرب .
ولم أضبط في وضعها الحرف الأصلي من الكلمة فحسب ، إنما لزمت الحرف الذي هو أول الكلمة ، سواء كان أصلياً أو زائداً ، ولم أحذف من الكلمة إلا (1) الألف واللام التي للتعريف حسب .
__________
(1) كلمة " إلا " لم ترد في المطبوع .

فأودعت «كتاب الإيمان والإسلام» ، و «كتاب الإيلاء» ، و «كتاب الآنية» : في حرف الهمزة . وهذا حرف أصلي .
ووضعت فيه أيضاً «كتاب الاعتصام» ، و «كتاب إحياء الموات» وهذا حرف زائد ، فإن «الاعتصام» حقه أن يكون في حرف «العين» و «إحياء الموت» في حرف «الحاء» .
وكذلك جميع الكتب على الوضع ، ولم أقصد به إلا طلب الأسهل ، فإن كتب الحديث يشتغل بها الخاص والعام ، والعالم بتصرف اللفظ والجاهل.
ولو كلفت العامي أن يعرف الحرف الأصلي من الزائد لتعذر عليه ، لكنه يسهل عنده معرفة الحرف الذي هو في أول الكلمة من غير نظر إلي أنه أصلي أو زائد .
ثم وجدت في الأبواب أبواباً عدة ، هي من جملة الكتب التي انقسم الكتاب إليها ، وإذا ذكرتها في الحرف الذي يختص بها أكون قد أفردت أحد أحكام ذلك الكتاب عنه ، وفرقته ووضعته في غير موضعه الأولى به .
مثال ذلك : أن «كتاب الجهاد» هو في جرف الجيم ، وفي جملة أحكام الجهاد أبواب عدة لا يجوز أن تنفرد عنه ، مثل الغنائم ، والفيء ، والغلول ، والنفل ، والخمس ، والشهادة ، وكل واحد من هذه يختص بحرف غير حرف الجيم ، فإن ذكرته في حرفه ، تقسم (1) «كتاب الجهاد» وعدلت عن واجب
__________
(1) في المطبوع : حرف تقسيم ، وهو خطأ .

الوضع ، فذكرت هذه الأبواب في جملة «كتاب الجهاد» في حرف الجيم .
ثم عمدت إلى آخر كل حرف من تلك الحروف التي تختص بهذه الأبواب ، فذكرت فيه فصلاً ليستدل به على مواضع هذه الأبواب من الكتاب ، فذكرت في آخر حرف الغين أن الغنائم والغلول في «كتاب الجهاد» من حرف الجيم . وفي آخر حرف الفاء أن «الفيء» في «كتاب الجهاد» من حرف الجيم .
وكذلك تتبعت جميع الحروف ، و فعلت بها هذا الفعل .
فإذ أردت حديثاً من هذا النوع ، فاطلبه في حرفه ، فإن وجدته ، وإلا فترى في آخر الحرف ما يدلك على موضعه ، على أنه متى صار لك أدنى دُربة بالكتاب ، وعرفت الغرض من وضعه ، استغنيت عن ذلك جميعه .

الفصل الرابع : في بيان أسماء الرواة والعلائم
لما وضعت الكتب والأبواب في الحروف ، رأيت أن أُثبت أسماء

رواة كل حديث أو أثر على هامش الكتاب حذاء أول الحديث ، وذلك لفائدتين.
إحداهما : أن يكون الاسم مفرداً يدركه الناظر في أول نظره ، ويعرف به أول الحديث .
والثانية : لأجل إثبات العلائم التي رقمتها بالهمزة على الاسم .
وذلك أنني قد رقمت على اسم كل راوٍ علامة من أخرج ذلك الحديث من أصحاب الكتب الستة .
فجعلت للبخاري «خاء» لأن نسبه إلى بلده أشهر من اسمه وكنيته ، لأن «الخاء» أشهر حروفه ، و ليس في باق حروف الأسماء «خاء» .
وجعلت للمسلم ميماً ، لأن اسمه أشهر من نسبه وكنيته . والميم أول حروف اسمه .
وجعلت لمالك «طاء» ، لأن اشتهار كتاب «بالموطأ» أكثر ، ولأن «الميم» التي هي أول حروف اسمه قد أعطيناها مسلماً ، وباقي حروفه مشتبهة بغيرها من حروف باقي الأسماء ، و «الطاء» أشهر حروف اسم كتابه ، ولا تشتبه بغيرها .
وجعلت للترمذي «تاءً» ، لأن اشتهار الترمذي أكثر منه باسمه وكنيته ، وأول حروف نسبه التاء ،

وجعلت لأبي داود «دالاً» لأن كنيته أشهر من نسبه واسمه والدال أشهر حروف كنيته ، وأبعدها من الاشتباه بباقي العلائم .
وجعلت للنسائي «سيناً» ، لأن نسبه أشهر من كنيته واسمه ، والسين أشهر حروف نسبه ، وأبعدها من الاشتباه .
فإن كان الحديث قد أخرجه جماعتهم ، أثبت قبل اسم الراوي العلائم الست ، وإن كان قد أخرجه بعضهم ، أثبت عليه علامة من أخرجه.
والأحاديث التي وجدتها في كتاب «رزين» -رحمه الله - ولم أجد في الأصول التي قرأتها وسمعتها ونقلت منها ، أثتبها ولم أثبت عليها علامة ، ولم أذكر من أخرجها ، لعلي أجدها ، أو يجدها غيري فيثبتها ، ويعلِّم علامة من أخرجها .
وجعلت ابتداء العلائم على الاسم بعلامة البخاري ، وبعده بعلامة مسلم ، وبعده بعلامة «الموطأ» . وكان الأولى تقديم اسم «الموطأ» . لأن مالكاً -رحمه الله - أكبر الجماعة وأقدمهم . وأجلهم قدراً ، وأحقهم بالتقديم ، ولكن لاشتهار كتابي البخاري ومسلم بالصحة ، وانفرادهما بالشرط الذي لم ينفرد به واحد من باقي الكتب ، ولأنهما أعظم قدراً ، وأكبر حجماً ، قدمتهما في التعليم عليه .
ثم أتبعت علامة «الموطأ» بعلامة الترمذي ، وبعده بعلامة أبي داود ، وبعده بعلامة النسائي . وإن تقدم أحد هؤلاء الثلاثة المتأخرين على الآخر ، فلا بأس .

ثم لما كان مع تطاول الأزمان . واختلاف النساخ وتهاونهم بالذي يكتبونه ، قد تسقط بعض العلائم من موضعه ، فيبقى الحديث مجهولاً ، لا يُعلم من أخرجه ، ذكرت في آخر كل حديث من أخرجه من الأئمة في متن الكتاب ، ليزول هذا الخلل المتوقع.
وإن سقط بعض العلامات ، أو كلها ، أمكن الناسخ أن يستجد العلامات من متن الكتاب (1) .
على أن معظم الأحاديث المشتركة بين الأصول ، قد أدت الضرورة إلى ذكر من أخرجها ، لاختلاف ألفاظهم في الحديث الواحد ، وإنما الأحاديث المفردة في كل أصل من الكتب ، هي التي احتجنا إلى أن نذكر اسم من أخرجها في متن الكتاب لهذا الباعث المذكور.

الفصل الخامس : في بيان الغريب والشرح
لما أردنا أن نذكر شرح لفظ الحديث ومعناه ، كان الأولى بنا أن نذكره عَقيب كل حديث ، فإنه أقرب تناولاً ، وأسهل مأخذاً ، لكنا
__________
(1) في المطبوع " العلامات " .

رأينا أن ذلك يتكرر تكرراً زائداً ، لاشتراك الأحاديث في المعنى الواحد ، مع تقارب الألفاظ ، بل اتحادها ، فإن ذكرنا شرح الحديث الواحد ، إذا جاء مثله أحلنا عليه ، احتاج الطالب إلى كلفة عظيمة حتى يجد الغرض ، وكان الكتاب يطول بكثرة الإحالات . وإن أوردناه آخر كل فصل أو باب ، جاء من التكرار ما يقارب الأول ، وإن نحن أفردنا للشرح كتاباً مستقلاً بنفسه - كما فعله الحميدي - رحمه الله - في «غريب كتابه» - صار ذلك الكتاب مفرداً وحده ، لا علاقة بين الأصل وبينه ، فمن شاء نسخه ، ومن شاء تركه ، فكانت الفائدة تذهب ، ويزول الغرض ، ويبقى الكتاب خالياً من الشرح والتفسير الذي قصدنا إليه ، فأدى النظر إلى أن ذكرناه في آخر كل حرف من حروف (أ ب ت ث) على ترتيب الكتب التي في كل حرف ، وسياق الأحاديث التي في كل كتاب (1) .
وذكرتُ الكلمات التي في متون الأحاديث المحتاجة إلي الشرح بصورتها على هامش الكتاب ، وشرحها حذاءها ، ليكون أسهل مطلباً للناظرين فيه ، ولم أقتصر على ذكر الغريبة التي يحتاج الخواص إلى شرحها بل ذكرتُ ما يفتقر العوام إلى معرفته زيادة في البيان .
__________
(1) سبق أن أشرنا في المقدمة أننا عدلنا عن هذه الخطة التي اتبعها المصنف ، وأننا سنثبت الغريب والشرح عقيب كل حديث .

فإن تكرر في ذلك الكتاب كلمات تحتاج إلى شرح غريبها ، لم أكرر ذكرها ، واعتمدت على ما سبق ذكره في ذلك الكتاب ، اللهم ألا أن يطول الكلام بينهما ، فربما أعدته.
فإذا طلبت شرح كلمة في موضعها ولم تجدها ، فاعلم أنها قد سبقت قبل ذلك ، فاطلبها من هناك تجدها .
وكل كلمة لم أعرف شرحها ، أو كنت منها على ارتياب ، أثبتها وأخليت حذاءها لأثبت فيه شرحها .
وعولت في الشرح على كتب أئمة اللغة ، وكتب غريب الحديث ، و كتب الفقه وغيرها .
فمن كتب اللغة : كتاب «التهذيب» لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري وكتاب «لغة الفقه» له ، وكتاب «صحاح اللغة» لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري ، وكتاب «المجمل» لأبي الحسين (1) ، أحمد بن فارس.
ومن كتب الغريب : كتاب «غريب الحديث» ، لأبي عبيد القاسم ابن سلام ، وكتاب «غريب الحديث» لأبي محمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، وكتاب «مختلف الحديث» له ، وكتاب «غريب الحديث» لأبي سليمان حَمْد بن محمد الخطابي ، وكتاب «معالم السنن» له ، وكتاب «شأن الدعاء» له ، وكتاب «الجمع بين الغريبين» لأبي عبيد الهروي ، وكتاب «الفائق» لأبي القاسم
__________
(1) في الأصل : أبو الحسن وهو خطأ .

محمود بن عمر الزمخشري ، وكتاب «غريب الحديث» لأبي عبد الله الحميدي .وتتبعت كتب الفقه والتفسير ، وأخذت منها شرح أحاديث تتعلق بالأحكام والمعاني .
وكل ما وجدته في هذه الكتب من معنىً مستحسن ، أو نكتة غريبة أو شرح شاف (1) أثبته بعد الاحتياط فيما نقلته وما لم أجده فيها - وإنه قليل - ذكرت فيه ما سنح لي بعد سؤال أهل المعرفة به والدراية .
وأنا أرجو أن يصادف ذلك صحة وصواباً من الفعل ، وصدقاً وسداداً من القول. ولست أدعي في جميع ما نقلته وأثبتُّه من هذا الشرح العصمة من الغلط والبراءة من السهو .
وأنا أرغب إلى كل من وقف عليه ، وأدرك منه خطأ أو زللاً ، أن يصلحه ويقلدني فيه مِنَّةً جسيمةً ، ويتخذ عندي به يداً كريمة أَكِلُ جزاءه عليها إلى فضل الله تعالى وسعة كرمه .

الفصل السادس : فيما يستدل به على أحاديث مجهولة الوضع
لما استقر وضع الأحاديث في الأبواب والكتب والحروف ، وتتبعتها فوجدت فيها أحاديث ينبو بها مكانها ، وإن كان أولى بها من غيره من سائر الأمكنة ، وكان طالب تلك الأحاديث أو بعضها ربما شذ عن
__________
(1) في المطبوع " شأن " وهو تحريف .

خاطره موضعها ، والتبس عليه مكانها ، لنوع من اشتباه معانيها ، واختلاف توارد الخواطر على اختيار المكان الأولى بها ، وكان في ذلك كلفة على الطالب ومشقة ، فاستقرأت تلك الأحاديث جميعها ، التي هي متزلزلةٌ في مكانها ، أو مشتبهة على طالبها ، وخرَّجْتُ منها كلمات ومعاني تعرف بها الأحاديث ، وأفردت لها في آخر الكتاب باباً أثبت فيه تلك المعاني ، مرتبة على حروف (أ ب ت ث) مسطورة في هامش الكتاب ، وبإزائها ذكر موضعها من أبواب الكتاب .
فإذا طلبت حديثاً فيه نوع اشتباه ، وغاب عنك موضعه ، إما لسهوٍ عارض ، أو جهلٍ بالمكان ، فلا يخلو أن تعرف منه بعض ألفاظه المشهورة فيه ، أو معانيه المودعة في مطاويه ، فاعمد إلى ذلك الباب المشار إليه ، واطلب تلك الكلمة ، أو ذلك المعنى في حروف ذلك الباب ، فإذا وجدتها قرأت ما بإزائها فهو يدُّلك على موضع ذلك الحديث من أبواب الكتاب ، إن شاء الله تعالى .

الباب الثالث : في بيان أصول الحديث ، وأحكامها ، وما يتعلق بها
ما نُثِْبُتُه في هذا الباب من أصول الحديث وأحكامها ، وشرح أقوال الفقهاء وأئمة الحديث ، وذكر مذاهبهم ، واصطلاحاتهم ، فإنه منقول من فوائد العلماء وكتبهم وتصانيفهم التي استفدناها وعرفناها ، مثل كتاب

«التلخيص» لإمام الحرمين أبي المعالي الجويني ، وكتاب «المستصفى» لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي ، وكتاب «التقويم» لأبي زيد الدبوسي ، وكتاب «أصول الحديث» للحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري ، وكتاب «المدخل إلى الإكليل» له ، وشيء من رسائل الخطيب أبي بكر بن ثابت البغدادي ، وكتاب «العلل» للإمام أبي عيسى الترمذي ، وغير ذلك من كتب العلماء وتصانيفهم - رحمة الله عليهم - .
فجمعت بين أقوالهم ، واختصرت من كل واحد منها طرفاً يليق بهذه المقدمة ، أودعته ما يحتاج إليه طالب علم الحديث ، ولا يسعه جهله ، إلا من قنع بمجرد الرواية ، ملغياً فضيلة الدراية .
وليس لي فيه إلا الترتيب والاختصار ، والتلفيق (1) ، والاختيار ، اللهم إلا كلمات تقع في أثناء الفصول والفروع ، تتضمن إثبات مهمل ، أو إيضاح مشكل ، أو تحقيق مُغْفَل ، أو تفصيل مُجْمَل ، أو تقييد مُرْسَل .وجعلت هذا الباب مشتملاً على أربعة فصول .

الفصل الأول : في طريق نقل الحديث وروايته ، وفيه سبعة فروع
الفرع الأول : في صفة الراوي وشرائطه
__________
(1) في المطبوع : والتفليق ، وهو تصحيف .

راوي الحديث له أوصاف وشرائط ، لا يجوز قبول روايته دون استكمالها ، وهي أربعة : الإسلام ، والتكليف ، والضبط ، والعدالة .
وهذه الأوصاف بعينها شرط في الشهادة ، كاشتراطها في الرواية .
وتنفرد الشهادة بأوصاف أُخر تؤثر فيها كالحرية ، فإنها شرط في الشهادة ، وليست شرطاً في الرواية ، وكالعدد ، فإن رواية الواحد تُقبل ، وإن لم تُقبل شهادتُه إلا نادراً .
وقد خالف في ذلك جماعة ، فاشترطوا العدد ، ولم يقبلوا إلا رواية رجلين ، يروي عن كل واحد منهما رجلان ، وهذا فاسد ، فإنه مع تطاول الأزمان يكثر العدد كثرة لا تنحصر ، ويتعذر إثبات حديث أصلاً ، لا سيما في زماننا هذا .
وهذا الشرط قد التزمه البخاري ومسلم في كتابيهما ، حسبما ذكره الحاكم النيسابوري رحمه الله ، وإن لم يجعلاه (1) شرطاً ، وسيجيء فيما بعد من هذا الباب بيان ذلك وإيضاحه.
وقال قوم : لابد من أربعة رجال ، تغليظاً وتعظيماً لشأن الحديث ، والأصل الأول .
فأما بيان شروط الرواية الأربعة .
فأولها : الإسلام.
ولا خلاف في أن رواية الكافر لا تقبل ، لأنه متهم في الدين ، وإن
__________
(1) في المطبوع : يجعلوه .

كانت شهادة بعضهم على بعض مقبولةً عند أبي حنيفة - رضي الله عنه - فلا خلاف في ردِّ روايتهم .
الشرط الثاني : التكليف
فلا تقبل رواية الصبي ، لأنه لا وازع (1) ، له عن الكذب ، فلا تحصل الثقة بقوله ، وقول الفاسق أوثق من قول الصبي ، وهو مردود ، فكيف الصبي؟! ولأن قوله في حق نفسه بإقراره لا يقبل ، فكيف في حق غيره ؟! .
أما إذا كان طفلاً عند التحمل ، مميزاً بالغاً عند الرواية ، فتقبل ، لأن الخلل قد اندفع عن تحمله وأدائه .
ويدل على جوازه إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على قبول رواية جماعة من أحداث ناقلي الحديث ، كابن عباس ، وابن الزبير ، وأبي الطفيل ، ومحمود بن الربيع (2) ، وغيرهم من غير فرق بين ما تحملوه قبل البلوغ وبعده .
وعلى ذلك درج السلف الصالح من إحضار الصبيان مجالس الرواية ، ومن قبول روايتهم فيما تحمَّلوه في الصغر .
__________
(1) أي : لا زاجر .
(2) في الصحيح 1/140 بشرح " الفتح " من حديث الزهري عن محمود بن الربيع قال : عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو . وقد أورد الخطيب البغدادي في " الكفاية في علم الرواية " ص 54 ، 65 أشياء مما حفظها جمع من الصحابة ومن بعدهم وحدثوا بها بعد ذلك ، وقبلت عنهم ، فانظرها إن شئت .

إلا أن لأصحاب الحديث اصطلاحاً فيما يكتبونه للصغير ، إذا كان طفلاً أو غير مميز ، فإنهم يكتبون له حضوراً ، ومتى كان ناشئاً مميزاً ، كتبوا له سماعاً ، ولقد كثر ذلك فيما بينهم حتى صاروا يكتبون الحضور للطفل الصغير جدّاً .
الشرط الثالث : الضبط (1)
وهو عبارة عن احتياطٍ في باب العلم ، له طرفان .
طرف وقوع العلم عند السماع ، وطرف الحفظ بعد العلم عند التكلم حتى إذا سمع ولم يعلم ، لم يكن شيئاً معتبراً ، كما لو سمع صياحاً لا معنى له ، وإذا لم يفهم اللفظ بمعناه على الحقيقة ، لم يكن ضبطاً ، وإذا شك في حفظه بعد العلم والسماع ، لم يكن ضبطاً .
ثم الضبط نوعان : ظاهر ، وباطن .
فالظاهر: ضبط معناه من حيث اللغة .
والباطن : ضبط معناه من حيث تعلق الحكم الشرعي به ، وهو الفقه .
__________
(1) الضبط : هو إتقان ما يرويه الراوي بأن يكون متيقظاً لما يروي غير مغفل ، حافظاً لروايته إن روى من حفظه ، ضابطاً لكتابه إن روى من الكتاب ، عالماً بمعنى ما يرويه ، وبما يحيل المعنى عن المراد إن روى بالمعنى ، حتى يثق المطلع على روايته والمتتبع لأحواله بأنه أدى الأمانة كما تحملها ، لم يغير منها شيئاً ، وهذا مناط التفاضل بين الرواة الثقات ، فإذا كان الراوي عدلاً ضابطاً كما شرحنا سمي ثقة . ويعرف ضبطه بموافقة الثقات الضابطين المتقنين إذا اعتبر حديثه بحديثهم ، ولا تضر مخالفته النادرة لهم ، فإن كثرت مخالفته لهم ، وندرت الموافقة ، اختل ضبطه ولم يحتج بحديثه .

ومطلق الضبط الذي هو شرط الراوي ، هو الضبط ظاهراً عند الأكثر ، لأنه يجوز نقل الخبر بالمعنى ، على ما سيأتي بيانه ، فتلحقه تهمة تبديل المعنى بروايته قبل الحفظ ، أو قبل العلم حين سمع ، ولهذا المعنى قلت الرواية عن أكثر الصحابة -رضي الله عنهم - لتعذر هذا المعنى ، فمن كان عند التحمل غير مميز ، أو كان مُغَفَّلاً ، لا يحسن ضبط ما حفظه ليؤديه على وجهه ، فلا ثقة بقوله وإن لم يكن فاسقاً .
وهذا الشرط وإن كان على ما بينَّا ، فإن أصحاب الحديث قلما يعتبرونه في حق الطفل دون المغفَّل ، لأنه متى صح عندهم سماع الطفل ، أو حضوره مجلس القراءة ، أجازوا روايته ، والأول أحوط للدِّين وأولى .
على أن الضبط في زماننا هذا ، بل وقبله من الأزمان المتطاولة ، قل وجوده في العالم ، وعز وقوعه ، فإن غاية درجات المحدث - في زماننا- المشهور بالرواية ، الذي ينصب نفسه لإسماع الحديث في مجالس (1) ، النقل : أن تكون عنده نسخة قد قرأها أو سمعها ، أو في بلدته نسخة عليها طبقة سماع ، اسمه مذكور فيها ، أو له مناولة ، أو إجازة بذلك الكتاب ، فإذا سمع عليه ، استمع إلى قارئه ، وكتب له خطه بقراءته وسماعه ، ولعل قارئه قد صحف فيه أماكن لا يعرفها
__________
(1) في المطبوع : ومجالس .

شيخه ، ولا عثر عليها ، وإن سأله عنها ، كان أحسن أجوبته أن يقول : كذا سمعتها ، إن فطن لها .
وإذا اعتبرْتَ أحوال المشايخ من المحدثين في زماننا ، وجدتها كذلك أو أكثرها ، ليس عندهم من الدراية (1) علم ، ولا لهم بصواب الحديث وخطئه معرفة ، غير ما
ذكرنا من الرواية على الوجه المشروح ، على أنه ما يخلي الله بلاده وعباده من أئمة يهتدي بهم العالمون ، وحفاظٍ يأخذ عنهم المهمِلون ، وعلماء يقتدي بهم الجاهلون ، وأفاضل يحرسون هذا العلم الشريف من الضياع ، ويقرئونه صحيحاً كما انتهى إليهم في الأسماع ، ويصونون معاقده من الانحلال ، وقواعده من الزلل والاختلال ، حفظاً لدينه ، وحراسة لقانونه .
نفعنا الله وإياكم معشر الطالبين بما آتاهم الله من فضله ، ووفق كُلاًّ منا ومنكم للسداد في قوله وفعله .
الشرط الرابع : العدالة
والعدالة : عبارة عن استقامة السيرة والدِّين ، ويرجع حاصلها : إلى هيئة راسخة في النفس ، تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعاً ، حتى تحصل الثقة للنفوس بصدقه ، و لا تشترط العصمة من جميع المعاصي ،
__________
(1) في الأصل " الرواية " .

ولا يكفي اجتناب الكبائر ، بل من الصغائر ما تُرَدُّ به الشهادة والرواية .
وبالجملة : فكلُّ ما يدل على ميل دينه إلي حدٍّ يستجيز على الله الكذب بالأغراض الدنيوية ، كيف وقد شُرِط في العدالة التوقي عن بعض المباحات القادحة في المروءة ، نحو الأكل والشرب في السوق ، والبول في الشوارع ، ونحو ذلك .
وقد قال قوم : إن العدالة : عبارة عن إظهار الإسلام فقط ، مع سلامته عن فسق ظاهر ، فكلُّ مسلم مجهول عندهم عدل (1) .
والعدالة لا تعرف إلا بخبرة باطنة ، وبحث عن سريرة العدل وسيرته .
وقد أخذ جماعة من أئمة الحديث عن جماعة من الخوارج ، وجماعة ممن ينسب إلى القدرية والشيعة ، وأصحاب البدع والأهواء (2) .
__________
(1) هذا مذهب ضعيف ، واتساع غير مرضي ، وأكثر العلماء المحققين على خلافه .
(2) جاء في " تاريخ الثقات " لابن حبان في ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي ما نصه : ليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن إذا كان فيه بدعة ، ولم يكن يدعو إليها أن الاحتجاج بأخباره جائز ، فإذا دعا إلى بدعته سقط الاحتجاج بأخباره . نقول : وقد احتج بعض الأئمة برواية المبتدعة الدعاة وغير الدعاة ، فقد احتج البخاري بعمران بن حطان وهو من دعاة الشراة ، وبعبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني ، وكان داعية إلى الإرجاء ، فالحق في هذه المسألة – كما قال العلامة محمد بن بخيت المطيعي في حاشيته على " نهاية السول " 3/744 – قبول رواية كل من كان من أهل القبلة يصلي بصلاتنا ، ويؤمن بكل ما جاء به رسولنا مطلقاً متى كان يقول بحرمة الكذب ، فإن من كان كذلك لا يمكن أن يبتدع بدعة إلا وهو متأول فيها ، مستند في القول بها إلى كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بتأول رآه باجتهاده ، وكل مجتهد مأجور وإن أخطأ . نعم إذا كان ينكر أمراً متواتراً من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة أو اعتقد عكسه كان كافراً قطعاً ، لأن ذلك ليس محلاً للاجتهاد ، بل هو مكابرة فيما هو متواتر من الشريعة معلوم من الدين بالضرورة ، فيكون كافراً مجاهراً ، فلا يقبل مطلقاً ، حرم الكذب أو لم يحرمه .

وتحرج عن الأخذ عنهم آخرون ، والكل مجتهدون .
والله يلهم الكافة طلب الحق وأخذه من مظانه والعمل به .
فهذه الشروط الأربعة هي المعتبرة في الرواية كما ذكرنا .
وللراوي أوصاف يظن بها أنها شروط ، وليست شروطاً ، وإنما هي مكملات ومحسِّنات.
منها : العلم ، والفقه ، فلا يشترط كونه عالماً فقيهاً ، سواء خالف ما رواه القياس ، أو وافقه ، إذ رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه وإلى غير فقيه .
وقال قوم : إنه شرط ، وهو بعيد .
ومنها مجالسة العلماء ، وسماع الحديث ، فليس ذلك شرطاً ، فقد قبلت الصحابة - رضي الله عنهم - حديث أعرابي لم يرو إلا حديثاً واحداً ، نعم إذا عارضه حديث العالم الممارس ، ففي الترجيح نظر .
ومنها : معرفة نسب الراوي ، وليس بشرط ، بل متى عرفت عدالة شخص بالخبرة قُبِلَ حديثه ، وإن لم يكن له نسب ، فضلاً أن يكون ثَمَّ لا يُعرف . ولو روى عن مجهول العين (1) لم نقبله ، بل من يقبل رواية المجهول الصفة لا يقبل رواية مجهول العين ، إذ لو عرف عينه ، ربما عرفه بالفسق ، بخلاف من عرف عينه ولم يعرفه بالفسق .
__________
(1) في المطبوع " المعين " .

ولو روي عن شخص ذكر اسمه ، واسمه مردَّد بين مجروح وعدل ، فلا يقبل لأجل التردد ، على أن أئمة الحديث قد رووا أحاديث كثيرة عن رجل ولم يذكروا اسمه ، وهذا مجهول ، وجاء بعدهم من اعتبر تلك ، الأحاديث ، فرواها من طرق عدة عن راوي ذلك الرجل ، وسماه ، فصار ذلك الرجل - الذي لم يسمه أئمة الحديث - معروفاً بهذه الطرق ، فكأنهم لم يخرجوا تلك الأحاديث عن مجهول ، أو قد كانوا عرفوه وتركوا ذكر اسمه لغرض في أنفسهم ، والله أعلم .
ولا تقبل رواية من عرف باللعب واللهو والهزل في أمر الحديث ، أو بالتساهل فيه ، أو بكثرة السهو فيه ، إذ تبطل الثقة بجميع ذلك .
ومما يحتاج إليه طالب الحديث ، أن يبحث عن أحوال شيخه الذي يأخذ عنه بعدما يتحقق إيمانه ، وحُسن عقيدته ، وأنه ليس بصاحب هوى ، ولا بدعة يدعو الناس إليها .
فقد كان على بن طالب - رضي الله عنه - إذا فاته حديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم سمعه من غيره ، حلَّف الذي يحدثه به على صحته (1) .
__________
(1) أخرج الإمام أحمد في " المسند " رقم 2 من حديث وكيع قال : حدثنا مسعر وسفيان ، عن عثمان بن المغيرة الثقفي ، عن علي بن ربيعة الوالبي ، عن أسماء بن الحكم الفزاري عن علي قال : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً نفعني الله بما شاء منه ، وإذا حدثني عنه غيري ، استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته ، وإن أبا بكر حدثني – وصدق أبو بكر – أنه -[78]- سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من رجل يذنب ذنباً فيتوضأ فيحسن الوضوء " قال مسعر : " ويصلي " ، وقال سفيان : " ثم يصلي ركعتين ، فيستغفر الله عز وجل إلا غفر له " وإسناده قوي ، وصححه ابن خزيمة ، وقال الحافظ ابن حجر في " التهذيب " 1/267 ، 268 بعد كلام طويل : هذا الحديث جيد الإسناد .

وعلى ذلك كان أكثر الصحابة والتابعين ، وتابعي التابعين ، - رحمة الله عليهم ، وإن في الاقتداء بهم أُسوة حسنة .

الفرع الثاني : في مسند الراوي ، وكيفية أخذه
راوي الحديث لا يخلو في أخذه الحديث من طرق ست:
الطريق الأول
وهي العليا: قراءة الشيخ في معرض الإخبار ، ليروي عنه ، وذلك تسليط منه للراوي على أن يقول : حدَّثنا ، وأخبرنا ، وقال فلان ، وسمعته يقول :
ولأئمة الحديث فرق بين «حدَّثنا» و «أخبرنا» و «أنبأنا» .
قال عبد الله بن وهب : ما قلت : «حدَّثنا» فهو ما سمعت مع الناس ، وما قلت : «حدَّثني» فهو ما سمعت وحدي ، وما قلت : «أخبرنا» فهو ما قرئ على العالم وأنا أشاهد ، وما قلت : «أخبرني» فهو ما قرأت على العالم .
وكذلك قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري .
وقال يحيى بن سعيد «أخبرنا ، وحدَّثنا» واحد ، وهو الصحيح

من حيث اللغة . وأما «أنبأنا» فإن أصحاب الحديث يطلقونها على الإجازة والمناولة ، دون القراءة والسماع اصطلاحاً ، وإلا فلا فرق بين الإنباء والإخبار ، لأنهما بمعنى واحد . وقال الحاكم : «أنبأنا» إنما يكون فيما يجيزه المحدث للراوي شفاهاً دون المكاتبة .
الطريق الثانية:
أن يقرأ على الشيخ وهو ساكت ، فهو كقوله : هذا صحيح ، فتجوز الرواية ، خلافاً لبعض الظاهرية ، لأنه لو لم يكن صحيحاً ، لكان سكوته عليه وهو يقرأ ، وتقريره له ، فسقاً قادحاً في عدالته .
وإن كان ثم مخيلة إكراه أو غفلة ، فلا يكفي السكوت .
وهذا تسليط من الشيخ للرّاوي على أن يقول : حدثنا ، وأخبرنا ، قراءةً عليه . وقال قوم : لا يجوز أن يقول فيه : حدثنا ، و يقول فيه : أخبرنا . ولا فرق إذا قيَّده بقوله : «قراءةً عليه» .
أما قوله : «حدثنا وأخبرنا مطلقاً ، أو «سمعت فلاناً» ، ففيه خلاف.
والصحيح : أنه لا يجوز ، لأنه يشعر بالنطق وذلك منه كذب ، إلا إذا عُلم بتصريح أو قرينة حالٍ أنه يريد القراءة على الشيخ ، دون سماع نطقه .
قال الحاكم : والقراءة على الشيخ إخبارٌ ، وإليه ذهب الفقهاء والعلماء كأبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، والثوري ، والأوزاعي ، و أحمد ، وغيرهم .

قال : وعليه عهدنا أئمتنا ، وبه قالوا ، وإليه ذهبوا ، وإليه نذهب (1) وبه نقول ، وبه قال أئمة الحديث : إن القراءة على العالم إذا كان يحفظ ما يُقرأ عليه ، أو يُمْسِك أصله فيما يُقرأ عليه إذا لم يحفظ ، صحيحه مثل السماع من لفظ الشيخ .
قال ابن جريج : قرأت على عطاء بن أبي رباح ، فقلت له : كيف أقول؟ قال : قل: حدثنا .قال ابن عباس - رضي الله عنهما - لقوم من الطائف «اقرؤوا علي ، فإن إقراري به كقراءتي عليكم» .وقد ذهب قوم إلى أن القراءة على الشيخ أعلى من قراءة الشيخ وأحوط في الرواية قالوا : لأن قراءة الشيخ يتطرق إليها أمران .
أحدهما: جواز تغيير الشيخ في القراءة بعض ما في كتابه سهواً ، أو يسبق على لسانه غلط أو تصحيف وهو غافل عنه ، والراوي لا علم له به ، ليرُدَّ عليه ، بخلاف ما إذا قرأ الراوي وغيَّر ، أو غلط أو صحَّف ، فإن الشيخ يردُّ عليه سهوه وغلطه .
الأمر الثاني : جواز غفول السامع عن سماع بعض ما يقرؤه الشيخ لعارض يطرأ على قلبه ، وهذا كثير جداً ، بخلاف ما إذا قرأ على الشيخ ، فإنه يتيقن أو يغلب على ظنه أنه قرأ جميع الكتاب ، وأن
__________
(1) جملة " وإليه نذهب " سقطت من المطبوع .

الشيخ سمع ما قرأه .
هذا مستند ما ذهبوا إليه ، وإن كان أكثر العلماء والفقهاء والمحدثين على الأول ، فإن نسبة هذه الجوائز المحتملة إلى الراوي أقرب من نسبتها إلى الشيخ ، ولأن يغلط الراوي ويسهو ويصحِّف ، والشيخ لا يغفل عن سماعه ، أقرب وأمكن من جواز غلط الشيخ وسهوه وتصحيفه ونسبة الخلل في السماع ، ولكلٍّ نظرٌ واجتهاد .
الطريق الثالثة:
سماع ما يقرأ على ا لشيخ ، ويتنزل منزلة القراءة عليه ، لكنه ينقص عنها بأن السامع ربما غفل عن سماع بعض القراءة كما سبق ، فأما القارئ ، فلا يجري هذا في حقه ، ويجوز له أن يقول :حدَّثنا ، وأخبرنا سماعاً يُقرأ عليه.
الطريق الرابعة:
الإجازة : وهو أن يقول الشيخ للراوي شفاهاً ، أو كتابة ، أو رسالة : أجزت لك أن تروي عني الكتاب الفلاني ، أو ما صح عندك من مسموعاتي ، وعند ذلك
يجب الاحتياط في معرفة المسموع ، أما إذا اقتصر على قوله: هذا مسموعي من فلان ، فلا يجوز له الرواية عنه ، لأنه لم يأذن له في الرواية .
وهذا تسليط من الشيخ للراوي على أن يقول: حدَّثنا وأخبرنا

إجازةً ، أو أنبأنا ، على اصطلاح المحدثين كما سبق ، ويقيدها بالمشافهة ، أو بالكتابة ، أو بالرسالة .
وقال قوم : لا يجوز فيما كان بالكتابة والرسالة أن يقول فيه : حدَّثنا ، وإنما يقول: أخبرنا ، كما يقول : أخبرنا الله في كتابه ، وعلى لسان رسوله ، ولا يقول فيه: حدَّثنا .
أما قوله في الإجازة : «حدَّثنا ، وأخبرنا» مطلقاً ، فجوَّزه قوم ، وهو فاسد ، كما ذكرنا في القراءة على الشيخ .
وقال قوم : لا تحل الرواية بالإجازة ، حتى يعلم المجاز له ما في الكتاب ثم يقول المجيز للراوي : أتعلم ما فيه ؟ فيقول : نعم ، ثم يجيز له الرواية عنه به .
فأما إذا قال له المجيز : أجزت لك عني الحديث بما فيه ، و السامع غير عالم به ، فلا يحل له ، كما أنه لو سمع ولم يعلم ، فلا يجوز له ، وكما قالوا في القاضي : يشهد الشاهد على كتابه والشاهد لا عِلْم له بما فيه .
وهذا القول راجع إلى من جعل العلم والفقه ، ومعرفة حكم الحديث ومعناه شرطاً في الرواية ، وقد سبق ذكره في الفرع الأول.
وأعلى درجات الإجازة المشافهة بها ، لانتفاء الاحتمال فيها .
ويتلوها : الرسالة ، لأن الرسول يضبط وينطق.
وبعدهما : الكتابة ، لأن الكتابة لا تنطق ، وإن كانت تضبط

ثم هذه الإجازة الجائزة ، إنما هي في حق الموجود والمعروف عارية من الشرط .
وأما الإجازة للمعدوم والمجهول ، وتعليقها بالشرط ، ففيها خلافٌ نذكره .
أما المجهول ، فمثل أن يقول المحدِّث : أجزت لبعض الناس ، فلا يصح ذلك ، لأنه لا سبيل إلى معرفة البعض الذي أجيز له .
وأما إجازة المعدوم ، فمثل أن يقول المحدِّث : أجزت لمن يولد لفلان ، أو لكل من أعقب فلان ، أو لعقب عقبه أبداً ما تناسلوا ، فقد أجازه قوم ، ومنع منه آخرون .
وأما الإجازة المعلقة بشرط فمثل أن يقول المحدِّث: أجزت لفلان إن شاء ، أو يخاطب فلاناً ، فيقول : أجزت لمن شئت رواية حديثي ، أو أجزت لمن شاء ، فمنع منها قوم ، وأجازها آخرون .
وقال قوم : لا تجوز الإجازة للمعدوم والمجهول ، ولا تعليقها بشرط ، لأنها تحمُّلٌ يعتبر فيه تعيين المحتمل ، وهذا الأجدر بالاحتياط ، والأولى بحراسه الحديث وحفظه (1) .
__________
(1) قال ابن الصلاح في " مقدمته " ص 152 : إن الذي استقر عليه العمل ، وقال به جماهير أهل العلم من أهل الحديث وغيرهم : القول بتجويز الإجازة ، وإباحة الرواية بها ، وفي الاحتجاج لذلك غموض ، ويتجه أن نقول : إذا جاز أن يروي عنه مروياته ، وقد أخبره بها جملة ، فهو كما لو أخبره تفصيلاً ، وإخباره به غير متوقف على التصريح نطقاً كما في القراءة على الشيخ كما سبق ، وإنما الغرض -[84]- حصول الإفهام والفهم ، وذلك يحصل بالإجازة المفهمة .
قال العلامة أحمد شاكر في شرح الألفية ص 131 بعد أن نقل كلام ابن الصلاح المتقدم :
أقول : وفي نفسي من قبول الرواية بالإجازة شيء ، وقد كانت سبباً لتقاصر الهمم عن سماع الكتب سماعاً صحيحاً بالإسناد المتصل بالقراءة إلى مؤلفيها حتى صارت في الأعصر الأخيرة رسماً يرسم ، لا علماً يتلقى ويؤخذ . ولو قلنا بصحة الإجازة إذا كانت بشيء معين من الكتب لشخص معين أو أشخاص معينين لكان هذا أقرب إلى القبول ، ويمكن التوسع في قبول الإجازة لشخص أو أشخاص معينين مع إبهام الشيء المجاز ، كأن يقول له : أجزت لك رواية مسموعاتي أو أجزت رواية ما صح وما يصح عندك أني أرويه . أما الإجازات العامة كأن يقول : أجزت لأهل عصري ، أو أجزت لمن شاء ، أو لمن شاء فلان ، أو للمعدوم ، أو نحو ذلك ، فإني لا أشك في عدم جوازها .

وقال قوم : إنما يجوز أن يُجيز لمن كان موجوداً حين إجازته ، من غير أن يُعلق بشرط أو جهالة ، سواء كانت الإجازة بلفظ خاص أو عام .
أما الخاص : فقوله : أجزت لفلان بن فلان .
وأما العام : فقوله : أجزت لبني هاشم ، ولبني تميم ، وكذلك إذا قال : أجزت لجماعة المسلمين .
هذا إذا كان الذين أجاز لهم موجودين والله أعلم .
الطريق الخامسة : المناولة
وتسمى : العرض ، وصورته : أن يكون الراوي متقناً حافظاً ، فيقدِّم المستفيد إليه جزءاً من حديثه ، أو أكثر من ذلك ، فيناوله إياه ، فيتأمل الراوي حديثه ، فإذا خبره وعرف أنه من حديثه ، قال للمستفيد : قد وقفت على ما ناولتنيه ، وعرفت ما فيه ، وأنه روايتي عن

شيوخي ، فحدث عني بها (1) .
قال الحاكم : أجاز ذلك خلق كثير من أئمة الحديث من أهل المدينة ، ومكة ، والكوفة ، والبصرة ، ومصر ، وخراسان ، رأوا العرض سماعاً.
قال : وقد قال مُطرِّف بن عبد الله : صحبت مالكاً سبع عشرة سنة ، فما رأيته قرأ «الموطأ» على أحد ، وسمعته يأبى أشد الإباء على من يقول : لا يجزئه إلا السماع ويقول : كيف لا يُجزئك هذا في الحديث ، ويُجزئك في القرآن ، والقرآن أعظم ؟! .
وقال غير مُطرِّف ، سئل مالك عن حديثه : أسماع هو ؟ فقال : منه سماع ومنه عرض ، وليس العرض عندنا بأدنى من السماع.
هذا مالك سيد الناس في الحديث ، قال : وأما فقهاء الإسلام فلم يروا العرض سماعاَ .
وقال الغزالى - رحمة الله عليه : صورة المناولة أن يقول : خذ هذا الكتاب وحدِّث به عني ، ومجرد المناولة دون هذا اللفظ لا معنى لها ، وإذا وجد هذا اللفظ فلا معنى للمناولة .
وأصحاب الحديث يرتبون المناولة قبل الإجازة ، وهي عندهم أعلى
__________
(1) ولها صورة ثانية ، وهي أن يعطي الشيخ للطالب أصل سماعه أو فرعاً مقابلاً به ، ويقول له : هذا سماعي عن فلان فاروه عني ، أو أجزت لك روايته عني ، ثم يبقيه معه ملكاً له أو يعيره إياه لينسخه ويقابل به ، ثم يعيده للشيخ . وسيذكر المؤلف ذلك عن الغزالي قريباً .

درجة منها .
ومنهم من ذهب إلى أنها أوفى من السماع (1) ، والظاهر أن المناولة أحوط من الإجازة ، لأن أقل درجاتها أنها إجازة مخصوصة محصورة في كتاب بعينه ، يعلم الشيخ ما فيه يقيناً ، أو قريباً من اليقين ، بخلاف الإجازة ، على أن الشيخ يشترط في المناولة والإجازة البراءة من الغلط والتصحيف ، والتزام شروط رواية الحديث ، فبهذه الشروط يخرج من العهدة ، وحينئذ يجوز للراوي أن يقول :حدَّثنا ، وأخبرنا ، مناولةً وعرضاً ، وأنبأنا مطلقاً ، باصطلاح المحدثين .
الطريق السادسة : الكتابة
لا يخلو أن يكون الكتاب تذكرة ، والرواية عن علم ويقين ، بعد ما يتذكر بالنظر فيه ، أو يكون الكتاب إماماً لا يتذكر ما فيه ، فإن كانت تذكرة ، قبلت روايته ، لأنه لا فرق بين التذكر بالفكر ، أو بمذكِّر آخر ، إذ في الحالتين روى عن مذكِّر ، ولا يمكن اشترط أن لا ينسى ، لأن الإنسان لا يمكنه الاحتراز عنه ، وإن كان إماماً ، فلا يخلو أن يكون كتابة بسماعه وخطِّه ، أو سماعه بخط غيره ، والخط معروف ، والكاتب ثقة ، أو سماع أبيه (2) ، بخط أبيه ، أو راوٍ معروف
__________
(1) قال النووي رحمه الله : الصحيح أنها منحطة عن السماع والقراءة .
(2) في المطبوع " ابنه " وهو تصحيف .

بالرواية ، معروف الخط .
وعلى ذلك ، ففيه خلاف ، فمن أهل الحديث من جعل الكتاب كالسماع ، وقالوا : إذا وقع في علم الراوي أنه كتابه بسماعه وخطِّه ، أو كتاب أبيه بخطِّه ، وله ثقة بعلمه بخطِّ أبيه ، حلت له الرواية ، كما لو سمعه وتذكر سماعه ما فيه .
وعلى هذا يجب أن يحل له إذا عَلم أنه راوٍ معروف ، فلا فرق بين خط أبيه وغيره ، وهذا القول يُجَوِّز له أن يروي بالخط ، وإن لم يتذكر.
ومنهم من قال: لا يجوز له الرواية إن لم يتذكر ، لأن الخط لم يوضع في الأصل إلا للتذكر.
وقيل : إذا رأى خطَّه في كتاب ، أو خط من يعرفه ويثق إليه ، فلا يخلو : إما أن يعلم أنه سمعه ، وإما أن يعلم أنه لم يسمع ، أو يظن أنه لم يسمع ، أو يُجَوِّز من نفسه سماعه أو عدم سماعه على السواء ، وإما أن لا يذكر أنه سمع أو قرأ ، ولكنه غلب على ظنه سماعه أو قراءته .
ففي الأول : تجوز الرواية .
وفي الثاني والرابع : لا تجوز له الرواية ، لأنه كيف يُخبر عما يعلم كذبه أو يشك فيه؟!.
وفي الثالث : اختلفوا ، فأجازه قوم ، ومنع منه آخرون ، لأن

الرواية عن الغير حكم منه بأنه حدَّثه ، فلا يجوز إلا عن علم ، ولأن الخط يشبه الخط .
أما إذا قال الشيخ : هذا خَطِّي ، قُبل منه ، لكن لا يروي عنه ما لم يُسَلِّطه على الرواية بصريح قوله ، أو بقرينة حاله ، كالجلوس لرواية الحديث.
فإن قال عدلٌ : هذه نسخة صحيحة من «صحيح البخاري» مثلاً ، فرأى فيها حديثاً ، فليس له أن يرويه عنه ، ولكن هل يلزمه العمل به ؟ إن كان مقلداً ، فعليه أن يسأل المجتهد ، وإن كان مجتهداً ، فقال قوم : لا يجوز له العمل به ما لم يسمعه .
وقال قوم : إذا علم صحة النسخة بقول عدل ، جاز له العمل (1) .
والقول الجامع لهذا : أنه لا ينبغي له أن يروي إلا ما يعلم سماعه أولاً وحفظه وضبطه إلى وقت الأداء ، بحيث يتيقن أن ما أداه هو الذي سمعه ، فإن شك في شيء منه ، فليترك الرواية .
أما إذا كان في مسموعاته عن شيخ حديث واحد شك في أنه سمعه
__________
(1) إذا وجد الشخص أحاديث بخط راويها سواء لقيه أو سمع منه أم لم يلقه ولم يسمع منه ، أو وجد أحاديث في كتب لمؤلفين معروفين ، ففي هذه الأنواع كلها لا يجوز له أن يرويها عن أصحابها ، بل يقول : وجدت بخط فلان إذا عرف الخط ووثق منه ، أو يقول : قال فلان ونحو ذلك ، والقول بوجوب العمل بما في هذه الكتب هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة ، فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية لا نسد باب العمل بالمنقول ، لتعذر شرط الرواية فيها ، فإذا اطمأن الباحث إلى صحة نسبة الكتاب إلى مؤلفه وكان ثقة مأموناً ، وجب أن يعمل بما فيه من الأحاديث التي يصح سندها .

منه أو من غيره ، فلا يجوز له أن يقول : سمعت فلاناً ، ولا أن يقول : قال فلان ، لأنه شاك ، ولا يجوز له أن يروي الحديث بالشك المطلق بل لو سمع من شيخ مائة حديث ، وعلم أن حديثاً واحداً لم يسمعه ، ولكنه التبس عليه ، ولم يعرفه ، فلا يجوز له رواية شيء من تلك المائة عن ذلك الشيخ ، لأنه ما من حديث منها إلا ويجوز أن يكون هو ذلك المشكوك فيه .
أما إذا أنكر الشيخ الحديث ، فلا يخلو من ثلاث جهات :
الأولى : أن ينكره قولاً ، ولا يخلو أن ينكره إنكار جاحدٍ قاطعٍ بكذب الراوي ، وحينئذ لا يعمل به ، ولا يصير الراوي مجروحاً ، أو ينكره إنكار متوقف ، وقال : لست أذكره ، فيعمل بالخبر ، لأن الراوي جازم أنه سمعه منه ، وهو ليس قاطعاً بتكذيبه .
وقال قوم : إن نسيان الشيخ للحديث يبطله ، وليس بشيء ، فإن للشيخ أن يعمل بالحديث إذا روى له العدل عنه ، ولهذا تفصيل آخر.
قالوا : ينظر الشيخ في نفسه (1) ، فإن كان رأيه يميل إلى غلبة نسيان ، أو كان ذلك عادته في محفوظاته ، قبل رواية غيره عنه ، وإن كان رأيه يميل إلى جهله أصلاً بذلك الخبر ، رُدَّ ، فقلمَّا ينسى الإنسان شيئاً حفظه لا يُتَذَكَّرُ بالتذكير ، والأمور تبنى على الظواهر ، لا على النَّوادر ،
__________
(1) في المطبوع : " حديثه " .

وحينئذ يقول الشيخ :حدَّثني فلان عني أنني حدَّثته .
والجهة الثانية : أن ينكره فعلاً ، فإذا عمل الشيخ بخلاف الخبر ، فإن كان قبل الرواية ، فلا يكون تكذيباً بوجه ، لأن الظاهر أنه تركه لمَّا بلغه الخبر ، وكذلك إذا لم يُعلم التاريخ ، حُمِلَ عليه تحرياً لموافقة السنة .
وأما إذا كان بعد الراوية ، نظر فيه ، فإن كان الخبر يحتمل ما عمل به بضرب تأويل ، لم يكن تكذيباً ، لأن باب التأويل في الأخبار غير مسدود ، لكن لا يكون حجَّة ، لأن تأويله برأيه لا يلزم غيره. وإن كان الخبر لا يحتمل ما عمل به ، فالخبر مردود .
الجهة الثالثة : أن ينكره تركاً ، فإذا امتنع الشيخ من العمل بالحديث ، ففيه دليل على أنه لو عرف صحته لما امتنع من العمل به ، فإنه يحرم عليه مخالفته ، مع العلم بصحته ، وله حكم الجهة الثانية .

الفرع الثالث : في لفظ الراوي وإيراده ، وهو خمسة أنواع
النوع الأول : في مراتب الأخبار ، وهي خمس :
المرتبة الأولى : وهي أعلاها :
أن يقول الصحابي : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يقول كذا ، أو حدَّثني بكذا ، أو أخبرني بكذا ، أو شافهني بكذا ، وكذلك غير الصحابي من الرواة عمن رَوَوْا عنه ، فهذا لا يتطرق إليه احتمال ، وهو

الأصل في الرواية والتبليغ والإخبار .

المرتبة الثانية :
أن يقول الصحابي : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كذا ، أو حدَّثنا ، أو أخبرنا بكذا ، وكذلك غير الصحابي عن شيخه ، فهذا ظاهره النقل ، وليس نصاً صريحاً ، إذ قد يقول الواحد منا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : اعتماداً على ما نُقل إليه وإن لم يسمعه منه ، فلا يستحيل أن يقول الصحابي ذلك اعتماداً على ما بلغه تواتراً أو على لسان من يثق إليه ، ألا تري أن ابن عباس روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما الربا في النَّسيئة» (1) فلما روجع فيه قال : سمعته من أسامة بن زيد ، وكذا غيره من الصحابة .
وهذا النوع وإن كانت محتملاً ، فهو بعيد لاسيما في حق الصحابي فإن الصحابي إذا قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فالظاهر من حاله أنه لم يقله إلا وقد سمعه ، بخلاف من لم يعاصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لأن قرينة حاله تُعرِّف أنه لم يسمع ، ولا يُوهم قوله السماع ، والصحابي يوهم قوله السماع ،
__________
(1) أخرج البخاري 4/303 ومسلم 12/26 أن أبا سعيد الخدري لقي ابن عباس ، فقال له : أرأيت قولك في الصرف أشيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أم شيئاً وجدته في كتاب الله عز وجل ؟ فقال ابن عباس : كلا لا أقول . أما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنتم أعلم به ، وأما كتاب الله فلا أعلمه ، ولكن حدثني أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا إنما الربا في النسيئة " . وإنما قال ابن عباس لأبي سعيد : فأنتم أعلم به لكون أبي سعيد وأنظاره كانوا أسن منه ، وأكثر ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي السياق دليل على أن أبا سعيد وابن عباس متفقان على أن الأحكام الشرعية لا تطلب إلا من الكتاب والسنة .

فلا يُقدم عليه إلا عن سماعه. هذا هو الظاهر ، وجميع الأخبار إنما نقلت إلينا كذلك ، إذ يقال : قال أبو بكر : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال عمر : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلا يفهم من ظاهر ذلك إلا السماع ، وكذلك حكم غير الصحابي فيما يرويه عن شيخه .

المرتبة الثالثة :
أن يقول الراوي : أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا ، أو نهى عن كذا ، فهذا يتطرق إليه احتمالات ثلاثة .
أحدهما :في سماعه ، كما في قوله .
والثاني : في الأمر ، إذ ربما يرى (1) ما ليس بأمر أمراً ، فقد اختلف الناس في قوله : افعل ، هل هو: الأمر ، أم لا ؟
فلأجل هذا قال بعض أهل الظاهر :لا حجة فيه ما لم يَنقل اللفظ (2) .
والصحيح أنه لا يظن بالصحابي إطلاق ذلك إلا إذا علم تحقيقاً أنه أمر بذلك ، بأن يسمعه يقول : أمرتكم بكذا وكذا ، أو يقول : افعلوا ، وينضم إليه من القرائن ما يعرف به كونه أمراً ، ويدرك ضرورة قصده إلى الأمر .
__________
(1) في المطبوع " يروي " .
(2) وهو ضعيف مردود ، لأننا إذا عملنا بهذا الاحتمال لم تقبل إلا الرواية باللفظ النبوي ، وبطلت الرواية بالمعنى ، وهي أكثر الروايات ، والظاهر من حال الصحابي مع عدالته ومعرفته الأوضاع اللغوية أنه لا يطلق ذلك إلا فيما تحقق أنه أمر أو نهي وإن لم يكن كذلك في نفس الأمر ، ثم إن الاحتمال الذي استدل به بعض أهل الظاهر يجري في الخبر ، إذ يحتمل أنه ظن ما ليس بخبر خبراً ، فلا وجه لتخصيص الأمر .

والثالث : احتمال العموم والخصوص . حتى ظن قوم أن مطلق هذا يقتضي أمر جميع الأمة .
والصحيح أن من يقول بصيغة العموم أيضاً ينبغي أن يتوقف في هذا إذ يحتمل أن يكون ما سمعه أمراً للأمة ، أو لطائفة ، أو لشخص بعينه .
وكل ذلك يبيح له أن يقول : أمر ، فيتوقف فيه إلى الدليل ، لكن يدل عليه أن أمره للواحد أمر للجماعة ، إلا إذا كان لوصف يخصه من سفر أو حيض (1) ، ولو كان ذلك لصرح به الصحابي ، كقوله : «أُمرنا إذا كنا مسافرين ألا ننزع خِفَافنا ثلاثة أيام» (2) نعم لو قال : أُمرنا بكذا وعُلم من عادة الصحابي أنه لا يطلقه إلا في أمر الأمة حُمِل عليه وإلا احتُمِل أن يكون أمراً له ، أو للأمة ، أو للطائفة .

المرتبة الرابعة :
أن يقول الراوي: أُمرنا بكذا ، نُهينا عن كذا ، أُوجب علينا كذا ، أُبيح لنا كذا ، حُظر علينا كذا ، من السنة كذا ، السنة جارية بكذا .
فهذا جميعه في حكم واحد ، ويتطرق إليه الاحتمالات الثلاثة التي تطرقت إلى المرتبة الثالثة .
واحتمال رابع ، وهو الآمر ، فإنه لا يُدرى أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،
__________
(1) في المطبوع " حضر " .
(2) أخرجه الشافعي ، وأحمد ، والترمذي ، والنسائي وغيرهم من حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وهو كما قال .

أو غيره من العلماء .
فقال قوم : لا حجة فيه ، لأنه محتمل .
وذهب الأكثرون إلى أنه لا يحمل إلا على أمر الله ، وأمر رسوله ، لأنه يريد به إثبات شرع ، وإقامة حُجة .
وقال بعضهم : في هذا تفصيل ، وذلك إن كان الراوي أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - فيُحمل على أن الآمِرَ هو النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لأن أبا بكر لا يقول : أُمرنا ، إلا وآمِرُهُ النبي ، لأن غير النبي لا يأمره ، ولا يَلتزم أمرَ غيره ، ولا تَأمَّر عليه أحد من الصحابة . فأما غير أبي بكر ، فإذا قال : أُمِرْنا ، فإنه
يجوز أن يكون الآمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره .لأن أبا بكر تَأمَّر على الصحابة ، ووجب عليهم امتثال أمره ، وقد كان غير أبي بكر - رضي الله عنه - من الصحابة أميراً في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعده ، فيجوز أن يضاف الأمر إليهم .
أما إذا قال : أُبيح ، وأُوجب ، وحُظر ، فيقوى في جانبه أن لا يكون مضافاً إلا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لأن الإيجاب والإباحة والحظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - دون غيره ، بخلاف الأمر ، فإن الإمام قد يأمر بما يوجبه الشرع ، ولا يقال : أَوجَبَ الإمام ، إلا على تأويل إضافة الإيجاب إليه بنوع من المجاز ، لصدور الأمر بالإيجاب عنه .
وأما قوله : من السنة كذا ، والسنة جارية بكذا فالظاهر أنه

لا يريد إلا سُنَّةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن يجب إتباعه دون غيره ، ممن لا تجب طاعته ، ولا فرق أن يقول الصحابي ذلك في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو بعد وفاته (1) .
أما التابعي إذا قال : أُمِرنا ، فإنما يحتمل أمر الرسول ، وأمر الأمة بإجماعها ، والحجة حاصلة به ، ويحتمل أمر الصحابة ، ولكن لا يليق بالعالم أن يطلق ذلك ، إلا وهو يريد من تجب طاعته ، لكن الاحتمال في قول التابعي أظهر منه في قول الصحابي.

المرتبة الخامسة :
أن يقول الراوي : كنا نفعل كذا ، وغرضه تعريف أحكام الشرع ، فإن ظاهره يقتضي أن جميع الصحابة فعلوا ذلك على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجه ظهر للنبي ولم ينكره ، لأن تعريف الحكم يقع به (2) .
فإن قال : كانوا يفعلون كذا ، وأضافه إلى زمن رسول الله - صلى الله
__________
(1) إذا روى الصحابي حديثاً وقال التابعي الذي رواه عنه : يرفعه أو ينميه أو يبلغ به أو يرويه أو قال الصحابي : من السنة كذا أو أمرنا بكذا ، أو نهينا عن كذا ، أو كنا نفعل ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كل ذلك ونحوه من نوع المرفوع والمسند عند أصحاب الحديث وهو قول أكثر أهل العلم . مثال ذلك قول أم عطية : أمرنا أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور ، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين . وكقولها أيضاً : نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا . وهما في " الصحيحين " ، ولأبي داود من حديث أبي هريرة : حذف السلام سنة .
(2) وهذا له حكم الرفع أيضاً فيما رجحه الحاكم والرازي والآمدي والنووي في " المجموع " والعراقي وابن حجر ، لأن ذلك يشعر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وقررهم عليه ، وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة . ومثاله قول جابر رضي الله عنه : كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . متفق عليه .

عليه وسلم - ، فهو دليل على جَواز الفعل ، لأن ذِكْره في معرض الحجة يدل على أنه أراد ما فعله الرسول أو سكت عليه ، دون ما لم يبلغه ، وذلك يدل على الجواز ، مثل قول ابن عمر - رضي الله عنهما - «كنا نُفاضل على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فنقول : خير الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، فيبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا ينكره (1) وكقول أبي سعيد الخدري : «كنا نُخْرج على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاعاً من تمر في زكاة الفطر» (2) .
فأما قول التابعي : كانوا يفعلون ، فلا يدل على فعل جميع الأمة ، بل يدل على البعض ، فلا حجَّة فيه ، إلا أن يصرح بنقله عن أهل الإجماع ، فيكون نقلاً للإجماع.
__________
(1) أخرجه البخاري في " صحيحه " 7/13 بلفظ : كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهم . ورواه أيضاً 7/46 بلفظ : كنا لا نعدل بأبي بكر أحداً ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم . ولأبي داود 2/511 كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي : أفضل أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، وزاد الطبراني في رواية : فيسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فلا ينكره .
(2) في المطبوع " صاعاً من بر " وهو خطأ ، والحديث أخرجه البخاري 3/295 ، ومسلم 2/678 ، وأبو داود 2/151 ، 152 ، والترمذي رقم 673 والنسائي 5/51 ، وابن ماجه 1/585 بلفظ : كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حر أو مملوك صاعاً من طعام ، أو صاعاً من أقط ، أو صاعاً من شعير ، أو صاعاً من تمر أو صاعاً من زبيب ... .

وفي ثبوته بخبر الواحد كلام سيأتي بيانه.
وقيل : إنه إذا قال : كانوا يفعلون كذا ، فإنه يفيد أن جميع الأمة فعلت ذلك ، أو فعل البعض ، وسكت الباقون ، أو فعلوا بأجمعهم فِعْلاً على وجهٍ ظهر للنبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكره عليهم .
وبالجملة فإن الراوي إذا قال قولاً في محلِّ الاجتهاد ، فلا يلزمنا تقليده ، لأنه يحتمل أنه قال عن اجتهاد ، واجتهاده لا يترجح على اجتهاد غيره ، أما إذا قال قولاً لا محل للاجتهاد فيه ، فَحُسْن الظن يقتضي أنه ما قاله إلا عن طريق ، وإذا بطل الاجتهاد تعين السماع .

النوع الثاني : في نقل لفظ الحديث ومعناه .
لا خلاف بين العلماء أن المحافظة على لفظ الحديث وحُرُوفه ونَقْطه وإعرابه أمر من أمور الشريعة عزيز ، وحكم من أحكامها شريف ، وأنه الأولى بكل ناقل ، والأجدر بكل راوٍ ، وحتى أوجبه قوم ، ومنعوا من نقل الحديث بالمعنى .
والكلام في ذلك له تفصيل وشرح ، فنقول :
قال العلماء : نقل الحديث بالمعنى دون اللفظ حرام علي الجاهل بمواقع الخطاب ، ودقائق الألفاظ ، أما العالم بالفرق بين المحتمل وغير المحتمل ، والظاهر والأظهر ، والعام والأعم ، فقد جوز له ذلك الشافعي وأبو حنيفة وجماهير الفقهاء ، ومعظم أهل الحديث .

وقال قوم : لا يجوز إلا إبدال اللفظ بما يُرادفه ويُساويه في المعنى ، كما يُبدل القعود بالجلوس ، والعلم بالمعرفة ، والقدرة بالاستطاعة والحظر بالتحريم ، ونحو ذلك .
وعلى الجملة : فيما لا يتطرق إليه تفاوت في الفهم وإنما ذلك فيما فُهم قطعاً ، لا فيما فهم بنوع استدلال يختلف فيه الناظرون . فانقسم القول في هذا إلى أربعة أقسام :
الأول :أن يكون الخبر مُحكماً ، وحينئذ يجوز نقله بالمعنى لكل من سمعه من أهل اللسان ، لأنه لا يحتمل إلا معنى واحداً دائماً ، فإذا تعين معناه ، ولم يقع الخلل في الوقوف عليه ممن عرف اللسان ، رخص (1) في نقله بالمعني لحصول الغرض منه بلفظ آخر .
الثاني : أن يكون الخبر ظاهراً ، ويحتمل غير ما ظهر ، فلا يجوز النقل بالمعنى إلا للفقيه العالم بعلم الشريعة وطرق الاجتهاد ، لأن المعنى وأن ظهر منه بظاهره ، فقد احتمل مجازه ، والخصوص في عمومه ، فلا يرخَّص في نقله بالمعنى إلا للعالم بطرق الدين والفقه حتى يأمَن إذا كساه لفظًا آخر من الخلل ، فلعل الجاهل بالفقه يكسوه لفظاً لا يحتمل صرف مجازه ، ولا صرف خصوصه ، ويكون المراد باللفظ المسموع ، مجازَه أو خصوصَه ، فتفوت الفائدة ، أو ينقله بلفظ أعم من اللفظ
__________
(1) في المطبوع " وخص " .

لجهله بالفرق بين الخاص والعام ، فيوجب ما لا يوجبه الأول ، فيلزمه المحافظة على اللفظ .
الثالث : أن يكون الخبر مشتركاً أو مشكلاً ، فلا يجوز النقل بالمعنى على جهة التأويل ، لأنه لا يوقف على معناه والمراد منه إلا بنوع تأويل ، وتأويل الراوي لا يكون حجة على غيره ، فإنه يكون ضرباً من القياس ، فلا يحل نقله إلا باللفظ المسموع ، ولا يظن بالعدل إذا نقل بلفظه إلا أحد القسمين الأولين اللذين يحلان له .
الرابع : أن يكون الخبر مجملاً ، فلا يُتَصوَّر نقله بالمعنى ، لأنه لا يوقف على معناه : وما لا يوقف على معناه ، فلا يتصور نقله بمعناه ، فيكون الامتناع بذاته لا بدليل يحجر الناقل عنه ، ويكون ضرباً آخر من الحجَّة غير الضرب الأول .
والقول الضابط في نقل الحديث بالمعنى : أن اللفظ إذا كان مما يجب نقله للعمل بمعناه ، فَوُقِفَ على معناه حقيقة ، ثم أُدِّي بلفظ آخر بغير خلل فيه ، سقط اعتبار اللفظ ، فالنقل باللفظ عزيمة ، وبالمعنى رخصة في بعض الأخبار ، على التفصيل المذكور .
ويدل على ذلك : جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم ، فإذا جاز إبدال العربية بالعجمية ، فَلأَنْ يجوز بالعربية أولى .
وذلك لأنا نعلم أنه لا تعَبُّد في اللفظ ، وإنما المقصود هو المعنى

وإيصاله إلى الخلق ، وليس ذلك كالتشهد والتكبير وما تُعبِّدَ لله فيه باللفظ (1) .
فإن قيل : فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «نَضَّر (2) الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها ، فأدَّاها كما سمعها ، فرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع ورُبَّ حاملِ فقهٍ وليس بفقيه ، ورُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقه منه» (3) .
قلنا : هذا الحديث هو الحجة ، لأنه ذكر العلة ، وهي اختلاف الناس في الفقه ، فما لا يختلف فيه الناس من الألفاظ المرادفة لا يمنع منه .
وهذا الحديث بعينه قد نقل بألفاظ مختلفة ، والمعنى واحد ، وإن أمكن أن يكون جميع الألفاظ قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أوقات مختلفة ، لكن الأغلب أنه حديث واحد ، نقل بألفاظ مختلفة ، وذلك أدل دليل على الجواز .
__________
(1) ذكر العلماء أن هذا الخلاف لا يجري في ثلاثة أنواع . النوع الأول : ما تعبد بلفظه كالتشهد والقنوت ونحوهما ، صرح به الزركشي . والنوع الثاني : ما هو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم التي افتخر بإنعام الله عليه بها ، ذكره السيوطي في " التدريب " . والنوع الثالث : ما يستدل بلفظه على حكم لغوي إلا أن يكون الذي أبدل اللفظ بلفظ آخر عربياً يستدل بكلامه على أحكام العربية ، ذكره جمهور النحاة . وهذا الخلاف أيضاً لا يجري في الكتب المصنفة ، فإنه لا يجوز فيها أبدال لفظ بلفظ آخر وإن كان مرادفاً له ، لأن الرواية بالمعنى إنما رخص فيها من رخص حين كان الحرج شديداً على الرواة في ضبط الألفاظ ، وهذا غير موجود في ما اشتملت عليه الكتب .
(2) جاء في " النهاية " نَضَره ونَضَّره وأنضره ، أي أنعمه ، ويروى بالتخفيف والتشديد من النضارة ، وهي في الأصل حسن الوجه والبريق ، وإنما أراد حسن خلقه وقدره .
(3) أخرجه الترمذي رقم 2659 ، وابن ماجة 1/84 من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، وإسناده صحيح ، وقال الترمذي : حسن صحيح ، وفي الباب عن زيد بن ثابت ، عند الترمذي وابن ماجة ، وصححه ابن حبان ، وعن جبير بن مطعم عند أحمد وابن ماجة .

قال الإمام أبو عيسى الترمذي - رحمه الله - : كل من ضعَّف قوماً من الرواة ، فإنما ضعفهم من قِبَل الإسناد ، فزاد فيه أو نقص أو غَيَّره أو جاء بما يتغير فيه المعنى ، فأما من أقام الإسناد وحفظه وغيّر اللفظ ، فإن هذا واسع عند أهل العلم إذا لم يتغير المعنى .
قال : وقال واثلة بن الأسقع - رحمه الله : إذا حدثناكم على المعنى فحسبكم.
وقال ابن سيرين : كنت أسمع الحديث من عشرة ، اللفظ مختلف والمعنى واحد.
وقال : كان إبراهيم النخعي والحسن والشعبي - رحمهم الله -يأتون بالحديث على المعاني .
وقال الحسن : إذا أصبت المعنى أجزأك .
وقال سفيان الثوري - رحمه الله - : إذا قلت لكم : إني أحدِّثكم كما سمعت فلا تُصدِّقوني ، إنما هو المعنى .
وقال وكيع : إن لم يكن المعنى واسعاً فقد هلك الناس .
وقال : كان القاسم بن محمد وابن سيرين ورجاء بن حَيْوَة - رحمهم الله يُعيدون الحديث على حروفه .
وقال مجاهد : انْقُصْ من الحديث إن شئت ، ولا تَزِدْ فيه .
وقال : وكان مالك بن أنس - رحمه الله - يُشدِّد في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في التاء والياء ونحو هذا .

وعلى ذلك جماعة من أئمة الحديث ، لا يرون إبدال اللفظ ولا تغييره ، حتى إنهم يسمعونه ملحوناً ويعلمون ذلك ، ولا يغيِّرونه ، وذلك هو الأحوط في الدِّين ، والأتقى والأولى .
ولكن أكثر العلماء على خلافه ، والقول بالجواز وهو الصحيح ، فإن الحديث كذا وصل إليهم ، مختلِفَ الألفاظ ، مُتَّفِقَ المعنى ، ونعلم قطعاً في أحاديث كثيرة ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت واحد ، ونقلها الصحابة بألفاظهم المختلفة .
وسنورد فيما بعد من هذه المقدمة فصلاً ذكره الإمام أبو عبد الله الحُميدي - رحمه الله - في آخر كتابه ما يدل على ذلك وعلى سببه ، والعذر فيه ، إن شاء الله تعالى .

النوع الثالث : في رواية بعض الحديث
رواية بعض الحديث ممتنعة عند أكثر من منع نقل الحديث بالمعنى .
ومن جوَّز نقل الحديث بالمعنى جوَّز ذلك ، إن كان قد رواه مرة بتمامه ، ولم يتعلق المذكور بالمتروك تعلقاً يغيِّر معناه ، فأما إذا تعلَّق به ، كشرط العبادة أو ركنيها ، أو ما به التمام ، فنقل البعض تحريف وتلبيس ، أما إذا روى الحديث مرة تامّاً ، ومرة ناقصاً نقصاً لا يغيِّر معنىً ، فهو جائز ، ولكن بشرط أن لا يتطرق إليه سوء الظنِّ بالتهمة .
وما العجب إلا ممن منع من ذلك ، وقد رأى كتب الأئمة ومصنفاتهم

وأحاديثهم ، وهي مشحونة بأبعاض الأحاديث ، يذكرون كلَّ بعض منها في بابٍ يخُصُّه ، يَسْتدلُّون به على ذلك الباب ، كيف والمقْصِدُ الأعظم من ذكر الحديث إنما هو الاستدلال به على الحكم الشرعي ؟ .
فإذا ذكر من الحديث ما هو دليل على ذلك الحكم المستخرج منه ، فقد حصل الغرض ، لكن يبقى الأدب بالمحافظة على ألفاظ الرسول صلوات الله عليه ، وإيرادها كما ذكرها وتلفَّظ بها .
والأوْلَوِيَّة درجة وراء الجواز ، وما قَصدَ مَن منع الاستعمال إلا الأحْوط والأتْقَى والتَّحَرُّز عن التسامح والتساهل في لفظ الحديث .

النوع الرابع : انفراد الثقة بالزيادة
إذا انفرد الثقة بزيادة في الحديث عن جماعة النَّقلة ، فإنه تُقبَلُ منه زيادته عند الأكثر ، سواء كانت الزيادة من حيث اللفظ ، أو من حيث المعنى ، لأنه لو انفرد بنقل حديث عن جميع الحفَّاظ قُبِلَ . فكذلك الزيادة (1) .
__________
(1) الذي انتهي إليه ابن الصلاح والنووي ، ورجحه الحافظان : ابن حجر والسيوطي أن الزيادة على ثلاثة أنواع ، النوع الأول : أن لا تكون منافية لما ليست هي فيه ، وحينئذ فهي مقبولة بالاتفاق ، لأنها في حكم الحديث المستقل الذي ينفرد به الثقة ، ولا يرويه عن شيخه غيره ، والنوع الثاني : أن تكون الزيادة مخالفة لما ليست هي فيه ، لكن مخالفتها بتقييد المطلق ونحوه ، وهذا النوع يترجح قبوله ، والنوع الثالث : أن تكون الزيادة منافية لما ليست هي فيه ، وهذا النوع مردود غير مقبول . قال الحافظ ابن حجر في " نزهة النظر " ص 19 : وزيادة راوي الصحيح والحسن مقبولة ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق منه ممن لم يذكر تلك الزيادة ، لأن الزيادة إما أن تكون لا تنافي بينها وبين رواية من لم يذكرها ، فهذه تقبل مطلقاً ، لأنها في حكم الحديث المستقل الذي ينفرد به الثقة ولا يرويه عن شيخه غيره ، وإما أن تكون منافية بحيث -[104]- يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى ، فهذه التي يقع الترجيح بينها وبين معارضها ، فيقبل الراجح ويرد المرجوح . واشتهر عن جمع من العلماء القول بقبول الزيادة مطلقاً من غير تفصيل ، ولا يتأتى ذلك على طريق المحدثين الذين يشترطون في الصحيح أن لا يكون شاذاً ، ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه ، والعجب ممن غفل عن ذلك مع اعترافه باشتراط انتفاء الشذوذ في حد الصحيح وكذا الحسن ، والمنقول عن أئمة الحديث المتقدمين كعبد الرحمن بن مهدي ، ويحيى القطان ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وعلي بن المديني ، والبخاري وأبي زرعة ، وأبي حاتم والنسائي والدارقطني وغيرهم اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها ، ولا يعرف عن أحد منهم إطلاق قبول الزيادة ، وأعجب من ذلك إطلاق كثير من الشافعية القول بقبول زيادة الثقة مع أن نص الشافعي يدل على غير ذلك .
ولابن حبان صاحب الصحيح في زيادة الثقة رأي له أهميته ، ذكره في مقدمة " صحيحه " 1/120 وهاكه بنصه : وأما زيادة الألفاظ في الروايات ، فإنا لا نقبل شيئاً منها إلا عمن كان الغالب عليه الفقه ، حتى يعلم أنه كان يروي الشيء ويعلمه حتى لا يشك فيه أنه أزاله عن سننه ، أو غيّره عن معناه أم لا ، لأن أصحاب الحديث الغالب عليهم حفظ الأسامي والأسانيد دون المتون ، والفقهاء الغالب عليهم حفظ المتون وإحكامها ، وأداؤها بالمعنى دون حفظ الأسانيد وأسماء المحدثين ، فإذا رفع محدث خبراً وكان الغالب عليه الفقه لم أقبل رفعه إلا من كتابه ، لأنه لا يعلم المسند من المرسل ولا الموقوف من المنقطع ، وإنما همته إحكام المتن فقط ، وكذلك لا أقبل عن صاحب حديث حافظ متقن أتى بزيادة لفظ في الخبر ، لأن الغالب عليه إحكام الإسناد ، وحفظ الأسامي ، والإغضاء عن المتون وما فيها من الألفاظ إلا من كتابه . هذا هو الاحتياط في قبول الزيادات في الألفاظ . فتأمل كلام هذا الإمام ، فإنه نفيس جداً .

فإن قيل : يبعد انفراده بالحفظ مع إصغاء الجميع .
قلنا : تصديق الجميع أولى ، إذا كان ممكنًا ، وهو قاطع بالسماع ، والآخرون ما قطعوا بالنفي ، فلعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذكره في مجلسين ، فحيث ذكر الزيادة لم يحضر إلا ذلك الواحد ، أو كرَّره في مجلس ، وذكر الزيادة في إحدى الكرَّتين ، ولم يحضر إلا ذلك الواحد.
ويحتمل أن يكون راوي الناقص حضر في أثناء المجلس ، ولم يسمع التمام ، أو أنهم اشتركوا في الحضور ونسوا الزيادة ، إلا ذلك الواحد ،

أو طرأ في أثناء الحديث سبب شاغل مُدْهش ، فغفل به البعض عن الإصغاء ، فيختص بحفظ الزيادة المُقْبِلُ على الإصغاء ، أو يَعْرِض لبعض السامعين خاطر شاغل عن الزيادة ، أو يعرض له ما يُوجِب قيامه قبل التمام .
فإذا احتمل هذا كله أو بعضه ، فلا يُكَذَّب العدل مهما أمكن .
كيف والظاهر من حال المسلم أنه لا يُقْدِم على أن يروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله ، لا سيما وقد سمعه يقول ، أو بلغه أنه قال : «من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار» (1) .

النوع الخامس : في الإضافة إلى الحديث ما ليس منه.
قد يظن قومٌ أن هذا النوع هو الذي قبله ، وليس كذلك ، فإن الأول : هو أن ينفرد الراوي بزيادة في الحديث ، يرفعها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ويجعلها من قوله .
وهذا النوع : هو أن يذكر الراوي في الحديث زيادة ، ويضيف إليه شيئًا من قوله ، إلا أنه لا يبيِّن تلك الزيادة أنها من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو من قوله نفسه ، فتبقى مجهولة .
وأهل الحديث يُسمُّون هذا النوع «المُدْرَج» يعنون أنه أدرج الراوي كلامه مع كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يُميِّزْ بينهما ، فَيُظَنُّ
__________
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة ، وهو مروي عن غير واحد من الصحابة في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها حتى بلغ مبلغ التواتر .

أن جميعه لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ومثاله : حديث ابن مسعود ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيده ، فعلمه التشهد ، قال : «قل : التحيات لله ....» فذكر التشهد إلى آخره ، ثم قال : «فإذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك ، إن شئت أن تقوم فقم ، وإن شئت أن تقعد فاقعد» (1) .
فقوله : «إذا قلت هذا ...» إلى آخره مدرج في الحديث من كلام ابن مسعود ، لأن التمييز قد جاء بينهما في رواية أخرى (2) ، وذلك أنه ذكر الحديث إلى آخر التشهد ، ثم قال الراوي : «قال عبد الله بن مسعود : «إذا فرغت من هذا فقد قضيت صلاتك» فميز هذا الراوي بين الكلامَين بزيادته التي ذكرها . والزيادة من الثقة مقبولة ، على ما سبق في النوع الرابع .

الفرع الرابع (3) : في المسند والإسناد
__________
(1) أخرجه أحمد في " المسند " 1/422 وأبو داود الطيالسي 1/102 والدارمي 1/309 وأبو داود 1/350 والطحاوي ص 162 ، وإسناده صحيح وأئمة الحديث كابن حبان والدارقطني والبيهقي والخطيب والزيلعي والكمال متفقون على كون هذه الزيادة مدرجة ، وذكر النووي في " الخلاصة " و " شرح مسلم " أنهم اتفقوا على أنها مدرجة . لكن للعلامة العيني في " البناية " كلام رد فيه قول من يقول : إن هذه الزيادة مدرجة ، وانتهى إلى أن ابن مسعود سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ، فرواه مرة وأفتى به أخرى ، ونقل كلامه بطوله أبو الحسنات اللكنوي في كتابه " ظفر الأماني " ص 127 ، 128 ، ثم علق عليه بقوله : الجمع بين روايات الوقف وبين روايات الرفع بهذا الطريق حسن جداً .
(2) أخرجها الدارقطني ص 135 ، والبيهقي 2/174 من رواية شبابة بن سوار عن زهير بن معاوية ، وسندها صحيح .
(3) في المطبوع " الفرع السادس " .

المسند : هو أن يروي الحديث واحد عن واحد ، رآه وسمع منه أو عليه قراءةً أو إجازة ، أو مناولة ، روايةً متصلة إلى من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وسمع منه .
وللإسناد أوضاع واصطلاح وشرائط .
فمن شروطه : أن لا يكون في الإسناد : أُخْبِرْت عن فلان ، ولا حُدِّثت ، ولا بَلَغَني ، ولا رَفَعه فلان ، ولا أظنه مرفوعًا ، إنما يرويه المحدِّث عن شيخ يُظْهِر
سماعه منه والسن يحتمله ، وكذلك سماع شيخه عن شيخه ، إلى أن يصل الإسناد إلى صحابي مشهور ، إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وعلى الراوي أن يتعرف حال شيخه ، وهل يحتمل سماعه من شيوخه الذين يُحَدِّث عنهم ؟ ثم يتأمل أصوله ، أعَتِيقةٌ هي ، أم جديدة ؟ وعليها طبقة سماعه أم لا؟ فكل ذلك احتياط في أخذ الحديث عنه .
ومن المسندات : أن يقول الصحابي المعروف بالصحبة : «أُمرنا بكذا ونُهينا عن كذا ، وكنا نُؤمر بكذا ، ونُنهى عن كذا ، وكنا نفعل ، وكنا نقول ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينا ، وكنا لا نرى بأسًا بكذا ، وكان يُقال كذا ، ومن السُّنة كذا ، فإذا صدر هذا عن صحابي مشهور بالصحبة ، فهو حديث مسند ، وكلُّه مُخَرَّج في المسانيد .
ومن المسندات : المعَنْعَن ، وهو أن يقول : أحد الرواة : «حدَّثنا

فلان عن فلان عن فلان ، ولا يذكرون طرق سماعهم بـ : «حدَّثنا» و «أخبرنا» و «سمعنا» ، فإن هذا إذا كان رواته موثوقًا بهم مشهورين بالصدق ، لا يُنسب إليهم التدليس ، وليس من مذهبهم : فسواءٌ ذكروا طريق السماع أو لم يذكروه ، فإن حديثهم مقبول معمولٌ به ، فإن كان رواته أو أحدهم متهمًا ، أو مِن مذهبه التدليس ، فيحتاج أن يذكر طريق سماعه حتى يكون حديثه مسندًا (1) .
ومن المسندات : نوع يسمى المُسَلْسَل ، وهو اصطلاح بين المحدِّثين ، مثل أن يكون جميع رواة الحديث قد اشتركوا عند سماع ذلك الحديث في قولٍ ، أو فعلٍ ، أو حالةٍ من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى آخر رُواته .
مثل : تشبيك الأصابع ، أو الأخذ باللحية ، أو المصافحة ، ونحو ذلك من الأسباب ، فيقول : حدَّثني فلان ، ويده على لحيته ، قال :
__________
(1) الصحيح الذي رجحه الحذاق من أئمة الحديث أن ما رواه المدلس بلفظ محتمل – لم يصرح فيه بالسماع – لا يقبل ، بل يكون منقطعاً ، وما صرح فيه بالسماع يقبل ، وهذا كله إذا كان الراوي ثقة في روايته ، فقد قال ابن حبان في " صحيحه " 1/122 : وأما المدلسون الذين هم ثقات وعدول ، فإنا لا نحتج بأخبارهم إلا ما بينوا السماع فيما رووا مثل الثوري والأعمش وأبي إسحاق وأضرابهم من الأئمة المتقين وأهل الورع في الدين ، لأنا متى قبلنا خبر مدلس لم يبين السماع فيه وإن كان ثقة ، لزمنا قبول المقاطيع والمراسيل كلها ، لأنه لا يدرى لعل هذا المدلس دلس هذا الخبر عن ضعيف يهي الخبر بذكره إذا عرف ، اللهم إلا أن يكون المدلس يعلم أنه ما دلس قط إلا عن ثقة ، فإذا كان كذلك قبلت روايته وإن لم يبين السماع ، وهذا ليس في الدنيا إلا سفيان بن عيينة وحده فإنه كان يدلس ، ولا يدلس إلا عن ثقة متقن ، ولا يكاد يوجد لسفيان بن عيينة خبر دلس فيه إلا وجد ذلك الخبر بعينه قد بين سماعه عن ثقة مثل نفسه .

حدثني فلان ، ويده على لحيته ، قال : حدثني فلان ، ويده على لحيته ، وكذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . وكذلك : حدثني فلان ، وهو أول حديث سمعته منه ، قال : حدثني فلان ، وهو أو حديث سمعته منه ، قال : حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه ، ونحو ذلك .
واعلم أن الإسناد في الحديث هو الأصل ، وعليه الاعتماد ، وبه تعرف صحة الحديث وسَقَمه .
قال سفيان الثوري : «الإسناد سلاح المؤمن ، فإذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل ؟» .
وقال شعبة : «كل علم ليس فيه : أخبرنا ، وحدثنا ، فهو خَل وبقل» (1) .
وقال يزيد بن زُريع (2) : «لكل دِينٍ فُرسان ، وفرسان هذا الدين أصحاب الإسناد» .
وقال أحمد بن حنبل : «إذا روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحلال والحرام والسُّنن والأحكام - تشدَّدنا في الأسانيد ، وإذا روينا عنه في فضائل الأعمال وما لا يضع (3) حكمًا ولا يرفعه ، تساهلنا في الأسانيد (4) ، ولولا الأسانيد لقال من شاء ما شاء» .
__________
(1) في المطبوع " ثفل " .
(2) في المطبوع " ذريع " بالذال ، وهو تصحيف .
(3) في المطبوع : يضيع .
(4) لفظ أحمد في رواية الميموني عنه كما نقله السخاوي في " فتح المغيث " ص 120 : الأحاديث -[110]- الرقائق يحتمل أن يتساهل فيها حتى يجيء شيء فيه حكم ، وقال في رواية عباس الدوري عنه : ابن إسحاق رجل تكتب عنه هذه الأحاديث – يعني المغازي ونحوها – وإذا جاء الحلال والحرام أردنا قوماً هكذا وقبض أصابع يده الأربع ، وأما النص الذي ساقه المصنف عنه ، فهو نص كلام عبد الرحمن بن مهدي أخرجه عنه البيهقي في " المدخل " وقد بين غير واحد من أهل العلم أن مقالة الإمام أحمد وغيره إنما يريدون بها – والله أعلم – أن التساهل إنما هو في الأخذ بالحديث الحسن الذي لم يبلغ درجة الصحة ، فإن الاصطلاح في التفرقة بين الصحيح والحسن لم يكن في عهدهم مستقراً واضحاً بل كان أكثر المتقدمين لا يصفون الحديث إلا بالصحة والضعف فقط . نقول : وأعدل الآراء في الأخذ بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال تقييد ذلك بشروط . الأول : متفق عليه وهو أن يكون الضعف غير شديد فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب ، ومن فحش غلطه ، والثاني : أن يكون مندرجاً تحت أصل عام ، فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له أصل أصلاً ، والثالث : أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته لئلا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله ، والشرطان الأخيران عن ابن عبد السلام وصاحبه ابن دقيق العيد كما نقله الحافظ السخاوي في خاتمة كتابه " القول البديع " عن شيخه الحافظ ابن حجر رحمهما الله . ومن العلماء من لم يبح العمل بالحديث الضعيف مطلقاً ، أي سواء أكان موضوعه العقائد والأحكام أم كان موضوعه المواعظ وفضائل الأعمال ، وهو مذهب البخاري ومسلم ، وأبي بكر بن العربي كبير المالكية في عصره ، وأبي شامة المقدسي كبير الشافعية في زمنه وغيرهم ، قال العلامة الكوثري رحمه الله في " المقالات " ص 45 ، 46 : ولهم بيان قوي في المسألة لا يهمل ، فإما ما يعطي ظاهر كلام النووي في العمل بالضعيف في فضائل الأعمال ما لم يكن موضوعاً ، فقد أثار جدلاً عنيفاً أجاد تحقيقه الإمام اللكنوي في " ظفر الأماني " ص : 100 ، 108 .

ثم من الإسناد عال ونازل ، وطلب العالي سنة ، فعلى طالب علم الحديث : أن يرغب في طلبه .
وعلو الإسناد على مراتب .
منها : ما هو بقلة العدد . ومنها ما هو بثقة الرواة .
ومنها : ما هو بفقه الرواة . ومنها : ما هو باشتهار الرواة .
ومنها : ما يجمع هذه الأوصاف ، وهو أكملها ، أو بعضها .

فأما قلة العدد ، فأقل ما يُروى من الصحيح في زماننا هذا : «ثلاثيات البخاري» من طريق أبي الوَقْت عبد الأوَّل السِّجزي (1) ، فإن أصحاب أبي الوقت بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ثمانية أنفس في «ثلاثيات البخاري» .
أحدهم : أبو الوقت ، ثم الداوُدي ، ثم السرخسي ، ثم الفَرَبْري ، ثم البخاري ، فهؤلاء خمسة ، والذين روى عنهم البخاري ثلاثياته ثلاثة .
وقد تقع أحاديث من الأحاديث الصحاح المخرَّجة في «الصحيحين» أو في أحدهما من غير طريق البخاري ومسلم التي يُروى بها كتابهما ، إلا أن شرط الصحة موجود فيها . مثل ما حدثنا به الشيخ أبو ياسر عبد الوهاب بن هبة الله بن أبي حِيَّة البغدادي ، قراءةً عليه ، قال : حدثنا الرئيس أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحُصَين ، قال : حدثنا أبو طالب محمد بن محمد بن غيلان البَزَّاز ،
قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، قال : حدثنا القاضي إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد ومحمد بن سليمان الواسطي ، قال إسماعيل : حدثنا وقال محمد : سألت محمد بن عبد الله الأنصاري قال : حدثنا حُميد الطويل عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : كان لي أخ يقال له : أبو عُمير ، وكان له عصفور يلعب به ، فمات العصفور ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) بكسر السين وسكون الجيم وبالزاي : منسوب إلى سجز . وهو اسم لسجستان . قاله الحازمي ، وقال ابن ماكولا : هو منسوب إلى سجستان على غير قياس ، والأول أشبه .

يَدخل بيتنا ، ويقول : «أبا عُمير ، ما فعل النُّغير ؟» .
وفي حديث القاضي إسماعيل قال : كان ابنٌ لأم سُليم يقال له : أبو عمير ، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمازحه ، إذا دخل على أم سليم ، فدخل يومًا ، فوجده حزينًا ، فقال : ما لأبي عُمير حزينًا ؟ قالوا : يا رسول الله ، مات نُغَيْره الذي كان يلعب به ، فجعل يقول : «أبا عمير ، ما فعل النُّغير ؟» .فهذا حديث صحيح قد أخرجه البخاري ومسلم في كتابيهما (1) ، ومن يرويه بهذا الطريق الذي ذكرناه عن ابن حُصَين يكون بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - سبعة رجال ، فهو أعلى من «ثلاثيات البخاري» المروية من طريق أبي الوقت برجل ، وشرط الصحة موجود فيه ، وقد جاء في هذه الأحاديث «الغيلانيَّات» غير هذا الحديث بهذا العدد .
وأما ثقة الرواة ، فهو أن يكونوا معروفين بالصدق ، مشهورين بالأمانة وصحة النقل والرواية ، لا يتطرق إليهم تهمة ، ولا جرح ولا ريبة ، كمشايخ البخاري ومسلم اللَّذَين خرَّجا أحاديثهم في كتابيهما (2) ،
__________
(1) هو في البخاري 10/436 في كتاب الأدب ، باب الانبساط إلى الناس و 401 فيه أيضاً ، باب الكنية للصبي وقبل أن يولد للرجل ، وفي مسلم 3/1692 و 1693 في الأدب ، باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته .. ، وفي هذا الحديث عدة فوائد جمعها أبو العباس أحمد بن أحمد الطبري المعروف بابن القاص المتوفى سنة 335 هـ الفقيه الشافعي صاحب التصانيف في جزء مفرد ، وقد لخصها الحافظ ابن حجر في الفتح 10/481 ، 484 وزاد عليها فارجع إليه إن شئت .
(2) الحكم لشخص بمجرد رواية البخاري ومسلم أو أحدهما عنه في الصحيح بأنه من شرط الصحيح ولا يتطرق إليه ريبة ، غفلة وخطأ لأنهما قد خرجا لخلق ممن تكلم فيهم كجعفر بن سليمان الضبعي والحارث بن عبد الإيادي ، وأيمن بن نابل الحبشي ، وخالد بن مخلد القطواني ، وسويد بن سعيد الحدثاني -[113]- ويونس بن أبي إسحاق السبيعي وغيرهم ، ولكنهما رحمهما الله – كما قال الزيلعي في " نصب الراية " 1/341 ، 342 – : إذا أخرجا لمن تكلم فيه ، فإنهم ينتقيان من حديثه ما توبع عليه ، وظهرت شواهده ، وعلم أن له أصلاً ، ولا يرويان ما تفرد به ، سيما إذا خالفه الثقات ، كما أخرج مسلم لأبي أويس حديث .. " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ... " لأنه لم يتفرد به ، بل رواه غيره من الأثبات كمالك وشعبة وابن عيينة ، فصار حديثه متابعة . وهذه العلة راجت على كثير ممن استدرك على " الصحيحين " ، فتساهلوا في استدراكهم ، ومن أكثرهم تساهلاً الحاكم أبو عبد الله في كتابه " المستدرك " فإنه يقول : هذا حديث على شرط الشيخين أو أحدهما وفيه هذه العلة ، إذ لا يلزم من كون الراوي محتجاً به في الصحيح أنه إذا وجد في أي حديث كان ذلك الحديث على شرطه ، لما بيناه ... وربما جاء إلى حديث فيه رجل قد أخرج له صاحب الصحيح عن شيخ معين بضبطه حديثه وخصوصيته به ، ولم يخرجا حديثه عن غيره لضعفه فيه ، أو لعدم ضبطه حديثه ، أو لكونه غير مشهور بالرواية عنه ، أو لغير ذلك ، فيخرجه هو عن غير ذلك الشيخ ، ثم يقول : هذا على شرط الشيخين أو البخاري أو مسلم ، وهذا أيضاً تساهل ؛ لأن صاحبي الصحيح لم يحتجا به إلا في شيخ معين لا في غيره فلا يكون على شرطهما ، وهذا كما أخرج البخاري ومسلم حديث خالد بن مخلد القطواني عن سليمان بن بلال ، ولم يخرجا حديثه عن عبد الله بن المثنى ، فإن خالداً غير معروف بالرواية عن ابن المثنى ، فإذا قال قائل في حديث يرويه خالد بن مخلد عن ابن المثنى : هذا على شرط البخاري ومسلم كان متساهلاً ، فتأمل ذلك ، واشدد عليه بكلتا يديك ، فإنه غاية في النفاسة والتحقيق من هذا الإمام الجليل رحمه الله .

فهذا وأشباهه ، وإن بَعُدَ طريقه وكثر رجاله ، فهو عالٍ ، وإن كان غيره أقل رجالاً منه وليست له هذه الحال .
وأما فقه الرواة ، فأن يكون رواته أو بعضهم فقيهًا ، كسعيد بن المسيب ، ومحمد بن شهاب الزهري ، وسفيان الثوري ، ومالك بن أنس ، ومن يجري مجراهم من أئمة الفقه .
فإذا كان الحديث مرويًا من طريق هؤلاء ، كان عاليًا وإن كثرت رجاله .
قال علي بن خَشْرَم : قال لنا وكيع : أي الإسنادين أحب إليكم : الأعمش

عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود ، أو سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله ؟ فقلنا : الأعمش عن أبي وائل ، فقال : يا سبحان الله ! الأعمش شيخٌ ، وأبو وائل شيخٌ ، وسفيان فقيهٌ ، ومنصورٌ فقيه ، وإبراهيم فقيه ، وعلقمة فقيه ، وحديثٌ يتداوله الفقهاء ، خير من حديث يتداوله الشيوخ .
فهذا من طريق الفقهاء رُباعي إلى ابن مسعود ، وثنائي من طريق المشايخ ، ومع ذلك قُدِّم الرباعي لأجل فِقْه رجاله .
وأما اشتهار الرواة ، فأن يكونوا معروفين بالرواية عمَّنْ روَوْا عنه : كعلقمة ، وأبي وائل عن ابن مسعود ، والقاسم بن محمد وعروة عن عائشة ، وإبراهيم عن علقمة ، وهشام عن عروة ، ونحو ذلك ، فإن هؤلاء مشهورون بمن رووا عنه ، وذلك يجعل إسنادهم عاليًا وإن كثُرَت رجاله .
فإذًا أعلى هذه الرتب مختلَف فيه ، وكلٌّ يذهب إلى ما يميل إليه نظره ، لكن الأولى أن يكون أعلاها : ما اجتمع فيه هذه الأوصاف ، ثم ما كان في طريقه الفقهاء ، ثم الثقات ، ثم المشهورون ، ثم العدد إذا عَرِيَ من هذه الأوصاف .
ومن تحقق ما ذكرناه في علو الإسناد ، فقد عرف النازل منه ، لأنه ضده ، لكن من طُرُق النازل ما يكون قد أُخِذَ عن شيخ قد تقدَّم موته ، واشتهر فضله ، فأنه أقل نزولاً مما (1) أُخِذَ عن شيخ تأخر موته ، وعرف بالصدق .
__________
(1) في المطبوع : " وممن " .

ومنها : أن ينظر طالب الحديث إلى إسناد شيخه الذي يكتب عنه ، فما قرب من سِنِّه طلب أعلى منه .
ومنها : أن يكون له شيخان ، أحدهما سمع حديثًا من شيخه عن أمدٍ مُعين ، والآخر سمعه عن أمد أبعد منه ، فروايته عن أبعد الأَمَدَيْن أعلى ، وعن أقربهما أنزل.

الفرع الخامس : في المرسل
المرسل من الحديث : هو أن يروي الرجل حديثًا عمن لم يعاصره ، وله بين المحدثين أنواع واصطلاح في تسمية أنواعه .
فمنه : المرسل المطلق ، وهو أن يقول التابعي (1) : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فلا يكون الحديث مرسلاً مطلقًا ، ما لم يرسله التابعي خاصة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ومنه قسم يسمى المنقطع ، وهو غير الأول .
قال الحاكم : وقلما تجد من يفرق بينهما ، وهو على نوعين :
أحدهما : أن يكون في الإسناد رواية راوٍ لم يسمع من الذي روى عنه الحديث قبل الوصول إلى التابعي الذي هو موضع الإرسال .
والآخر : أن يذكر أحد رواته في الحديث عن رجل ولا يسميه جهلاً به ،
__________
(1) يشمل التابعي الكبير والصغير والحديث القولي والفعلي ، وهذا التعريف ذكره ابن الصلاح وغيره ممن لخص كلامه ، وهو المعروف عند الفقهاء والأصوليين ، وهو المشهور بين أئمة الحديث كما نقله الحاكم وابن عبد البر في مقدمة " التمهيد " .

فإن لم يكن للجهل به ، وإنما ترك اسمه وهو يعرفه ، فليس بمنقطع ، لكونه معروف الاسم .
ومنه قسم يسمى المعضَل : وهو أن يكون من المرسِل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أكثر من رجل ، ومثاله : أن يروي عمرو بن شعيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل كذا وكذا ، أو قال كذا وكذا ، ثم لا يسنده ، ولا يرسله في حالةٍ ما ، ولا أحد من الرواة ، وعمرو بن شعيب أقل ما بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثنان ، فإن كان الحديث قد أسنده وقتًا ما ، أو أرسله ، فليس بمعْضَل .
ومن أنواع المعْضَل : أن يُعضله الراوي من أتباع التابعين ، فلا يرويه عن أحد ، ويجعله كلامًا موقوفًا ، فلا يذكره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معضلاً (1) ثم يوجد ذلك الكلام عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متصلاً من طريق آخر .
وأكثر ما تروى المراسيل من أهل المدينة عن سعيد بن المسيب ، ومن أهل مكة عن عطاء بن أبي رباح ، ومن أهل مصر عن سعيد بن أبي هلال ، ومن أهل الشام عن مكحول ، ومن أهل البصرة عن الحسن البصري ، ومن أهل الكوفة عن إبراهيم بن زيد النخعي .
وأصحها مراسيل ابن المسيِّب ، فإنه أدرك جماعة من أكابر الصحابة ، وأخذ عنهم ، وأدرك من لم يُدركه غيره من التابعين ، وقد تأمل الأئمة مراسيله ، فوجدوها جميعها بأسانيد صحيحة .
__________
(1) في المطبوع : " منفصلاً " وهو تحريف .

والناس في قبول المراسيل مختلفون .
فذهب أبو حنيفة ، ومالك بن أنس ، وإبراهيم النخعي ، وحماد بن أبي سليمان ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، ومن بعدهم من أئمة الكوفة إلى أن المراسيل مقبولة ، محتج بها عندهم (1) ، حتى إن منهم من قال : إنها أصح من المتصل المسند ، فإن التابعي إذا أسند الحديث أحال الرواية على من رواه عنه ، وإذا قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه لا يقوله إلا بعد اجتهاد في معرفة صحته .
وأما أهل الحديث قاطبة . أو معظمهم ، فإن المراسيل عندهم واهية غير
__________
(1) وإليه جنح جمع من المحدثين ، وهو رواية عن أحمد إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه ، وحكاه النووي في " شرح المهذب " عن كثير من الفقهاء ، بل أكثرهم ، ونسبه الغزالي إلى الجمهور ، وادعى ابن جرير الطبري وابن الحاجب إجماع التابعين على قبوله ، وتوزعا في دعوى الإجماع بما نقل من عدم الاحتجاج به عن بعض التابعين كسعيد بن المسيب وابن سيرين والزهري ، فلو قيل : باتفاق جمهور التابعين لكان أقرب إلى الصواب . وذكر الإمام أبو داود صاحب " السنن " في رسالته إلى أهل مكة المتداولة بين أهل العلم بالحديث : وأما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري ، ومالك بن أنس والأوزاعي حتى جاء الشافعي فتكلم فيه وتابعه عليه أحمد وغيره .
نقول : وقد اشترط القائلون بالمرسل أن يكون المرسل ثقة ، وأن يكون متحرياً لا يرسل إلا عن الثقات ، فإن لم يكن في نفسه ثقة أو لم يكن محتاطاً في روايته . فمرسله غير مقبول . فإن قيل : ما الحامل لمن كان لا يرسل إلا عن ثقة على الإرسال ؟ فالجواب – وهو للحافظ ابن حجر – أن له أسباباً منها أن يكون سمع الحديث عن جماعة ثقات وصح عنده ، فيرسل اعتماداً على صحته عن شيوخه ، كما صح عن إبراهيم النخعي أنه قال : ما حدثتكم عن ابن مسعود ، فقد سمعته عن غير واحد ، وما حدثتكم به وسميت ، فهو عمن سميت ، ومنها أن يكون نسي من حدثه وعرف المتن ، فذكره مرسلاً ، لأن أصل طريقته أن لا يحمل إلا عن ثقة ، ومنها أن لا يقصد التحديث بل يذكره على وجه المذاكرة ، أو على جهة الفتوى ، فيذكر المتن ، لأن المقصود في تلك الحالة دون السند ، لا سيما إذا كان السامع عارفاً بمن روى فتركه لشهرته وغير ذلك من الأسباب .

محتج بها ، وإليه ذهب الشافعي (1) ، وأحمد بن حنبل ، وهو قول ابن المسيب ، والزهري ، والأوزاعي ، ومَن بعدهم من فقهاء الحجاز .
ومن هؤلاء الذين قالوا برد المراسيل : من قَبِلَ مرسل الصحابي ، لأنه يحدث عن الصحابي ، وكلهم عدول .
ومنهم من أضاف إليه مراسيل التابعين ، لأنهم يروون عن الصحابة .
ومنهم من خصص كبار التابعين ، كابن المسيب ، ويحكى أنه قول الشافعي ، وأنه قبل مراسيل ابن المسيب وحده ، واحتُج له بأنه وجدها مسندة (2) .
والمختار على قياس رد المرسل أن التابعي والصحابي إذا عُرف بصريح
__________
(1) صرح الإمام الشافعي رحمه الله في " الرسالة " ص 193 ، 197 أنه يقبل المرسل بشروط :
أحدها : أن يكون المرسل ممن يروي عن الثقات أبداً ولا يخلط روايته .
ثانيها : أن يكون بحيث إذا شارك أهل الحفظ في أحاديثهم وافقهم ولم يخالفهم إلا بنقص لفظ لا يختل به المعنى .
ثالثها : أن يكون من كبار التابعين الذي التقوا بعدد كبير من الصحابة كسعيد بن المسيب ، وهذا الشرط وإن كان منصوصاً في كلام الشافعي في " الرسالة " ص : 461 ، فقد خالفه عامة أصحابه ، فأطلقوا القول بقبول مراسيل التابعين إذا وجدت فيها الشروط الباقية .
رابعها : أن يعتضد ذلك الحديث المرسل بمسند يجيء من وجه آخر صحيح أو حسن أو ضعيف ، أو بمرسل آخر لكن بشرط أن يكون ذلك المرسل يخرجه من ليس يروي عن شيوخ راوي المرسل الأول ليغلب على الظن عدم اتحادهما ، وكذا إذا اعتضد بقول بعض الصحابة ، أو فتوى عوام أهل العلم .
(2) ذكر العلامة الكوثري رحمه الله في تعليقاته على ذيول " تذكرة الحفاظ " ص : 329 أن الشافعي رحمه الله رد مراسيل ابن المسيب في زكاة الفطر بمدين من حنطة ، وفي التولية في الطعام قبل استيفائه ، وفي دية المعاهد ، وفي قتل من ضرب أباه .

خبره أو بعادته أنه لا يروي إلا عن صحابي ، قُبل مرسله ، وإن لم يعرف ذلك ، فلا يقبل ، لأنهم قد يروون عن غير الصحابي من الأعرابي الذي لا صحبة له .

الفرع السادس : في الموقوف
وهو على أنواع :
أحدها : الموقوف عن الصحابي ، وقلما يخفى على أهل العلم .
وذلك : أن يروي الحديث مسندًا إلى الصحابي ، فإذا بلغ إلى الصحابي قال : إنه كان يقول كذا وكذا ، أو كان يفعل كذا وكذا ، أو كان يأمر بكذا وكذا ، ونحو ذلك .
الثاني : الموقوف على أحد الرواة قبل الصحابي .
مثل : أن يقول أحد رواة الحديث : قال ابن مسعود ، ولم يكن قد أدركه ولا رآه ، فهذا موقوف عند ذلك الراوي ، وإن كان اللفظ لابن مسعود . وهذا أحد أنواع المرسل ، وهو أحد قسمي المنقطع .
الثالث : أن يكون موقوفًا على أحد رواته ، وهو مسند في الأصل ، إلا أن أحد رواته قصَّر به فلم يرفعه ، وهو أحد نوعي المعضل .
الرابع : ما يوهم لفظه أنه مسند ، وليس بمسند ، كما روى المغيرة بن شعبة قال :

كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَعون بابه بالأظافير (1) ، فهذا يوهم لذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه أنه مسند ، وليس كذلك ، إنما هو موقوف على صحابي حكى عن أقرانه من الصحابة فعلاً ، ولم يُسنده واحد منهم (2) .

الفرع السابع : في ذكر التواتر والآحاد
وصول الحديث إلينا لا يخلو من أحد طريقين ، إما بطريق التواتر ، وإما بطريق الآحاد ، ولكل واحد منهما شرح وبيان وأحكام يحتاج إلى ذكرها لئلا تخلو هذه المقدمة منها.
والكلام في ذكرهما ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : في ذكر التواتر ، وهو حكم يتعلق بالأخبار
وحدُّ الخبر : ما دخله الصدق أو الكذب ، أو تطرق إليه التصديق أو التكذيب ، وذلك أولى من قولهم : «ما دخله الصدق أو الكذب» ، فإن كلام الله تعالى لا يدخله الكذب ، والإخبار عن المحالات لا يدخله الصدق .
__________
(1) أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " 2/515 من حديث أنس بن مالك أن أبواب النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقرع بالاظافير . وفي سنده أبو بكر بن عبد الله الأصفهاني وهو مجهول ، ومحمد بن مالك بن المنتصر ذكره ابن حبان في " الثقات " ، وقال الذهبي : لا يعرف وأخرجه الحاكم في " معرفة علوم الحديث " ص 19 من حديث المغيرة باللفظ الذي ساقه المصنف ، وإسناده ضعيف .
(2) هذا معنى كلام الحاكم في " معرفة علوم الحديث " ص 19 ، وذكر الخطيب البغدادي في " الجامع بين آداب الراوي والسامع " مثل ذلك ، ورده ابن الصلاح في " المقدمة " 12 ، بقوله : بل هو مرفوع ، وهو بأن يكون مرفوعاً أحرى ، لكونه أحرى باطلاعه صلى الله عليه وسلم ، والحاكم معترف بكون ذلك من قبيل المرفوع ، لأنه قد عد قوله " كنا نفعل " مرفوعاً ، فهذا أحرى منه .

والتواتر يفيد العلم ، وذلك ظاهر ، لا خلاف فيه ، إلا في قول ضعيف قليل وله أربعة شروط :
الشرط الأول : أن يُخْبِر عن علم لا عن ظن ، فإن أهل بلد عظيم لو أخبروا عن طائر أنهم ظنوا أنه حمام ، أو عن شخص أنهم ظنوا أنه زيد ، لم يحصل لنا العلم بكونه حمامًا أو زيدًا .
الشرط الثاني: أن يكون علمهم ضروريًا مستندًا إلى محسوس إذا لو أخبرونا عن حدوث العالم أو عن صدق الأنبياء لم يحصل لنا العلم .
الشرط الثالث : أن يستوي طرفاه وواسطته في هذه الصفات وفي كمال العدد ، فإذا نقل الخلف عن السلف ، وتوالت الأعصار ، ولم تكن الشروط قائمة في كل عصر ، لم يحصل العلم بصدقهم ، لأن خبر أهل كل عصر مستقل بنفسه ، فلابد فيه من الشروط ، ولأجل ذلك لم يحصل لنا العلم بصدق اليهود - مع كثرتهم - في نقلهم عن موسى عليه السلام تكذيب كل ناسخ لشريعته ، ولا بصدق الشيعة بنقل النص على إمامة علي - كرم الله وجهه- ، والبكرية على إمامة أبي بكر - رضي الله عنه -.
ولأن هذا وضعه الآحاد أولاً ، وأفشوه ، ثم كثر الناقلون في عصره وبعده في الأعصار ، فلذلك لم يحصل التصديق ، بخلاف وجود موسى عليه السلام وتحديه بالنبوة ، ووجود أبي بكر وعلي - رضي الله عنهما - وانتصابهما للإمامة ، فإن ذلك لما تساوى فيه الأطراف والوساطة ، حصل لنا العلم الضروري الذي لا نقدر على تشكيك أنفسنا فيه ، ونقدر على التشكيك فيما نقلوه عن موسى

وأبي بكر وعلي .
والشرط الرابع : العدد ، وعدد المخبرين ينقسم إلى ناقص ، فلا يفيد العلم ، وإلى كامل ، فيفيد العلم ، وإلى زائد يحصل العلم ببعضه ، وتقع الزيادة فضْلة .
والكامل وهو أقل عدد يورث العلم ، ليس معلوماً لنا ، لكنَّا بحصول العلم الضروري نتبيَّن كمال العدد ، لا أنَّا بكمال العدد نستدل على حصول العلم .
ثم العدد الذي يفيد العلم يفيده في كل واقعة وكل شخص ، بحيث إنه متى وجد العدد أفاد العلم لكل من سمعه في كل (1) واقعة وذلك إذا تجرد الخبر عن القرائن .
فأما إذا اقترن الخبر بقرائن ، فقد اختلف فيه (2) ، فقال قوم : لا أثر لها .
وقال آخرون : لها أثر ، فإن خمسة أو ستة لو أخبرونا عن موت شخص لم يحصل العلم بصدقهم ، لكن إذا انضم إليه خروج والد الميت حاسر الرأس حافيًا ، ممزق الثياب ، مضطرب الحال ، يلطم وجهه ورأسه ، وهو رجل كبير ، ذو منصب ومروءة ، لا يخالف عادته إلا عن ضرورة ، فيجوز أن يكون هذا قرينة تنضم إلى قول أولئك ، فيقوم في التأثير مقام بقية العدد .
فدل ذلك على أن العدد يجوز أن يختلف بالوقائع وبالأشخاص ، فرب شخص انغرس في نفسه أخلاق تميل به إلى سرعة التصديق ببعض الأشياء ، فيقوم ذلك مقام القرائن ، وتقوم تلك القرائن مقام خبر بعض المخبرين ، أما متى انتفت القرائن ، فأقل عدد يحصل به العلم الضروري معلوم لله تعالى ، غير معلوم
__________
(1) في المطبوع لم ترد كلمة " كل " .
(2) في المطبوع " فقد اختلف كل فيه " .

لنا ، ولا سبيل لنا إلى معرفته ، لأنَّا
لا ندري متى حصل لنا العلم بوجود مكة ، وبوجود الشافعي مثلاً عند تواتر الخبر إلينا ، وأنه كان بعد خبر المائة والمائتين ، ويعسر علينا تجربة ذلك ، وإن تكلفناها ، فسبيل التكليف أن نراقب أنفسنا إذا قتل رجل في السوق مثلاً وانصرف جماعة من موضع القتل ، ودخلوا علينا يخبرون عن قتله ، فإن قول الأول يحرك الظن ، وقول الثاني والثالث يؤكده ، ولا يزال يتزايد تأكده إلى أن يصير ضروريًا لا يمكننا (1) أن نشكك فيه أنفسنا .
فلو تصور الوقوف على اللحظة التي يحصل العلم فيها ضرورة ، وحفظ حساب المخبرين وعددهم ، لأمكن الوقوف ، ولكن درك تلك اللحظة أيضًا عسير ، فإنه تتزايد قوة الاعتقاد تزايدًا خفي التدريج ، نحو تزايد ضوء الصبح إلى أن يبلغ حد الكمال ، فلذلك بقي هذا في غطاء من الإشكال ، وتعذر على القوة البشرية إدراكه .
فأما ما ذهب إليه قوم من تخصيص عدد التواتر بالأربعين ، أخذًا بعدد الجمعة ، وبالسبعين ، أخذًا من قوله تعالى : {واختار موسى قومَه سَبعين رجلاً لميقاتنا} (الأعراف : الآية 155) وبثلاثمائة وبضعة عشر ، أخذًا بعدد أهل بدر ، فكل ذلك تحكمات فاسدة ، لا تُناسب الغرض ، ولا تدل عليه .
وقال القاضي أبو بكر الباقلاني : إن الأربعة ناقصة عن العدد الكامل ، لأنها بينة شرعية تحصل بها غلبة الظن ، ولا يُطلب الظن فيما يعلم ضرورة ، قال : والخمسة لا تَوَقُّف فيها .
__________
(1) في المطبوع ولا يمكننا .

فإذًا لا سبيل لنا إلى حصر العدد ، لكنا بالعلم الضروري نستدل على أن العدد الذي هو كامل عند الله تعالى قد توافقوا على الإخبار .
وقد شرط قوم لعدد التواتر شروطًا فاسدة .
منها : أن لا يحصرهم عدد ولا يحويهم بلد .
ومنها : أن تختلف أنسابهم فلا يكونوا بني أب واحد ، وتختلف أوطانهم فلا يكونوا من محلة واحدة ، وتختلف أديانهم ، فلا يكونوا من مذهب واحد .
ومنها : أن يكونوا أولياء المؤمنين .
ومنها : أن يكونوا غير محمولين بالسيف على الإخبار .
ومنها : أن يكون الإمام المعصوم في جملة المخبرين ، وهذا شَرَطَه الرافضة .
القسم الثاني : في أخبار الآحاد
وهي ما لا ينتهي إلى حد خبر التواتر المفيد للعلم ، فما نقله جماعة من خمسة أو ستة مثلاً ، فهو خبر واحد .
قال إمام الحرمين : ولا يُراد بخبر الواحد الخبر الذي ينقله الواحد ، ولكن كل خبر عن جائز ممكن ، لا سبيل إلى القطع بصدقه ، ولا إلى القطع بكذبه ، لا اضطرارًا ولا استدلالاً ، فهو خبر الواحد وخبر الآحاد ، سواء نقله واحد أو جمع منحصرون .
قال : وقد يُخبر الواحد ، فيُعلَم صدقه قطعًا ، كالنبي- صلى الله عليه وسلم - فيما يخبر به عن الغائبات ، ولا يُعَدُّ من أخبار الآحاد .

وخبر الواحد لا يفيد العلم (1) ، ولكنا مُتَعَبَّدُون به .
وما حكي عن المحدثين من أن ذلك يورث العلم ، فلعلهم أرادوا أنه يفيد العلم بوجوب العمل ، أو سمَّوا الظن علمًا ، ولهذا قال بعضهم : يورث العلم الظاهر ، والعلم ليس له ظاهر وباطن ، وإنما هو الظن .
وقد أنكر قوم جواز التعبد بخبر الواحد عقلاً ، فضلاً عن وقوعه سمعًا ، وليس بشيء.
وذهب قوم إلى أن العقل يدل على وجوب العمل بخبر الواحد ، وليس بشيء ، فإن الصحيح من المذهب والذي ذهب إليه الجماهير من سلف الأئمة من الصحابة والتابعين والفقهاء والمتكلمين : أنه لا يستحيل التعبد بخبر الواحد عقلاً . ولا يجب
__________
(1) سواء أكان مما اتفق الشيخان على روايته في " صحيحيهما " أم رواه أحدهما ، أم رواه غيرهما على شرطهما ، وسواء أكان في طريقه إمام أم لم يكن ، وهو مذهب المحققين وأكثر العلماء ، واستدلوا على هذا بجواز الخطأ والنسيان على الثقة عقلاً ، ومع هذا الجواز العقلي لا يمكن ادعاء القطع ، فإنه لا يمكن ادعاؤه إلا إذا انتفى ما يعارضه ويأتي عليه . قال الإمام النووي رحمه الله في " شرح مسلم " 1/20 : فإنهم – أي : المحققين – قالوا : إن أحاديث " الصحيحين " التي ليست متواترة إنما تفيد الظن ، لأنها آحاد ، والآحاد إنما تفيد الظن كما تقرر ، ولا فرق بين البخاري ومسلم وغيرهما في ذلك ، وتلقي الأمة بالقبول إنما أفادنا وجوب العمل بما فيهما ، وهذا متفق عليه ، فإن أخبار الآحاد في غيرهما يجب العمل بها إذا صحت أسانيدها ولا تفيد إلا الظن ، وكذا " الصحيحان " ، وإنما يفترق " الصحيحان " وغيرهما من الكتب في كون ما فيها صحيحاً لا يحتاج إلى النظر فيه ، بل يجب العمل به مطلقاً ، وما كان في غيرهما لا يعمل به حتى ينظر فيه ، وتوجد فيه شروط الصحيح ، ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه كلام النبي صلى الله عليه وسلم .
نقول : ومن مارس صناعة الحديث وفحص متونها وأسانيدها وتتبعها تتبعاً دقيقاً لا يسعه إلا أن يسلم بما نقله الإمام النووي رحمه الله عن المحققين وارتضاه .

التعبد به عقلاً ، وأن التعبد واقع سمعًا ، بدليل قبول الصحابة لخبر الواحد ، وعملهم به في وقائع شتى لا تنحصر ، وإنفاذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسله وقضاته وأمراءه وسُعَاته إلى الأطراف ، وهم آحاد ، وبإجماع الأمة على أن العامي مأمور بإتباع المفتي وتصديقه ، مع أنه ربما يخبر عن ظنه ، فالذي يخبر عن السماع الذي لا شك فيه أولى بالتصديق .

الفصل الثاني : في الجرح والتعديل ، وفيه ثلاثة فروع
الفرع الأول : في بيانهما وذكر أحكامهما
الجرح : وصف متى التحق بالراوي والشاهد سقط الاعتبار بقوله ، وبطل العمل به .
والتعديل : وصف متى التحق بهما اعتُبِرَ قولهما وأُخِذَ به .
ثم التزكية والجرح : هل يُشترط فيهما عدد المزكِّي والجارح ، أم لا ؟ فيه خلاف.
قال قوم : لا يشترط العدد في الرواية ، ويشترط في الشهادة .
[وقال آخرون : يشترط فيهما] (1) .
وقال آخرون : لا يشترط فيهما ، والأول أصح (2) ، لأن الرواية نفسها تثبت
__________
(1) ما بين معقفين لم يرد في الأصل ، وأثبتناه عن المطبوع .
(2) ورجحه الآمدي " في الإحكام في أصول الأحكام " 2/121 ونقله عن الأكثرين ، ونقله -[127]- ابن عمرو بن الحاجب في " المختصر " 2/64 أيضاً عن الأكثرين ، وقال ابن الصلاح في " المقدمة " ص 119 : والصحيح الذي اختاره الخطيب وغيره أنه يثبت في الرواية بواحد ، لأن العدد لم يشترط في قبول الخبر فلم يشترط في جرح راويه وتعديله بخلاف الشهادة .

بالواحد ، فكان جرحها وتزكيتها أولى .
أما سبب الجرح ، فيجب ذكره دون سبب التعديل ، إذ قد يجرح بما لا يراه جارحًا ، لاختلاف المذاهب فيه (1) .
وأما العدالة : فليس لها سبب واحد ، فتفتقر إلى ذكره .
وقال قوم : مطلق الجرح يُبْطل الثقة ، ومطلق التعديل لا تحصل به الثقة ، لتسارع الناس إلى البناء على الظاهر ، فلابد من ذكر سببه .
وقال آخرون : لا يجب ذكر سببهما جميعًا ، لأنه إن لم يكن بصيرًا بهذا الأمر ، فلا يصلح للتزكية والجرح ، وإن كان بصيرًا ، فأي معنى للسؤال ؟ .
__________
(1) قال أبو عمرو بن الصلاح في " المقدمة " ص 117 : وأما الجرح فإنه لا يقبل إلا مفسراً مبين السبب ، لأن الناس يختلفون فيما يجرح وما لا يجرح ، فيطلق أحدهم الجرح بناء على أمر اعتقده جرحاً ، وليس بجرح في نفس الأمر ، فلا بد من بيان سببه لينظر فيما هو جرح أم لا . وهذا ظاهر مقرر في الفقه وأصوله ، وذكر الخطيب الحافظ أنه مذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده مثل البخاري ومسلم وغيرهما ، لذلك احتج البخاري بجماعة سبق من غيره الجرح لهم كعكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما وكإسماعيل بن أبي أويس وعاصم بن علي وعمرو بن مرزوق وغيرهم ، واحتج مسلم بسويد بن سعيد وجماعة اشتهر الطعن فيهم ، وهكذا فعل أبو داود السجستاني ، وذلك دال على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يثبت إلا إذا فسر سببه ، ومذاهب النقاد للرجال غامضة ومختلفة . وقال العلامة عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن البخاري المتوفى سنة 730 هـ في كشف الأسرار شرح أصول البزدوي 3/68 : أما الطعن من أئمة الحديث فلا يقبل مجملاً – أي : مبهماً – بأن يقول : هذا الحديث غير ثابت ، أو منكر ، أو فلان متروك الحديث ، أو ذاهب الحديث ، أو مجروح ، أو ليس بعدل من غير أن يذكر سبب الطعن ، وهو مذهب عامة الفقهاء والمحدثين .

والصحيح : أن هذا يختلف باختلاف أحوال المزكي ، فمن حصلت الثقة ببصيرته ، وضبطه يُكتفى بإطلاقه ، ومن عُرِفَت عدالته في نفسه ولم تعرف بصيرته بشرط العدالة ، فقد يُراجَعُ ويستَفْسَر .
أما إذا تعارض الجرح والتعديل ، فإنه يُقدم الجرح (1) ، فإنه اطلاع على زيادة وصف ما اطلع عليها المعدل ولا نفاها ، فإن نفاها ، بطلت عدالة
__________
(1) جاء في " طبقات الشافعية " للعلامة التاج السبكي في ترجمة أحمد بن صالح المصري 1/188 ما نصه : الحذر كل الحذر أن تفهم أن قاعدتهم " الجرح مقدم على التعديل " على إطلاقها ، بل الصواب أن من ثبتت إمامته وعدالته ، وكثر مادحوه ، وندر جارحوه ، وكان هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره لم يلتفت إلى جرحه . وفيه أيضاً 1/190 : قد عرفناك أن الجارح لا يقبل منه الجرح وإن فسره في حق من غلبت طاعاته على معاصيه ، ومادحوه على ذاميه ، ومزكوه على جارحيه إذا كانت هناك منافسة دنيوية كما يكون بين النظراء أو غير ذلك ، وحينئذ فلا يلتفت لكلام الثوري وغيره في أبي حنيفة ، وابن أبي ذئب وغيره في مالك ، وابن معين في الشافعي ، والنسائي في أحمد بن صالح ونحوه ، ولو أطلقنا تقديم الجرح لما سلم لنا أحد من الأئمة ، إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون ، وهلك فيه هالكون .
نقول: وقد غفل عن هذا الأصل العظيم – أو تغافل – الشيخ ناصر الألباني في كتابه " الأحاديث الضعيفة " 5/76 ، 78 ، فنبز الإمام أبا حنيفة المتفق على جلالته بسوء الحفظ ، تقليداً لمقالة من طعن فيه بسبب العداوة المذهبية ، ولم يذكر إلى جانب ذلك أقوال مزكيه ومعدليه – وهم بحمد الله تعالى أئمة أثبات ثقات – وهو مناف للروح العلمية النزيهة ، وما نقله عن عُداة هذا الإمام وخصومه لا يلتفت إليه عند المحققين من العلماء ذوي النصفة ، كما تجد ذلك مفصلاً في " الرفع والتكميل " و " التعليق الممجد " للإمام اللكنوي " ، و " تأنيب الخطيب " و " مقدمة نصب الراية " للعلامة الكوثري ، وغيرها . وكفى بالعداوة المذهبية مسوغاً لرد كل ما قيل في حق هذا الإمام العظيم من أقاويل مزيفة ظالمة .
وما مثل من يتكلم في مثل هذا الإمام إلا كما قال أعشى قيس :
كناطِحٍ صخرةً يوماً لِيَفْْلِقَها ... فلم يضِرْها وأوهى قَرْنَهُ الوَعِل

المزكي ، إذ النفي لا يُعلم إلا إذا نفى جرحه بقتل إنسان مثلاً ، فقال المعدِّل : رأيته حيًا بعده ، وحينئذ يتعارضان.
وقال قوم : إن عدد المعدل إذا زاد ، قُدِّم على الجارح ، وهو ضعيف ، لأن سبب تقدم الجرح إنما هو اطلاع الجارح على مزيد وصف ، فلا ينتفي بكثرة العدد .
والتزكية : تكون بالقول (1) أو بالرواية عنه ، أو بالعمل بخبره ، أو بالحكم بشهادته.
وأعلى هذه الأسباب : صريح القول . وتمامه أن يقول : هو عدل رضي ، لأني عرفت منه كيت وكيت ، فإن لم يذكر السبب ، وكان بصيرًا بشروط العدالة ، كفى .
وأما الرواية عن المزكي ، فقد اختلف في كونها تعديلاً ، والصحيح : أن من عرف من عادته ، أو من صريح قوله أنه لا يستجيز الرواية إلا عن عدل ، كانت الرواية تعديلاً ، وإلا فلا (2) ، إذ من عادة أكثرهم الرواية عن كل من سمعوه ولو
__________
(1) وتكون باستفاضة عدالته ، واشتهاره بالتوثيق والاحتجاج به بين أهل العلم ، وشيوع الثناء عليه كالأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة وشعبة والثوري وابن عيينة وابن المبارك والأوزاعي ويحيى بن معين وابن المديني ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر واستقامة الأمر ، قال القاضي أبو بكر الباقلاني : الشاهد والمخبر إنما يحتاجان إلى التزكية إذا لم يكونا مشهورين بالعدالة والرضى ، وكان أمرهما مشكلاً ملتبساً ومجوزاً فيهما العدالة وغيرها ، والدليل على ذلك أن العلم بظهور سرهما ، واشتهار عدالتهما أقوى في النفوس من تعديل واحد واثنين يجوز عليهما الكذب والمحاباة .
(2) الصحيح في هذا ما ذهب إليه ابن الصلاح والنووي والعراقي وغيرهم ، من أن رواية الثقة عن شخص لم يعرف حاله لا يكون توثيقاً له ، ولو كان الراوي معروفاً بأنه لا يروي إلا عن ثقة ، كمالك وشعبة ويحيى القطان ، لجواز رواية العدل عن غير العدل ، فلم تتضمن روايته عنه تعديله ، وكذلك -[130]- لا يجزئ التعديل على الابهام من غير تسمية المعدل ، فإذا قال : حدثني الثقة ، أو نحو ذلك مقتصراً عليه ، لم يكتف به على الصحيح حتى يسميه ، لأنه وإن كان ثقة عنده فربما لو سماه لكان ممن جرحه غيره بجرح قادح ، بل إضرابه عن تسميته ريبة توقع تردداً في القلب ، قال السخاوي : من كان لا يروي إلا عن ثقة إلا في النادر : الإمام أحمد ، وبقي بن مخلد ، وحريز بن عثمان ، وسليمان بن حرب وشعبة والشعبي وعبد الرحمن بن مهدي ومالك ويحيى بن سعيد القطان .

كُلُّفوا الثناء عليهم سكتوا .
وأما العمل بالخبر ، فإن أمكن حمله على الاحتياط ، أو على العمل بدليل آخر ، ووافق الخبر ، فليس بتعديل ، وإن عرف يقينًا أنه عمل بالخبر ، فهو تعديل ، إذ لو عمل بخبر غير العدل لفَسَقَ ، وبطلت عدالته (1) .
وأما الحكم بالشهادة ، فذلك أقوى من تزكيته بالقول ، وأما تركه العمل بشهادته وبخبره ، فليس جرحًا ، إذ قد يتوقف في شهادة العدل وروايته لأسباب سوى الجرح .

الفرع الثاني : في جواز الجرح ووقوعه (2)
قد عاب بعضُ من لا يفهم على أهل الحديث الكلام في الرجال ، لأنهم
__________
(1) الذي جزم به ابن الصلاح والنووي وغيرهما أن العمل بالحديث لا يدل على صحته ولا على ثقة راويه ، كما أن ترك العمل به لا يدل على ضعفه والقدح فيه .
(2) قال الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمة أبي بكر رضي الله عنه من كتابه " تذكرة الحفاظ " 1/4 : حق على المحدث أن يتورع فيما يؤديه ، وأن يسأل أهل المعرفة والورع ليعينوه على إيضاح مروياته ، ولا سبيل إلى أن يصير العارف الذي يزكي نقلة الأخبار ويجرحهم جهبذاً إلا بإدمان الطلب ، والفحص عن هذا الشأن وكثرة المذاكرة والسهر والتيقظ والفهم مع التقوى والدين المتين والإنصاف والتردد إلى العلماء والإتقان وإلا تفعل
فدع عنك الكتابة لست منها ... ولو سودت وجهك بالمداد
فإن آنست من نفسك فهماً وصدقاً وديناً وورعاً ، وإلا فلا تتمن ، وإن غلب عليك الهوى والعصيبة لرأي ولمذهب فبالله لا تتعب ، وإن عرفت أنك مخلط مخبط مهمل لحدود الله ، فأرحنا منك .

لم يقفوا على الغرض من ذلك ، ولا أدركوا المقصد فيه ، وإنما حمل أصحاب الحديث على الكلام في الرجال ، وتعديل من عدَّلوا ، وجرح من جرحوا ، الاحتياط في أمور الدين ، وحراسة قانونه ، وتمييز مواقع الغلط والخطأ في هذا الأصل الأعظم الذي عليه مبنى الإسلام وأساس الشريعة .
ولا يُظَنّ بهم أنهم أرادوا الطعن في الناس والغيبة والوقيعة فيهم ، ولكنهم بيَّنوا ضعف من ضعفوه ، لكي يُعرف فتُجتنب الرواية عنه والأخذ بحديثه ، تورعًا وحِسبة وتثبتًا في أمر الدين ، فإن الشهادة في الدين أحق وأولى أن يُتَثَبَّتَ فيها من الشهادة في الحقوق والأموال ، فلهذا افترضوا على أنفسهم الكلام في ذلك وتبيين أحوال الناس ، وهو من الأمور المتعينة العائدة بالنفع العظيم في أصول الدين .
قال ابن سيرين : كانوا في الزمن الأول لا يسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتن سألوا عن الإسناد ، ليأخذوا حديث أهل السنة ، ويدعوا حديث أهل البدع ، فإن
القوم كانوا أصحاب حفظ وإتقان ، ورُبَّ رجل وإن كان صالحًا ، لا يقيم الشهادة ولا يحفظها .
وكل من كان متهمًا بالكذب في الحديث ، أو كان مغفلاً يُخطئ كثيرًا ، فالذي اختاره أهل العلم من الأئمة : أن لا (1) يُشتغل بالرواية عنه .
وقد تكلم جماعة من أهل الحديث في جماعة من أكابر العلماء ، وضعفوهم
__________
(1) سقطت كلمة " لا " من المطبوع .

من قبل حفظهم ، ووثقهم آخرون لجلالتهم وصدقهم ، وإن كانوا قد وَهِمُوا في بعض ما رووا ، ألا ترى أن الحسن البصري وطاوسًا قد تكلما في معبد الجُهَنِّي (1) وتكلم سعيد بن جبير في طَلْق بن حبيب (2) . وتكلم إبراهيم النخعي وعامر الشعبي في الحارث الأعور (3) .
وكذلك أيوب السختياني ، وعبد الله بن عون ، وسليمان التيمي ، وشعبة بن الحجاج ، وسفيان الثوري ، ومالك بن أنس ، والأوزاعي ، وعبد الرحمن بن مهدي ، ويحيى بن سعيد القطان ، ووكيع بن الجراح ، وعبد الله بن المبارك ، وغير هؤلاء من أئمة الحديث والفقه قد تكلموا في الرجال وضعفوهم .
__________
(1) ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من تابعي أهل البصرة ، ووثقه ابن معين وأبو حاتم والذهبي وغيرهم . وقال أبو موسى إسحاق الجوزجاني : كان قوم يتكلمون في القدر احتمل الناس حديثهم لما عرفوا من اجتهادهم في الدين والصدق والأمانة ، لم يتوهم عليهم الكذب وإن بلوا بسوء رأيهم ، فمنهم قتادة ومعبد الجهني وهو رأسهم ، وقال الدارقطني : حديثه صالح ، ومذهبه رديء ، وكلام الحسن وطاوس فيه في الحذر من مذهبه فلا يكون تضعيفاً له .
(2) هو طلق بن حبيب العنزي البصري من صلحاء التابعين وعبادهم وثقه ابن سعد وأبو حاتم وأبو زرعة وابن حبان والعجلي وغيرهم ، وكلام ابن جبير فيه لكونه رمي بالإرجاء . أخرج حديثه مسلم والبخاري في " الأدب المفرد " وأصحاب " السنن " .
(3) هو الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني بسكون الميم الحوتي – بطن من همدان – الكوفي صاحب الإمام علي رضي الله عنه . كان من أوعية العلم فقيهاً فرضياً ويفضل علياً على أبي بكر ، وقد وثقه ابن معين والنسائي وأحمد بن صالح وابن أبي داود وغيرهم ، وتكلم فيه الثوري وابن المديني وأبو زرعة وابن عدي والدارقطني وابن سعد وأبو حاتم وغيرهم ، قال الذهبي في " ميزان الاعتدال " 1/437 : والجمهور على توهين أمره مع روايتهم لحديثه في الأبواب ، فهذا الشعبي يكذبه ، ثم يروي عنه ، والظاهر أنه كان يكذب في لهجته وحكاياته ، وأما في الحديث النبوي ، فلا ، والنسائي مع تعنته في الرجال قد احتج به وقوى أمره .

وعلى ذلك جاء الناس بعدهم ، ما زالوا يتكلمون في الرجال ليعرفوا .
كيف والمسلمون مجمعون على أنه لا يجوز الاحتجاج في أحكام الشريعة إلا بحديث الصدوق العاقل الحافظ ؟ فيكفي هذا مبيحًا لجرح من ليس هذا صفته ، وتبيين حاله ، ليُعلم عمن تؤخذ الأدلة ، وتُتَلَقَّى الرواية .

الفرع الثالث : في بيان طبقات المجروحين
الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - جميعهم عدول بتعديل الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم- ، لا يحتاجون إلى بحث عن عدالتهم .
وعلى هذا القول مُعظم المسلمين من الأئمة والعلماء من السلف والخلف .
وذهب جمهور المعتزلة إلى أن عائشة وطلحة والزبير ومعاوية . وجميع أهل العراق والشام فُسَّاق بقتالهم الإمام الحق ، يعنون عليًا كرم الله وجهه .
وقال قوم من سلف القدرية : يجب رد شهادة علي ، والزبير ، وطلحة ، مجتمعين ومتفرقين ، لأن فيهم فاسقًا لا بعينه .
وقال قوم : تقبل شهادة كل واحد منهم إذا انفرد ، لأنه لم يتعين فسقه ، أما إذا كان مع مخالفه ، رُدَّت شهادته ، إذ يُعلم أن أحدهما فاسق .
وشك بعضهم في فسق عثمان - رضي الله عنه - وقَتَلَتِه .
وكل هذا جُرأة على السلف تخالف السنة ، فإن ما جرى بينهم كان مبنيًا على الاجتهاد ، وكل مجتهد مصيب (1) ، والمصيب واحد مثاب ، والمخطئ معذور ، لا تردُّ شهادته .
__________
(1) في المطبوع : مصيباً ، وهو خطأ .

وقال قوم : ليس ذلك أمرًا مجتهدًا فيه ، فإن قتلة عثمان والخوارج مخطئون قطعًا ، لكن جهلوا خطأهم ، فكانوا متأولين ، والفاسق المتأول لا ترد روايته ، وهذا أقرب من المصير إلى سقوط تعديل القرآن للصحابة .
[تعريف الصحابة]
ثم الصحبة من حيث الوضع تنطبق على من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو ساعة ، لكن العرف يخصص الاسم بمن كثرت صحبته ، ولا حدَّ لتلك الكثرة بتقدير ، بل بتقريب .
وقيل : هو من اجتمع فيه أمران . أحدهما : هذا . والآخر : أن تكون صحبته طالت معه على سبيل الأخذ عنه ، والإتِّباع له ، لأن من أطال مجالسة العالم ، لا على سبيل الاستفادة والإتباع له ، لا يدخل في زمرة أصحابه (1) .
ولمعرفة الصحابي طريقان :
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر في " الإصابة " 1/4 ، 5 في تعريف الصحابي : أصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي : من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ، ومات على الإسلام . فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته أو قصرت ، ومن روى عنه أو لم يرو ، ومن غزا معه أو لم يغز ، ومن رآه رؤية ولم يجالسه ، ومن لم يره لعارض كالعمى ، ثم بين أنه يدخل في قوله " مؤمناً به " كل مكلف من الجن والإنس ، وأنه يخرج من التعريف من لقيه كافراً وإن أسلم بعد ذلك ، وكذلك من لقيه مؤمناً بغيره ، كمن لقيه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة ، وكذلك من لقيه مؤمناً ثم ارتد ومات على الردة والعياذ بالله ، ويدخل في التعريف من لقيه مؤمناً ثم ارتد ، ثم عاد الإسلام ومات مسلماً كالأشعث بن قيس ، فإنه ارتد ثم عاد إلى الإسلام ومات مسلماً ، وقد اتفق أهل الحديث على عده من الصحابة . ثم قال وهذا التعريف مبني على الأصح المختار عند المحققين كالبخاري وشيخه أحمد بن حنبل وغيرهما .

أحدهما : يوجب العلم ، وهو الخبر المتواتر ، أنه صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم- .
والآخر : يوجب الظنَّ ، وهو إخبار الثقة والنقل الصحيح .
هذا حكم عدالة الصحابة - رضي الله عنهم - باختلاف الناس فيهم .
وأما من جاء بعدهم فالكلام فيهم يطول ، ولا يخلو قوم من عدالة أو فسق ، والعدالة قليلة ، وأسباب الفسق كثيرة ، فكل من عَرِي عن شرط من شروط الرواية أو الشهادة التي تقدم ذكرها ، فهو مجروح لا يقبل قوله .
[طبقات المجروحين]
وطبقات المجروحين كثيرة ، وقد أوردنا منها في هذا الفرع عشر طبقات ، ذكرها الحاكم - رحمه الله تعالى - .
الطبقة الأولى
وهي أعظم أنواع الجرح ، وأخبث طبقات المجروحين : الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . وقد قال - صلى الله عليه وسلم- : «من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار» .
وهي كبيرة من الكبائر ، وقد ارتكبها جماعة كثيرة ، اختلفت أغراضهم ومقاصدهم في ارتكابها .
فممن ارتكبها ، قوم من الزنادقة ، مثل المغيرة بن سعيد الكوفي (1) ، ومحمد بن سعيد الشامي المصلوب في الزندقة (2) ، وغيرهما ، وضعوا الأحاديث وحدَّثوا
__________
(1) كذبه غير واحد من الأئمة كما تجد ذلك في ترجمته في " الميزان " 4/160 ، 162 قتله خالد بن عبد الله القسري في حدود العشرين ومائة لادعائه النبوة .
(2) كذبه أحمد وابن حبان والجوزجاني والحاكم ، وقال النسائي : الكذابون المعروفون بوضع الحديث أربعة ، إبراهيم بن أبي يحي بالمدينة ، والواقدي ببغداد ، ومقاتل بخراسان ومحمد بن سعيد بالشام -[136]- وذكر خالد بن يزيد الأزرق عنه أنه كان يقول : إذا كان الكلام حسناً لم أبال أن أجعل له إسناداً . وقال العقيلي : يغيرون اسمه إذا حدثوا عنه .

بها ليوقعوا بذلك الشك في قلوب الناس .
فمما رواه محمد بن سعيد عن أنس بن مالك في قوله - صلى الله عليه وسلم- : «أنا خاتم النبيين ، ولا نبي بعدي» : «إلا أن يشاء الله (1)» فزاد هذا الاستثناء لما كان يدعو إليه من الإلحاد والزندقة .
ومنهم قوم وضعوا الحديث لهوًى يدعون الناس إليه ، فمنهم من تاب وأقر على نفسه .
قال شيخ من شيوخ الخوارج : بعد أن تاب : إن هذه الأحاديث دين ، فانظروا ممن تأخذون دينكم ، فإنا كنا إذا هوينا أمرًا صيَّرناه حديثًا .
وقال أبو العيناء : وضعت أنا والجاحظ حديث فَدَك ، وأدخلناه على الشيوخ ببغداد ، فقبلوه إلا ابن شيبة العلوي ، فإنه قال : لا يُشبه آخر هذا الحديث أوله ، وأبى أن يقبله .
وقال سليمان بن حرب : دخلت على شيخ وهو يبكي فقلت له : ما يبكيك ؟ قال: وضعت أربعمائة حديث ، وأدخلتها في بارنامج الناس ، فلا أدري كيف أصنع ؟ .
ومنهم جماعة وضعوا الحديث حِسْبَة ، كما زعموا يدعون الناس إلى فضائل
__________
(1) وممن نص على كون الاستثناء موضوعاً الشوكاني في " الفوائد " المجموعة ص 320 وقال : رواه الجوزقاني ولكنه لم ينص على اسم واضعه إنما قال : وضعه أحد الزنادقة .

الأعمال ، مثل أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزي (1) ، ومحمد بن عكاشة الكرماني ، وأحمد بن عبد الله الجُوَيباري وغيرهم .
قيل لأبي عصمة : من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورةً سورة ، وليس عند أصحاب عكرمة هذا ؟ فقال : إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ، ومغازي محمد بن إسحاق ، فوضعت هذا الحديث حِسْبَة .
ومنهم جماعة وضعوا الحديث تقربًا إلى الملوك ، مثل غياث بن إبراهيم (2) ، دخل على المهدي بن منصور ، وكان يُعجبه الحمام الطيارة الواردة من الأماكن البعيدة ، فروى حديثًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال : «لا سَبق إلا في خف ، أو حافر ، أو نصل ، أو جناح (3)» قال : فأمر له بعشرة آلاف درهم ، فلما قام
__________
(1) قال الذهبي في ترجمته من " الميزان " 4/279 : عالم أهل مرو وهو نوح الجامع ، لأنه أخذ الفقه عن أبي حنيفة وابن ليلى ، والحديث عن حجاج بن أرطاة ، والتفسير عن الكلبي ومقاتل ، والمغازي عن ابن إسحاق ، ولي قضاء مرو في خلافة المنصور وامتدت حياته . روى عن الزهري وابن المنكدر ، وعنه نعيم بن حماد وسويد بن نصر ، وحبان بن موسى المراوزة وآخرون . قال أحمد : لم يكن بذاك في الحديث ، وكان شديداً على الجهمية ، وقال مسلم وغيره : متروك الحديث ، وقال الحاكم : وضع أبو عصمة حديث فضائل القرآن الطويل ، وقال البخاري : منكر الحديث ، وقال ابن عدي : عامة ما أوردت له لا يتابع عليه وهو مع ضعفه يكتب حديثه . قال اللكنوي في" الفوائد البهية " ص 221 : هو وإن كان إماماً جليلاً إلا أنه مقدوح فيه عند المحدثين حتى رماه بعضهم بالوضع .
(2) قال أحمد : ترك الناس حديثه ، وروى عباس عن يحيى : ليس بثقة ، وقال الجوزجاني : سمعت غير واحد يقول : يضع الحديث ، وقال البخاري : تركوه .
(3) أخرجه دون الزيادة أحمد وأصحاب " السنن " ، وإسناده صحيح ، وصححه الحاكم ، والسبق بفتح السين -[138]- وسكون الباء مصدر : سبقت أسبق ، وبفتح الباء : ما يجعل من المال رهناً على المسابقة ، ونص الخطابي على أن الرواية الصحيحة بفتح الباء ، والنصل حديدة السهم ، والخف للإبل ، والحافر للخيل .

وخرج ، قال المهدي : أشهد أن قفاك قفا كذاب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : «جناح» ولكن هذا أراد أن يتقرب إلينا ، يا غلام اذبح الحمام ، قال : فذبح حمامًا بمال كثير . فقيل : يا أمير المؤمنين ، وما ذنب الحمام ؟ قال : من أجلهن كُذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- .
وقيل لمأمون بن أحمد المروزي (1) : ألا ترى إلى الشافعي - رحمه الله - وإلى من تبع له بخراسان ؟ فقال : حدثنا أحمد بن عبيد الله ، حدثنا عبيد الله بن معدان الأزدي ، عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «يكون في أمتي رجل يقال له : محمد بن إدريس أضر على أمتي من إبليس ، ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة ، هو سراج أمتي» .
ومنهم : قوم من السُّؤَّال والمكدين يقِفُون في الأسواق والمساجد ، فيضعون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أحاديث بأسانيد صحيحة قد حفظوها ، فيذكرون الموضوعات بتلك الأسانيد .
قال جعفر بن محمد الطيالسي : صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد
__________
(1) ذكره الذهبي في " الميزان " 3/429 ، فقال : مأمون بن أحمد السلمي الهروي عن هشام بن عمار وعنه الجويباري أتى بطامات وفضائح ، قال ابن حبان : دجال ، ويقال له : مأمون بن عبد الله ، ومأمون أبو عبد الله ، وقال : سألته متى دخلت الشام ؟ قال : سنة خمسين ومائتين قلت : فإن هشاماً الذي تروي عنه مات سنة خمس وأربعين ومائتين ، فقال : هذا هشام بن عمار آخر ، ثم ذكر ما وضعه عن الثقات ...

الرصافة ، فقام من بين أيديهما قاص ، فقال : حدثنا أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين قالا : حدثنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا معمر عن قتادة عن أنس ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : «من قال لا إله إلا الله يُخلق من كلمة منها طائر منقاره من ذهب ، وريشه مرجان ، وأخذ في قصة من نحو عشرين ورقة ، فجعل أحمد ينظر إلى يحيى بن معين ، ويحيى بن معين ينظر إلى أحمد ، فقال : أنت حدثته بهذا ؟ فقال : والله ما سمعت به إلا هذه الساعة ، قال : فسكتا جميعًا حتى فرغ من قصصه . وأخذ قطعة ، ثم قعد ينتظر بقيتها ، فقال يحيى بيده : أن تعال ، فجاء متوهمًا لنوال يجيزه ، فقال له يحيى : من حدثك بهذا الحديث ؟ فقال : أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، فقال : أنا ابن معين ، وهذا أحمد بن حنبل ، ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، فإن كان لابد من الكذب ، فعلى غيرنا ، فقال له : أنت يحيى بن معين ؟ قال : نعم ، قال : لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق ، وما علمته إلا هذه الساعة ، فقال له يحيى : وكيف علمت أني أحمق ؟ قال : كأنه ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما ، كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل غير هذا ، قال : فوضع أحمد كمَّه على وجهه ، وقال : دعه يقوم ، فقام كالمستهزئ بهما .
فهؤلاء الطوائف كذبة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ومن يجري مجراهم .
الطبقة الثانية من المجروحين
قوم عمدوا إلى أحاديث مشهورة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بأسانيد معروفة

ووضعوا لها غير تلك الأسانيد ، فركبوها عليها ليستغربوها بتلك الأسانيد .
منهم : إبراهيم بن اليسع من أهل مكة يحدث عن جعفر بن محمد الصادق ، وهشام بن عروة ، فركب حديث هذا على حديث هذا ، وحديث هذا على حديث هذا .
ومنهم : حماد بن عمرو ، وبهلول بن عبيد .
الطبقة الثالثة
قوم من أهل العلم حملهم الشَّرَه على الرواية عن قوم ماتوا قبل أن يولدوا ، مثل إبراهيم بن هُدبة ، كان يروي عن الأوزاعي ولم يدركه .
الطبقة الرابعة
قوم عمدوا إلى أحاديث صحيحة عن الصحابة - رضي الله عنهم - ، فرفعوها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، كأبي حُذافة أحمد بن إسماعيل السهمي ، روى عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : «الشفق هو الحمرة» ، والحديث في «الموطأ» عن نافع عن ابن عمر من قوله (1) .
__________
(1) الذي وجدناه في " الموطأ " 1/13 من روية يحيى بن يحيى : وقال مالك : الشفق : الحمرة التي في المغرب ، فإذا ذهبت الحمرة فقد وجبت صلاة العشاء ، وخرجت من وقت المغرب " ولم نجد فيه غير ذلك لا مرفوعاً ولا موقوفاً ، فلينظر من غير رواية يحيى بن يحيى الليثي . وقد رواه الدارقطني في " سننه " ص 100 من حديث عتيق بن يعقوب حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشفق الحمرة " وأخرجه أيضاً من حديث أبي هريرة موقوفاً عليه ، وصحح البيهقي وقفه ، وذكره الزيلعي في " نصب الراية " 1/233 من رواية الحافظ -[141]- أبي القاسم علي بن الحسن الدمشقي من حديث علي بن جندل ، ثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي ، ثنا أبو حذافة ، ثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الشفق الحمرة " . قال أبو القاسم : تفرد به علي بن جندل الوراق عن المحاملي عن أبي حذافة أحمد ابن إسماعيل السهمي ، وقد رواه عتيق بن يعقوب عن مالك ، وكلاهما غريب ، وحديث عتيق أمثل إسناداً .
نقول : وأحمد بن إسماعيل هو راوي " الموطأ " عن مالك ، وآخر أصحابه وفاة ، قال الخطيب وغيره : لم يكن ممن يتعمد الكذب ، وضعفه الدارقطني وقال : أدخلت عليه أحاديث في غير " الموطأ " فرواها ، وقال ابن عدي : حدث عن مالك وغيره بالبواطيل .

ومثل يحيى بن سلام البصري ، روى عن مالك عن وهب بن كيسان عن جابر - رضي الله عنه - ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : «كل صلاة لا يُقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خِداج ، إلا خلف الإمام» وهو في «الموطأ» عن وهب عن جابر من قوله .
الطبقة الخامسة
قوم عمدوا إلى أحاديث مروية عن التابعين أرسلوها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فزادوا فيها رجلاً من الصحابة .
مثل إبراهيم بن محمد المقدسي ، روى عن الفِرْيابي عن الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي ظبيان ، عن سلمان ، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، أنه قال : «ليس شيء خيراً (1) من ألف مثله إلا الإنسان» والحديث في كتاب الثوري عن الأعمش عن إبراهيم مرسلاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- .
__________
(1) 1/175 بشرح الزرقاني ولفظه : من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا وراء الإمام . وقد جاء من طرق يشد بعضها بعضاً عن جابر رضي الله عنه مرفوعاً : " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " أخرجه أحمد 3/339 ، وابن ماجه رقم 850 ، وانظر طرقه " نصب الراية " 2/7 ، 11 للإمام الزيلعي ، " وإمام الكلام فيما يتعلق بالقراءة خلف الإمام " للكنوي .

الطبقة السادسة
قوم الغالب عليهم الصلاح والعبادة . ولم يتفرغوا إلى ضبط الحديث وحفظه ، وإتقانه ، فاستخفوا بالرواية ، فظهرت أحوالهم .
مثل ثابت بن موسى الزاهد ، دخل على شريك بن عبد الله القاضي ، والمستملي بين يديه ، وشريك يقول : حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ولم يذكر متن الحديث ، فلما نظر إلى ثابت بن موسى قال : «من كثر صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار (1)» وإنما أراد بذلك ، ثابت بن موسى لزهده وورعه ، فظن ثابت بن موسى أنه روى الحديث مرفوعًا بهذا الإسناد ، فكان ثابت يحدث به عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ، وليس لهذا الحديث أصل إلا من هذا الوجه .
الطبقة السابعة
قوم سمعوا من شيوخ ، وأكثروا عنهم ، ثم عمدوا إلى أحاديث لم يسمعوها من أولئك الشيوخ ، فحدثوا بها ، ولم يميزوا بين ما سمعوا وبين ما لم يسمعوا .
قال يحيى بن معين : قال لي هشام بن يوسف : جاءني مُطرف بن مازن ،
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في " سننه " رقم 1333 من حديث ثابت بن موسى ، عن شريك ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر مرفوعاً " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه في النهار " قال السخاوي في " المقاصد الحسنة " : لا أصل له وإن روي من طرق عند ابن ماجه بعضها ، وأورد الكثير منها القضاعي وغيره .
نقول : وقد اتفق أئمة الحديث : ابن عدي والدارقطني والعقيلي وابن حبان والحاكم على أنه من قول شريك لثابت .

فقال : أعطني حديث ابن جُريج ومعمر ، حتى أسمعه منك ، فأعطيته ، فكتبه عني ، ثم جعل يحدث به عن مَعْمَر وابن جريج أنفسهما .
الطبقة الثامنة
قوم سمعوا كتبًا مصنفة عن شيوخ أدركوهم ، ولم ينسخوا أسماعهم عنهم عند السماع ، وتهاونوا بها ، إلى أن طعنوا في السن ، وسئلوا عن الحديث فحملهم الجهل والشره على أن حدثوا بتلك الكتب من كتب مشتراة ، ليس لهم فيها سماع ولا بلاغ ، وهم يتوهمون أنهم في روايتها صادقون .
وهذا النوع مما كثر في الناس ، وتعاطاه قوم من أكابر العلماء ، اللهم إلا أن تكون النسخة مقروءة على شيخه ، أو مقابلة بأصل شيخه ، أو أصلٍ مقابل بأصل شيخه ، ونحو ذلك من الاحتياط والضبط ، فإن ذلك جائز له أن يرويه ، لا سيما في هذا الزمان ، فإن التعويل على النقل من الكتب والقراءة لما فيها ، لا على الحفظ ، فإن الحفظ كان وظيفة أولئك الموفَّقين السعداء .
وقد تقدم في الباب الأول من هذه المقدمة شرح ذلك مستقصًى .
الطبقة التاسعة
قوم ليس الحديث من صناعتهم ، ولا يرجعون إلى نوع من الأنواع التي يحتاج المحدث إلى معرفتها ، ولا يحفظون حديثهم ، فيجيئهم طالب العلم ، فيقرأ عليهم ما ليس من حديثهم ، فيجيبون ويقرُّون بذلك وهم لا يدرون .
قال يحيى بن سعيد : كنا عند شيخ من أهل مكة أنا وحفص بن غياث ، فإذا

جارية بن هرم (1) يكتب عنه ، فجعل حفص يضع له الحديث ، فيقول : حدثتك عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين بكذا وكذا ؟ فيقول : حدثتني عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين بكذا وكذا ، فيقول حفص : حدثك القاسم بن محمد عن عائشة بكذا وكذا ؟ فيقول : حدثني القاسم بن محمد عن عائشة بكذا وكذا ، ويقول: حدثك
سعيد بن جبير عن ابن عباس بمثله ؟ فيقول : حدثني سعيد بن جبير عن ابن عباس بمثله ، فلما فرغ ضرب حفص بيده إلى ألواح جارية فمحاها ، فقال جارية : تحسدونني ؟ فقال له حفص : لا ، ولكن هذا يكذب ، قال حفص : فقلت ليحيى : من الرجل ؟ فلم يُسمِّه لي ، فقلت له يومًا : يا أبا سعيد : لعلي كتبت عن هذا الشيخ ولا أعرفه ، قال : هو موسى بن دينار .
الطبقة العاشرة
قوم كتبوا الحديث ورحلوا فيه ، وعُرفوا به ، فتلفت كتبهم بأنواع من التلف ، فلما سئلوا عن الحديث حدثوا به من كتب غيرهم . أو من حفظهم على التخمين ، فسقطوا بذلك .
منهم عبد الله بن لهيعة الحضرمي ، على جلالة محله ، وعلو قدره ، لما احترقت كتبه بمصر ذهب حديثه ، فخلط من حفظه ، وحدث بالمناكير ، فصار
__________
(1) أبو شيخ الفقيمي قال النسائي : ليس بالقوي ، وقال الدارقطني : متروك ، وقال ابن عدي : أحاديثه كلها لا يتابعه عليها الثقات . وفي الأصل " هدم " بالدال والتصويب من " ميزان الاعتدال " للذهبي ، والقصة التي أوردها المصنف ذكرها الذهبي أيضاً في ترجمته .

في حد من لا يُحتج بحديثه ، وكان أحمد بن حنبل يقول : سماع ابن المبارك وأقرانه الذين سمعوا من ابن لهيعة قبل وفاته بعشرين سنة صحيح ، لأجل احتراق كتبه (1) .

الفصل الثالث في النسخ (2)
وفيه ثلاثة فروع
الفرع الأول : في حده وأركانه

النسخ : عبارة عن الرفع والإزالة ، في وضع اللسان العربي ، وقد يطلق لإرادة نسخ الكتاب ، والأول هو المقصود .
وحدُّه : أنه الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتًا مع تراخيه .
وقد اشتمل هذا الحد على ألفاظ تحتاج إلى بيان .
أما قولنا «الخطاب» وإيثارنا إياه على «النص» فليكون شاملاً للفظ والفَحْوى والمفهوم وكل دليل ، إذ يجوز النسخ بجميع ذلك .
__________
(1) والذين سمعوا منه قبل احتراق كتبه هم العبادلة : عبد الله بن وهب ، وعبد الله بن المبارك ، وعبد الله ابن يزيد المقرئ ، وعبد الله بن مسلمة القضبي ، فكل حديث يرويه أحد هؤلاء العبادلة عنه ، فهو صحيح إذا صح باقي السند .
(2) من أجل علوم الحديث معرفة الناسخ والمنسوخ ، وقد صنف فيه غير واحد من الحفاظ ، ومن أحسن المؤلفات فيه كتاب " الاعتبار " تأليف محمد بن موسى بن عثمان الحازمي أحد الأئمة الحفاظ العالمين بفقه الحديث ومعانيه ورجاله ، ولد سنة 548 ، وتوفي سنة 584 هـ وكتابه هذا فريد في بابه ، لا نعلم له نظيراً في موضوعه .

وأما تقييد الحد بالخطاب المتقدم ، فلأن ابتداء إيجاب العبادات في الشرع مزيل حكم العقل من براءة الذمة ، ولا يسمى نسخًا ، لأنه لم يزل حكم خطاب .
وأما تقييده بارتفاع الحكم ، ولم يخصص بارتفاع الأمر والنهي ، فلِيَعُمَّ جميع أنواع الحكم : من الندب ، والكراهية ، والإباحة ، فإن جميع ذلك قد ينسخ .
وأما قولنا : «لولاه لكان الحكم ثابتًا» فلأن حقيقة النسخ : الرفع ، فلو لم يكن هذا ثابتًا ، لم يكن هذا رافعًا ، فإنه إذا ورد أمر بعبادة مؤقتة ، وأمر بعبادة أخرى بعد انقضاء ذلك الوقت ، لا يكون الثاني نسخًا ، بل الرافع : ما لا يرتفع الحكم لولاه .
وأما قولنا : «مع تراخيه عنه» فلأنه لو اتصل به كان بيانًا لمعنى الكلام ، وإنما يكون رافعًا إذا ورد بعد استقرار الحكم ، بحيث إنه يدوم لولاه ، هذا حده ، وهو أعم حد وجدته للعلماء وأخصره .
ولم ينكر النسخ من المسلمين إلا آحاد لا اعتداد بهم ، فإن الأمة مجتمعة على جوازه ووقوعه .
وأما أركانه : فأربعة : ناسخ : وهو الله تعالى ، ومنسوخ : وهو الحكم المرفوع . ومنسوخ عنه : وهو المكلف ، ونسخ : وهو قوله الدال على رفع الحكم الثابت .
وقد يسمى الدليل ناسخًا مجازًا ، فيقال : هذه الآية ناسخة لتلك .
وقد يسمى الحكم ناسخًا ، فيقال : صوم رمضان ناسخ لصوم عاشوراء ،

والحقيقة هو الأول .
الفرع الثاني : في شرائطه
شروط النسخ أربعة :
الأول : أن يكون المنسوخ حكمًا شرعيًا ، لا عقليًا .
الثاني : أن يكون النسخ بخطاب ، فارتفاع الحكم بموت المكلف ليس نسخًا .
الثالث : أن يكون الخطاب المرفوع حكمه غير مقيد بوقت يقتضي دخوله زوال الحكم ، كقوله تعالى : {ثم أَتموا الصيام إلى الليل} (البقرة : الآية 187) .
الرابع : أن يكون الخطاب الرافع متراخيًا ، لا كقوله : {حتى يعطوا الجزية عن يدٍ} (التوبة : الآية 29) .
وها هنا أمور يُتوهم أنها شروط ، وليست شروطًا .
الأول : أن يكون رافعًا للمثل بالمثل ، بل الشرط : أن يكون رافعًا فقط .
الثاني : ورود النسخ بعد دخول وقت المنسوخ ، بل يجوز قبل وقته .
الثالث : لا يشترط أن يكون المنسوخ مما يدخله الاستثناء والتخصيص ، بل يجوز ورود النسخ على الأمر بفعل واحد في وقت واحد .
الرابع : لا يشترط أن يكون نسخ القرآن بالقرآن . والسنة بالسنة ، فلا يشترط الجنسية ، بل يكفي أن يكون بما يصح النسخ به ، وقد اشترطه الشافعي - رحمه الله - وسيجيء بيانه .
الخامس : لا يشترط أن يكون الناسخ والمنسوخ نصين قاطعين ، إذ يجوز

نسخ خبر الواحد بخبر الواحد ، وبالتواتر ، وإن كان لا يجوز نسخ المتواتر بخبر الواحد .
السادس : لا يشترط أن يكون الناسخ منقولاً بمثل لفظ المنسوخ ، بل أن يكون ثابتًا بأي طريق كان .
السابع : لا يشترط أن يكون الناسخ مقابلاً للمنسوخ ، حتى لا ينسخ الأمر إلا بالنهي ، والنهي بالأمر ، بل يجوز أن ينسخ كلاهما بالإباحة ، وأن ينسخ الواجب المضيق بالموسع .
الثامن : لا يشترط كونهما ثابتين بالنص ، بل لو كان بلحن القول وظاهره (1) وفحواه ، وكيف كان ، جاز .
التاسع : نسخ الحكم ببدل ليس بشرط ، بل يجوز نسخ الحكم بغير بدل ، وقال قوم : لابد من البدل .
العاشر : نسخ الحكم بما هو أخف منه ليس بشرط ، بل يجوز بالمثل والأثقل (2) . وقال قوم : يجوز بالأخف ، ولا يجوز بالأثقل ، وليس ذلك ضابطًا .
__________
(1) لحن القول وفحواه : هو المفهوم الموافق ، ودلالة الظاهر : هي دلالة اللفظ على معنى متبادر منه ، وليس مقصوداً بسوق الكلام أصالة مع احتماله للتفسير والتأويل ، وقبوله للنسخ في عصر الرسالة .
(2) لقد اتفقوا على جواز النسخ بالمساوي كما وقع بالأخف ، لكنهم اختلفوا في الأثقل ، فذهب الجمهور إلى جوازه ، خلافاً للشافعي ، وقد استدل الجمهور بوقوعه ، فقد كان الكف عن الكفار واجباً بقوله تعالى : {ودع أذاهم} [الأحزاب : 49] ثم نسخ بإيجاب القتال وهو أثقل ، أي أكثر مشقة ، ونسخ الحبس في البيوت للنساء والإيذاء للرجال في الزنى بالحد وهو أثقل ، لأنه الرجم للمحصنين والمحصنات ، والجلد لغيرهم ولغيرهن .

الفرع الثالث : في أحكامه
ما من حكم شرعي إلا وهو قابل للنسخ ، خلافًا لبعضهم ، فإنهم قالوا : من الأفعال ما لا يمكن نسخه ، مثل شكر المنعم والعدل ، فلا يجوز نسخ وجوبه ، ومثل الكفر والظلم ، فلا يجوز نسخ تحريمه ، والآية إذا تضمنت حكمًا جاز نسخ تلاوتها دون حكمها ، ونسخ حكمها دون تلاوتها ، ونسخها جميعًا ، وقد ظن قوم استحالة ذلك .
ويجوز نسخ القرآن بالسنة ، والسنة بالقرآن عند الأكثرين ، فإن كلاً من عند الله ، والعقل لا يحيله ، وقد دل السمع على وقوعه .
أما نسخ السنة بالقرآن ، فإن التوجه إلى بيت المقدس ليس في القرآن ، وهو من السنة ، وناسخه القرآن ، وصوم يوم عاشوراء كان ثابتًا بالسنة ، ونسخه القرآن بصوم شهر رمضان .
وأما نسخ القرآن بالسنة ، فنسخ الوصية للوالدين والأقربين بقوله -صلى الله عليه وسلم- : «لا وصية لوارث (1)» لأن آية الميراث لا تمنع الوصية ، إذ الجمع بينهما ممكن . وقال الشافعي - رحمه الله - : لا يجوز نسخ السنة بالقرآن ، كما لا يجوز
__________
(1) وهو حديث صحيح ، وقد ساق الحافظ الزيلعي في " نصب الراية " 4/403 ، 405 أسانيده عن أبي أمامة ، وعمرو بن خارجة ، وأنس وابن عباس وعبد الله بن عمرو ، وجابر ، وزيد بن أرقم والبراء ، وعلي بن أبي طالب ، وخارجة بن عمرو رضي الله عنهم من رواية أبي داود والترمذي وابن ماجه والنسائي والدارقطني وأحمد والبزار وأبي يعلى والحارث بن أبي أسامة والطبراني وابن عدي وابن عساكر ، وقد توسع في الكلام على طرقه فارجع إليه .

نسخ القرآن بالسنة ، خلافًا لغيره (1) .
ولا ينسخ الحكم بقول الصحابي «نسخ حكم كذا» ما لم يقل : «سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» فإذا قال ذلك ، نظر في الحكم إن كان ثابتًا بخبر الواحد ، صار منسوخًا بقوله ، وإن كان قاطعًا ، فلا .
ولا يجوز نسخ النص القاطع المتواتر بالقياس المعلوم بالظن والاجتهاد .
والإجماع لا ينسخ به ، إذ لا نسخ بعد انقطاع الوحي .
وإذا تناقض نصان ، فالناسخ هو المتأخر .
ولا يعرف تأخره بدليل العقل ، ولا بقياس الشرع ، بل يعرف بمجرد النقل ، وذلك بطرق :
الأول : أن يكون في اللفظ ما يدل عليه ، كقوله -صلى الله عليه وسلم- : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها» (2) .
الثاني : أن تجمع الأمة في حكم على أنه المنسوخ ، وأن ناسخه متأخر .
الثالث : أن يذكر الراوي التاريخ ، مثل أن يقول : سمعت عام الخندق ،
__________
(1) راجع الرسالة للإمام الشافعي ص 106 ، 110 بتحقيق العلامة أحمد شاكر . وقد ذهب بعض السلف إلى أن آية الوصية {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ...} [البقرة : 18] على ظاهرها غير أن الحكم الذي يستفاد منها – وهو وجوب الوصية للوالدين والأقربين ولو كانوا وارثين – قد عمل به برهة ، ثم نسخه الله أي خص منه بآية المواريث الوصية لوالدي الموصي وأقربائه الذين يرثونه وأقر فرض الوصية لمن كان منهم لا يرثه ، وقد أكد هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله " إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " انظر الطبري 3/388 ، 390 .
(2) أخرجه مسلم في " صحيحه " رقم (1975) كتاب الأضاحي – باب ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث ، وأصحاب " السنن " ، من حديث بريدة رضي الله عنه .

أو عام الفتح ، وكان المنسوخ معلومًا قبله .
ولا فرق بين أن يروي الناسخ والمنسوخ راوٍ واحد ، أو راويان .
ولا يثبت التأخر إلا بطرق . مثل أن يقول الصحابي : «كان الحكم علينا كذا ، ثم نسخ» لأنه ربما قاله عن اجتهاد .
ولا أن يكون مثبتًا في المصحف بعد الآخر ، لأن السور والآيات ، ليس إثباتها على ترتيب النزول ، بل ربما قُدِّم وأُخِّر .
ولا أن يكون راويه من أحداث الصحابة ، فقد ينقل الصبي عمن تقدمت صحبته ، وقد ينقل الأكابر عن الأصاغر وبعكسه .
ولا أن يكون الراوي أسلم عام الفتح ، إذ لعله في حالة كفره ، ثم روى بعد إسلامه ، أو سمع من سبق بالإسلام .
ولا أن يكون الراوي قد انقطعت صحبته ، فربما يظن أن حديثه يتقدم على حديث من بقيت صحبته ، وليس من ضرورة من تأخرت صحبته أن يكون حديثه متأخرًا عن وقت انقطاع صحبة غيره .
ولا أن يكون أحد الخبرين على وفق قضية العقل والبراءة الأصلية ، فربما يظن تقدمه ، ولا يلزم ذلك ، كقوله -صلى الله عليه وسلم- : «لا وضوء مما مسته النار» (1) .
__________
(1) أخرجه الطبراني في " الكبير " بلفظ قريب منه من حديث أبي أمامة وفي سنده محمد بن سعيد المصلوب وهو كذاب كما قال الهيثمي في " المجمع " 1/252 ونسخ حديث " توضؤوا مما مست النار " الذي رواه مسلم 1/273 ، وأبو داود 1/79 ، والنسائي 1/105 ثابت بحديثين صحيحين ، أولهما رواه أحمد في " المسند " رقم 2377 من حديث ابن إسحاق حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء قال : دخلت على ابن عباس -[152]- ببيت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم لغد يوم الجمعة ، قال : وكانت ميمونة قد أوصت له به ، فكان إذا صلى الجمعة بسط له فيه ، ثم انصرف إليه ، فجلس فيه للناس ، قال : فسأله رجل وأنا أسمع عن الوضوء مما مست النار من الطعام ؟ قال : فرفع ابن عباس يده إلى عينيه وقد كف بصره ، فقال : بصر عيناي هاتان ، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ لصلاة الظهر في بعض حجره ، ثم دعا بلال إلى الصلاة ، فنهض خارجاً ، فلما وقف على باب الحجرة ، لقيته هدية من خبز ولحم بعث بها إليه بعض أصحابه ، قال : فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه ، ووضعت لهم في الحجرة ، قال فأكل وأكلوا معه ، قال : ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه إلى الصلاة ، وما مس ولا أحد ممن كان معه ماء ، قال : ثم صلى بهم ، وكان ابن عباس إنما عقل من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم آخره .
والثاني حديث جابر ، قال : كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار ، وهو حديث صحيح أخرجه أبو داود 1/88 ، والنسائي 1/108 ، وابن الجارود رقم 24 ، والبيهقي 1/155 ، 156 ، كلهم من طريق شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والنووي .

لا يجب أن يكون متقدمًا على إيجاب الوضوء مما مسته النار ، إذ يَحْتَمِل أنه أُوجب ثم نُسخ .
ثم النسخ في حق من لم يبلغه الخبر حاصل ، وإن كان جاهلاً به .
وقال قوم : ما لم يبلغه لا يكون نسخًا في حقه .

الفصل الرابع : في بيان أقسام الصحيح من الحديث والكذب، وفيه أربعة (*) فروع
الفرع الأول : في مقدمات القول فيها
اعلم أنه ليس كل خبر بمقبول ، ولا كل خبر بمردود ، ولسنا نعني بالقبول : التصديق ، ولا بالرد : التكذيب ، بل يجب علينا قبول قول العدل ، وربما كان كاذبًا أو غالطًا ، ولا يجوز قبول قول الفاسق ، وربما يكون صادقًا .
__________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة : لم يذكر سوى ثلاثة فروع
1- في مقدمات القول فيها
2- في انقسام الخبر إليها
3- في أقسام الصحيح من الأخبار
وكأن الفرع الرابع ينبغي أن يكون في أقسام الضعيف من الأخبار
ثم : وجدتُ المؤلف في ركن الخواتم ، قد سرد أبواب وفصول وفروع كتابه ، فذكر هذا الموضع بلفظ (ثلاثة فروع) وسرد هذه الثلاثة ، والله أعلم

وإنما نعني بالقبول : ما يجب العمل به ، وبالمردود : ما لا تكليف علينا في العمل به . والأحاديث المخرجة في كتب الأئمة : منها ما هو صحيح ، ومنها ما هو سقيم ، والفائدة في تخريج ما لا يثبت إسناده ، ولا تُعَدَّل رواته ، أن الجرح والتعديل مختلف فيهما .
ومن الأئمة من رأى الاحتجاج بالأحاديث المتكلم فيها ، ومنهم من أبطلها .
والأصل فيه : الاقتداء بالأئمة الماضين ، فإنهم كانوا يحدثون عن الثقات وغيرهم ، فإذا سئلوا عنهم ، بيَّنوا حالهم .
ألا ترى أن مالك بن أنس إمام أهل الحجاز بلا مدافعة ، قد روى عن عبد الكريم بن أبي المخارق ، أبي أمية البصري وغيره ممن تكلموا فيه .
ثم الإمام محمد بن إدريس الشافعي إمام أهل الحجاز بعد مالك ، روى عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي وغيره من المجروحين ، والإمام أبا حنيفة إمام أهل الكوفة ، روى عن جابر بن زيد الجعفي ، وغيره من المجروحين ، ثم بعده أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي ، ومحمد بن الحسن الشيباني رويا عن الحسن بن عمارة وغيره من المجروحين ، وكذلك من بعد هؤلاء من أئمة المسلمين قرنًا بعد قرن ، لم يخل حديث إمام من الأئمة عن مطعون فيه من المحدثين والأئمة .
وفي ذلك غرض ظاهر ، وهو أن يعرفوا الحديث من أين مَخْرجه ، وأن المنفرد به مجروح أو عدل .

قال يحيى بن معين : كتبنا عن الكذابين ، وسجرنا به التنور ، وأخرجنا به خبزًا نضيجًا .
وقال الحاكم -رحمه الله - : وأهل العراق والشام والحجاز يشهدون لأهل خراسان بالتقدم في معرفة الصحيح ، لسبق البخاري ومسلم إليه ، وتفردهما به .
[أصح الأسانيد]
وأصح الأسانيد فيما قيل (1) : مالك عن نافع عن ابن عمر (2) .
وأبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة (3) .
والزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي .
__________
(1) قال العلامة أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على المسند 1/138 : لأئمة الحديث وحفاظه كلمات في أصح الأسانيد ، فالإمام أحمد وإسحاق بن راهويه مثلاً يذهبان إلى أن أصح الأسانيد بإطلاق : الزهري عن سالم عن أبيه ، والبخاري يذهب إلى أن أصحها بإطلاق : مالك عن نافع عن ابن عمر ، وهي الترجمة التي اشتهرت عند المحدثين بأنها سلسلة الذهب . قال الإمام النووي في " التقريب " مع شرح الحافظ السيوطي في التدريب ص 19 : والمختار أنه لا يجزم في إسناد أنه أصح الأسانيد مطلقاً لأن تفاوت مراتب الصحة مرتب على تمكن الإسناد من شروط الصحة ، ويعز وجود أعلى درجات القبول في كل واحد من رجال الإسناد الكائنين في ترجمة واحد ، ولهذا اضطرب من خاض في ذلك ، إذ لم يكن عندهم استقراء تام ، وإنما رجع كل منهم بحسب ما قوي عندهم ، خصوصاً إسناد بلده لكثرة اعتنائه به . فانتهى تحقيقهم إلى أنه ينبغي تقييد هذا الوصف بالبلد أو الصحابي ، ونصوا على أسانيد كثيرة ، بعضهم أطلق ، وبعضهم قيد .
(2) وأيوب عن نافع ، عن ابن عمر ، ويحيى بن سعيد القطان ، عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر .
(3) والزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، وحماد بن زيد عن أيوب ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، وإسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة بن سفيان الحضرمي ، عن أبي هريرة ، ومعمر عن همام ، عن أبي هريرة .

ومحمد بن سيرين عن عَبِيدة عن علي (1) .
ويحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة (2) .
والزهري عن سالم عن أبيه (3) .
__________
(1) وجعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، عن أبيه عن جده ، عن علي ، ويحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري ، عن سليمان بن بلال التميمي عن الحارث بن سويد عن علي .
(2) يقيد بما إذا صرح يحيى بن أبي كثير بالتحديث فإنه موصوف بالتدليس .
(3) وقد قالوا : أصح الأسانيد عن أبي بكر ، إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن أبي بكر ، وأصح الأسانيد عن عمر ، الزهري عن عبيد الله بن عبد بن عتبة عن ابن عباس عن عمر ، والزهري عن السائب بن يزيد عن عمر . وأصح الأسانيد عن عائشة هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة ، وأفلح بن حميد ، عن القاسم عن عائشة ، وسفيان الثوري ، عن إبراهيم بن يزيد بن قيس ، عن الأسود ، عن عائشة ، وعبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ، ويحيى بن سعيد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن القاسم ، عن عائشة ، وأصح الأسانيد عن سعد بن أبي وقاص ، علي بن الحسين بن علي عن سعيد بن المسيب ، عن سعد بن أبي وقاص ، وأصح الأسانيد عن ابن مسعود ، الأعمش عن إبراهيم ابن يزيد ، عن علقمة عن ابن مسعود ، وسفيان الثوري ، عن منصور بن المعتمر ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن ابن مسعود . وأصح الأسانيد عن أم سلمة ، شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد ، عن عامر أخي أم سلمة ، عن أم سلمة ، وأصح الأسانيد عن أبي موسى الأشعري ، شعبة عن عمرو بن مرة ، عن أبيه مرة ، عن أبي موسى الأشعري ، وأصح الأسانيد عن أنس بن مالك ، مالك عن الزهري عن أنس ، وسفيان بن عيينة عن الزهري عن أنس ، ومعمر عن الزهري عن أنس ، وحماد بن زيد عن ثابت عن أنس ، وشعبة عن قتادة عن أنس ، وهشام الدستوائي عن قتادة عن أنس ، وأصح الأسانيد عن ابن عباس ، الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، وأصح الأسانيد عن جابر بن عبد الله ، سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار عن جابر .
وفائدة معرفة أصح الأسانيد مما ذكر وغيره أنه إذا عارضه حديث مما لم ينص فيه إمام على أصحيته عليه وإن كان صحيحاً ، فإن عارضه ما نص أيضاً على أصحيته ، نظر إلى المرجحات ، فأيهما كان أرجح حكم بقوله ، وإلا رجع إلى القرائن التي تحف أحد الحديثين فيقدم بها على غيره .

الفرع الثاني : في انقسام الخبر إليها
الخبر ينقسم إلى : ما يجب تصديقه ، وإلى ما يجب تكذيبه ، وإلى ما يجب التوقف فيه .
فالأول : يتنوع أنواعًا .
أولها : ما أخبر عنه عدد التواتر ، فيجب تصديقه ضرورة ، وإن لم يدل عليه دليل آخر .
وثانيها : ما أخبر الله عنه ، فهو صدق بدلالة استحالة الكذب عليه .
وثالثها : خبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، بدليل المعجزة على صدقه .
ورابعها : ما أخبرت عنه الأمة ، إذ ثبت عصمتها بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- .
وخامسها : كل خبر يوافق ما أخبر الله عنه ، أو رسوله -صلى الله عليه وسلم- ، أو الأمة .
وسادسها : كل خبر صح أنه ذكره المخبر ، بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمسمع منه ، ولم يكن غافلاً عنه ، فسكت عنه .
وسابعها : كل خبر ذكر بين يدي جماعة أمسكوا عن تكذيبه ، والعادة تقضي في مثل ذلك بالتكذيب ، والامتناع من السكوت .

القسم الثاني : ما يجب تكذيبه ، ويتنوع أنواعًا
أولها : ما يعلم خلافه بضرورة العقل أو نظره ، أو الحس ، أو أخبار التواتر ، كمن أخبر عن الجمع بين الضدين ، ونحو ذلك .
وثانيها : ما يخالف النص القاطع من الكتاب والسنة والإجماع .

وثالثها : ما صرح بتكذيبه جمع كثير يستحيل في العادة أن يتواطؤوا على الكذب .
ورابعها : ما سكت الجمع الكثير عن نقله والتحدث به ، مع جريان الواقعة بمشهد منهم ، ومع إحالة العادة السكوت عن ذكره ، لتوفر الدواعي على نقله كما لو أخبر مخبر أن أمير البلدة قتل في السوق على ملأ من الناس ، ولم يتحدث أهل السوق به ، فيقطع بكذبه .

القسم الثالث : ما يجب التوقف فيه
وهو جملة الأخبار الواردة في أحكام الشرع ما عدا القسمين المذكورين ، مما لم يعرف صدقه ولا كذبه .

قسمة ثانية
أما التي يعلم صدقها .
فمنها : ما يعلم ضرورة ، كالخبر بأن السماء فوق الأرض .
ومنها : ما يعلم باستدلال عقلي ، كالخبر بحكمة الله .
ومنها : ما يعلم باستدلال سمعي ، كالخبر بوجوب الصلاة والصوم ونحوهما .
ومنها : ما يعلم بأمر راجع إلى المخبِر ، وهو أن يكون ممن لا يجوز عليه الكذب . وهو نوعان :
أحدهما : لا يجوز الكذب عليه أصلاً ، وهو الله تعالى ، والرسول -صلى الله عليه وسلم- ، لصدقه بالمعجزة ، وإجماع الأمة .

الثاني : لا يجوز عليه الكذب فيما أخبر به وإن جاز في غيره ، وذلك أن يكون المخبر ممن لا داعي له إلى الكذب ، مثل أن يكونوا جماعة لا يجمعهم داع واحد إلى الكذب .
ومنها : ما يعلم صدقه من جهة السامع ، مثل أن يخبر بحضرة من يدعي عليه العلم ، ولم ينكره عليه ، بشرط أن يكون السامعون جماعة لا يمسكها عن الإنكار رغبة ولا رهبة ، فإن من العادة إنكارهم على من يخبر بالكذب عنهم .
وأما التي يعلم كذبها :
فمنها : ما يعلم كذبه ضرورة واستدلالاً ، عقليًا وسمعيًا ، كما قلنا في الصدق .
ومنها : ما يعلم كذبه بأمر راجع إلى الخبر وكيفية النقل ، بأن ينقل نقلاً خفيًا ما كان من حقه أن ينقل نقلاً ظاهرًا ، وقد توفرت دواعي الدين أو العادة أو كلاهما على نقله ، كالنقل عن أصول الشرائع ، أو عن حادثة وقعت في بلدة عظيمة ، أو معجزة الأنبياء .
وأما التي لا يُعلَم صدقها ولا كذبها ، فهي أخبار الآحاد ، لا يجوز أن يكون كلها كذبًا ، لأن العادة تمنع في الأخبار الكثيرة أن يكون كلها كذبًا ، مع كثرة رواتها واختلافهم ، ولا أن يكون كلها صدقًا ، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : «سيُكذَب علي بعدي» ولأن الأمة كذبوا جماعة من الرواة ، وحذفوا أحاديث كثيرة علموا كذبها فلم يعملوا بها .

قسمة ثالثة
قسم يجب تصديقه ، وقسم يجب تكذيبه ، وقسم يحتملها على السواء ، وقسم يترجح أحد احتماليه على الآخر .
فالأول والثاني : قد ذكرا فيما تقدم .
والثالث : خبر الفاسق ، فإنه يحتمل الصدق والكذب ، فإن كان صادرًا عن غلبة عقله ، فيكون صدقًا ، وإن كان صادرًا عن غلبة هواه ، فيكون كذبًا .
والرابع : خبر العدل ، فإن جانب صدقه أرجح ، لظهور غلبة عقله على هواه ، لكنه غير يقين .

الفرع [الثالث] (*) : في أقسام الصحيح من الأخبار
الصحيح من الأخبار التي يعمل بهما قسمان : مشهور ، وغريب .
فالمشهور ضربان :
أحدهما : ما بلغ حد التواتر ، والآخر : ما لم يبلغ حد التواتر .
والغريب ضربان .
أحدهما : ما لم يدخل في حد الإنكار ، والآخر : ما دخل في حد الإنكار .
فالأول يسمى : علم يقين ، وهو أخبار التواتر.
والثاني : يسمى علم طمأنينة ، وهو أخبار الآحاد التي لم يختلف السلف فيها وفي العمل بها.
والثالث يسمى : علم غالب الرأي ، وهو ما اختلف العلماء في أحكام الحوادث
__________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة : في المطبوع (الأول) ، والصواب : (الثالث) كما هو ظاهر ، وكما سرده المؤلف في ركن الخواتم في آخر كتابه، والله أعلم.

على ورود أخبار فيها متعارضة ، فقبلها بعضهم ، وردها بعضهم بلا إنكار ولا تضليل.
والرابع يسمى : علم ظن ، وهو مارده السلف من الأخبار التي يخشون منها الإثم على العامل بها ، لقربها من الكذب ، كما يخشون الإثم على تارك العمل بالمشهور ، لقربه من الصدق ، والمحدثون لا يطلقون اسم الصحيح إلا على مالا يتطرق إليه تهمة بوجه من الوجوه.
وما ليس بصحيح ، فهو عندهم حسن ، وغريب ، وشاذ ، ومعلل ، ومنفرد به، ولكل واحد من هذه الأقسام شرح وبيان نذكره في هذا الفرع.
فلنقسم القول فيه إلى قسمين :
أحدهما : في الصحيح ، والآخر : في الغريب ، والحسن.

القسم الأول في الصحيح
وينقسم إلى عشرة أنواع ، خمسة منها متفق على صحتها ، وخمسة مختلف في صحتها.

النوع الأول : من المتفق عليه.
اختيار الإمامين أبي عبد الله البخاري ، وأبي الحسين مسلم ، وهي الدرجة العليا من الصحيح ، وهو الحديث الذي يرويه الصحابي المشهور بالرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وله راويان ثقتان ، ثم يرويه عنه التابعي المشهور بالرواية عن الصحابة وله راويان ثقتان ، ثم يرويه عنه من أتباع التابعين الحافظ

المتقن المشهور ، وله رواة من الطبقة الرابعة ، ثم يكون شيخ البخاري أو مسلم حافظًا متقنًا مشهورًا بالعدالة في روايته ، فهذه الدرجة العليا من الصحيح .
والأحاديث المروية بهذه الشريطة لا يبلغ عددها عشرة آلاف حديث .
وكان مسلم أراد تخريج الصحيح على ثلاثة أقسام في الرواة ، فلما فرغ من القسم الأول أدركته المنية ، وهو في حد الكهولة .
وكيف يجوز أن يقول : إن أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تبلغ عشرة آلاف حديث وقد روى عنه من الصحابة أربعة آلاف رجل وامرأة ، صحبوه نيفًا وعشرين سنة بمكة والمدينة ، حفظوا عنه أقواله وأفعاله ، ونومه ويقظته ، وحركاته وسكناته ، وكل حالاته ، من جده وهزله ، وقد كان الحافظ من الحفاظ يحفظ خمسمائة ألف حديث وستمائة ألف ، وسبعمائة ألف ؟! .
وهذا الشرط الذي ذكرناه ، قد ذكره الحاكم أبو عبد الله النيسابوري (1) .
__________
(1) ذكره بنصه في " المدخل " ونصه في " علوم الحديث " : وصف الحديث الصحيح أن يرويه الصحابي المشهور بالرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وله راويتان ثقتان ، ثم يرويه من أتباع التابعين الحافظ المتقن المشهور بالرواية وله رواة ثقات . وهذا النص يفيد تعميم هذا الشرط في الحديث الصحيح بينما نص كلامه في " المدخل " يخصه بشرط الشيخين ، وقد رده الحازمي في " شروط الأئمة الخمسة " ص 22 ، 27 بأنهما قد أخرجا في كتابيهما أحاديث جماعة من الصحابة ليس لهم إلا راو واحد ، وأحاديث لا تعرف إلا من جهة واحدة ، ثم ذكر من كل نوع أحاديث تدل على نقيض ما ادعاه ، فراجعها ، وقال الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي في كتابه " شروط الأئمة الستة " : إن الشيخين لم يشترطا هذا الشرط ، ولا نقل عن واحد منهما أنه قال ذلك ، والحاكم قدر هذا التقدير وشرط لهما هذا الشرط على ما ظن ، ولعمري إنه لشرط حسن لو كان موجوداً في كتابيهما ، إلا أنا وجدنا هذه القاعدة منقضة في الكتابين جميعاً .

وقد قال غيره : إن هذا الشرط غير مطَّرد في كتابَي البخاري ومسلم ، فإنهما قد أخرجا فيهما أحاديث على غير هذا الشرط .
والظن بالحاكم غير هذا ، فإنه كان عالمًا بهذا الفن ، خبيرًا بغوامضه ، عارفًا بأسراره ، وما قال هذا القول وحكم على الكتابين بهذا الحكم إلا بعد التفتيش والاختبار والتيقن لما حكم به عليهما .
ثم غاية ما يدعيه هذا القائل ، أنه تتبع الأحاديث التي في الكتابين ، فوجد فيهما أحاديث لم ترد على الشرط الذي ذكره الحاكم ، وهذا منتهى ما يمكنه أن ينقض به ، وليس ذلك ناقضًا ، ولا يصلح أن يكون دافعًا لقول الحاكم ، فإن الحاكم مثبت ، وهذا ناف ، والمثبت يقدم على النافي ، وكيف يجوز له أن يقضي بانتفاء هذا الحكم بكونه لم يجده ، ولعل غيره قد وجده ولم يبلغه وبلغ سواه ؟ وحسن الظن بالعلماء أحسن ، والتوصل في تصديق أقوالهم أولى ، على أن قول الحاكم له تأويلان .
أحدهما : أن يكون الحديث قد رواه عن الصحابي المشهور بالرواية راويان ، ورواه عن ذينك الراويين أربعة ، عن كل راو راويان ، وكذلك إلى البخاري ومسلم .
التأويل الثاني : أن يكون للصحابي راويان ويروي الحديث عنه أحدهما ، ثم يكون لهذا الراوي راويان ، ويروي الحديث عنه أحدهما ، وكذلك لكل واحد ممن يروي ذلك الحديث راويان ، فيكون الغرض من هذا الشرط تزكية

الرواة ، واشتهار ذلك الحديث بصدوره عن قوم مشهورين بالحديث ، والنقل عن المشهورين بالحديث والرواة ، لا أنه صادر عن غير مشهور بالرواية والرواة والأصحاب (1) .
فإن كان غرض الحاكم من قوله التأويل الأول ، فقد سبق الاحتجاج له على من رام نقضه ، على أن هذا الشرط قد ذهب إليه قوم من العلماء ، ولم يحتجوا بحديث خرج عن هذا الشرط ، ولا اعتدوا به ، وقد سبق ذكره فيما سبق . وقد تقدم من هذه المقدمة ، وبينا أنه ليس شرطًا في الاحتجاج عند الأكثرين .
على أنا نعلم يقينًا أنه لم يقصد إلى إثبات الصحيح وتخريجه ، والاحتياط فيه ، مثل البخاري ومسلم ، وهذا الطريق هو الغاية في إثبات الصحيح ، فمن يكون أجدر من البخاري ومسلم ؟ .
على أنهما إن كانا قد أخرجاه كذلك ، فإنهما لم يجعلا ذلك شرطًا لا يجوز قبول حديث لم يتصف به ، وإنما فعلا الأحوَطَ ، وراما الأعلَى والأشرفَ .
وإن كان غرض الحاكم التأويل الثاني ، فقد اندفع النقض ، وكُفينا هذه الكُلفة .

النوع الثاني : من المتفق عليه
الحديث الذي ينقله العدْلُ عن العدلِ ، ويرويه الثقات الحفاظ إلى الصحابي
__________
(1) انظر رد أبي عبد الله بن المواق على هذا التأويل الذي ذهب إليه أبو علي الغساني ، وتبعه عليه عياض وغيره في " تدريب الراوي " ص 66 .

وليس لهذا الصحابيّ إلا راو واحد .
مثاله : حديث عروة بن مُضَرِّس الطائي قال : «أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بالمزدلفة ، فقلت : يا رسول الله ، أتيتك من جَبَلي طَيِّئٍ ، أتْعَبْتُ فرسي (1) وأكللت مَطِيَّتي ، والله ما تركت من جبل إلا وقد وقفت عليه ، فهل لي من حج ؟» (2) .
هذا حديث من أصول الشريعة مقبول بين الفقهاء ، ورواته كلهم ثقات ، ولم يخرجه البخاري ومسلم في كتابيهما ، إذ ليس له راو عن عروة بن مضرس غير الشعبي.
وشواهد هذا كثيرة في الصحابة ، نحو قيس بن أبي غَرَزَة الغِفاري ، على كثرة روايته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ليس له راو غير أبي وائل شقيق بن سلمة .
وأبو وائل : من كبار التابعين بالكوفة ، أدْرك عمر ، وعثمان ، وعليًّا ، ومن بعدهم من الصحابة .
وأسامة بن شريك وقُطْبة بن مالك ، على اشتهارهما في الصحابة ، ليس لهما راو غير زياد بن علاقة ، وهو من كبار التابعين .
__________
(1) في الأصل " نفسي " وهو خطأ .
(2) أخرجه أبو داود 2/266 باب من لم يدرك عرفة ، والترمذي رقم 891 ، والنسائي 5/263 باب فيمن لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام في المزدلفة ، وابن ماجه 2/1004 باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة الجمع ، إسناده صحيح وقال الترمذي : حسن صحيح ، وصححه ابن حبان والحاكم 1/463 ، وقال : وقد تابع عروة بن المضرس في رواية هذه السنة من الصحابة عبد الرحمن بن يعمر الديلي ، ونقول : لكن فيها يوسف بن خالد السمتي وهو متروك وآخر غير معروف .

وغيرهم من الصحابة ممن يجري مجراهم ، لم يُخَرِّج البخاري ومسلم هذا النوع في كتابيهما ، وأحاديثهم متداولة بين الفقهاء ، محتج بها في الأسانيد .

النوع الثالث : من المتفق عليه
أخبار جماعة من التابعين عن الصحابة ، والتابعون ثقات ، إلا أنه ليس لكل واحد منهم إلا الراوي الواحد ، مثل : محمد بن حُنين ، وعبد الرحمن بن فروخ ، وعبد الرحمن بن مَعْبَد وغيرهم ، ليس لهم راو غير عمرو بن دينار ، وهو إمام أهل
مكة ، وكذلك محمد بن مسلم الزُّهري ، تفرد بالرواية عن جماعة من التابعين ، منهم عمرو ابن أبان ، ومحمد بن عروة بن الزبير .
وتفرد يحيى بن سعيد الأنصاري عن جماعة من التابعين ، وليس في كتابي البخاري ومسلم من هذه الروايات شيء ، وهي كلها صحيحة ، بنقل العدل عن العدل ، وهي متداولة بين الفقهاء ، محتج بها .

النوع الرابع : من المتفق عليه
الأحاديث الأفراد التي يرويها الثقات وليس لها طرق مخرجة في الكتب ، مثل حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى يجيء رمضان» .
وقد خرج مسلم أحاديث العلاء أكثرها في كتابه ، وترك هذا وأشباهه ، مما ينفرد به العلاء عن أبيه عن أبي هريرة .
ومثل حديث أيمن بن نابل (1) المكي عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، أن
__________
(1) في الأصل والمطبوع : نائل ، وهو تصحيف . وقد ترجمه في " التقريب " بقوله : صدوق يهم .

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في التشهد : «بسم الله وبالله» .
وأيمن بن نابل : ثقة ، وأحاديثه مخرجة في «صحيح البخاري» ، ولم يخرج هذا الحديث ، إذ ليس له متابع عن أبي الزبير من وجه يصح .
وشواهد هذا القسم كثيرة ، كلها صحيحة الإسناد ، غير مخرجة في كتابَي البخاري ومسلم ، فيُستدل بالقليل الذي ذكرناه على الكثير الذي لم نذكره من ذلك .

النوع الخامس : من المتفق عليه
أحاديث جماعة من الأئمة عن آبائهم عن أجدادهم ، ولم تتواتر الرواية عن آبائهم وأجدادهم إلا عنهم ، كصحيفة عمرو بن شعيب (1) ، عن أبيه عن جده ، وجده : عبد الله بن عمرو بن العاص .
ومثل بهز بن حكيم عن أبيه عن جده (2) ، وجده : معاوية بن حَيدة القُشيري ،
__________
(1) أعدل الأقوال أن رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحيحة ، لا يختلف أهل العلم في قبولها والعمل بها ، فقد قال البخاري : رأيت أحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ، وإسحاق بن راهويه ، وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، ما تركه أحد من المسلمين . قال البخاري : من الناس بعدهم ؟! وروى الحسن بن سفيان عن إسحاق بن راهويه قال : إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثقة ، فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر . قال النووي : وهذا التشبيه نهاية في الجلالة من مثل إسحاق . وقال أيضاً : إن الاحتجاج به هو الصحيح المختار الذي عليه المحققون من أهل الحديث وهم أهل هذا الفن وعنهم يؤخذ ، وانظر تفصيل الكلام في هذا في " ميزان الاعتدال " 3/263 ، 268 و " تهذيب التهذيب " 8/48 ، 55 و " نصب الراية " 1/58 ، 59 و " تدريب الراوي " ص 221 .
(2) وصححها ابن معين ، واستشهد بها البخاري في " صحيحه " وقال النووي : نسخة حسنة ، واختلفوا في أيهما أرجح ، رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، أو رواية بهز عن أبيه عن جده ، فبعضهم رجح -[167]- رواية بهز لأن البخاري استشهد ببعضها في " صحيحه " تعليقاً ، ورجح غيرهم رواية عمرو ، وهو الصحيح كما يعلم من كتب الرجال ، والبخاري قد استشهد أيضاً بحديث عمرو ، فقد أخرج حديثاً معلقاً في كتاب " اللباس " من " صحيحه " ، وأخرجه الحافظ ابن حجر من طريق عمرو بن شعيب ، وقال : إنه لم ير في البخاري إشارة إلى حديث عمرو غير هذا الحديث ، ثم إن البخاري صحح نسخة عمرو ابن شعيب ، وهو أقوى من استشهاده بنسخة بهز .

وهما صحابيان ، وأحفادهما ثقات ، وأحاديثهما على كثرتها ، محتج بها في كتب العلماء ، وليست في كتابَي البخاري ومسلم .

النوع السادس : وهو الأول من المختلف فيه
المراسيل : وقد تقدم القول فيها ، واختلاف الأئمة في قبولها ، والعمل بها ، وردها ، وترك الاحتجاج بها ، وذلك في «الفرع الخامس» من «الفصل الأول» من هذا الباب .

النوع السابع : وهو الثاني من المختلف فيه
رواية المدلسين إذا لم يذكروا سماعهم في الرواية ، فيقولون : قال فلان ، ممن هو معاصرهم ، رأوه أو لم يروه ، ولا يكون لهم عنه سماع ولا إجازة ، ولا طريق من الرواية ، فيوهمون بقولهم : قال فلان ، أنهم قد سمعوا منه أو أجازه لهم ، أو غير ذلك ، فيكونون في قولهم : قال فلان ، صادقين ، لأنهم يكونون قد سمعوه من واحد أو أكثر منه عنه ، وهذا يسمونه بينهم تدليسًا ، للإيهام الذي حصل فيه (1) .
__________
(1) التدليس مذموم كله على الإطلاق حتى بالغ شعبة بن الحجاج أحد أئمة الجرح والتعديل ، فقال : لأن أزني أحب إلي من أن أدلس ؛ وقال : التدليس أخو الكذب ؛ قال ابن الصلاح : وهذا منه إفراط محمول على المبالغة في الزجر عنه والتنفير منه ، وذهب بعضهم إلى أن من عرف به صار مجروحاً -[168]- مردود الرواية مطلقاً وإن صرح بالسماع بعد ذلك ، والصحيح الذي رجحه المحققون من علماء الحديث أن ما رواه المدلس بلفظ محتمل - لم يصرح فيه بالسماع - لا يقبل بل يكون منقطعاً ، وما صرح فيه بالسماع يقبل ، لأن التدليس ليس كذباً ، وإنما هو ضرب من الإبهام كشفته الرواية المصرح فيها .
وهذا كله إذا كان الراوي ثقة في روايته ، قال السيوطي في " التدريب " ص 144 : وفصل بعضهم تفصيلاً آخر فقال : إن كان الحامل له على التدليس تغطية الضعيف فهو جرح له ، لأن ذلك حرام وغش ، وإلا فلا .

وقد جعله قوم صحيحًا محتجًا به ، منهم : أبو حنيفة ، وإبراهيم النخعي ، وحماد ابن أبي سليمان ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، ومن تابعهم من أئمة الكوفة .
وجعله قوم غير صحيح ، ولا يحتج به ، منهم : الشافعي ، وابن المسيب ، والزهري ، والأوزاعي ، وأحمد بن حنبل ، ومن تابعهم من أئمة الحجاز .
وأهل الحديث لا يعدُّونه صحيحًا ، ولا محتجًا به (1) .
وهو على ستة أصناف :
الأول : جماعة دلسوا عن الثقات الذين هم في الثقة مثلهم أو دونهم أو فوقهم ، إلا أنهم لم يخرجوا من عداد الذين تقبل أخبارهم ، لأنهم لم يكن غرضهم
__________
(1) إذا روى الراوي شيئاً لم يسمعه من المروي عنه ، وصرح في روايته بالتحديث والسماع كان كاذباً فاسقاً وفرغ من أمره ، أما إذا روى ذلك بصيغة لا تقتضي السماع كأن يقول : " عن فلان " أو " قال فلان " أو نحو هذا ، فإن كان المروي عنه لم يعاصره الراوي ولم يلقه ، كان ما يرويه منقطعاً ، وزعم بعضهم أن هذا من باب التدليس ، وهو قول مرجوح غير مشهور ، قال ابن عبد البر : وعلى هذا فما سلم أحد من التدليس لا مالك ولا غيره ، أي لأنهم كثيراً ما يروون عمن لم يعاصروه بهذه العبارات التي لا تستلزم السماع ثقة منهم بمعرفة أهل العلم أنه منقطع ، وأنهم قصدوا إلى روايته بغير إسناد ، وإذا كان الراوي معاصراً لمن روى عنه ، أو أنه لقيه ، فروى ما لم يسمعه منه وإنما سمعه من غيره بلفظ يوهم الاتصال وإن كان لا يستلزمه ، كان هذا تدليساً ، وسمي الراوي مدلساً .

بذلك التدليس ، إنما كان غرضهم حث الناس على الخير ، والدعاء إلى الله تعالى ، لا رواية الحديث ، فإنهم متى أرادوا رواية الحديث ذكروا طرقه .
منهم : قتادة بن دعامة ، إمام أهل البصرة يقول : قال أنس ، أو قال الحسن ، وهو مشهور بالتدليس عنهما فيما لم يذكروا روايته : بـ «أخبرنا» ، «وحدثنا» ، و «سمعت» ، ونحو ذلك .
الصنف الثاني : قوم يدلسون الحديث ، فيقولون : قال فلان ، فإذا حقق معهم أحد ذلك ، ذكروا طريق سماعه .
منهم : سفيان بن عُيَيْنة ، وهو إمام من أئمة أهل مكة يقول : قال الزهري ، أو قال عمرو بن دينار ، وسفيان مشهور بالسماع منهم جميعًا ، إلا أنه لم يذكر طريق روايته في هذا الحديث ، وقد عرف منه أنه يدلس فيما يفوته سماعه ، كما قال علي ابن خشرم : كنا عند سفيان بن عيينة ، فقال : قال الزهري : قيل له : حدثكم الزهري ؟ فسكت ثم قال : قال الزهري : فقيل له : سمعته من الزهري ؟ فقال : لا ، لم أسمعه من الزهري ، ولا ممن سمعه من الزهري ، حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ، ألا تراه دلس أولاً ، فلما استُفْسِر ، ذكر طريق سماعه .
والتدليس : إنما يتم إذا روى عن معاصره ، أما إذا روى عن غير معاصره ، فلا يكون مُدلسًا ، ويدخل في حد المرسل ، وقد ذكرناه .
الصنف الثالث : قوم يدلسون الحديث على أقوام مجهولين ، لا يُدرى مَن هُم ، ولا مِن أين هم ، فيذكرون أسماء لا تعرف .

الصنف الرابع : قوم دلسوا أحاديث رووها عن المجروحين فغيروا أسماءهم وكناهم ، كيلا يعرفوا .
الصنف الخامس : قوم دلسوا عن قوم سمعوا منهم الكثير ، وربما فاتهم الشيء عنهم فيدلسونه ، ولا يذكرون طريق روايتهم إذا سئلوا .
الصنف السادس : قوم رووا عن شيوخ لم يروهم قط ، ولم يسمعوا منهم ، إنما قالوا: قال فلان ، فحمل ذلك عنهم على السماع ، وليس عندهم عنهم سماع .

النوع الثامن : وهو الثالث من المختلف فيه
خَبرٌ يرويه ثقة من الثقات ، عن إمام من أئمة المسلمين ، ثم يرويه عنه جماعة من الثقات فيرسلونه .
مثاله : حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : «من سمع النداء فلم يُجب ، فلا صلاة له إلا من عذر (1)» هكذا رواه عدي بن ثابت عن سعيد ابن جبير ، وهو ثقة ، وقد وقفه سائر أصحاب سعيد بن جبير .
وهذا القسم مما يكثر ، وهو صحيح على مذهب الفقهاء ، والقول عندهم فيه قول من زاد في الإسناد ، أو المتن ، إذا كان ثقة .
وأما أئمة الحديث ، فإن القول فيه عندهم قول الجمهور الذي وقفوه ، وأرسلوه لما يخشى من الوهم على هذا الوجه المذكور .
__________
(1) أخرجه ابن ماجه 1/260 باب التغليظ في التخلف عن الجماعة وصححه ابن حبان والحاكم ، وله طريق أخرى عند أبي داود 1/216 بلفظ " من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر " أو قال : خوف أو مرض " لم تقبل منه الصلاة التي صلى " . وصححه ابن حبان .

النوع التاسع : وهو الرابع من المختلف فيه
روايات محدِّث صحيح السماع ، صحيح الكتاب ، معروف بالرواية ، ظاهر العدالة ، غير أنه لا يَعْرِف ما يحدث به ولا يحفظه ، قال الحاكم : كأكثر محدثي زماننا هذا ، وهو محتج به عند أكثر أهل الحديث ، وجماعة من الفقهاء ، فأما أبو حنيفة ومالك - رحمهما الله - ، فلا يريان الحجة به .
قلت : إذا كان الحاكم يقول عن زمانه ، وهو قريب من الصدر الأول ، كأكثر محدثي زماننا ، فما عسى أن نقول نحن في زماننا هذا ، لكنا نسأل الله العصمة والتوفيق ، والسداد في القول والعمل .

النوع العاشر : وهو الخامس من المختلف فيه
روايات المبتدعة ، وأصحاب الأهواء ، وهي عند أكثر أهل الحديث مقبولة إذا كانوا فيها صادقين ، فقد أخرج البخاري في «صحيحه» عن عباد بن يعقوب ، وكان أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول : حدثني الصدوق في روايته المتهم في دينه : عباد بن يعقوب ، وأخرج البخاري أيضًا في «صحيحه» عن محمد بن زياد ، وحريز بن عثمان ، وهما مشهوران بالنصب (1) ، وأخرج هو ومسلم في كتابيهما عن أبي معاوية محمد بن خازم ، وعن عبيد الله بن موسى ، وقد اشتهر عنهما الغلو .
__________
(1) الناصبية : فرقة ضالة تبغض أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، سموا بذلك ، لأنهم نصبوا له : أي : عادوه .

وأما مالك بن أنس ، فإنه يقول : لا يؤخذ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه ، ولا من كذاب يكذب في حديث الناس ، وإن كان لا يُتهم أنه يكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال الحاكم : هذه وجوه الصحيح المتفقة والمختلفة ، قد ذكرناها لئلا يتوهم متوهم أنه ليس يصح من الحديث إلا ما أخرجه البخاري ومسلم ، فإنا نظرنا فوجدنا البخاري قد صنف كتابًا في التاريخ ، جمع أسامي من رُوي عنهم الحديث من
زمان الصحابة إلى زمن خمسين ، فبلغ عددهم قريبًا من أربعين ألف رجل وامرأة ، خرّج في «صحيحه» عن جماعة منهم ، وخرّج مسلم في «صحيحه» عن جماعة .
قال الحاكم : جمعت أنا أساميهم ، وما اختلفا فيه ، فاحتج به أحدهما ، ولم يحتج به الآخر ، فلم يبلغوا ألْفَي رجل وامرأة .
قال : ثم جمعت من ظهر جرحه من جملة الأربعين ألفًا ، فبلغ مائتين وستة وعشرين رجلاً .
فليعلم طالب هذا العلم : أن أكثر رواة الأخبار ثقات ، وأن الدرجة العليا ، للذين في «صحيحي البخاري ومسلم» وأن الباقين أكثرهم ثقات ، وإنما سقطت أساميهم من «الصحيحين» للوجوه التي قدمنا ذكرها ، لا لجرح فيهم ، وطعن في عدالتهم ، وإنما فعلا ذلك في كتابَيهما زيادة في الاحتياط ، وطلبًا لأشرف المنازل

وأعلى الرتب ، وباقي الأحاديث معمول بها عند الأئمة .
ألا ترى أن الإمام أبا عيسى الترمذي - رحمه الله - وهو من المشهورين بالحديث والفقه - قال في آخر كتابه «الجامع» : إن جميع ما في كتابنا من الحديث معمول به ، وأخذ به بعض أهل العلم ، ما خلا حديثين .
أحدهما : حديث ابن عباس «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر بالمدينة ، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر» (1) .
والثاني : حديث معاوية : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «إذا شرب الخمر فاجلدوه ، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه» (2) .
وما عدا هذين الحديثين ، فقد عمل به قوم ، وترك العمل به آخرون .
__________
(1) رواه الترمذي رقم (186) باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين في الحضر ؛ ورواه مسلم رقم (705) كتاب " صلاة المسافرين " باب الجمع بين الصلاتين في الحضر ، ولم يذكر الترمذي علة الحديث ، بل ذكر حديثاً يعارضه من طريق حنش وهو الحسين بن قيس الرحبي ، وضعفه من أجله وإنما احتج بالعمل فقط ، ونقل أقوال الفقهاء ، وقد رد الإمام النووي على الترمذي قوله هذا في " شرح مسلم " فقال : وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به ، بل لهم أقوال ... وذكرها ، ثم قال : وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة ، وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك ، وحكاه الخطابي عن القفال عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث ، واختاره ابن المنذر ، قال ، ويؤيده ظاهر قول ابن عباس : أراد أن لا يحرج أمته فلم يعلله بمرض ولا غيره . ا.هـ
(2) رواه أحمد في " المسند " رقم (16918) من حديث معاوية ، وإسناده صحيح ، ورواه أبو داود ، والحاكم والبيهقي وغيرهم ، وكذا رواه أحمد من أحاديث صحابة آخرين بأسانيد صحاح ثابتة ، وقد قال به بعض أهل العلم من المحدثين ، وانظر رسالة " كلمة الفصل في قتل مدمني الخمر " للعلامة أحمد شاكر فإنه قد استوفى الكلام في هذا الموضوع .

فإذا كان كتاب الترمذي على كثرة ما فيه من الأحاديث ، لم يسقط العمل بشيء منه ، إلا بحديثين ، فكيف يُظن أنه لا صحيح إلا ما في كتابي البخاري ومسلم ؟!.

القسم الثاني : في الغريب والحسن وما يجري مجراهما
قد تقدم في القسم الأول ذكر الصحيح المتفق عليه ، والمختلف فيه : يدخل في هذا القسم عند من خالف في صحته .
وللغريب أنواع أخرى من جهات متعددة ، فرُبّ حديث مخرج في الصحيح ، وهو غريب من جهة طريقه ، مثل حديث جابر بن عبد الله في حفر الخندق ، وجوع
النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعصيبه بطنه ، وذكر أهل الصفة ، وهو حديث طويل قد أخرجه البخاري (1) ، و قد تفرد به عبد الواحد بن أيمن عن أبيه وهو من غرائب الصحيح .
ومثل حديث عبد الله بن عمرو لما حاصر النبي - صلى الله عليه وسلم - الطائف وقوله : «إنا قافلون غدًا ...» الحديث ، وقد أخرجه مسلم (2) في كتابه ، وهو غريب تفرد به السائب بن فروخ الشاعر عن ابن عمرو .
ومن الغرائب : غرائب الشيوخ ، مثل قول ابن عمر : عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يبيع حاضر لباد» رواه الربيع بن سليمان عن الشافعي عن مالك عن نافع عن
__________
(1) 7/304 ، 306 في المغازي باب غزوة الخندق .
(2) 3/1402 ، 1403 في الجهاد والسير - باب غزوة الطائف رقم (1778) .

ابن عمر (1) ، ولم يروه عن مالك غير الشافعي ، ولا الشافعي غير الربيع .
ومن الغرائب : غرائب المتون ، كما روى محمد بن المنكدر عن جابر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «إن هذا الدين متين ، فأوغِل فيه برفق ...» (2) . الحديث . فهذا غريب المتن ، وفي إسناده غرابة أيضًا .
ومن الغرائب : الإفراد ، وهو أن ينفرد أهل مدينة واحدة عن صحابي بأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لا يرويها عنه أهل مدينة أخرى ، أو ينفرد به راو واحد عن إمام من الأئمة وهو مشهور ، مثل ما حدث حماد بن سلمة عن أبي العُشَرَاء عن أبيه قال : قلت: يا رسول الله ، ما تكون الذكاة إلا في الحلق واللَّبَّة ؟ فقال : «لو طعنت في فخذها أجزأ عنك» (3) فهذا حديث تفرد به حماد بن سلمة (4) عن أبي العشراء ، ولا يُعْرَف لأبي العشراء إلا هذا الحديث ، وإن كان
__________
(1) مسند الشافعي 2/154 كتاب " البيوع " وقد أخرجه مالك مطولاً في " الموطأ " 2/683 باب النهي عن بيع الحاضر للبادي ، والبخاري 4/309 باب النهي للبائع أن لا يحفل الإبل ، ومسلم 3/1155 باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة . وفي الباب عن ابن عباس وجابر وأنس عند مسلم .
(2) وتمامه " فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى " ذكره الحافظ الهيثمي في " مجمع الزوائد " 1/62 وقال : رواه البزار وفيه يحيى بن المتوكل أبو عقيل هو كذاب ، وضعفه الحافظ في " التقريب " وترجمه الذهبي في " الميزان " بقوله : ضعفه ابن المديني والنسائي ، وقال ابن معين : ليس بشيء ، وقال أحمد : واه ، وقال أبو زرعة : لين الحديث .
(3) أخرجه أحمد 4/334 وأبو داود رقم 2825 والترمذي رقم 1481 و 3956 والنسائي 7/228 كتاب " الصيد والذبائح " باب ذكر المتردية في البئر . وابن ماجه رقم 3184 ، وقال الترمذي : حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة ، ولا نعرف لأبي العشراء عن أبيه غير هذا الحديث ، ونقول : أبو العشراء مجهول ، كما في " التقريب " .
(4) في المطبوع " مسلمة " وهو خطأ .

مشهورًا عند أهل العلم ، وإنما اشتهر من حديث حماد .
وربّ حديث يُحدث به رجل من الأئمة وحده ، فيشتهر لكثرة من يرويه عنه ، مثل ما روى عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «نهى عن بيع الولاء وهبته» (1) هذا حديث لا يُعرف إلا من حديث عبد الله بن دينار رواه عنه عُبيد الله بن عبد الله بن عمر ، وشعبة ، وسفيان الثوري ، ومالك بن أنس وغير واحد من الأئمة .
ورب حديث إنما يستغرب لزيادة تكون فيه ، وإنما يصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه ، مثل ما روى مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال : «فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين : صاعًا من تمر ، أو صاعًا من شعير» ، فزاد مالك في هذا الحديث «من المسلمين» (2) .
__________
(1) أخرجه البخاري 5/121 كتاب " العتق " باب الولاء وهبته و 12/37 كتاب " الفرائض " باب الولاء لمن أعتق ، ورواه مسلم رقم (1506) كتاب " العتق " باب النهي عن بيع الولاء وهبته ، وكذلك رواه أحمد وأصحاب " السنن " الأربعة .
(2) هو في " الموطأ " 1/284 والبخاري 3/293 ، 294 ومسلم 2/686 باب زكاة الفطر على المسلمين ، وأخرجه أحمد وأصحاب " السنن " وقد أطلق أبو قلابة الرقاشي ومحمد بن وضاح وابن الصلاح ومن تبعه أن مالكاً انفرد بهذه الزيادة دون أصحاب نافع . قال الحافظ : وهو متعقب برواية عمر بن نافع المذكورة في الباب الذي قبله (يعني في البخاري) وكذا أخرجه مسلم من طريق الضحاك بن عثمان عن نافع بهذه الزيادة . وقال النووي في " شرح مسلم " : رواه ثقتان غير مالك عمر بن نافع والضحاك ، وقد ذكر الحافظ في " الفتح " ما وقع له من رواية جماعة غيرهما فانظره .

وروى أيوب السِّختياني ، وعبيد الله بن عمر ، وغير واحد من الأئمة هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر ، ولم يذكروا فيه «من المسلمين» .
فأخذ جماعة من الأئمة بحديث مالك ، واحتجوُّا به ، منهم الشافعي ، وأحمد ابن حنبل ، وغيرهما .
قالوا : إذا كان للرجل عبيد غير مسلمين ، لم يؤدِّ عنهم صدقة الفطر .
فإذا زاد حافظ ممن يُعتمد على حفظه وثقته . قُبِلَ ذلك منه ، وكان الحديث مع ذلك غريبًا لهذه الزيادة .
وربَّ أحاديث مشهورة في أيدي الناس ، متداولة بين الأئمة ، لم يخرّج منها في الصحيح شيء .
وربَّ أحاديث خُرجت في الصحيح ، وهي غير مشهورة ولا متداولة بين الأئمة .
وربَّ حديث شاذ انفرد به الثقة ، إلا أنه لا أصل له ، ولا يتابع عليه ، فيخالف فيه الناس ، ولا يعرف له علة يعلل بها ، فإن الحديث المعلل : هو ما عُرفت علته ، فذكرت ، فزال الخلل منه .
والشاذ : ما لا يعرف له علة .
وربَّ حديث يروى من أوجه كثيرة ، وإنما يُستغرب لإسناده .
مثل : ما حدَّث أبو كُريب وأبو هشام الرفاعي ، وأبو السائب ، والحسين ابن الأسود قالوا : حدثنا أبو أسامة عن بُريد بن عبد الله بن أبي بردة عن

جده أبي بردة عن أبي موسى ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «الكافر يأكل في سبعة أمعاء ، والمؤمن يأكل في مِعي واحد» هذا حديث غريب من قبل إسناده ، فإنه قد رُوي هذا الحديث من غير وجه (1) ، وإنما استُغرب من حديث أبي موسى لا غير .
قال الترمذي [رحمه الله] : ما ذكرنا في كتابنا - يعني «الجامع» الذي له - حديث حسن ، فإنما أردنا حُسن إسناده عندنا ، كل حديث يُروى لا يكون في إسناده من يُتَّهَمُ بالكذب ولا يكون الحديث شاذًا ، ويروى من غير وجه نحو ذلك ، فهو عندنا حديث حسن (2) .
فالحديث الحسن إذًا : واسطة بين الصحيح والغريب (3) ، والله أعلم .
هذا آخر القول في [الباب] الثالث من هذه المقدمة
__________
(1) أخرجه مالك في " الموطأ " 2/924 بابا ما جاء في معي الكافر ، والبخاري كتاب " الأطعمة " باب المؤمن يأكل في معي واحد ، ومسلم رقم (2062) كتاب " الأشربة " باب المؤمن يأكل في معي واحد ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(2) وقد اعترض الحافظ العراقي على الترمذي بأنه حكم في " جامعه " على أحاديث بالحسن ، مع أنها لم ترد إلا من وجه واحد ، مثل حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه ، عن عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال : " غفرانك " والترمذي نفسه قال في شأن هذا الحديث : حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، ولا نعرف في الباب إلا حديث عائشة .
(3) قال ابن الصلاح في " المقدمة " ص 33 : الحديث الحسن قسمان ، أحدهما : الحديث الذي يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته ، غير أنه ليس مغفلاً كثير الخطأ فيما يرويه ولا هو متهم بالكذب في الحديث ، أي : لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث ، ولا سبب آخر مفسق ، ويكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بأن روي مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر حتى اعتضد بمتابعة من -[179]- تابع راويه على مثله أو بما له من شاهد ، وهو ورود حديث آخر بنحوه ، فيخرج بذلك عن أن يكون شاذاً أو منكراً . القسم الثاني : أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان ، وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به من حديثه منكراً ، ويعتبر في كل هذا مع سلامة الحديث من أن يكون شاذاً أو منكراً سلامته من أن يكون معللاً ، وجمهور الفقهاء وأكثر أهل العلم بالحديث على أن الاحتجاج بالحسن جائز كالاحتجاج بالصحيح ولو كان الحسن أقل درجة منه ، ولقد أدرج جماعة من المحدثين الحسن في الصحيح ، منهم ابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم ، مع اعترافهم بأنه دونه رتبة .

الباب الرابع : في ذكر الأئمة الستة - رضي الله عنهم- وأسمائهم ، وأنسابهم ، وأعمارهم ، ومناقبهم وآثارهم.

هذا باب واسع ، إن أتينا فيه بالواجب من ذكر هؤلاء القوم طال وخرج عن حد المقدمات ، وتجاوز قدر المختصرات ، وتركنا الغرض المقصود إليه .
وإنما نذكر فيه طرفاً مما أشرنا إليه ، ونُكتاً مما نبهنا عليه ، ليُعْرَفَ بالمذكور قدر المتروك ، ويُستدل بالشاهد على الغائب ، فإن القوم كانوا أعلام الهدى ، ومعادن الفضائل ، واللسان في وصفهم مطلق العنان.
وقد بدأنا بذكر مالك رحمه الله ، لأنه المقدم زماناً وقدراً ، ومعرفة وعلماً ، ونباهة وذكراً ، وهو شيخ العلم، وأستاذ الأئمة ، وإن كنا في ذكر تخريج الحديث قدمنا عليه البخاري ومسلماً للشرط الذي لكتابيهما ، فلا نقدمهما عليه في الذكر ، إذ هو أحق وأولى ، وكتاباهما أجدر بالتقديم من كتابه وأحرى.

[الإمام] مالك
هو أبو عبد الله : مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان ابن خثيل بن عمرو بن الحارث - وهو ذو أصبح - بن سويد ، من بني حمير ابن سبأ الأكبر ، ثم من بني يَشْجب بن قحطان ، وفي نسبه خلاف غير هذا .
ولد سنة خمس وتسعين من الهجرة ، ومات بالمدينة سنة تسع وسبعين ومائة ، وله أربع وثمانون سنة .
وقال الواقدي : مات وله تسعون سنة ، وله ولد اسمه يحيى ، ولا يعلم له غيره.
هو إمام أهل الحجاز ، بل إمام الناس في الفقه والحديث ، وكفاه فخرًا أن الشافعي من أصحابه .
أخذ العلمَ : عن محمد بن شهاب الزهري ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، ونافع مولى عبد الله بن عمر [رضي الله عنهما] ، ومحمد بن المنكدر ، وهشام ابن عروة بن الزبير ، وإسماعيل بن أبي حكيم ، وزيد بن أسلم ، وسعيد بن أبي سعيد المقبري ، ومَخْرمَة بن سليمان ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وأفتى معه ، وعبد الرحمن بن القاسم ، وشريك بن عبد الله بن أبي نمر - وليس بالقاضي - وخلق كثير سواهم .
وأخذ العلم عنه خلق كثير لا يُحْصون كثرة . وهم أئمة البلاد.

منهم : الشافعي ، ومحمد بن إبراهيم بن دينار ، وأبو هاشم المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي ، وأبو عبد الله عبد العزيز بن أبي حازم ، وعثمان بن عيسى بن كنانة - هؤلاء نُظَراؤه من أصحابه - ومَعْنُ بن عيسى القزاز ، وأبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون ، ويحيى بن يحيى الأندلسي - ومن طريقه
روينا «الموطأ» - وعبد الله بن مسلمة القَعْنَبيّ ، وعبد الله بن وهب ، وأصبغ بن الفرج ، وغير هؤلاء ممن لا يحصى عدده .
وهؤلاء مشايخ البخاري ، ومسلم ، وأبي داود ، والترمذي ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وغيرهم من أئمة الحديث .
قال مالك [رحمة الله عليه] : قلَّ مَنْ كتَبْتُ عنه العلم ، ما مات حتى يجيئني ويستفتيني .
وقال بكر بن عبد الله الصنعاني : أتينا مالك بن أنس ، فجعل يحدثنا عن ربيعة ابن عبد الرحمن وكنا نستزيده من حديثه ، فقال لنا ذات يوم : ما تصنعون بربيعة ، وهو نائم في ذلك الطاق ؟ فأتينا ربيعة فأنبهناه ، وقلنا له : أنت ربيعة ؟ قال : نعم . قلنا : الذي يحدث عنك مالك بن أنس ؟ قال : نعم . قلنا : كيف حظي بك مالك ولم تحظ أنت بنفسك ؟ ! قال : أما علمتم أن مثقالاً من دَولة خير من حمل علم ؟ .
وكان مالك مبالغًا في تعظيم العلم والدين ، حتى كان إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه ، وسرَّح لحيته ، واستعمل الطيب ، وتمكن من

الجلوس على وقار وهيبة ، ثم حدَّث ، فقيل له في ذلك ، فقال : أُحب أن أُعظِّم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ومر يومًا على أبي حازم وهو جالس ، فجازه ، فقيل له ، فقال : إني لم أجد موضعًا أجلس فيه ، فكرهت أن آخذ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا قائم .
قال يحيى بن سعيد القطان : ما في القوم أصح حديثًا من مالك .
وقال الشافعي [رحمه الله] : إذا ذكر العلماء ، فمالكٌ النجم ، وما أحد أمَنَّ عليّ مِن مالك [رحمة الله عليه] .
ورُوي أن المنصور منعه من رواية الحديث في طلاق المكره ، ثم دس عليه من يسأله ، فروى على ملأ من الناس «ليس على مستكره طلاق» فضربه بالسياط ، ولم يترك رواية الحديث .
وروي أن الرشيد سأل مالكًا فقال : هل لك دار ؟ فقال : لا ، فأعطاه ثلاثة آلاف دينار ، وقال : اشتر بها دارًا ، فأخذها ولم ينفقها . فلما أراد الرشيد الشخوص ، قال لمالك : ينبغي أن تخرج معي ، فإني عزمت أن أحمل الناس على «الموطأ» كما حمل عثمان الناس على القرآن ، فقال : أمَّا حمل الناس على «الموطأ» فليس إلى ذلك سبيل ، لأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفرقوا بعده في الأمصار فحدثوا ، فعند أهل كل مصر علم ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «اختلاف أمتي رحمة» (1) وأما الخروج معك فلا سبيل إليه . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «المدينة
__________
(1) قال السبكي كما نقله عنه المناوي في " فيض القدير " وليس هذا الحديث بمعروف عند المحدثين ، ولم -[183]- أقف له على سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع . وأسنده في " المدخل " وكذا الديلمي في " مسند الفردوس " كلاهما من حديث ابن عباس مرفوعاً بلفظ " اختلاف أصحابي رحمة " ، قال الحافظ العراقي : سنده ضعيف . وقال ولده أبو زرعة : رواه أيضاً آدم بن إياس في كتاب العلم والحلم بلفظ " اختلاف أصحابي لأمتي رحمة " ، وهو مرسل ضعيف . وفي " طبقات ابن سعد " عن القاسم بن محمد نحوه . وأخرج البيهقي في " المدخل " عن القاسم بن محمد أو عمر بن عبد العزيز : لا يسرني أن أصحاب محمد لم يختلفوا ، لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة .
وقال شيخ الإسلام موفق الدين بن قدامة المقدسي في " لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد " : وأما النسبة إلى إمام في فروع الدين . كالطوائف الأربعة فليس بمذموم ، فإن الاختلاف في الفروع رحمة ، والمختلفون فيه محمودون في اختلافهم ، مثابون في اجتهادهم ، واختلافهم رحمة واسعة ، واتفاقهم حجة قاطعة .
نقول : ولا شك أن اختلاف الأئمة المجتهدين في فهم نصوص الكتاب والسنة وما تدل عليه ظاهرة طبيعية في شريعة الإسلام ، لأن أكثر نصوصه ظنية الدلالة ، وهذا الاختلاف ما أراده الله تعالى ورضيه ، فهو رحمة وتوسعة ومجال للتنافس والإبداع ، ولقد كان من أثره هذا التراث الضخم الذي تحفل به المكاتب الإسلامية من المؤلفات المتنوعة ، وقد كان اختلافهم في القرآن في بعض ما استنبط منه من أحكام نتيجة للخلاف في فهمه لخفاء في دلالته بسبب من الأسباب ، كالاشتراك في لفظه ، أو التخصيص في عامه ، أو التقييد في مطلقه ، أو ورود نسخ عليه ، أو غير ذلك من الأسباب المبينة في مظانها واختلافهم في السنة لا يقتصر على اختلافهم فيما تدل عليه الأحاديث وما يراد منها كما هو الحال في آي القرآن ، بل يتجاوز ذلك ، فيختلفون في الحكم على الحديث صحة وضعفاً ، فيرى بعضهم صحيحاً ما يراه الآخر ضعيفاً . إلى غير ذلك من أسباب الاختلاف الكثيرة التي بينها العلماء في مؤلفاتهم .
وأما الاستشهاد ببعض الآيات التي تذم الخلاف وتنهى عنه وتحذر منه على حرمة الخلاف في فهم النصوص ، فهو استشهاد في غير محله .

خير لهم لو كانوا يعلمون» وقال : «المدينة تنفي خبثها» وهاذي دنانيركم كما هي ، إن شئتم فخذوها ، وإن شئتم فدعوها .
يعني أنك إنما تكلفني مفارقة المدينة لما اصطنعتَه إليَّ ، فلا أُوثِر الدنيا

على مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقال الشافعي [رحمه الله] : رأيت على باب مالك كُراعًا من أفراس خراسان ، وبغال مصر ، ما رأيت أحسن منه ، فقلت له : ما أحسنه ، فقال : هو هدية مني إليك يا أبا عبد الله ، فقلت : دع لنفسك منها دابة تركبها ، فقال : أنا أستحي من الله تعالى أن أطأ تربة فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحافر دابة . وكم مثل هذه المناقب لهذا الطَّود الأشم ، والبحر الزاخر .

[الإمام] البخاري
هو أبو عبد الله : محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجُعفي البخاري .
وإنما قيل له : الجُعفي ، لأن المغيرة - أبا جده - كان مجوسيًا ، أسلم على يد يمان البخاري ، وهو الجعفي والي بخارى ، فنُسب إليه حيث أسلم على يده .
وجُعفي : أبو قبيلة من اليمن ، وهو جُعفي بن سعد العشيرة بن مَذْحج ، والنسبة إليه كذلك .
ولد يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة ، وتوفي ليلة الفطر سنة ست وخمسين ومائتين ، وعمره اثنتان وستون سنة ، إلا ثلاثة عشر يومًا ، [ولم يُعقب ذَكَرًا] .
والبخاري - الإمام في علم الحديث - رحل في طلب العلم إلى جميع مُحَدِّثي الأمصار ، وكتب بخراسان والجبال ، والعراق والحجاز ، والشام ومصر ، وأخذ الحديث عن المشايخ الحفَّاظ .
منهم : مكي بن إبراهيم البلخي ، وعبدان بن عثمان المروزي ، وعبيد الله بن موسى العبسي ، وأبو عاصم الشيباني ، ومحمد بن عبد الله الأنصاري ، ومحمد بن يوسف الفريابي ، وأبو نعيم الفضل بن دُكين ، وعلي بن المديني ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وإسماعيل بن أبي أويس المدني ، وغير هؤلاء من الأئمة .
وأخذ عنه الحديث خلقٌ كثير في كل بلدة حدَّث بها .

قال الفرَبري : سمع كتاب البخاري تسعون ألف رجل ، فما بقي أحد يروي عنه غيري ، وكذلك لا يُرْوَى اليوم - «صحيح البخاري» - عن أحد سواه . وردَّ على المشايخ وله إحدى عشرة سنة ، وطلب العلم وله عشر سنين .قال البخاريُّ : خرَّجتُ كتاب الصحيح من زهاء ستمائة ألف حديث ، وما وضعت فيه حديثًا إلا صليت ركعتين.وقدم البخاري بغداد ، فسمع به أصحاب الحديث ، فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها ، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر ، وإسناد هذا المتن لمتن آخر ، ودفعوها إلى عشرة أنفس ، لكل رجل عشرة أحاديث ، وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوها على البخاري ، فحضر المجلس جماعة من أصحاب الحديث ، فلم اطمأن المجلس بأهله ، انتُدِبَ إليه رجل من العشرة ، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال : لا أعرفه ، فسأله عن آخر ، فقال : لا أعرفه ، حتى فرغ من العشرة ، والبخاري يقول : لا أعرفه . فأما العلماء فعرفوا بإنكاره أنه عارف ، وأما غيرهم فلم يدركوا ذلك منه ، ثم انتُدِبَ رجل آخر من العشرة فكان حاله معه كذلك ، ثم انتدب آخر بعد آخر ، إلى تمام العشرة ، والبخاري لا يزيدهم على قوله : لا أعرفه.
فلما فرغوا التفت إلى الأول منهم ، فقال : أما حديثك الأول ، فهو كذا ، والثاني كذا ، على النسق ، إلى آخر العشرة ، فردَّ كل متن إلى إسناده ، وكل إسناد إلى متنه ، ثم فعل بالباقين مثل ذلك ، فأقر له الناس بالحفظ ، وأذعنوا له بالفضل .

[الإمام] مسلم
هو أبو الحسين : مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري ، أحد الأئمة الحفاظ .
ولد سنة ست ومائتين ، وتوفي عشية يوم الأحد لست بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين .رحل إلى العراق والحجاز والشام ومصر .
وأخذ الحديث عن يحيى بن يحيى النيسابوري ، وقتيبة بن سعيد ، وإسحاق بن راهويه ، وعلي بن الجعد ، وأحمد بن حنبل ، وعبيد الله القواريري ، وشُريح بن يونس ، وعبد الله بن مسلمة القعنبي ، وحرملة بن يحيى . وخلف بن هشام ، وغير هؤلاء من أئمة الحديث وعلمائه .
وقدم بغداد غير مرة وحدَّث بها .
روى عنه خلق كثير.
منهم : إبراهيم بن محمد بن سفيان - ومن طريقه روينا «صحيحه» - وكان آخر قدومه بغداد سنة سبع وخمسين ومائتين .
قال أحمد بن سلمة : رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدِّمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على أهل عصرهما .
وقال الحسن بن محمد الماسرجسي : سمعت أبي يقول : سمعت مسلمًا يقول :

صنفت «المسند الصحيح» من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة .
وقال محمد بن إسحاق بن مندة ، سمعت أبا علي بن علي النيسابوري يقول : ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم بن الحجاج في علم الحديث .
وقال أبو عمرو محمد بن حمدان الحيري (1) : سألت أبا العباس بن عُقدة عن محمد ابن إسماعيل البخاري ، ومسلم بن الحجاج النيسابوري : أيهما أعلم .
فقال : كان البخاري عالمًا ، وكان مسلم عالمًا ، فكررت عليه مرارًا وهو يجيبني بمثل هذا الجواب ، ثم قال : يا أبا عمرو ، قد يقع للبخاري الغلط في أهل الشام ، وذلك أنه أخذ كتبهم ، فنظر فيها ، فربما ذكر الواحد منهم بكنيته . ويذكره في موضع آخر باسمه ، ويتوهم أنهما اثنان ، فأما مسلم ، فقلما يقع له الغلط ، لأنه كتب المقاطيع والمراسيل .
وقال محمد بن يعقوب الأخرم - وذكر كلامًا معناه - : قلما يفوت البخاري ومسلمًا مما يثبت في الحديث حديث .
قال الخطيب أبو بكر البغدادي : إنما قفا مسلم طريق البخاري ، ونظر في علمه وحذا حذوه .
ولما ورد البخاري نيسابور في آخر مرة ، لازمه مسلم ، وأدام الاختلاف إليه .
وقال الدارقطني : لولا البخاري لما ذهب مسلمٌ ولا جاء .
__________
(1) الحيري : - بكسر الحاء ، وسكون الياء ، تحتها نقطتان ، وبالراء - منسوب إلى الحيرة ، وهي البلد المعروف قديماً ، مجاور الكوفة ، والحيرة : محلة بنيسابور ، وإليها ينسب محمد بن أحمد بن حمدان .

[الإمام] أبو داود
هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو بن عمران الأزدي السجستاني ، أحد من رحل وطوف ، وجمع وصنف ، وكتب عن العراقيين والخراسانيين والشاميين والمصريين والجزريين .
ولد سنة اثنتين ومائتين ، وتوفي بالبصرة لأربع عشرة بقيت من شوال سنة خمس وسبعين ومائتين .
وقدم بغداد مرارًا ، ثم خرج منها آخر مرَّاته سنة إحدى وسبعين .
وأخذ الحديث عن مسلم بن إبراهيم ، وسليمان بن حرب ، وعثمان بن أبي شيبة وأبي الوليد الطيالسي ، وعبد الله بن مسلمة القعنبي ، ومسدد بن مُسَرْهد ، ويحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل ، وقتيبة بن سعيد ، وأحمد بن يونس ، وغير هؤلاء من أئمة الحديث ، ممن لا يحصى كثرة .
وأخذ الحديث عنه : ابنه عبد الله ، وأبو عبد الرحمن النسائي ، وأحمد بن محمد الخلال ، وأبو علي محمد بن عمرو اللؤلؤي ، ومن طريقه نروي كتابه .
وكان أبو داود سكن البصرة .
وقدم بغداد ، وروى كتابه المصنف في «السنن» بها . ونقلها أهلها عنه ، وصنفه قديمًا ، وعرضه على أحمد بن حنبل ، فاستجابه واستحسنه .

قال أبو بكر بن داسة : قال أبو داود : كتبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسمائة ألف حديث ، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب - يعني كتاب «السنن» - جمعت فيه أربعة آلاف حديث وثمانمائة حديث . ذكرت الصحيح ، وما يُشبهه ويقاربه ، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث .
أحدها : قوله عليه الصلاة والسلام : «إنما الأعمال بالنيات» .
والثاني : قوله - صلى الله عليه وسلم - : «مِنْ حُسنِ إسلام المرء تِركهُ ما لا يعنيه» .
والثالث : قوله - صلى الله عليه وسلم - : «لا يكوُن المؤمن مؤمنًا حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه» .
والرابع : قوله - صلى الله عليه وسلم - : «إن الحلال بين ، وإن الحرام بين ، وبينهما أمور مشتبهات ...» الحديث .
وقال أبو بكر الخلال : أبو داود ، سليمان بن الأشعث ، الإمام المقدم في زمانه ، رجل لم يسبقه إلى معرفته بتخريج العلوم وبصره بمواضعها أحد في زمانه ، رجل ورع مقدَّم.
وكان إبراهيم الأصفهاني ، و أبو بكر بن صدقة ، يرفعان من قدره ، ويذكرانه بما لا يذكران أحدًا في زمانه بمثله .
وقال أحمد بن حنبل بن ياسين الهروي : كان سليمان بن الأشعث ، أبو داود ، أحد حفاظ الإسلام لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عِلمِهِِِ وعلله وسنده ، وكان في أعلى درجة من النسك والعفاف ، والصلاح والورع ، من

فرسان الحديث .
وقال محمد بن أبي بكر بن عبد الرزاق : كان لأبي داود كُمُّ واسع وكُمُّ ضيِّق ، فقيل له : يرحمك الله ! ما هذا ؟ قال : الواسع للكتب ، والآخر لا نحتاج إليه .
وقال أبو سليمان الخطابي : كتاب «السنن» لأبي داود ، كتاب شريف لم يصنف في علم الدين كتاب مثله ، وقد رزق القبول من كافة الناس ، على اختلاف مذاهبهم ، فصار حَكَمًا بين فرق العلماء ، وطبقات الفقهاء ، فلكل فيه ورد ، ومنه شِرب ، وعليه معوَّل أهل العراق ومصر وبلاد المغرب ، وكثير من مدن أقطار الأرض ، فأما أهل خراسان ، فقد أولع أكثرهم بكتاب محمد بن إسماعيل البخاري ، وكتاب مسلم بن الحجاج النيسابوري .
وقال : قال أبو داود : ما ذكرت في كتابي حديثًا اجتمع الناس على تركه .
وكان تصنيف علماء الحديث قبل زمان أبي داود : «الجوامع» و «المسانيد» ، ونحوهما ، فتجمع تلك الكتب - إلى ما فيها من «السنن» و «الأحكام» - :
أخبارًا وقصصًا ، ومواعظ وأدبًا . فأما «السنن» المحضة ، فلم يقصد أحد منهم إفرادها واستخلاصها من أثناء تلك الأحاديث ، ولا اتفق له ما اتفق لأبي داود ، ولذلك حلَّ هذا الكتاب عند أئمة الحديث وعلماء الأثر مَحَلَّ العجب ، فضُرِبت إليه أكباد الإبل ، ورامت إليه الرحل .

قال إبراهيم الحربي لما صنف أبو داود هذا الكتاب : أُلين لأبي داود الحديث ، كما أُلين لداود عليه السلام الحديد .
وقال ابن الأعرابي عن كتاب أبي داود : لو أن رجلاً لم يكن عنده من العلم إلا المصحف الذي فيه كتاب الله عز وجل ، ثم هذا الكتاب ، لم يحتج معهما إلى شيء من العلم بتة (1) .
__________
(1) يقال : لا أفعله بتة ، ولا أفعله البتة : لكل أمر لا رجعة فيه ، ونصبه على المصدر . صحاح .

[الإمام] الترمذي
هو أبو عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك السلمي الترمذي ولد [سنة تسع ومائتين] .
وتوفي بـ «ترمذ» ليلة الاثنين الثالث عشر من شهر رجب سنة تسع وسبعين ومائتين ، وهو أحد العلماء الحفاظ الأعلام ، وله في الفقه يد صالحة .
أخذ الحديث عن جماعة من أئمة الحديث ، ولقي الصدر الأول من المشايخ .
مثل قتيبة بن سعيد ، وإسحاق بن موسى ، ومحمود بن غيلان ، وسعيد بن عبد الرحمن ، ومحمد بن بشار ، وعلي بن حُجر ، وأحمد بن منيع ، ومحمد بن المثنى ، وسفيان بن وكيع ، ومحمد بن إسماعيل البخاري ، وغير هؤلاء ، وأخذ عن خلق كثير لا يُحصون كثرة .
وأخذ عنه خلق كثير ، منهم محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي المروزي ، ومن طريقه روينا كتابه «الجامع» .
وله تصانيف كثيرة في علم الحديث ، وهذا كتابه «الصحيح» أحسن الكتب وأكثرها فائدة ، وأحسنها ترتيبًا ، وأقلها تكرارًا ، وفيه ما ليس في غيره : من ذكر المذاهب ، ووجوه الاستدلال ، وتبيين أنواع الحديث من الصحيح ، والحسن ، والغريب ، وفيه جرح وتعديل ، وفي آخره كتاب «العلل» ، قد جمع فيه

فوائد حسنة لا يخفى قدرها على من وقف عليها.
قال الترمذي [رحمه الله تعالى] : صنفت هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به ، وعرضته على علماء العراق فرضوا به ، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به ، ومن كان في بيته هذا الكتاب ، فكأنما في بيته نبي يتكلم .
وقال الترمذي : كان جدي مَرْوَزِيًا انتقل من مَرْو ، أيام الليث بن سيَّار .

[الإمام] النسائي
هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر بن سنان النسائي .
ولد [سنة خمس وعشرين ومائتين]
ومات بمكة سنة ثلاث وثلاثمائة ، وهو مدفون بها .
قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري : سمعت أبا علي الحافظ غير مرة يذكر أربعة من أئمة المسلمين رآهم ، فيبدأ بأبي عبد الرحمن .
وهو أحد الأئمة الحفاظ العلماء ، لقي المشايخ الكبار .
وأخذ الحديث عن قتيبة بن سعيد ، وإسحاق بن إبراهيم ، وحميد بن مسعدة ، وعلي ابن خشرم ، ومحمد بن عبد الأعلى ، والحارث بن مسكين ، وهنَّاد بن السَّري ، ومحمد بن بشار ، ومحمود بن غيلان ، وأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ، وغير هؤلاء من المشايخ الحفاظ.
وأخذ عنه الحديث خلق كثير ، منهم : أبو بشر الدولابي - وكان من أقرانه - وأبو القاسم الطبراني ، وأبو جعفر الطحاوي ، ومحمد بن هارون بن شعيب ، وأبو الميمون بن راشد ، وإبراهيم بن محمد بن صالح بن سنان ، وأبو بكر أحمد بن إسحاق السُّني الحافظ ، ومن طريقه روينا كتابه «السنن» .
وله كتب كثيرة في الحديث والعلل ، وغير ذلك .

قال مأمون المصري الحافظ : خرجنا مع أبي عبد الرحمن إلى طرسوس سنة الفداء ، فاجتمع جماعة من مشايخ الإسلام ، واجتمع من الحفاظ عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ومحمد بن إبراهيم مُرَبَّع ، وأبو الآذان ، وكِيلجه (1) وغيرهم . فتشاوروا من ينتقي لهم على الشيوخ ؟ فاجتمعوا على أبي عبد الرحمن النسائي ، وكتبوا كلهم بانتخابه .
وقال الحاكم النيسابوري : أما كلام أبي عبد الرحمن على فقه الحديث فأكثر من أن يذكر . ومن نظر في كتابه «السنن» له تحير في حسن كلامه .
وقال : سمعت علي بن عمر الحافظ غير مرة يقول : أبو عبد الرحمن مُقدَّم على كل من يذكر بهذا العلم في زمانه .
وكان شافعي المذهب ، له مناسك ، ألَّفها على مذهب الشافعي ، وكان ورعًا متحريًا ، ألا تراه يقول في كتابه «الحارث بن مسكين قراءة عليه ، وأنا أسمع» ولا يقول فيه : «حدثنا» ولا «أخبرنا» كما يقول عن باقي مشايخه .
وذلك : أن الحارث كان يتولى القضاء بمصر ، وكان بينه وبين أبي عبد الرحمن خشونة ، لم يمكنه حضور مجلسه ، فكان يستتر في موضع ، ويسمع حيث لا يراه ، فلذلك تورع وتحرى ، فلم يقل : «حدثنا وأخبرنا» .
وقيل : إن الحارث كان خائضًا في أمور تتعلق بالسلطان ، فقدم أبو عبد الرحمن فدخل إليه في زي أنكره ، قالوا : كان عليه قباء طويل ، وقلنسوة
__________
(1) هو محمد بن صالح بن عبد الرحمن البغدادي . أبو بكر الأنماطي ، الملقب كيلجة (وفي الأصل والمطبوع كيلحة بالحاء وهو تصحيف) قال الحافظ في " التقريب " : ثقة حافظ ، توفي سنة 271 هـ .

طويلة ، فأنكر زيه ، وخاف أن يكون من بعض جواسيس السلطان ، فمنعه من الدخول إليه ، فكان يجيء فيقعد خلف الباب ، ويسمع ما يقرؤه الناس عليه من خارج ، فمن أجل ذلك لم يقل فيما يرويه عنه : «حدثنا ، وأخبرنا» .
وسأل بعض الأمراء ، أبا عبد الرحمن عن كتابه «السنن» : أكُلُّه صحيح ؟ فقال : لا ، قال : فاكتب لنا الصحيح منه مجردًا ، فصنع المجْتَبى ، فهو «المجتبى من السنن» ، ترك كل حديث أورده في «السنن» . مما تُكُلِّم في إسناده بالتعليل .
والله أعلم بالصواب .

الباب الخامس : في ذكر أسانيد الكتب الأصول المودعة في كتابنا هذا

أما «صحيح البخاري»
فأخبرنا بجميعه الشيخ الإمام العالم الأجل جمال الدين زين الإسلام أبو عبد الله محمد بن محمد بن سرايا بن علي بن نصر بن أحمد بن علي ، أدام الله توفيقه بقراءتي عليه وهو يسمع ، فأقر به ، بمدينة الموصل ، في مدة آخرها شهور سنة ثمان وثمانين وخمسمائة .
قال : أخبرنا الشيخ الإمام الحافظ ، بقية المشايخ ، أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب بن إسحاق بن إبراهيم الصوفي الهروي السِّجزي ، قراءة عليه وأنا أسمع بمدينة السلام ، في المدرسة النظامية في شهور سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة .
قال: أخبرنا الإمام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن محمد بن داود ابن أحمد بن معاذ بن سهل بن الحكم الداودي ، قراءة عليه ، وأنا أسمع في سنة خمس وستين وأربعمائة .
قال: أخبرنا الإمام أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حَمُّوية بن أحمد بن يوسف السرخسي خطيب سرخس ، قراءة عليه ، وأنا أسمع في صفر سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة .

قال : أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري ، قراءة عليه وأنا أسمع ، في سنة ست عشرة وثلاثمائة .
قال : أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الجعفي ، قراءة عليه بكتابه «الصحيح الجامع» جميعه .

وأما «صحيح مسلم»
فأخبرنا الشيخ الإمام الثقة أبو ياسر عبد الوهاب بن هبة الله بن عبد الوهاب بن أبي حِبة البغدادي - رحمه الله - بقراءتي عليه وهو يسمع ، فأقر به بمدينة الموصل ، في شهور سنة سبع وثمانين وخمسمائة .
قال : أخبرنا الشيخ الإمام الحافظ العالم أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي - رحمه الله - ، قراءة عليه وأنا أسمع ، بمدينة السلام ، في سنة ست وعشرين وخمسمائة .
قال : أخبرنا الشيخ الجليل الحافظ أبو الفتح نصر بن الحسن بن أبي القاسم الشاشي المعروف بالتَّنْكُتي (1) ، قراءة عليه وأنا أسمع في شعبان من سنة خمس وسبعين وأربعمائة .
قال: أخبرنا الإمام أبو الحسن عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر بن أحمد الفارسي.
قال: أخبرنا الإمام أبو أحمد محمد بن عيسى بن عمروية الجلودي ، قراءة
__________
(1) التنكتي : بفتح التاء فوقها نقطتان وسكون النون وضم الكاف وبتاء أخرى . منسوب إلى تنكت مدينة من مدن الشاش من وراء سيحون وجيحون .

عليه [وأنا أسمع] في شهور سنة ست وخمسين وثلاثمائة .
قال : سمعت الإمام أبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه . في شهور سنة ثمان وثلاثمائة . يقول : سمعت الإمام مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري يقول :
بسم الله الرحمن الرحيم ، وشرع في ذكر خطبة كتابه «الصحيح» ، وساق الكتاب ... إلى آخره .
وأخبرني بـ «صحيح مسلم» أيضًا : الشيخ الإمام الصدر الكبير العالم الحافظ ، الزاهد العابد ضياء الدين ، شيخ الإمام والمشايخ أبو أحمد عبد الوهاب بن علي بن علي الأمين ، إجازة في سنة خمس وثمانين وخمسمائة بظاهر الموصل .
قال : أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد بن أحمد الصاعدي الفراوي (1) إجازة في سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة .
قال : أخبرنا عبد الغافر الفارسي عن الجلودي عن [أبي] إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن سفيان عن مسلم بن الحجاج .
فهذا الطريق أعلى من الطريق الأول برجل ، إلا أنه إجازة ، وذلك سماع .

وأما كتاب «الموطأ»
فأخبرنا بجميعه الشيخ الإمام ، العالم الأَجَّلُ صائن الدين جمال الإسلام أبو الحرم مكي بن ريان بن شبة ، المقرئ الماكسيني ، أدام الله توفيقه ، بقراءتي عليه فأقر به في مدة آخرها شهور سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ، بمدينة الموصل.
__________
(1) الفراوي ، بفتح الفاء وتخفيف الراء ، منسوب إلى فرارة : اسم موضع من بلد نيسابور .

قال: أخبرنا الشيخ الإمام العالم الثقة ، صائن الدين ، أبو بكر يحيى بن سعدون بن تمام بن محمد الأزدي القرطبي - رحمه الله - قراءة عليه وأنا أسمع ، بمدينة الموصل ، سنة ثلاث وستين وخمسمائة .
قال : أخبرنا الفقيه أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب ، سماعًا عليه . قال : أخبرنا القاضي أبو الوليد يونس بن عبد الله بن مغيث .قال : أخبرنا أبو عيسى يحيى بن عبيد الله .قال : أخبرنا عم أبي عبيد الله بن يحيى .قال : أخبرنا أبي يحيى عن يحيى .
قال : أخبرنا مالك بن أنس - رحمه الله - بجميع كتاب «الموطأ» .

وأما كتاب «السنن» لأبي داود
فإنه أخبرنا بجميعه الشيخ الإمام العالم الزاهد العابد ، ضياء الدين ، أبو أحمد عبد الوهاب بن علي المقدَّم ذكره ، بقراءتي عليه ، وقراءة غيري ، فأقر به بمدينة السلام ، في رباط شيخ الشيوخ في ذي القعدة من سنة خمس وثمانين وخمسمائة .
قال : أخبرنا الشيخ الإمام أبو غالب بن الحسين بن علي المارودي سماعًا عليه ، ومناولة بمدينة السلام .قال : أخبرنا الإمام أبو علي علي بن أحمد بن علي التستري بالبصرة .قال: أخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي ، قراءة عليه.

قال : أخبرنا الإمام أبو علي محمد بن أحمد بن عمر اللؤلؤي .قال: أخبرنا الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني بجميع كتاب «السنن» .

وأما كتاب «الترمذي»
فأخبرنا به الشيخ الإمام الصدر العالم الزاهد العابد ضياء الدين أبو أحمد عبد الوهاب بن علي المقدَّم ذكره ، بقراءتي عليه ، وقراءة غيري ، بمدينة السلام في سنة ست وثمانين وخمسمائة .
قال : أخبرنا الإمام أبو الفتح عبد الملك ابن أبي القاسم بن أبي سهل الكروخي الهروي ، قراءة عليه وأنا أسمع فأقرَّ به .
قال : أخبرنا القاضي الزاهد أبو عامر محمود بن القاسم بن محمد بن محمد الأزدي ، قراءة عليه وأنا أسمع ، في شهر ربيع الأول من سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة .
وأخبرنا الشيخ أبو نصر عبد العزيز بن محمد بن علي بن إبراهيم التُرياقي (1) والشيخ أبو بكر أحمد بن عبد الصمد بن أبي الفضل بن أبي حامد الغُورَجي ، قراءة عليهما وأنا أسمع ، في شهر ربيع الآخر من سنة إحدى وثمانين وأربعمائة .
قالوا : أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن عبد الله بن أبي الجراح الجراحي المروزي .قال : أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب بن فضيل المحبوبي المروزي المَرزُباني قراءة عليه .
__________
(1) نسبة إلى قرية بـ " هراة " .

قال : أخبرنا الإمام الحافظ أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي -رحمه الله - بكتاب «الجامع الكبير» ، إلا أن رواية الشيخ أبي القاسم الكروخي عن مشايخه انتهت إلى آخر مناقب جرير بن عبد الله البجلي ، وهي في أواخر المجلد
الثالث من الأصل المسموع . ومن هناك إلى آخر الكتاب يرويه الكروخي عن الأزدي والغُورَجي ، دون التُرياقي . وعن أبي المظفر علي بن علي بن ياسين بن الدهان عن الجراحي عن المحبوبي عن المصنف - رحمه الله-.

وأما كتاب «السنن» للنسائي
فأخبرنا بجميعه الشيخ الإمام الحافظ العالم بقية المشايخ ، أبو القاسم يعيش بن صدقة بن علي الفُراتي الإمام الشافعي بمدينة السلام ، في سنة ست وثمانين وخمسمائة ، بقراءتي عليه .قال : أخبرنا الشيخ الفقيه العالم أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسين بن محمُويَة اليزدي ، قراءة عليه ، وأنا أسمع ، في شهور سنة إحدى وخمسين وخمسمائة .
قال : أخبرنا الشيخ العالم الزاهد أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن بن عبد الرحمن بن علي بن أحمد بن إسحاق الصوفي الدُّوني (1) ، قراءة عليه بأصفهان ، في ذي الحجة من سنة تسع وتسعين وأربعمائة وبقراءتي عليه ثانيًا في صفر من سنة خمسمائة .قال : أخبرنا القاضي أبو نصر أحمد بن الحسين بن محمد بن عبد الله الكسَّار الدِّينَوَرِي ، قراءة عليه بخانكاه دُوّن في شوال سنة ثلاثة وثلاثين وأربعمائة .
__________
(1) الدوني : بضم الدال وبالنون منسوب إلى الدون وهي قرية من قرى الدينور .

قال: أخبرنا الشيخ الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق السني الدِّينَوَرِي ، قراءة عليه في داره بالدِّينور ، في جمادى الأولى من سنة ثلاث وستين وثلاثمائة .قال : حدثنا الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي [رحمه الله] بكتاب «السنن» جميعه .

وأما كتاب «الجمع بين الصحيحين» للحُمَيْدِي [رحمة الله عليه]
فأخبرنا جميعه الشيخ الإمام العالم الزاهد ، ضياء الدين أبو أحمد عبد الوهاب بن علي بن علي الأمين المقدَّم ذكره بقراءتي عليه ، وقراءة غيري ، بظاهر الموصل ، في سنة خمس وثمانين وخمسمائة .
قال : أخبرنا والدي سماعًا من أول الكتاب إلى آخر الحديث الحادي والأربعين ، من المتفق عليه لعبد الله بن عباس .والشيخ الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن نبهان الغنوي الرقي ، قراءة عليه ، من الحديث الثاني والأربعين ، من المتفق عليه لابن عباس ، إلى آخر الكتاب . وإجازة من والدي ومن الرقي لما لم أسمعه من كل واحد منهما ، فكمل إلي الكتاب جميعه سماعًا وإجازة .
قالا : أخبرنا المصنف الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي بكتابه «الجمع بين صحيحي البخاري ومسلم» .

وأما كتاب «رزين» (1)
فأخبرني به الشيخ الإمام العالم أبو جعفر المبارك بن المبارك [بن] أحمد بن زُرَيق (2) الحداد المقرئ الواسطي إجازة ، في سنة تسع وثمانين وخمسمائة .
قال : أخبرنا الإمام الحافظ أبو الحسن رزين بن معاوية العبدري (3) كتابة ، في سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة .
[هذا آخر الركن الأول ، ويتلوه الركن الثاني في المقاصد]
وهو مقسوم بعدد حروف المعجم : ثمانية وعشرين حرفًا .
وكتاب يتلو الحروف ، وهو كتاب اللواحق الذي أشرنا إليه في الركن الأول وسيأتي عدد ما في كل حرف من الكتب عند ذكره إن شاء الله تعالى .
__________
(1) هو أبو الحسن رزين بن معاوية بن عمار العبدري الأندلسي السرقسطي ، جاور بمكة أعواماً وحدث بها عن أبي مكتوم ، وعيسى بن أبي ذر الهروي وغيره . ذكره السلفي ، وقال : شيخ عالم ، ولكنه نازل الإسناد ، له تصانيف منها : كتاب " التجريد " جمع فيه ما في الصحاح الخمسة " و " الموطأ " ، وكتاب في أخبار مكة . وقال ابن بشكوال : كان رجلاً صالحاً ، فاضلاً عالماً بالحديث وغيره ، توفي رحمه الله بمكة سنة خمس وثلاثين وخمسمائة . انظر " شذرات الذهب " 4/106 .
(2) بتقديم الزاي على الراء المفتوحة .
(3) منسوب إلى عبد الدار بن قصي بن كلاب .

الركن الثاني
في مقاصد الكتاب

حرف الهمزة
وفيه عشرة كتب : كتاب الإيمان والإسلام ، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، كتاب الأمانة ، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كتاب الاعتكاف ، كتاب إحياء الموات ، كتاب الإيلاء ، كتاب الأَسماء والكُنى ، كتاب الآنية ، كتاب الأَمل والأَجل .
الكتاب الأول : في الإيمان والإسلام ، وفيه ثلاثة أبواب
الباب الأول : في تعريفهما حقيقةً ومجازاً ، وفيه فصلان
الفصل الأول : في حقيقتهما وأركانهما
1 - (خ م ت س) عبد الله بن عمر : قال : قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : «بُنِي الإسلامُ على خَمْسٍ : شهادةِ أن لا إله إلا الله ، وأنَّ محمدًا عبْدُهُ ورسولُهُ ، -[208]- وإقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزّكاةِ ، وحَجِّ البيت ، وصومِ رمضان» .
وفي رواية أنَّ رَجُلاً قال له : ألا تَغْزُو ؟ فقال له: إني سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ الإسلامَ بُنيَ على خمسٍ ...» وذكَرَ الحديثَ.
وفي أخرى : «بُنِيَ الإسلام على خَمْسَةٍ : على أنْ يُوَحَّدَ اللهُ ، وإقامِ الصلاةِ ، وإيتاءِ الزكاةِ ، وصيامِ رمضان ، والحجِّ» ، فقال رجل : الحجِّ وصيامِ رمضان ؟ قال : «لا ، صيام رمضان والحجِّ» ، هكذا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وفي أخرى «بُنِيَ الإسلام على خمس : [على] أن يُعْبَدَ اللهُ ويُكْفَرَ بما دُونه ، وإقامِ الصلاة ، وإيتاءِ الزكاةِ ، وحجِّ البيت ، وصومِ رمضان» أخرَجَ طُرُقَهُ جميعَها مسلمٌ ، ووافَقَه على الأولى : الترمذي ، وعلى الثانية : البخاريّ والنسائيّ (1) .
__________
(1) البخاري في الإيمان : باب قول النبي بني الإسلام على خمس 1/47 . ومسلم فيه : باب أركان الإسلام رقم (16) ، والترمذي فيه : باب بني الإسلام على خمس رقم (2736) ، والنسائي فيه : باب على كم بني الإسلام 8/107 .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه عن ابن عمر حبيب بن أبي ثابت ، رواه من هذا الطريق :
الحميدي (703) ، والترمذي (2609) ، عن ابن أبي عمر ، عن ابن عُيينة ، عن سُعَير بن الخمس التميمي عن حبيب بن أبي ثابت فذكره .
والحميدي (703) ، وذكر تردد سفيان في سعير مرةً واحدةً حيث قال : مِسعر ، ثم تثبت بعد ذلك.
ورواه يزيد بن بشر عن ابن عمر - رضي الله عنهما - :
- رواه أحمد (2/26) (4798) ، عن وكيع عن سفيان عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن يزيد بن بشر فذكره .
- ورواه أبو سويد العبدي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - :
أخرجه أحمد (2/92) (5672) ، عن أبي النضر قال : حدثنا أبو عقيل ، عن بركة بن يعلى التيمي ، قال: حدثني أبو سويد العبدي .
- ورواه محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن جده :
أخرجه أحمد (2/120) (6015) ، عن هاشم ، ومسلم (1/34) ، عن عبيد الله بن معاذ ، قال: حدثنا أبو النضر ، وابن خزيمة (1881) و (2505) ، قال : حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي ، قال: ثنا بشر بن المفضل .
ثلاثتهم عن عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه .
- ورواه عكرمة بن خالد عن ابن عمر - رضي الله عنهما -:وفيه ذكر الرواية الثانية التي أوردها الحافظ ابن الأثير :
أخرجه أحمد (2/143) (6301) ، عن ابن نمير ، والبخاري (1/9) ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، ومسلم (1/34) ، حدثني أبو كريب قال حدثنا وكيع ، والنسائي (8/107) ، قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن عمار ، قال : حدثنا المعافي - يعني ابن عمران - ، وابن خزيمة [308] ، قال : حدثنا محمد بن يحيى ، قال: حدثنا روح بن عبادة ، وفي [1880] قال : حدثنا سلم بن جنادة ، قال : حدثنا وكيع .
خمستهم عن حنظلة بن أبي سفيان قال : سمعت عكرمة بن خالد فذكره .
(*) وفي رواية ابن نمير ، وروح تعيين السائل «بطاوس» .
- ورواه سلمة بن كهيل ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - :
أخرجه عبد بن حميد (823) ، قال : حدثنا يعلى ، قال : ثنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن سلمة بن كهيل ، فذكره.
- ورواه سعد بن عبيدة السلمي ، عن ابن عمر - رضي الله عنه - :
أخرجه مسلم (1/34) ، قال: حدثنا ابن نمير ، ثنا أبو خالد الأحمر. (ح) وثنا سهل بن عثمان العسكري قال : ثنا يحيى بن زكريا قال : عن أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق قال: حدثني سعد بن عبيدة السلمي فذكره .

2 - (م ت د س) يحيى بن يعمر : قال : كان أول من قال في القَدَر (1) بالبَصْرَةِ : مَعْبدٌ الجُهَنِيُّ ، فَانْطَلَقْتُ أنا وحُمَيْدُ بنُ عبد الرحمن الحِمْيَريّ حَاجَّيْنِ ، أو مُعْتَمِرَيْنِ ، فقلنا : لو لَقِينا أحدًا من أصْحَابِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم --[209]- فسألناه عما يَقول هؤلاء في القَدَر ؟ فَوُفِّقَ لنا عبدُ الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - داخلاً المسجد ، فاكتنفتُه أنا وصَاحبي ، أحدُنا عن يمينه ، والآخَرُ عن شِماله ، فظننتُ أنَّ صاحبي سَيَكِلُ الكلامَ إليَّ ، فقلتُ : أبا عبد الرحمن ! إنه قد ظَهَرَ قِبَلَنا أُنَاسٌ يَقرؤُون القُرآنَ ، ويتَقَفَّرون الْعِلْمَ ، وذكَرَ من شأنِهِمْ ، وأنّهم يزعمون أن لا قَدَرَ ، وأنَّ الأمْرَ أُنُفٌ ، فقال : إذا لَقِيتَ أُولئك فأخْبِرْهم :أنِّي بَريءٌ منهم ، أنَّهم بُرَآءُ مِني ، والذي يَحْلِفُ به عبْدُ اللهِ بن عمر : لَوْ أن لأحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدِ ذَهَبًا فأنفَقَهُ ، ما قَبِلَ اللهُ منه حتَّى يُؤمِنَ بالقدَرِ ، ثم قال : حدَّثَنِي أبي عُمرُ بنُ الخطَّاب ، قال : بَيْنَما نحنُ جلوسٌ عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يومٍ ، إذ طَلعَ عليْنا رجلٌ شَديدُ بياض الثِّياب ، شديدُ سوادِ الشَّعر ، لا يُرى عليه أثرُ السَّفَر ، ولا يعرفُه مِنَّا أحدٌ ، حتَّى جَلَسَ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فأسْندَ رُكْبَتَيْهِ إلى رُكْبَتَيْهِ ، ووَضعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيهِ وقال : يا محمَّدُ ، أخبرني عن الإسلام ، فقالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : «الإسلام أن تَشهدَ أن لا إله إلا الله ، وأنَّ محمَّدًا رسولُ الله ، وتُقيمَ الصَّلاة ، وتؤتيَ الزكاة ، وتصومَ رمضان ، وتَحُجَّ البيْتَ إن استطعت إليه سبيلاً» . قال : صدقت ، قال : فَعَجِبنا لَهُ يَسْألُه ويُصدِّقُه ، قال : فأخبرني عن الإيمان ؟ قال : «أنْ تُؤمن باللهِ ، ومَلائِكَتِهِ ، وكتبه ، ورُسُلِه ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدَر خَيْرِهِ وشَرِّهِ» . قال : صدَقْتَ ، قال : فأخبرني عن الإحسان ، قال : «أن تعبدَ الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تَراه ، فإنه يَراكَ» . قال : فأخبرني عن الساعة ؟ قال : «ما المسؤول-[210]- عنها بِأعْلَمَ من السَّائِلِ» . قال : فأخبرني عن أماراتها ؟قال : «أنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتُها ، وأنْ تَرَى الحُفَاةَ الْعُرَاةَ ، العالَةَ رِعاءَ الشاءِ يتَطاوَلون في البُنْيان» ، قال : ثم انطلَقَ ، فلبِثَ (2) مَليًّا ثم قال لي : «يا عمر ، أتدري مَنِ السَّائل ؟» قُلْتُ : الله ورسُولُه أعلم ، قال : «فإنَّه جبريل أتاكم يُعلِّمُكم دينَكُمْ (3)» ، هذا لفظُ مُسْلِمٍ.
قال الْحُمَيْدِيُّ :جَمعَ مُسلِمٌ فيه الروايات ، وذكَرَ ما أوْرَدْنا من المَتْنِ ، وأنَّ في بعض الرِّوايات زيادةً ونُقصانًا.
وأخْرَجهُ الترمذيُّ بنحوه ، وتقديم بعضه وتأخيره.
وفيه : قال عُمرُ : فلقيني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بعدَ ثلاثٍ ، فقال لي : «يا عُمَرُ ، هل تدري مَنِ السائل ؟...» الحديث.
وأخرجه أبو داود بنحوه ، وفيه «فَلَبِثَ ثلاثًا (4)» .
وفي أخرى له : قال : فما الإسلام ؟ قال : «إقامُ الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحجُّ البيت ، وصوم شهر رمضان ، والاغتسال من الجنابة» .-[211]-
وفي أخرى لأبي داود : عن يحيى بن يَعْمَرَ ، وحُمَيْد بن عبد الرحمن قالا : لَقِينَا عبد الله بن عمر ، فذكرنا له القدَرَ ، وما يقولون فيه ؟ فذكر نحوه ، وزاد : قال: وسأله رجل من مُزَينة ، أو جهَينة ، فقال : يا رسول الله ، فيم نعمل ؟ في شيء خلا ومضى ، أو شيء يُستأنف الآن ؟ قال : «في شيء (5) خلا ومضى» . فقال الرَّجل- أوْ بَعْضُ القوم - ففيمَ العملُ ؟ قال : «إن أهل الجنَّة مُيسَّرون (6) لعمل أهل الجنة ، وإنَّ أهل النار مُيسَّرون (6) لعمل أهل النار» .
وأخرجه النّسائي مثلَ رواية مسلم ، إلا أنَّه أسقط حديثَ يحيى بن يَعمَر ، وذِكْرَ مَعْبَدٍ ، وما جَرى له مَعَ ابنِ عُمَر في ذكر القَدَر - إلى قوله : «حتى تُؤمن بالقدَر» .
وأوَّلُ حديثه قال ابن عمر : حدّثني أبي - وسرد الحديث إلى قوله - «البُنيان» . ثم قال : قال عُمَرُ : فلبث ثلاثًا ، ثم قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أتدري من السائل؟...» الحديث.
وزاد هو والترمذي وأبو داود بعد «العُراةِ» - «العَالَة» (7) .-[212]-

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
القَدَر : القَدرُ : مصدر قَدَرَ يَقْدُر ، وقد تُسكَّنُ داله ، وهو ما قضاه الله تعالى ، وحكم به من الأمور .
اكتنفه : كَنفْتُ الرَّجُلَ واكْتَنفتهُ ، أي صرتُ مما يليه ، وكذلك إذا قُمت بأمره .
سَيَكِلُ : وكَلت الأمر إليه أكِلُهُ : إذا رددته إليه ، واعتمدت فيه عليه ، واستكفيته إياه .
يقتفرون : الاقتفار ، والتقفر ، والاقتفاء ، والاقتداء : الاتباع ، يقال: اقتفرت الأرض والأثر ، وتقفرت .
الأنف : أنف : أي مستأنف ، من غير أن يسبق له سابق قضاء وتقدير ، وإنما هو مقصور على الاختيار.
الإحسان : قال الخطابي : إنما أراد بالإحسان هنا : الإخلاص ، وهو شرط في صحة الإيمان ، والإسلام معًا ، وذلك أن من تلفظ بالكلمة ، وجاء بالعمل من غير نية وإخلاص لم يكن محسنًا ، ولا كان إيمانه صحيحًا .
رَبتها ، وربها : الرب : السيد ، والمالك ، والصاحب ، والمدبر ، والمربي ، والمولى ، والمراد به في الحديث : السيد ، والمولى ، وهي الأمة تلد للرجل فيكون ابنها مولى لها ، وكذلك ابنتها ، لأنها في الحسب كأبيها ،-[213]- والمراد : أن السبي يكثر ، والنعمة تفشو في الناس وتظهر .
رعاء الشاء : الرعاء : جمع راع ، والشاء : جمع شاة .
مَلِيّاً : المليُّ : طائفة من الزمان طويلة ، يقال: مضى مليٌّ من النهار ، أي : ساعة طويلة منه.
العالة : الفقراء : جمع عائل ، والعيل : الفقر .
__________
(1) أي : أول من قال بنفي القدر فابتدع وجانب الصواب الذي عليه أهل الحق ، ومذهب أهل السنة إثبات القدر ، ومعناه : أن الله تبارك وتعالى قدر الأشياء في القدم ، وعلم سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده تعالى ، فهي تقع على حسب ما قدرها .
(2) في مسلم : فلبثت .
(3) قال البغوي رحمه الله : جعل النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام هنا اسماً لما ظهر من الأعمال ، والإيمان اسماً لما بطن من الاعتقاد ، وليس ذاك لأن الأعمال ليست من الإيمان ، ولا لأن التصديق ليس من الإسلام ، بل ذاك تفصيل لجملة كلها شيء واحد وجماعها الدين ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " أتاكم يعلمكم
دينكم " . وقال سبحانه وتعالى : {ورضيت لكم الإسلام دينا} . وقال : {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه} ، ولا يكون الدين في محل الرضى والقبول إلا بانضمام التصديق .
(4) في أبي داود : فلبثت .
(5) في سنن أبي داود : أفي شيء .
(6) في سنن أبي داود : ييسرون .
(7) مسلم في الإيمان : باب وصف جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم الإسلام والإيمان رقم (8) ، والترمذي فيه أيضاً رقم (2738) ، وأبو داود في السنة : باب في القدر رقم (4695) ، والنسائي في الإيمان : باب نعت الإسلام 8/97 .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : طريق يحيى بن يعمر عن ابن عمر - رضي الله عنهما - :
أخرجه أحمد (1/52) (374) ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، وفي (1/53) (375) ، قال : ثنا أبو أحمد : ثنا سفيان ، عن علقمة ، وفي (2/107) (5856) قال : ثنا عفان ، قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : أخبرنا علي بن زيد ، وفي (2/107) (5857) قال : ثنا عفان ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن إسحاق بن سويد ، وأخرجه أبو داود [4697] قال : ثنا محمود بن خالد ، قال : ثنا الفريابي ، عن سفيان ، قال : ثنا علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة ، والنسائي في الكبرى قال : أخبرنا أبو داود ، قال: ثنا يزيد بن هارون ، قال: أخبرنا شريك ، عن الركين بن الربيع .
أربعتهم عن يحيى بن يعمر .

3 - (خ م د س) أبو هريرة وأبو ذر - رضي الله عنهما - : قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا بازرًا للناس ، فأتاه رجل فقال : يا رسول الله ، ما الإيمان ؟ قال : «أن تُؤمن بالله ، وملائكته ، وكتابه (1) ، ولقائه ، ورُسُلِهِ ، وتؤمنَ بالبعث الآخر» قال : يا رسول الله ما الإسلام ؟ قال : «الإسلام أن تعبُدَ الله ، لا تُشْركُ به شيئًا ، وتُقيمَ الصلاةَ المكتوبة ، وتؤدي الزّكاة المفروضة ، وتصوم رمضان» . قال : يا رسول الله ما الإحسان ؟ قال : «أن تعبد الله كأنك تراه ، فإنك إن لم تره (2) فإنَّه يراك» . قال : يا رسولَ الله ، مَتَى السَّاعَةُ ؟ قال : «ما المسؤول عنها بأعلَمَ من السَّائل ، ولكن سأُحَدِّثُكَ عَنْ أشْراطها : إذا ولَدت الأمةُ ربَّتها (3) ، فذاك من أشراطها ، وإذا كانت العُرَاةُ الحفاةُ رُؤوسَ النَّاسِ ، فذاك من أشراطها ، وإذا تَطَاوَل رِعَاءُ-[214]- البَهُم في البينان ، فذاك من أشراطها ، في خَمْسٍ لا يعلَمُهنَّ إلا الله ، ثم تلا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : {إن اللّه عنده عِلْمُ الساعةِ ، ويُنزِّل الغيثَ ، ويَعْلَمُ ما في الأرحام} - إلى قوله: {إنَّ الله عليمٌ خبيرٌ} (لقمان : الآية 34) . قال : ثم أدْبَرَ الرجلُ ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : رُدُّوا عليّ الرَّجُلَ» ، فأخذُوا لِيَرُدُّوه ، فلم يَروْا شيئًا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «هذا جبريلُ جاء ليُعَلِّم النَّاس دينَهمْ» .
وفي رواية قال : «إذا ولدتِ الأمة بعْلَها» يعني السَّرَارِي.
وفي أخرى نحوُه : وفي أوّلِه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «سَلوني» فهابُوهُ أن يسألوهُ ، فجاء رجلٌ ، فجلس عند رُكْبَتَيْهِ ، فقال : يا رسول الله ، ما الإسلام - وذكَرَ نحوَهُ- وزاد : أنّه قال له في آخر كل سؤال منها : صدقت - وقال في الإحسان: «أن تخشى الله كأنك تراه» . وقال فيها : «وإذا رأيتَ الْحُفاةَ الْعُراةَ الصُّمّ الْبُكْم ملوكَ الأرض ، فذاك من أشراطها» - وفي آخرها - «هذا جبريل أراد أن تَعَلَّموا ، إذ لم تَسألوا» . هذا لفظ البخاري ومسلم عن أبي هريرة وحده.
وأخرجه أبو داود عن أبي هريرة وأبي ذرٍّ ، بمثل حديثٍ قَبْلَه ، وهو حديث يحيى ابن يَعمَر ، وهذا لفظُهُ :
قال أبو هريرة وأبو ذر : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجلس بين ظَهْرَانَي أصْحابه ، فيجيءُ الغريب ، فلا يدري : أيُّهم هو حتى يسألَ ، فطلبْنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نجعلَ له مجلسًا ، يعرفُه الغريبُ إذا أتاه ، قال : فبَنينا له-[215]- دُكَّانًا من طين يجلس عليه ، وكُنا نجلس بجنبَتِهِ - وذكرَ نحو حديث يحيى بن يَعْمَر - فأقبل رجلٌ ، وذكرَ هيْأتهُ ، حتى سلَّم من طرف السِّماط (4) ، فقال : السلام عليك يا محمدُ ، فرَدَّ عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأخرجه النسائي عن أبي هريرة وأبي ذر بمثل حديث أبي داود ، إلى قوله : من طين كان يجلس عليه ، ثم قال : وإنَّا لجُلوسٌ ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ، إذ أقبل رجلٌ أحسنُ الناس وجهًا ، وأطيبُ الناس ريحًا ، كأن ثيابَه لم يمسَّها دَنَس ، حتى سلَّمَ من طرف السِّماط ، قال: السلام عليك يا محمَّدُ ، فردَّ عليه السلامَ ، قال : أدْنُو يا محمَّد؟ قال : «أُدْنهْ» . قال : فما زال يقول : أدنُو مرارًا ، ويقول : «أُدْنُهْ» حتى وضع يَدَهُ على ركبَتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال : يا محمد ، أخبرني ما الإسلام ، قال : «الإسلام أن تعبد الله لا تُشركَ به شيئًا ، وتُقيمَ الصلاةَ ، وتؤتيَ الزكاةَ ، وتحجَّ البيتَ ، وتصومَ رمضان» . قال : وإذا فعلتُ ذلك ، فقد أسلمتُ ؟ قال : «نَعَمْ» . قال : صدقتَ ، فلما سَمِعْنَا قَولَ الرَّجُل : صَدَقْتَ ، أنكَرْنَاهُ. قال : يا محمّدُ ، أخبِرني عن الإيمان ؟ قال : «أن تؤمن بالله (5) والملائكة ، والكتاب ، والنبيين ، وتؤمن بالقدَرِ» قال : «فإذا فعلت ذلك ، فقد آمنتُ ؟» قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «نَعم» قال : صدقت ، قال : يا محمَّدُ ، أخبرني: ما الإحسان ؟ قال : «أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه-[216]- يراك» . [قال : صدقت] (6) ، قال : يا محمَّدُ ، أخبرني : متى الساعةُ ؟ قال : فَنكَّس ، فلم يجبه شيئًا ، ثم عاد ، فلم يجبه شيئًا ، ثم رفع رأسهُ ، قال : «ما المسؤول عنها بأعلمَ من السائل ، ولكن لها علاماتٌ تُعرَفُ بها : إذا رأيتَ رِعاءَ البَهْم يتطاوَلونَ في البُنيان ، ورأيتَ الْحُفاةَ العُراةَ ملوك الأرض ، ورأيتَ الأمةَ (7) تلدُ ربَّها ، في خمسٍ لا يعلمُها إلا الله ، {إنّ الله عندهُ علمُ الساعة} - ثم تلا إلى قوله - : {إنَّ الله عليم خبيرٌ} (لقمان : الآية 34) ، قال : لا والذي بعثَ محمدًا بالحقِّ هاديًا وبشيرًا ، ما كنْتُ بأعلمَ به من رجل منكم ، وإنه لجبريل نزل في صورة دِحيةَ الكَلْبيّ» (8) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
البَهم : جمع بَهْمة ، وهي صغار الغنم .
أشراطها : الأشراط : جمع شَرَط ، وهو العلامة .
رؤوس الناس : أراد : مُقَدَّميهم ، وسادَتَهُم .
الصُّمُّ : جمع أصم ، وهو الذي لا يسمع شيئًا .
البُّكم : جمع أبكم ، وهو الذي خُلق أخرس ، لا يتكلم .-[217]-
ظَهراني : يقال : أقام فلانٌ بين أظهر قومه ، وظَهرانَي قومه : أي أقام بينهم ، والأظهرُ : جمع ظهرٍ ، وفائدةُ إدخاله في الكلام : أنَّ إقامتهُ بينهم على سبيل الاستظهار بهم ، والاستناد إليهم .
وأما ظهرانيهم : فقد زيدت فيه الألف والنون على ظهر ، عند التثنية للتأكيد ، وكأنَّ معنى التثنية: أنَّ ظهرًا منهم قُدَّامَهُ ، وآخرَ وراءَهُ ، فكأنَهُ مكنوف من جانبيه ، هذا أصله ، ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم ، وإن لم يكن مكنوفًا بينهم .
دكانًا : الدكَّان : الدكة المبنية للجلوس عليها .
السماط : السماطان من الناس والنخل : الجانبان ، يقال : مشى بين السماطين ، والمراد بالسماط: الجماعةُ من الناس الجلوسُ عنده .
دَنَس : الدنس : الوسخ ، وقد دَنِس الثَّوْبُ إذا توسخ .
أُدْنُهُ : أمرٌ بالدنو ، وهو القرب ، والهاء فيه هاء السكت ، جيءَ بها لبيان الحركة .
__________
(1) في نسخة : وكتبه .
(2) في " صحيح مسلم " : إن لا تراه .
(3) في " صحيح مسلم " : ربها .
(4) في " سنن النسائي " : في طرف البساط .
(5) في " سنن النسائي " : قال الإيمان بالله .
(6) زيادة من " سنن النسائي " .
(7) في " سنن النسائي " ؛ المرأة .
(8) البخاري في " الإيمان " باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم ، 1/106 ، 115 ، مسلم فيه : باب الإسلام والإيمان والإحسان رقم (9 و 10) ، وأبو داود في السنة - باب في القدر رقم (4698) ، والنسائي في الإيمان - باب صفة الإيمان والإسلام 8/101 .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه أبو زرعة بن عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة :
أخرجه أحمد (2/426) ، قال : حدثنا إسماعيل ، والبخاري (1/19) ، قال : ثنا مسدد ، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم ، وفي (6/144) ، قال: ثني إسحاق عن جرير ، ومسلم (1/30) ، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب معًا عن ابن علية ، قال زهير : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم .
(ح) وثنا ابن نمير ، ثنا محمد بن بشر ، وابن ماجة (64 ، 4044) قال : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وابن خزيمة [2244] قال : ثنا يعقوب الدورقي ثنا ابن علية .
(ح) وثنا يوسف بن موس ، قال : ثنا جرير .
(ح) وثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : ثنا أبو أسامة .
(ح) وثنا عبدة بن عبد الله الخزاعي ، قال: أخبرنا محمد بن بشر .
* أربعتهم عن أبي حيان التيمي ، وتابعه عمارة عند مسلم (1/30) كلاهما عن أبي زرعة .
- وحديث أبي ذر :
عند البخاري في خلق أفعال العباد (25) ، وأبو داود [4698] ، والنسائي (8/101) ، من طريق جرير ، عن أبي فروة الهمداني ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير .
قلت: حديث أبي هريرة أقوى ما ورد في الباب .

4 - (خ م ت د س) أنس بن مالك - رضي الله عنه - : قال : «بينما نحن جُلوسٌ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد ، إذ دخل (1) رجلٌ على جمل ، ثم أناخَهُ في المسجد ، ثُمَّ عَقَلَهُ ، ثم قال [لهم] (2) : أيُّكُمْ محمدٌ ؟ والنبي - صلى الله عليه وسلم - مُتَّكِئٌ بين-[218]- ظَهْرانَيْهم ، فقلنا : هذا الرجل الأبيضُ المتَّكئُ ، فقال له [الرجل] (3) : ابن عبد المطَّلب ؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : «قد أجبتُك» . فقال الرَّجل [للنبي] (4) : إنِّي سائِلُك فمشدِّدٌ عليك في المسألة ، فلا تجِدْ عَليَّ في نفسك ، قال : «سلْ عمّا بدا لك» . فقال أسألك بربك وربِّ من قَبْلَكَ ، آللّهُ أرْسلك إلى الناس كلِّهم ؟ قال: «اللهم نعم» . قال : أنشُدُك بالله : آللَّهُ أمرك أن تُصليَ الصلوات الخمس في اليوم والليلة ؟ قال : «اللَّهم نعم» . قال : أنشدُك بالله ، آللَّهُ أمركَ أن تصوم هذا الشهر من السَّنَة ؟ قال : [اللهم] (5) نعم» . قال: أنشدك بالله ، آللَّهُ أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا ، فتقْسِمها على فقرائنا؟. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «اللَّهم نعم» . قال الرجل : آمنتُ بما جئتَ به ، وأنا رسولُ مَنْ ورائي من قومي ، أنا ضِمامُ بنُ ثَعْلبَة ، أخو بني سعْد بن بكْرٍ. هذا لفظ البخاري.
وأخرجه مسلم ، وهذا لفظه ، قال أنس - رضي الله عنه - : نُهينا في القرآن أن نسألَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء ، فكان يُعْجِبُنا أنْ يَجيءَ الرَّجُلُ من أهل البادية العاقلُ ، فيسألَهُ ونحن نسمعُ ، فجاء رجل من أهل البادية ، فقال : يا محمدُ ، أتانا رسولُك ، فزعم لنا أنك تزعُمُ أنَّ الله أرسلك ، فقال : «صدَقَ» . -[219]- قال : فَمن خلق السماء ؟ قال : «الله» . قال : فمن خلق الأرض ؟ قال : «الله» . قال : فمن نَصَبَ هذه الجبالَ وجعل فيها ما جَعَلَ ؟ قال : «الله» . قال : فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ، ونصبَ هذه الجبال ، آللَّهُ أرسلك ؟ قال : «نَعَمْ» . قال : وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا ؟ قال : «صدق» . قال : فبالذي أرسلك ، آللَّهُ أمرك بهذا ؟ قال : «نعم» . قال: وزعم رسولك أن علينا زكاةً في أموالنا ؟ قال : «صَدَق» . قال : فبالذي أرسلك ، آللَّهُ أمرك بهذا ؟ قال : «نعم» ، قال : وزعم رسولُك أن علينا صوم شهر رمضان في سَنتنا ؟ قال : «صدق» . قال: فبالذي أرسلك ، آللَّهُ أمرك بهذا ؟ قال : «نعم» ، قال : وزعم رسولك أنَّ علينا حَجَّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ؟ قال : «صدق» . قال : [فبالذي أرسلك. آللَّهُ أمرك بهذا ؟ قال : «نعم» . قال] (6) : ثم ولَّى ، وقال : والذي بعثك بالحق لا أزيدُ عليهنَّ ، ولا أنقُصُ منهن ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «لئن صدق ليدخلنَّ الجنة» .
وأخرجه الترمذي مثل رواية مسلم.
وأخرجه النسائي مثل رواية البخاري ومسلم.
وأخرج أبو داود منه طرفًا من أول رواية البخاري إلى قوله إنِّي سائِلك ، ثم قال- وساق الحديث - ولم يَذْكُرْ لَفظهُ (7) .-[220]-

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
متكئ : قال الخطابي : كل من استوى قاعدًا على وَطاءٍ (7) فهو متكئ ، والعامة لا تعرف المتكئ ، إلا من مال في قعوده معتمدًا على أحد شقيه .
فلا تَجدُ : يقال : وَجدتُ عليه أَجد موجدة - إذا غضبتُ عليه ، يقول له : إني سائِلكَ فلا تغضب من سؤالي .
أَنشدك : يقال : نشدتُك بالله ، ونَشَدْتُكَ اللهَ ، أي سألتُك به ، وأصله من النشيد ، وهو رفع الصوت ، فكأن معناه : طلبتُ إليك بالله برفع نشيدي : أي صوتي بطلبها .
__________
(1) في البخاري : دخل .
(2) زيادة من البخاري .
(3) زيادة من البخاري .
(4) زيادة من البخاري .
(5) زيادة من البخاري .
(6) ما بين المعقفين زيادة لم ترد في صحيح مسلم .
(7) البخاري في العلم : باب القراءة والعرض على المحدث 1/139 ، 141 ، ومسلم في الإيمان - باب -[220]- السؤال عن أركان الإسلام رقم (12) ، والترمذي في الزكاة - باب ما جاء إذا أديت الزكاة رقم (614) ، والنسائي : في الصوم - باب وجوب الصيام 4/121 ، 124 ، وأبو داود في الصلاة - باب ما جاء في المشرك يدخل المسجد رقم (486) .
(8) الوطاء : ما انخفض من الأرض بين النشاز والإشراف .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه عن أنس شريك بن عبد الله بن أبي نمر :
أخرجه أحمد (3/168) قال : حدثنا حجاج . و «البخاري» (1/24) ، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف ، و «أبو داود» (486) ، وابن ماجة (1402) ، والنسائي (4/122) ، ثلاثتهم عن عيسى بن حماد المصري . وابن خزيمة (2358) ، قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب.
(ح) وحدثنا محمد بن عمرو بن تمام المصري ، قال : حدثنا النضر بن عبد الجبار ، ويحيى بن بُكَير .
ستتهم (حجاج ، وابن يوسف ، وعيسى ، وابن وهب ، والنضر ، وابنُ بُكير) عن الليث بن سعد ، قال : حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن شريك ، فذكره .
- ورواه عن أنس ثابت البناني :
أخرجه أحمد (3/143) ، قال : حدثنا هاشم بن القاسم ، وفي (3/193) ، قال : حدثنا بهز وعفان ، عبد بن حميد (1285) ، قال : حدثنا هاشم ، والدارمي (656) ، قال : أخبرنا علي بن عبد الحميد ، ومسلم (1/32) قال : حدثني عمرو الناقد ، قال: حدثنا هاشم ، وفيه (1/32) ، قال : حدثني عبد الله ابن هاشم العبديّ ، قال : حدثنا بهز . والترمذي (619) ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا علي بن عبد الحميد ، والنسائي (4/121) ، قال : أخبرنا محمد بن معمر ، قال : حدثنا أبو عامر اللعقديّ.
خمستهم (هاشم ، وبهز ، وعفان ، وعلي ، والعقدي) عن سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، فذكره.

5 - (د) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال : بعث بنو سعد بن بكر ضِمام ابن ثعلبة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدِم إليه (1) ، فأناخ بعيره على باب المسجد ، ثم عَقَله ، ثُم دخلَ المسجد - فذكر نحوه - قال : فأيُّكم ابن عبد المطلب ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أنا ابنُ عبد المطلب» .فقال : يا ابن عبد المطلب... وساق الحديث.-[221]-
هكذا أخرجه أبو داود (2) ، ولم يذكر لفظ الحديث ، وإنما أورده عقيب حديث أنس المذكور.
__________
(1) في أبي داود : فقدم عليه .
(2) في الصلاة - باب ما جاء في المشرك يدخل المسجد رقم (487) ، وإسناده صحيح .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
حسن : رواه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - كريب مولاه :
1 - أخرجه أحمد (1/250) (2254) ، وفي (1/264) (2380) ، وفي (1/265) (2381) ، قال: حدثنا يعقوب ، قال: حدثنا أبي ، عن محمد بن إسحاق ، قال: حدثني محمد بن الوليد بن نويفع مولى آل الزبير .
2 - وأخرجه الدارمي (658) ، قال : أخبرنا محمد بن حميد ، وأبو داود (784) ، قال: حدثنا محمد بن عَمرو . كلاهما - محمد بن حميد ، ومحمد بن عمرو - قالا: حدثنا سلمة ، قال : حدثني محمد بن إسحاق ، قال : حدثني سلمة بن كُهيل ، ومحمد بن الوليد بن نُويفع .
كلاهما - محمد بن الوليد ، وسلمة بن كهيل- عن كُريب ، فذكره . الروايات مطولة ومختصرة.
قلت: مداره على ابن إسحاق صاحب السيرة ، وقد تكلم فيه من قِبل التدليس ، وقد صرح بالسماع ، وحديثه لا ينحط عن مَرتبة الحسن .

6 - (س) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه ، جاءهم رجلٌ من أهل البادية ، فقال : أيُّكم ابنُ عبد المطلب ؟ فقالوا : هذا الأمْغَرُ المرتفِقُ - قال حمزة : الأمغَر : الأبيض المشوبُ بِحُمْرةٍ - قال : إنِّي سائِلُك ، فَمشْتَدٌّ عليكَ في المسألَةِ ، قال : «سلْ عمَّا بدا لك» ، قال : أنشُدُكَ بِرَبِّ مَنْ قَبْلكَ ، ورب مَنْ بَعدَكَ : آللَّهُ أرسلكَ ؟ قال : «اللَّهُمَّ نَعَمْ» . قال : أنشُدُك به : اللَّهُ أمركَ أن تُصَلِّيَ خمسَ صلوات في كل يوم وليلة ؟ قال : «اللَّهُمَّ نعم» . قال : فأنشُدُك به : آللَّهُ أمرك أن تأخُذَ من أموال أغنيائنا فَتَرُدَّهُ على فُقرائِنا ؟ قال : «اللهم نعم» . قال : فأنشُدُكَ به ، آللَّهُ أمرك أن تَصوم هذا الشهر من اثْنَيْ عشرَ شهْرًا ؟ قال : «اللهم نعم» . قال : فأنشُدُكَ باللَّه ، آللَّهُ أمرَك أن يَحُجّ هذا البيتَ مَن استطاع إليه سبيلاً ؟ قال : «اللهم نعم» . قال : [فإني] (1) آمنتُ وصدَّقتُ ، وأنا ضِمَامُ بنُ ثَعْلَبَةَ. أخرجه النسائي (2) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
الأمْغَرُ : قد جاء تفسيره في الحديث : أنه الأبيض المشربُ بالحمرة، -[222]- وفي كُتب الغريب : هو الأحمر ، مأخوذٌ من المغرةِ ، وقال الأزهري : أراد بالأمغر : الأبيض ، كما أَراد في موضع آخر بالأحمر : الأبيض ، بدليل قوله العرب : امرأةٌ حمراءُ ، يَعْنونَ : بيضاء ، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنها - : «يا حُمَيْرَاءُ» (3) والكل متقارب .
المرتَفِق : المتكئ على مرفقه .
__________
(1) زيادة من النسائي .
(2) في الصوم : باب وجوب الصيام 4/124 ، وإسناده قوي .
(3) في حديث عائشة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ، دعاها والحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد في يوم عيد ، فقال لها : " يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم ؟ " ، أخرجه النسائي في عشرة النساء 1/75 ، وذكره الحافظ في الفتح 2/355 وقال : إسناده صحيح ، ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا ، ونقل الزركشي في " المعتبر " 19/20 ، عن شيخه الحافظ ابن كثير أن شيخه الحافظ أبا الحجاج المزي ، كان يقول : " كل حديث فيه ذكر الحميراء باطل ، إلا حديث في الصوم في " سنن النسائي " . قلت : وحديث آخر في النسائي : دخل الحبشة يلعبون فقال لي : يا حميراء أتحبين ، أن تنظري إليهم ؟ " وإسناده صحيح . ونقول : ولم يحالف العلامة ابن القيم الصواب في قوله في : " المنار " ص 34 ، " وكل حديث فيه يا حميراء أو ذكر الحميراء فهو كذب مختلق " .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
إسناده صحيح :
أخرجه النسائي (4/124) ، قال : أخبرنا أبو بكر بن علي ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عمارة حمزة بن الحارث بن عمير ، قال : سمعت أبي يذكر ، عن عبيد الله بن عمر ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - فذكره .
قلت: وعزاه الحافظ في الإصابة (5/193 ، 194) [4173] للبغوي من طريق عبيد الله بن عمر ، وإسناده صحيح .

7 - (خ م ط د س) طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنهما - قال : جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، من أهل نجد ، ثائر الرأس ، نَسْمَعُ دَوِيَّ صوته ، ولا نَفْقَهُ ما يقولُ ، حتى دَنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا هو يَسْألُ عن الإسلام ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «خَمْسُ صلوات في اليوم واللَّيلة» . فقال : هل عليَّ غيرهن ؟ قال : «لا ، إلا أن تطَّوَّع» . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «وصيامُ رمضانَ» . فقال : هلْ عليَّ غيرُه ؟ قال: «لا ، إلا أنْ تطوّع» . قال: وذكر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزكاةَ ، فقال : هل عليّ غيرها ؟ قال : «لا ، إلا -[223]- أنْ تطوع» . قال : فأدبَرَ الرجلُ ، وهو يقول : والله لا أزيد على هذا ولا أنقصُ منه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أفْلَحَ إنْ صَدق ، أوْ دَخَلَ الجنَّةَ إن صدق» . أخرجه البخاري ومسلم و «الموطأ» وأبو داود والنسائيّ (1) .
إلا أن أبا داود والنسائي قالا : «الصدقة» عوضَ «الزكاة» .
وقال أبو داود : «أفلح وأبيه إنْ صَدَق» .
وأخرجه النسائي أيضًا من رواية أخرى : «أنَّ أعرابيّا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثائر الرأس ، فقال : يا رسول الله ، أخْبِرْني ماذا فَرضَ اللهُ من الصلاة ؟» قال : «الصلوات الخمس ، إلا أنْ تطوّع ، قال : أخبرني : ماذا فَرضَ الله عليَّ من الصوم ؟» فذكرَ الحديث كما سبق.

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
الثائر الرأس : الشعث الشعر ، البعيد العهد بالغسل والتسريح والدَّهن .
الدوي (2) : كصوت النحل وغيره .
نفقه : الفقه : الفهم والعلم ، أي : لا يفهم كلامه . -[224]-
أفلح وأبيه : كلمة جارية على ألسن العرب ، تستعملها كثيرًا في خطابها ، وتريد بها: التأكيد ، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحلف الرجل بأبيه . فيحتمل أن يكون هذا القول منه قبل النهي ، ويحتمل أن يكون جرى منه على عادة الكلام الجاري على الألسن ، وهو لا يُقْصَد به القسم ، كاليمين المعفوِّ عنها من قبيل اللغو ، أو أنه أراد به التوكيد ، لا اليمين ، فإن هذه اللفظةَ تجري في كلام العرب على ضربين: للتعظيم ، وللتأكيد ، والتعظيمُ هو المنهيُّ عنه ، وأمَّا التوكيد فلا ، كقوله :
لَعَمْرُ أَبي الوَاشِينَ لا عَمرُ غَيْرِهِمْ ... لَقَدْ كَلَّفَتْني خِطَّةً لا أُرِيدُهَا
فهذا توكيد؛ لأنه لا يَقصدُ أَنْ يُقسِم بأبي الواشِينَ ، وهذا في كلامهم كثير.
__________
(1) البخاري في الإيمان : باب الزكاة من الإسلام 1/97 ، 99 ، ومسلم فيه : باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام ، رقم 11 ، و " الموطأ " في قصر الصلاة في السفر ، باب جامع الترغيب في الصلاة 1/175 ، وأبو داود في الصلاة في الباب الأول رقم 391 ، والنسائي في الصيام : باب وجوب الصيام 4/121 .
(2) قوله سمع دوي صوته بفتح الدال ، وجاء عندنا في البخاري بضم الدال ، والأول أصوب ، وهو شدة الصوت ، وبعده في الهواء .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه عن طلحة بن عبيد الله مالك بن أبي عامر :
1 - أخرجه مالك في الموطأ (126) ، وأحمد (1/162) (1390) ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، والبخاري (1/18 ، 3/235) ، قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الله ، ومسلم (1/31) ، قال : حدثنا قُتيبة ابن سعيد بن جَميل بن طَريف بن عبد الله الثقفي ، وأبو داود (391) ، قال: حدثنا عبد الله بن مَسْلَمَة ، والنسائي (1/226) ، وفي الكبرى (311) ، قال : أخبرنا قُتيبة بن سعيد ، وفي (8/118) ، قال : أخبرنا محمد بن سلمة ، قال : حدثنا ابن القاسم خمستهم (عبد الرحمن بن مهدي ، وإسماعيل بن عَبد الله ، وقُتيبة ، وعَبد الله بن مَسْلمة ، وعبد الرحمن بن القاسم) عن مالك بن أنس .
2 - وأخرجه الدارمي (1586) ، قال : أخبرنا يحيى بن حسان ، والبخاري (3/30) ، (9/29) ، قال: حدثنا قُتيبة بن سعيد ، ومسلم (1/32) ، قال : حدثني يحيى بن أيوب ، وقُتيبة بن سعيد ، وأبو داود (392) ، (3252) ، قال : حدثنا سليمان بن داود العتكي. والنسائي (4/120) ، قال : أخبرنا علي بن حُجر ، وابن خُزيمة (306) ، قال : حدثنا علي بن حُجر . خمستهم - يحيى بن حسان ، وقُتيبة بن سعيد ، ويحيى بن أيوب ، وسليمان بن داود ، وعلي بن حُجر - عن إسماعيل بن جعفر.
كلاهما - مالك ، وإسماعيل بن جعفر - عن أبي سُهيل نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي ، عن أبيه ، فذكره .
قلت: ولفظة : «أفلح وأبيه» لم يخرجها إلا أبو داود ، وظني أنها شاذة ، والله أعلم .

8 - (خ م ت د س) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أتَتْه امرأةٌ تَسأله عن نبيذ الجرِّ ، فقال : إنَّ وَفْدَ عبد القيس أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «مَنِ الوفدُ؟- أو مَنِ القومُ - ؟» قالوا : ربيعةُ ، قال : «مَرْحبًا بالقوم ، أو بالوفد ، غيرَ خَزايا ، ولا ندامَى» . قال : فقالوا : يا رسول الله ، إنا نأتيك من شقة بعيدة ، وإن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر ، وإنا لا نستطيع أن نأتيَك إلا في الشهر الحرام ، فمُرْنا بأمرٍ فصلٍ ، نُخبر به مَنْ وراءنا ، وندخُلُ به الجنة ، قال : فأمرهم بأربع ، ونهاهم عن أربع ، قال : أمرَهم بالإيمان بالله وحدَهُ ، قال : «هل تدرون ما الإيمانُ ؟» قالوا : الله ورسوله أعلم. قال -[225]- : «شهادةُ أن لا إله إلا الله ، وأنَّ محمَّدًا رسولُ الله ، وإقامُ الصلاة ، وإيتاءُ الزكاة ، وصومُ رمضان ، وأن تُؤدّوا خُمْسًا من المغنم» ، ونهاهم عن الدُّبَّاءِ والحنْتَم ، والمزفَّت ، النَّقير - قال شعبة : وربما قال : الْمُقَيَّر - وقال : «احفظوه» وأخبِروا به مَنْ ورَاءَكم» .
وفي رواية نحوه ، قال : «أنهاكم عما يُنْبَذ في الدُّبَّاءِ والنَّقير والحنتم والمزفّت» .
وزاد في رواية قال : وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأشجّ - أشجِّ عبد القيس : «إنَّ فيك خَصلتَيْن يُحبُّهما الله تعالى : الحلمُ والأناة» .
وفي أخرى «شهادةُ أن لا إله إلا الله» وعقد بيدِهِ واحدةً.هذا لفظ البخاري ومسلم.
وأخرج الترمذي بعضه ، وهذا لفظه : قال : لما قدم وفدُ عبد القيس على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالوا : إنَّا هذا الحيَّ مِن ربيعة ، ولسنا نصلُ إليك إلا في الشهر الحرام ، فمُرنا بشيء نأخذه عنك ، وندْعو إليه مَنْ وراءَنا ، قال : «آمركم بأربع : الإيمان بالله (ثم فسرها لهم بـ :) شهادة أن لا إله إلا الله ، وأنِّي رسولُ الله ، وإقامِ الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وأن تُؤَدُّوا خُمْسَ ما غنِمتم» .
وأخرجه النسائي وأبو داود بطوله.
وأول حديثهما : لمَّا قدم وفدُ عبد القيس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالوا :-[226]- يا رسول الله ، إنَّا هذا الحيَّ من ربيعة ، وقد حال بيننا وبينك كُفَّار مُضَر ، وليس نَخلُصُ إليك إلا في شهر حرامٍ ، فمُرنا بشيء نَأخُذُ به ، ونَدْعو مَن وراءنا.وذكر الحديث مثل البخاري ومسلم.وفي أخرى لأبي داود «النَّقير والمقيَّر» ولم يذكر «المزفت» .
وفي أخرى له مختصرًا مثل الترمذي ، إلا أن أولَها : إن وفد عبد القيس لما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أمرهم بالإيمان بالله. قال : «أتدرونَ ما الإيمانُ بالله ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : «شهادة أن لا إله إلا الله...» وذكر الحديث ، وقال في آخره : «وأن تعطوا الخمس من المغنم (1)» .-[227]-

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
الجَرّ : والجِرار ، جمع جرة ، وهو من الخَزَف ، معروف ، وقيل: هو ما كان منه مَدْهونًا .
خزايا : جمع خَزيان ، من الخزاية ، وهي الاستحياء ، وكذلك ندامى جمع ندمان ، وهو فَعلان من الندم ، وهذا البناء من أبنية المبالغة .
شُقّة : يقال: بيني وبينك شُقّةٌ بعيدة ، أي : مسافة بعيدة ، والشقة : السفر البعيد.
فصل : أمر فَصلٌ : أي : فاصل قاطع ، لا رجعة فيه ، ولا مردَّ له .
الدُّبَّاء : القرعُ ، واحدها : دُبَّاءة.
الحَنتم : جرارٌ خُضْرٌ كانوا يخزنون فيها الخمرَ .
النقير: أَصلُ خشبةٍ تُنْقَرُ ، وقيل: أصل نخلة .
المُزَفَّتُ : الوِعاء المطلي بالزِّفتِ من داخل ، وكذلك المقيّر ، وهذه الأوعية تُسرعُ بالشِّدَّة في الشَّراب ، وتُحدث فيه القوة المسكرة عاجلاً .
وتحريم الانتباذ في هذه الظروف كان في صدر الإسلام ، ثم نُسخَ وهو المذهب.-[228]- وقال بعضهم : التحريم باقٍ ، وإليه ذهب مالك ، وأحمد بن حنبل.
__________
(1) البخاري في الإيمان : باب أداء الخمس 1/120 - 125 ، وهو عنده أيضاً في العلم : باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس على أن يحفظوا الإيمان ، وفي مواقيت الصلاة : باب قوله تعالى : {منيبين إليه واتقوه} ، وفي الزكاة : باب وجوب الزكاة ، وفي الجهاد : باب أداء الخمس من الدين ، وفي الأنبياء : باب نسبة اليمن إلى إسماعيل ، وفي المغازي : باب وفد عبد القيس ، وفي الأدب : باب قول الرجل : مرحباً ، وفي خبر الواحد : باب وصاة النبي صلى الله عليه وسلم وفود العرب أن يبلغوا من وراءهم ، وفي التوحيد : باب قول الله تعالى : {والله خلقكم وما تعملون} ، وأخرجه مسلم في الإيمان : باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ، رقم 17 ، وأبو داود في الأشربة : باب في الأوعية ، رقم (3692) ، والترمذي في الإيمان : باب ما جاء في إضافة الفرائض إلى الإيمان ، رقم (1741) ، والنسائي في الإيمان : باب أداء الخمس 8/120 .
وأخرج البخاري في " الأدب المفرد " 2/42 ، من حديث الأشج ، قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : " إن فيك لخلقين يحبهما الله " قلت : وما هما يا رسول الله ؟ قال : " الحلم والحياء " قلت : قديماً كان أو حديثاً ؟ قال : " قديماً " قلت : الحمد لله الذي جبلني على خلقين أحبهما الله . -[227]- ورجاله ثقات ، وله شواهد تقويه من حديث مزيدة العبدي ، والزارع ، ونافع العبدي ، وأبي سعيد الخدري ، انظرها في " مجمع الزوائد " 9/388 - 390 ، وابن ماجة رقم (4187) ، و " الأدب المفرد " 2/45 .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه عن ابن عباس أبو جمرة ، ومن طريقه :
1 - أخرجه أحمد (1/228) (2020) ، قال : حدثنا يحيى .
(ح) وابن جعفر ، والبخاري (1/20) ، (9/111) ، قال: حدثنا علي بن الجعد. وفي (1/32) ، قال: حدثنا محمد بن بشار ، قال: حدثنا غُندَر . وفي (9/111) قال: حدثني إسحاق ، قال: أخبرنا النضر ، ومسلم (1/35) ، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شَيْبة ، ومحمد بن المثنى ، ومحمد بن بشار ، قال أبو بكر : حدثنا غُندر ، وقال الآخران: حدثنا محمد بن جعفر ، وأبو داود (4677) ، قال: حدثنا أحمد بن حنبل ، قال: حدثني يحيى بن سعيد ، والنسائي في الكبرى (316) ، قال: أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ، قال: حدثنا خالد ، وفي الكبرى أيضًا تحفة الأشراف (6524) عن بُندار ، عن محمد بن جعفر ، وابن خزيمة (307) ، قال : حدثنا محمد بن بشار بُندار ، قال: حدثنا محمد بن جعفر . خمستهم - يحيى بن سعيد ، ومحمد بن جعفر ، وعلي بن الجعد ، والنضر ، وخالد) عن شُعبة.
2 - وأخرجه أحمد (1/333) (3086) ، قال: حدثنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا مَعْمر .
3- وأخرجه البخاري (1/139) ، قال: حدثنا قُتيبة بن سعيد ، ومسلم (1/35) ، (6/94) قال: حدثنا يحيى بن يحيى ، وأبو داود (3692) ، قال: حدثنا مُسَدَّد ، والترمذي (1599) ، (2611) قال: حدثنا قتيبة ، والنسائي (8/120) ، قال: أخبرنا قتيبة ، وابن خزيمة (2246) ، قال: حدثنا أحمد بن عبدة . أربعتهم - قتيبة بن سعيد ، ويحيى بن يحيى ، ومسدد ، وأحمد بن عبدة- عن عباد المهلبي .
4 - وأخرجه البخاري (2/131) ، قال: حدثنا حجاج ، وفي (4/98) قال: حدثنا أبو النعمان. وفي (4/220) ، قال: حدثنا مسدد .
وفي (5/213) قال: حدثنا سليمان بن حرب ، ومسلم (1/35) ، (6/94) ، قال: حدثنا خلف بن هشام ، وأبو داود (3692) ، قال: حدثنا سليمان بن حرب ، ومحمد بن عبيد .
والترمذي (1599) (2611) ، قال: حدثنا قتيبة .
وابن خزيمة (2245) ، قال: حدثنا أحمد بن عَبْدة .
سبعتهم - حجاج ، ومسدد ، وسليمان بن حرب ، ومحمد بن عبيد ، وخلف بن هشام ، وقتيبة ، وأحمد ابن عبدة - عن حماد بن زيد.
5 - وأخرجه البخاري (5/213) ، قال: حدثني إسحاق ، قال: أخبرنا أبو عامر العَقَدي ، وفي (9/197) ، قال: حدثنا عَمرو بن علي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، ومسلم (1/36) ، قال: حدثني عُبيد الله بن معاذ ، قال : حدثنا أبي .
(ح) وحدثنا نصر بن علي الجَهْضَمِيّ ، قال: أخبرني أبي ، والنسائي (8/322) ، قال: أخبرنا أبو داود ، قال: حدثنا أبو عتّاب - وهو سهل بن حماد- ، وابن خزيمة (307) ، (1879) قال: حدثنا محمد بن بشار ، قال: حدثنا أبو عامر. خمستهم - أبو عامر ، وأبو عاصم ، ومعاذ ، ونصر بن علي ، وأبو عتاب- عن قُرة بن خالد .
6 - وأخرجه البخاري (8/50) قال: حدثنا عمران بن مَيْسَرة ، قال: حدثنا عبد الوارث ، قال: حدثنا أبو التيّاح .
ستتهم - شُعبة ، ومَعْمر ، وعباد بن عباد ، وحماد بن زيد ، وقُرة بن خالد ، وأبو التياح- عن أبي جَمْرة ، فذكره.
* رواية معمر مختصرة على : «نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عن الدُّبَّاءِ والنَّقيرِ والمُزَفَّتِ والحَنْتَمِ» .
* والروايات مطولة ومختصرة ، وألفاظها متقاربة .
- ورواه عن ابن عباس: ابن المسيب ، وعكرمة ، من طريقهما :
أخرجه أحمد (1/361) (3406) قال: ثنا بهز ، وفي (1/361) عن عفان ، وأبو داود [3694] قال: ثنا مسلم بن إبراهيم كلاهم عن : أبان العطار عن قتادة عن ابن المسيب ، وعكرمة.
قلت: وقتادة هو ابن دعامة السدوسي مدلس وقد عنعنه ، وبإعراض الشيخان عنه برغم كونه من رواية «ابن المسيب وعكرمة» يجعل في القلب ريبة ، والله أعلم .

9 - (ت) علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمِنُ عبدٌ حتَّى يؤمِنَ بأربَع : يشهدُ أن لا إله إلا الله ، وأني محمدٌ رسولُ الله ، بَعَثَني بالحق ، ويؤمِن بالموت ، ويؤمن بالبعث بعد الموتِ ، ويؤمن بالقدر» . أخرجه الترمذي (1) .
__________
(1) في القدر : باب ما جاء أن الإيمان بالقدر خيره وشره ، رقم (2232) ، وسنده صحيح ، ورواه أيضاً أحمد ، وابن ماجة ، والحاكم ، وصححه ، ووافقه الذهبي .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
إسناده صحيح : رواه عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ربعي بن حراش :
أخرجه أحمد (1/97) (758) ، قال: حدثنا محمد بن جعفر ، قال: حدثنا شعبة ، وابن ماجة (81) ، قال: حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة ، قال: حدثنا شريك. والترمذي (2145) ، قال: حدثنا محمود بن غيلان ، قال: حدثنا أبو داود ، قال: أنبأنا شعبة .
كلاهما - شعبة ، وشريك - عن منصور ، عن ربعي بن حراش ، فذكره.
* أخرجه أحمد (1/133) (1112) قال: حدثنا وكيع ، قال: حدثنا سفيان ، وعبد بن حميد (75) قال: حدثنا أبو نُعيم ، قال: حدثنا سفيان ، والترمذي (2145) قال: حدثنا محمود بن غيلان ، قال: حدثنا النضر بن شُميل ، عن شعبة .
كلاهما عن منصور ، عن ربعي عن رجل ، عن علي - رضي الله عنه - . قلت: قال أبو عيسى الترمذي : حديث أبي داود عن شعبة - يعني غير الزيادة في السند بذكر المبهم - عندي أصح من حديث أبي النضر وهكذا روى غير واحد عن منصور عن ربعي عن علي.

10 - (ط) عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود - رضي الله عنه - قال : إنَّ رجلاً من الأنصار جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجاريةٍ له سوداء ، فقال : يا رسول الله ، [إن] (1) عليّ رقَبةً مُؤمنَةً ، أفأعتقُ هذه (2) ؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أتشهدين أن لا إله إلا الله» ؟ قالتْ : نعم ، قال : «أتشهدين أنَّ محمَّدًا رسولُ الله» ؟ قالت : نعم. قال : «أتؤمنين (3) بالبعث بعد الموت ؟» قالت : نعم ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «اعْتِقْها» أخرجه «الموطأ» (4) .
__________
(1) زيادة من " الموطأ " .
(2) في " الموطأ " : " بدل أفأعتق هذه ؟ " فإن كنت تراها مؤمنة أعتقها .
(3) في " الموطأ " : أتوقنين .
(4) في " العتق والولاء " : باب ما يجوز من العتق في الرقبة الواجبة 2/771 ، مرسلاً .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
مرسل : رواه مالك في الموطأ [1551] عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود .
قلت: كذا رواية الإمام مالك عن ابن شهاب الزهري ، ورواه معمر عن الزهري عن عبيد الله عن رجل من الأنصار ، وهذا موصول ، ورواه الحسين بن الوليد عن مالك ، عن ابن شهاب عن عبيد الله عن أبي هريرة فذكر الحديث. قاله الزرقاني في شرحه (4/107) .
قلت: الحسين لم يجوّد الخبر عن مالك ، وتابع المسعودي ابن شهاب إلا أنه خالفه فقال: عن عون بن عبد الله عن أخيه عبيد الله عن أبي هريرة ، والمسعودي مختلط لكن تابعه عامر بن مسعود عند البيهقي في الكبرى (7/388) .

11 - (د س) الشريدُ بن سويد الثقفي - رضي الله عنه - قال : إنَّ أمَّه أوْصتهُ أن يعتق عنها رقَبَةً مُؤمنةً ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : -[229]- يا رسول الله ، إنَّ أمِّي أوصَتْ أن أعتقَ عنها رقَبةً مؤمنةً ، وعندي جاريةٌ سوداءُ نُوبِيَّةٌ ، أفأعْتِقُها ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ادْعُ بها» . فَدَعوتُها ، فجاءَتْ ، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - : «من ربُّكِ» ؟ قالت : اللهُ ، قال: «فَمَنْ أنا» ؟ قالت : رسولُ الله ، قال : «أعتِقْها ، فإنَّها مؤمنة» .أخرجه أبو داود والنسائي (1) .
__________
(1) أبو داود في " الأيمان والنذور " : باب في الرقبة المؤمنة ، رقم (3283) ، والنسائي في " الوصايا " باب فضل الصدقة عن الميت 6/252 وإسناده حسن .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
حسن : أخرجه أحمد (4/222) ، (388) ، قال: حدثنا عبد الصمد ، وفي (4/389) قال: حدثنا مهنأ بن عبد الحميد .
والدارمي (2353) ، قال: أخبرنا أبو الوليد الطيالسي ، وأبو داود (3283) ، قال: حدثنا مُوسى بن إسماعيل.
والنسائي (6/252) ، قال: أخبرنا موسى بن سعيد ، قال: حدثنا هشام بن عبد الملك .
أربعتهم - عبد الصمد ، ومهنأ بن عبد الحميد ، وأبو الوليد الطيالسي ، هشام بن عبد الملك ، وموسى بن إسماعيل- قالوا : حدثنا حماد - هو ابن سلمة - قال: حدثنا محمد بن عَمْرو ، عن أبي سلمة ، فذكره .
قلت: حماد بن سلمة صاحب أوهام ، وهو قوي في ثابت البناني اعتمده مسلم في الصحيح ، وأخرج له في الشواهد من غير ثابت ، وإسناد الحديث حسن .

12 - (م ط د س) معاوية بن الحكم السلمي - رضي الله عنه - قال : أتيت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، إنَّ جاريةً كانت لي (1) ، تَرعى غَنَمًا لي ، فجِئْتُها ، وقد فقدتُ شاةً من الغنم ، فسألتُها عنها ؟ فقالت : أكلها الذئب. فأسِفْتُ عليها ، وكنتُ من بني آدم ، فَلَطَمْتُ وجْهها ، وعليَّ رَقَبَةٌ ، أفأعْتِقُها ؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أين الله» فقالت : في السماء ، فقال : «من أنا ؟» فقالت : أنت رسول الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أعْتِقها» .هذا لفظ «الموطأ» .
وقد أخرجه مسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، في حديث طويل يتضمن ذكر الصلاة ، وهو مذكور في كتاب الصلاة ، من حرف الصاد ، وزاد في آخره «فإنها مؤمنة» . -[230]-
وأخرجه أبو داود أيضًا مختصرًا ، وأول حديثه ، قال : قلت : يا رسول الله ، جارية لي صَكَكْتُها صكَّةً ، فعظَّم ذلك عليّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قلت : أفلا أعتقُها ؟... وذكر الحديث (2) .
وكلهم أخرجوه عن مُعَاوية بن الحكم السُّلَمي ، إلا مالكًا ، فإنه أخرجه عن هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار عن عُمر بن الحكم.
قال بعض العلماء : هكذا قال مالك «عُمر بن الحَكَم» ولم تختلف الرواة عنه في ذلك ، وهو وَهْمٌ عند جميع أهل العلم ، وليس في الصَّحابة مَن يقال له : عمر بن الحكم ، وإنما هو معاوية بن الحكم. كذلك قال فيه كل من روَى هذا الحديث عن هلال وغيره.
وأما «عمر بن الحكم» فهو من التابعين ، وهو عمر بن الحكم بن أبي الحكم ، من بني عمرو بن عامر ، وقيل : هو حَليفٌ لهم ، وكان من ساكني المدينة ، وتُوفِّي سَبْعَ عشرَة ومائةٍ.

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
فأَسفتُ : أَسِفَ الرجلُ يَأسَفُ أسفًا ، فهو آسف : إذا غضب .
رَقَبة : الرقبة في الأصل : العنق ، جُعِل عبارة عن ذات الإنسان -[231]- الرقيق ، ذكرًا كان أو أنثى .
صككتها : الصَّكُّ : الضربُ ، أراد أنه لطمها ، وقد جاء في بعض الروايات : «فَلَطَمْتُها» .
__________
(1) لفظ الموطأ : إن جارية لي كانت .
(2) مسلم في " المساجد " ، باب تحريم الكلام في الصلاة رقم (537) ، ومالك في " العتق والولاء " ، باب ما يجوز من العتق في الرقبة الواجبة 2/776 ، 777 ، وأبو داود في " الأيمان والنذور " باب في الرقبة المؤمنة رقم 3282 ، والنسائي في " الصلاة " باب الكلام في الصلاة 3/14 - 18 .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (5/447) ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : حدثني الحجاج بن أبي عثمان ، وفي (5/448) قال : حدثنا عفان ، قال: حدثنا همام ، وفي (5/448) ، قال: حدثنا عفان ، قال : حدثنا أبان ابن يزيد العطار ، وفي (5/448) قال: حدثنا يحيى بن سعيد ، عن حجاج الصواف ، والدارمي (1510) قال: حدثنا أبو المغيرة ، قال: حدثنا الأوزاعي ، وفي (1511) قال: حدثنا صدقة ، قال: أخبرنا ابن عُلَيَّة ، ويحيى بن سعيد ، عن حجاج الصواف ، والبخاري في خلق أفعال العباد (26) قال: حدثنا عبد الله بن محمد الجعفي ، قال: حدثنا أبو حفص التنيسي ، قال: حدثنا الأوزاعي ، وفي جزء القراءة خلف الإمام (69) ، قال: حدثنا موسى ، قال: حدثنا أبان ، وفي (70) ، قال: حدثنا مسدد ، قال: حدثنا يحيى ، عن الحجاج ، ومسلم (2/70 ، 71 ، 7/35) ، قال: حدثنا أبو جعفر ، محمد بن الصباح ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن حجاج الصواف. (ح) وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال: أخبرنا عيسى بن يونس ، قال: حدثنا الأوزاعي.
وأبو داود (930 ، 3282 ، 3909) ، قال: حدثنا مسدد ، قال: حدثنا يحيي ، عن الحجاج الصواف ، وفي (930) ، قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن حجاج الصواف ، والنسائي (3/14) ، وفي الكبرى (471 ، 1050) ، قال: أخبرنا إسحاق بن منصور . قال : أخبرنا محمد بن يوسف ، قال: حدثنا الأوزاعي ، وفي الكبرى (تحفة الأشراف) (8/11378) عن عَمرو بن علي ، عن يحيى بن سعيد ، عن الحجاج الصواف.
أربعتهم - الحجاج بن أبي عثمان الصواف ، وهمام وأبان بن يزيد ، والأوزاعي- عن يحيى بن أبي كثير ، عن هلال بن أبي ميمونة ، عن عطاء بن يسار ، فذكره.
* وأخرجه مالك في الموطأ (485) ، والنسائي في الكبرى (تحفة الأشراف (8/11378) ، عن قتيبة.
(ح) وعن الحارث بن مسكين عن عبد الرحمن بن القاسم كلاهما عن مالك عن هلال بن أسامة ، عن عطاء ابن يسار ، عن عمر بن الحكم فذكره .
كذا يقول مالك : عمر بن الحكم ، وفي رواية يحيى بن أبي كثير : معاوية بن الحكم .

13 - (د) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : إن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بجارية سوداءَ ، فقال : يا رسول الله ، إنَّ عليّ رقَبةً مؤمنةً ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أيْنَ اللَّه» ؟ فأشارتْ إلى السَّماء بإصبعها ، فقال لها : «فمن أنا» ؟ فأشارت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى السماء - تعني : أنت رسول الله - فقال : «أعْتِقْها ، فإنها مؤمنة» أخرجه أبو داود (1) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
فإنها مؤمنة : قال الخطابي : إنما حكم بأنها مؤمنة بهذا القدر من قولها ، وهو أنه لما سألها : أين الله ؟ قالت: في السماء ، وهذا القدر لا يكفي في ثبوت الإسلام والإيمان ، دون الإقرار بالشهادتين ، والتبرؤ من سائر الأديان؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - رأى منها أمارة الإسلام ، وأنها في دار الإسلام ، وبين المسلمين ، وتحت رقِّ المسلم ، وهذا القدر يكفي عَلمًا لذلك.
ألا ترى أنا إذا رأينا رجلاً وامرأة مقيمين في بيت ، فسألناه عنها ، فقال: هي زوجتي ، وصدَّقته على ذلك ، فإننا نقبل قولهما ، ولا نكشف عن أمرهما -[232]- ولا نطلب منهما شرائطَ العقد ، فإذا جاءنا رجل وامرأة أجنبيان ، يريدان ابتداءَ عقد النكاح ، فإننا نطالبهما بشروط النكاح ، من إحضار الولي ، والشهود ، وغير ذلك ، وكذلك الكافر إذا عُرض عليه الإسلام ، لم نقتصر منه على قوله: إني مُسلم ، حتى يَصفَ الإسلام بكماله وشرائطه.
وإذا جاءنا من يُجهَلُ حالُهُ في الكفر والإيمان ، فقال: إني مسلم ، قبلناه ، فإذا كان عليه أَمَارَةُ الإسلام - من هيئةٍ وإشارَةٍ ودارٍ - كان قَبول قوله أولى ، بل يُحكم عليه بالإسلام ، وإن لم يقل شيئًا.
__________
(1) في " الأيمان والنذور " باب في الرقبة المؤمنة رقم 3284 ، وفيه عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي ، وقد رمي بالاختلاط ، لكن يشهد له حديث معاوية بن الحكم السابق فيتقوى به .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
إسناده ضعيف . أخرجه أبو داود [3284] قال : حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ، قال: حدثنا يزيد ابن هارون ، قال: أخبرني المسعودي ، عن عون بن عبد الله ، عن عبد الله بن عتبة ، فذكره .
وأحمد (2/291) عن يزيد بن هارون ، عن المسعودي به .
قلت: تقدم الإشارة إليه في الحديث رقم [10] ، والمسعودي مختلط ، وعندي المحفوظ كونه مرسلاً عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة ، كما تقدم تحقيق ذلك .

14 - (م ت) العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - قال : إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : «ذَاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَنْ رَضِيَ بالله ربًّا ، وبالإسلام دينًا وبمحمَّدٍ رَسُولاً» .. أخرجه مسلم والترمذي (1) .
__________
(1) مسلم في " الإيمان " ، باب الدليل على أن من رضي بالله رباً ... رقم (34) ، والترمذي فيه : باب ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ، رقم (2758) .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (1/208) (1778) ، قال: حدثنا محمد بن إدريس - يعني الشافعي- قال: حدثنا عبد العزيز ابن محمد ، وفي (1/208) (1779) قال: حدثنا قتيبة بن سعيد ، قال: حدثنا ليث بن سعد ، ومسلم (1/46) ، قال: حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر المكي ، وبشر بن الحكم ، قالا: حدثنا عبد العزيز ، وهو ابن محمد الدَّرَاوَرْدي ، و «الترمذي» (2623) قال: حدثنا قُتيبة ، قال: حدثنا الليث .
كلاهما - عبد العزيز ، والليث- عن يزيد بن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن عامر بن سعد ، فذكره.

15 - (د) عبد الله بن معاوية الغاضري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ثلاثٌ من فَعلهنَّ فقد طَعم طَعْم الإيمان : مَن عَبد الله وحدَهُ ، وعَلمَ أنه لا إله إلا الله ، وأعطى زكاةَ ماله طيِّبَةً بها نفسُه رافِدَةً عليه كلَّ عامٍ ، ولم يُعطِ الهَرِمَة ، ولا الدَّرِنَةَ ولا المريضة ، ولا الشَّرَطَ اللئيمة ، ولكن من وسط أموالكم ، فإن الله لم يسألكم خيره. ولم يأمركم بشرِّه» . -[233]- أخرجه أبو داود (1) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
رافدة عليه : الرافدة : الفاعلة من الرِّفد ، وهي العطاء والإعانة ، أي: مُعينة له على أداء الزكاة ، غير مُحدَّثة نفسه بمنعها ، فهي تَرْفُدُه وتُعينُهُ .
الهرمة : المسنَّة ، الكبيرة السنّ من كلِّ حيوان .
الدَّرنة : أراد بها : الرديئة ، فجعل الرَّداءة دَرنًا ، والدَّرَنُ : الوسخ.
الشَرَط : الرذيلة من المال ، كالصغيرة ، والمسنة ، والعجفاء ، ونحو ذلك .
اللئيمة : أَرْدَأ المال وأرذله .
__________
(1) في الزكاة رقم (1582) باب في زكاة السائمة ، وهو منقطع ، قال الحافظ في " التلخيص " 1/55 : ورواه الطبراني ، وجود إسناده ، وسياقه أتم سنداً ومتناً .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أبو داود (1582) ، قال:وقرأت في كتاب عبد الله بن سالم بحمص-عند آل عمرو ابن الحارث الحمصي - عن زبيد ، قال: أخبرني يحيى بن جابر ، عن جبير بن نفير ، عن عبد الله بن معاوية ، فذكره .
قال الحافظ الزيلعي : ولم يصل أبو داود به سنده ، ووصله الطبراني ، والبزار ، وقد ذكرناه في أحاديث الأصول . نصب الراية (2/428) بتحقيقي. جوَّد الحافظ إسناده من رواية الطبراني ، تلخيص الحبير (1/55) ، ومشاه الحافظ المنذري في الترغيب [1125/بتحقيقي] ، وصححه الشيخ الألباني .

16 - (س) بهز بن حكيم - رضي الله عنه - عن أبيه عن جده قال : قلتُ : يا نبي الله ، ما أتيتُك حتى حلفت أكثر من عددهنَّ - لأصابع يديه - : أن لا آتيك ، ولا أتي دِينك ، وإني كنتُ امرءًا لا أعْقِل شيئًا ، إلا ما عَلَّمني اللهُ ورسولُهُ ، وإني سألتُك بوجه الله ، بم بَعثك الله إلينا ؟ قال : «بالإسلام» قال : وما آياتُ الإسلام ؟ قال : «أن تقول : أسلمت وجهي لله ، وتخلَّيت ، وتُقيمَ الصلاة ، وتُؤتي الزكاة» .
زاد في أخرى «كلُّ مُسلمٍ على مُسلِمٍ مُحرمٌ ، أخوان نَصيران ، لا يُقبَلُ عن مُشرِكٍ بعدَ ما أسلَمَ عملٌ ، أو يُفارق المشركين إلى المسلمين» . أخرجه -[234]- النسائي (1) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
تَخلَّيتُ : تبرأت من الشرك ، وانقطعت عنه.
كُلُّ مسلم على مسلم محرم : يقال : أحرم الرجل:إذا اعتصمَ بحرمةٍ تمنع عنه ، ويقال: إنه لمحرمٌ عنك:أي يحرم أذاك عليه ، ويقال: مسلم محرم ، وهو الذي لم يُخَلِّ من نفسه شيئًا يوقِعُ به ، يريد: أن المسلم معتصم بالإسلام ، ممتنع بحرمته ممن أراده ، أو أراد ماله.
أخوان نصيران: أي هما أخوان نصيران ، أي: يتناصران ويتعاضدان ، والنصير: فعيل بمعنى فاعل ، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول .
__________
(1) حديث حسن والرواية الأولى أخرجها النسائي في " سننه " 5/4 ، كتاب الزكاة : باب وجوب الزكاة والثانية في الزكاة أيضاً : باب من سأل بوجه الله عز وجل 5/82 ، 83 وأخرج بعضه ابن ماجه رقم (2536) ، كتاب " الحدود " باب المرتد عن دينه بلفظ " لا يقبل الله من مشرك أشرك بعد ما أسلم عملاً حتى يفارق المشركين إلى المسلمين " . وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " رقم (28) موارد من حديث حماد بن سلمة عن أبي قزعة عن حكيم بن معاوية عن أبيه أنه قال : يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما أتيتك حتى حلفت عدد أصابعي هذه أن لا آتيك فما الذي بعثك به ؟ قال : " الإسلام " قال : وما الإسلام ؟ قال : " أن تسلم قلبك لله ، وأن توجه وجهك لله ، وأن تصلي الصلوات المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، أخوان نصيران (ووقع في الموارد بصيران وهو تصحيف) لا تقبل من عبد توبة أشرك بعد إسلامه " .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
حسن : أخرجه أحمد (4/446) ، قال: حدثنا عبد الله بن الحارث ، قال: حدثني شبل بن عباد ، (ح) وابن أبي بكير ، يعني يحيى بن أبي بكير ، قال: حدثنا شبل بن عباد ، قال: سمعت أبا قزعة ، وفي (5/3) قال: حدثنا عفان. قال: حدثنا حماد بن سلمة. قال: أخبرنا أبو قزعة الباهلي. وفي (5/4) قال: حدثنا يحيى بن سعيد ، عن بهز. وفي (5/4) قال: حدثنا إسماعيل. قال: أخبرنا بهز بن حكيم . والنسائي (5/4) (82) ، قال: أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ، قال: حدثنا معتمر ، قال: سمعت بهز بن حكيم. وفي الكبرى - تحفة الأشراف- (8/11397) ، عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ، عن يحيى بن أبي بكير ، عن شبل بن عباد ، عن أبي قزعة .
كلاهما - أبو قزعة ، وبهز بن حكيم) عن حكيم بن معاوية ، عن أبيه معاوية بن حيدة.
قلت: مداره «بهز» وحديثه حسن ، وقارنه أبو قزعة الباهلي.

17 - (م) سفيان بن عبد الله الثقفي - رضي الله عنه - قال : قلت : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحدًا بعدك ، قال : -[235]- «قل : آمَنْتُ بالله ، ثم استقم» . أخرجه مسلم (1) .
__________
(1) رقم (38) في الإيمان ، باب جامع أوصاف الإسلام .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه عروة عن سفيان بن عبد الله - رضي الله عنه - :
أخرجه أحمد (3/413) ، قال: ثنا وكيع ، وأبو معاوية ، ومسلم (1/47) ، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو كريب قالا: ثنا ابن نمير .
(ح) وحدثنا قتيبة بن سعيد ، وإسحاق بن إبراهيم جميعًا عن جرير.
(ح) وحدثنا أبو كريب قال: ثنا أبو أسامة ، كلهم عن هشام بن عروة عن أبيه.
- ورواه عبد الله بن سفيان عن أبيه :
أخرجه أحمد (3/413) ، قال: ثنا محمد بن جعفر ، قال: ثنا شعبة ، وفي (4/384) ، قال: ثنا هشيم ، والدارمي (2713) ، قال: أخبرنا سعيد بن الربيع ، قال: ثنا شعبة ، والنسائي في الكبرى - التحفة (4478) عن بندار ، عن غندر ، عن شعبة .
(ح) وعن إسماعيل بن مسعود ، عن بشر بن المفضل ، عن شعبة كلاهما عن يعلى بن عطاء ، عن عبد الله ابن سفيان عن أبيه .

18 - (س) أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «مَنْ صلَّى صلاتَنا ، واستقبل قبلَتنا ، وأكل ذبيحتنا فهو المسلم» .أخرجه النسائي (1) .
__________
(1) في الإيمان - باب صفة الإسلام ، 8/105 ولفظه في آخره عنده " فذلكم المسلم " .
وأخرجه البخاري في الصلاة : باب فضل استقبال القبلة 1/417 بلفظ : " من صلى صلاتنا ، واستقبل قبلتنا ، وأكل ذبيحتنا ، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله ، فلا تخفروا الله في ذمته " وانظر الحديث رقم (38) من هذا الكتاب . قال الحافظ في " الفتح " : وفي الحديث تعظيم شأن القبلة ، وذكر الاستقبال بعد الصلاة للتنويه به ، وإلا فهو داخل في الصلاة ، لكونه شرطاً من شروطها ، وفيه أن أمور الناس محمولة على الظاهر ، فمن أظهر شعار الدين أجريت عليه أحكام أهله ما لم يظهر منه خلاف ذلك .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه البخاري (1/496) - الفتح - عن عمرو بن العباس ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن منصور بن سعد ، عن ميمون بن سياه عن أنس . والنسائي عن حفص بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن مهدي «به» .

الفصل الثاني : في المجاز
19 - (خ م ت د س) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «الإيمان بضع وسبعون شُعبة» .
وفي رواية «بضْعٌ وستونَ (1) ، والحياءُ شُعْبَةٌ من الإيمان» .
زاد في رواية : «وأفضلها قول : لا إله إلا الله ، وأدناها : إماطة الأذى -[236]- عن الطريق» . أخرجوه ، إلا «الموطأ» .
وأسقط الترمذي من روايته «والحياءُ شُعْبَةٌ من الإيمان» .
وعنده في أخرى «الإيمان أربعة وستُّون بابًا» .
وعند النسائي في رواية أخرى «الحياءُ شعبة من الإيمان» مختصرًا (2) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
بِضع : البِضعُ : القطعة من الشيء ، وهو في العدد ما بين الثلاث إلى التسع؛ لأنه قطعة من العدد.
الحياء من الإيمان : جعل الحياء - وهو غريزةٌ - من الإيمان - وهو اكتسابٌ - ؛ لأن المستحيي ينقطع باستحيائه عن المعاصي ، وإن لم يكن له تَقيَّةٌ ، فصار كالإيمان الذي يقطع بينها وبينه ، وإنما جعله بَعْضًا من الإيمان؛ لأن الإيمان بمجموعه ينقسم إلى ائتمار بما أمر الله به ، وانتهاءٍ عما نهى الله عنه ، فإذا حصل الانتهاء بالحياء كان بعضه . -[237]-
الشُّعبة : الطائفة من كل شيء ، والقِطْعَةُ منه .
إماطة الأذى : أماط الشيء : إذا أزاله عنه ، وأَذْهَبَهُ ، والأذى في هذا الحديث ، نحو الشَّوك والحجر وما أَشبَهَهُ.
__________
(1) هي للبخاري .
(2) البخاري في الإيمان : باب أمور الإيمان 1/48 ، 49 ، بلفظ " الإيمان بضع وستون شعبة ، والحياء شعبة من الإيمان " ومسلم فيه : باب بيان عدد شعب الإيمان رقم (35) وأبو داود في السنة : باب في رد الارجاء رقم (4676) ، والترمذي في الإيمان ، والنسائي فيه : باب ذكر شعب الإيمان 8/110 ، وأخرجه ابن ماجة في المقدمة رقم 57 بلفظ " الإيمان بضع وستون أو سبعون باباً " . وكذا وقع التردد في رواية مسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار ، ولأبي عوانة في " صحيحه " من طريق " ست وسبعون أو سبع وسبعون " ، وقد رجح بعضهم رواية البخاري لأنها المتقنة وما عداها مشكوك فيها . قال الحافظ : وأما رواية الترمذي بلفظ " أربع وستون " فمعلولة .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه عن أبي هريرة أبو صالح .
1 - أخرجه أحمد (2/379) ، والترمذي (2614) ، قالا - أحمد بن حنبل ، والترمذي - : حدثنا قُتيبة ، قال: حدثنا بكر بن مُضر ، عن عمارة بن غزية .
2 - وأخرجه أحمد (2/414) ، قال: حدثنا عفان ، قال: حدثنا حماد بن سلمة ، قال: أخبرنا سُهيل بن أبي صالح ، وفي (2/442 ، 445) ، قال: حدثنا وكيع ، قال: حدثنا سُفيان ، عن سهيل بن أبي صالح ، والبخاري (1/9) ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد الجُعفي ، قال: حدثنا أبو عامر العقدي ، قال: حدثنا سليمان بن بلال. وفي الأدب المفرد (598) ، قال: حدثنا محمد بن كثير ، قال: أخبرنا سفيان ، عن سهيل بن أبي صالح.
ومسلم (1/46) ، قال: حدثنا عُبيد الله بن سعيد ، وعبد بن حُميد ، قالا: حدثنا أبو عامر العقدي ، قال: حدثنا سليمان بن بلال.
(ح) وحدثنا زُهير بن حرب ، قال: حدثنا جرير عن سهيل ، و «أبو داود» (4676) قال: حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا حماد ، قال: أخبرنا سهيل بن أبي صالح. وابن ماجة (57) ، قال: حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، قال: حدثنا وكيع ، قال: حدثنا سفيان ، عن سهيل بن أبي صالح.
(ح) وحدثنا أبو بكر بن أبي شَيْبة ، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن ابن عَجْلان .
(ح) وحدثنا عمرو بن رافع ، قال: حدثنا جرير ، عن سهيل.
والترمذي (2614) ، قال: حدثنا أبو كُريب ، قال: حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن سهيل بن أبي صالح ، والنسائي (8/110) ، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن المُبارك ، قال: حدثنا أبو عامر ، قال: حدثنا سليمان ، وهو ابن بلال.
(ح) وأخبرنا أحمد بن سليمان ، قال: حدثنا أبو داود ، عن سفيان. قال: وحدثنا أبو نُعيم ، قال: حدثنا سفيان ، عن سهيل.
(ح) وحدثنا يحيى بن حَبيب بن عربي ، قال: حدثنا خالد ، يعني ابن الحارث ، عن ابن عجلان. ثلاثتهم -سهيل ، وسليمان بن بلال ، وابن عجلان- .
(*) رواية عمارة بن غزية : «الإيمانُ أَرْبَعَةٌ وستون بابًا ، أرفعها وأعلاها قول : لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» .
(*) رواية سهيل : «الإيمانُ بِضْعٌ وسِتُّونَ ، أوْ بِضْعٌ وسبعون شُعْبَةً أفضلُها لا إله إلا الله ، وأدْناها إماطةُ الأذى عن الطريق ، والحياءُ شُعبةٌ من الإيمان» .
(*) رواية وكيع عند أحمد (2/442) ، ومحمد بن عجلان عند النسائي مختصرة على : «الحياءُ شُعبة من الإيمان» .
ورواه يزيد بن الأصم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .
أخرجه أحمد (2/445) ، قال: حدثنا وكيع ، قال: ثنا جعفر بن برقان عن يزيد الأصم ، فذكره.

20 - (خ م ت س) أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ثلاثٌ من كُنُّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان : مَن كان اللَّهُ ورسولُهُ أحبَّ (1) إليه مما سواهما ، ومَنْ أحبَّ عبدًا لا يُحِبُّهُ إلا لله ، ومن يكْرهُ أن يعودَ في الكفر - بعد أن أنقذه الله منه - كما يكرَه أن يُلقى في النار» .
وفي أخرى «من كان أن يُلقى في النار أحبَّ إليه من أن يَرْجِعَ يهوديًا أو نصرانيًا..» أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (2) .
وللنسائي (3) في رواية أخرى : «ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد حَلاوَةَ الإيمان -[238]- وطَعْمَهُ : أنْ يكون اللَّهُ ورسوله أحبَّ إليه مما سواهُما ، وأن يُحِبَّ في الله ، ويُبغِضَ في الله ، وأن توقَدَ نارٌ عظيمَةٌ فيقعَ فيها أحبُّ إليه من أن يُشرِكَ بالله شيئًا» .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
أنقذه : الإنقاذ : التخليص والإنجاء .
__________
(1) قال البيضاوي : المراد بالحب هنا ، الحب العقلي الذي هو إيثار ما يقتضي العقل السليم رجحانه ، وإن كان على خلاف هوى النفس ، كالمريض يعاف الدواء بطبعه ، فينفر عنه ، ويميل إليه بمقتضى عقله فيهوى تناوله ، فإذا تأمل المرء أن الشارع لا يأمر ولا ينهى إلا بما فيه إصلاح عاجل ، أو خلاص آجل ، والعقل يقتضي رجحان جانب ذلك ، تمرن على الائتمار بأمره بحيث يصير هواه تبعاً له ، ويلتذ بذلك التذاذاً عقلياً ، إذ الالتذاذ العقلي إدراك ما هو كمال وخير من حيث هو كذلك .
(2) البخاري في " الإيمان " 1/56 - 58 ، باب حلاوة الإيمان ، وأخرجه فيه أيضاً ، باب من كره أن يعود في الكفر ، وفي الأدب : باب الحب في الله ، وفي الاكراه : باب من اختار القتل والضرب والهوان على الكفر . وأخرجه مسلم في الإيمان باب بيان خصال الإيمان رقم (43) ، والترمذي فيه رقم (2926) ، باب 10 ، والنسائي فيه أيضاً - باب حلاوة الإيمان 8/96 ، وأخرجه ابن ماجة في الفتن ، باب الصبر على البلاء رقم (4033) .
(3) 8/94 - 96 باب طعم الإيمان وحلاوته ، وإسنادها صحيح .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
أحمد بن حنبل ، وابن المثنى ، ومحمد بن عبد الله ، وإسحاق ، وابن أبي عمر ، وابن بشار- عن عبد الوهاب بن عبد المجيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، فذكره.
- ورواه قتادة عن أنس :
أخرجه أحمد (3/172 ، 275) ، قال: حدثنا محمد بن جعفر ، وحجاج . وفي (3/248) ، قال: حدثنا عفان. والبخاري (1/12) ، قال: حدثنا سليمان بن حرب. وفي (8/17) ، قال: حدثنا آدم. ومسلم (1/48) ، وابن ماجة (4033) ، قالا: حدثنا محمد بن المثنى ، وابن بشار ، قالا: حدثنا محمد بن جعفر. والنسائي (8/96) ، قال: أخبرنا سويد بن نصر ، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك.
ستتهم - ابن جعفر ، وحجاج ، وعفان ، وسليمان ، وآدم ، وابن المبارك- عن شعبة عن قتادة.
وأخرجه أحمد (3/272) ، قال: حدثنا روح ، قال: حدثنا شعبة ، عن قتادة ، قال: سمعت أنسًا يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يُؤْمِنُ أحدكم حتى يُحب للناس ما يحبُّ لنفسه ، وحتى يحب المرء لا يحبه إلا لله عز وجل» .
- ورواه ثابت عن أنس:
1 - أخرجه أحمد (3/174) ، قالك حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، وعفان. وفي (3/230) ، قال: حدثنا يونس ، وحسن بن موسى. وفي (3/288) ، قال: حدثنا عفان. وعبد بن حميد (1328) ، قال: حدثني سليمان بن حرب ، وفي (3/208) قال: حدثنا روح ، قال: حدثنا شعبة. وفي (3/207 ، 255) ، قال: حدثنا أسود بن عامر ، قال: أخبرنا أبو بكر بن عَيَّاش .
والبخاري (9/80) ، قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، قال: حدثنا جرير.
ومسلم (8/42) ، قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، وإسحاق بن إبراهيم ، كلاهما عن جرير .
ثلاثتهم - شعبة ، وأبو بكر بن عياش ، وجرير- عن منصور بن المعتمر .
2 - وأخرجه البخاري (8/49) ، ومسلم (8/43) ، قال: حدثني محمد بن يحيى بن عبد العزيز اليَشْكُري. كلاهما - البخاري ، واليشكري- قالا: حدثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة (عبدان) ، قال: أخبرني أبي ، عن شعبة ، عن عمرو بن مُرَّة .
كلاهما - منصور ، وعمرو - عن سالم بن أبي الجعد ، فذكره.

21 - (خ م س) أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يُؤمن أحدُكم حتَّى أكونَ أحبَّ إليه مِنْ والده وولدِهِ والنَّاس أجمعين» . أخرجه البخاري ومسلم والنسائي (1) .
وللنسائي (2) في أخرى «حتى أكونَ أحبَّ إليه من ماله وأهله والناس أجمعين» .
__________
(1) البخاري في الإيمان 1/55 ، باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان ، ومسلم فيه : باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم رقم 44 ، والنسائي فيه أيضاً 8/114 ، 115 باب علامة الإيمان وأخرجه ابن ماجة في المقدمة رقم 167 .
(2) في الإيمان 8/15 وهي رواية لمسلم أيضاً .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه عن أنس قتادة :
أخرجه أحمد (3/177 ، 275) ، قال: حدثنا محمد بن جعفر ، وحجاج. وعبد بن حميد (1176) ، قال: أخبرنا يزيد بن هارون. والدارمي (2744) ، قال: أخبرنا يزيد بن هارون ، وهاشم بن القاسم ، والبخاري (1/10) ، قال: حدثنا آدم. ومسلم (1/49) ، وابن ماجة (67) ، قالا: حدثنا محمد بن المثنى ، وابن بشار ، قالا: حدثنا محمد بن جعفر. والنسائي (8/114) ، قال: أخبرنا حميد بن مسعدة ، قال: حدثنا بشر بن المفضل.
ستتهم - محمد بن جعفر ، وحجاج ، ويزيد بن هارون ، وهاشم ، وآدم ، وبشر- عن شعبة ، عن قتادة ، فذكره.
- ورواه عبد العزيز بن صهيب عن أنس :
1 - أخرجه البخاري (1/10) ، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، ومسلم (1/49) ، قال: حدثني زهير بن حرب. والنسائي (8/115) قال: أخبرنا الحسين بن حُريث. ثلاثتهم عن إسماعيل بن عُلية.
2 - وأخرجه مسلم (1/49) ، قالك حدثنا شيبان بن أبي شيبة - هو ابن فرُّوخ- ، والنسائي (8/115) ، قال: أنبأنا عمران بن موسى ، كلاهما عن عبد الوارث بن سعيد.
كلاهما - إسماعيل ، وعبد الوارث- عن عبد العزيز ، فذكره.
قلت: ورواية عبد العزيز بها اللفظ المعزو للنسائي.

22 - (خ س) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - : «والذي نفسي بيده ، لا يُؤمِنُ أحَدُكُم حتَّى أكونَ أحبَّ إليه من وَلَدِهِ ووَالِدِهِ» . أخرجه البخاري والنسائي (1) .
__________
(1) البخاري 1/54 ، 55 ، باب علامة الإيمان ، والنسائي 8/15 في الإيمان ، باب علامة الإيمان وفي هذا الحديث دليل على جواز الحلف على الأمر المهم توكيدًا ، وإن لم يكن هناك مستحلف .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه الأعرج عن أبي هريرة :
أخرجه البخاري (1/10) ، قال: ثنا أبو اليمان ، والنسائي (8/115) ، قال: أخبرنا عمران بن بكار ، قال: ثنا علي بن عياش ، كلاهما عن أبي الزناد ، عن الأعرج عبد الرحمن بن هرمز به.

23 - (خ م ت س) أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : سمعت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه» .
وفي أخرى : «حتى يُحِبَّ لأخيه» أو قال : «لجاره» .
وفي أخرى قال : «والَّذي نفسي بيده لا يُؤمن عبدٌ...» الحديث. أخرجه البخاري ومسلم.
ووافقهما الترمذي والنسائي على الرواية الأولى.
والنسائي على الثالثة ، وزاد «من الخير» (1) .
__________
(1) البخاري 1/53 ، 54 ، باب علامة الإيمان ، ومسلم في الإيمان رقم 45 باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه ، والنسائي 8/115 ، فيه باب علامة الإيمان ، وإسناده صحيح . والترمذي رقم 2517 في صفة القيامة باب : (59) ، وأخرجه ابن ماجة في المقدمة رقم 66 . قال الحافظ في " الفتح " 1/54 : والمراد بالنفي كمال الإيمان ، ونفي اسم الشيء على معنى نفي الكمال عنه مستفيض في كلامهم ، كقولهم : فلان ليس بإنسان . فإن قيل : فيلزم أن يكون من حصلت له هذه الخصلة مؤمناً كاملاً وإن لم يأت ببقية الأركان ؟ أجيب بأن هذا ورد مورد المبالغة ، أو يستفاد من قوله " لأخيه المسلم " ملاحظة بقية صفات المسلم ، وقد صرح ابن حبان من رواية ابن عدي عن حسين المعلم بالمراد ، ولفظه " لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان " ومعنى الحقيقة هنا الكمال ضرورة أن من لم يتصف بهذه الصفة لا يكون كافراً .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح :
1 - أخرجه أحمد (3/176 ، 272) ، قال: حدثنا محمد بن جعفر ، وحجاج. ، وفي (3/278) قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ ، قال: حدثنا أبي ، و «عبد بن حميد» (1175) ، والدارمي (2743) ، قالا: أخبرنا يزيد بن هارون.
والبخاري (1/10) ، قال: حدثنا مسدّد ، قال: حدثنا يحيى ، ومسلم (1/49) ، وابن ماجة (66) قالا: حدثنا محمد بن المثنى ، وابن بشار ، قالا: حدثنا محمد بن جعفر. والترمذي (2515) ، قال: حدثنا سويد ابن نصر قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك. والنسائي (8/115) ، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، قال: حدثنا النضر وفي (8/115) قال: أنبأنا حميد بن مسعدة ، قال: حدثنا بشر. ثمانيتهم - ابن جعفر ، وحجاج ، ومعاذ ، ويزيد ، ويحيى ، وابن المبارك ، والنضر ، وبشر- عن شعبة .
2 - وأخرجه أحمد (3/206) ، قال: حدثنا روح ، والبخاري (1/10) ، قال: حدثنا مسدد ، قال: حدثنا يحيى ، ومسلم (1/49) ، قال: حدثني زهير بن حرب ، قال: حدثنا يحيى ، والنسائي (8/115) ، قال: أخبرنا موسى بن عبد الرحمن ، قال: حدثنا أبو أسامة ، ثلاثتهم - روح ، ويحيى ، وأبو أسامة - عن حسين المعلم .
3 - وأخرجه أحمد (3/251) ، قال: حدثنا عفان. وفي (3/289) ، قال: حدثنا بهز. قالا - عفان ، وبهز-: حدثنا همان بن يحيى.
ثلاثتهم - شعبة ، وحسين ، وهمام- عن قتادة ، فذكره .

24 - (د) أبو أمامة الباهلي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «من أحبَّ للَّه ، وأبْغَضَ لله ، وأعطَى لله ومنع للهِ ، فقد استكمل الإيمانَ» .
أخرجه أبو داود (1) .
__________
(1) أبو داود رقم 4681 في السنة باب الدليل على زيادة الإيمان ، وأخرجه أحمد في المسند 3/438 و 440 ، وهو حديث حسن . فإن رجال إسناده ثقات ما خلا القاسم بن عبد الرحمن الشامي الراوي -[240]- عن أبي أمامة ، فقد تكلم فيه غير واحد ، لكن ذكروا أن حديث الثقات عنه مستقيم . وهذا منها ، ويشهد له حديث معاذ بن أنس الآتي بعده ، فيصح به .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
رواه أبو داود [4681] قال: ثنا مؤمل بن الفضل ، قال: حدثنا محمد بن شعيب بن شابور ، عن يحيى ابن الحارث ، عن القاسم عن أبي أمامة.
قلت: إسناده معلول بالقاسم بن عبد الرحمن الشامي ، مُختلف فيه.
ومشاه الحافظ المنذري في ترغيبه [4438] بتحقيقي ، وصححه الألباني.

25 - (ت) معاذ بن أنس الجهنيُّ - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «من أعطى لله ، ومنع لله ، وأحبَّ للَّهِ ، وأبغض لله ، فقد استكمل إيمانَه» أخرجه الترمذي (1) . وقال : هذا حديث منكر [حسن] (2) .
__________
(1) رقم 2523 في صفة القيامة باب 61 ، وإسناده قوي ، وصححه الحاكم ، وفي الباب عند أبي داود رقم 4599 من حديث أبي ذر مرفوعاً " أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله " وفيه ضعف ، وعند أحمد 3/430 من حديث عمرو بن الجموح " لا يجد العبد صريح الإيمان حتى يحب لله ويبغض لله " وفيه ضعف . وعنده أيضاً 4/286 من حديث البراء " أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله " وله شاهد عند الطبراني في " الكبير " من حديث ابن مسعود .
(2) زيادة لم ترد في الأصل ، وفي بعض نسخ الترمذي : هذا حديث حسن دون قوله : منكر . ولعلها هي الصواب إذ لا وجه لكون هذا الحديث منكراً . على أن المتقدمين من الأئمة كثيراً ما يطلقون هذا اللفظ على ما تفرد به راويه وإن كان من الثقات فيكون حديثه صحيحاً غريباً ، انظر مقدمة " الفتح " للحافظ ابن حجر صفحة (436) .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
إسناده ضعيف جدًا : أخرجه أحمد (3/438) ، قال: ثنا حسن ، قال: ثنا ابن لهيعة ، عن زبان. وفي (3/440) قال: ثنا عبد الله بن يزيد - بحفظه- قال: ثني سعيد بن أيوب أبو يحيى ، قال: ثنا أبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون والترمذي [2521] قال: ثنا عباس الدُّوري ، قال: ثنا عبد الله بن يزيد ، قال: ثنا سعيد ابن أبي أيوب ، عن أبي مرحوم .
كلاهما عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني ، فذكره.
قلت: رواه الحاكم في المستدرك (2/164) ، وصححه ، ووافقه الذهبي ، وللحديث شواهد قد ترتقي به للحسن منها عن البراء ، وعمرو بن الجموح أخرجهما أحمد في المسند (3/430) ، (4/286) .

26 - (ت س) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «المسلمُ من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده ، والمؤمن : من أمِنَهُ الناسُ على دمائهم وأموالهم» . أخرجه الترمذي والنسائي (1) .
__________
(1) الترمذي رقم 2629 في الإيمان باب 12 ، والنسائي 8/104 ، 105 باب صفة المؤمن ، وإسناده قوي ، وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " رقم 26 موارد من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " المؤمن من أمنه الناس ، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر السوء ، والذي نفس محمد بيده لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه " .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
حسن صحيح : رواه الترمذي ، والنسائي جميعًا في «الإيمان» ، عن قتيبة ، عن ليث عن ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة به.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح - وفي الباب عن جابر ، وأبي موسى ، وعبد الله بن عمرو. السنن (5/18) [2627] .
قلت: وعن أنس بن مالك أخرجه ابن حبان [26/موارد] .

27 - (خ م د س) عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسلِمُ : مَن سلمَ المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجِرُ -[241]- مَن هَجَرَ ما نَهاهُ الله عنه» .هذا لفظ البخاري وأبي داود والنسائي. إلا أنَّ النسائي قال : «مَن هجر ما حرَّم اللَّهُ عليه» .وأخرجه مسلم فقال :إنَّ رجلاً سألَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - : أيُّ المسلمين خَيْرٌ ؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده (1)» .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
المهاجر : أصل المُهَاجَرَة عند العرب: أن ينتقل الإنسان من البادية إلى المدن والقرى .
والمراد به في الشريعة : من فارق أهله ووطنه وجاء إلى بلد الإسلام (2) ، وقَصَدَ النبي - صلى الله عليه وسلم - رغبةً فيه وإيثارًا.
__________
(1) البخاري 1/50 ، 51 في الإيمان : باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده . ومسلم رقم (40) في الإيمان : باب بيان تفاضل الإسلام ، وأبو داود رقم 2481 في الجهاد : باب في الهجرة ، والنسائي 8/105 في الإيمان : باب صفة المسلم .
(2) وفي نسخة : إلى المسلمين .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه الحميدي (595) ، قال: حدثنا سفيان ، قال: حدثنا داود بن أبي هند. وفي (596) قال: حدثنا سفيان ، قال: وحدثناه ابن أبي خالد. وأحمد (2/163) ، (6515) ، (2/192) (6806) قال: حدثنا يحيى بن سعيد ، عن إسماعيل ، وفي (2/193) (6814) ، قال: حدثنا وكيع ، قال: حدثنا زكريا ، وفي (2/205) (6912) قال: حدثنا محمد بن جعفر ، قال: حدثنا شُعبة ، عن إسماعيل ، يعني ابن أبي خالد. وفي (2/212) ، (6982) ، قال:حدثنا حسين بن محمد ، قال:حدثنا شعبة ، عن إسماعيل ، وعبد الله ابن أبي السَّفَر. وفيه (2/212) (6983) ، قال: حدثنا أبو نُعيم ، قال: حدثنا زكريا. وفي (2/224) ، (7086) قال: حدثنا محمد بن عُبيد ، قال: حدثنا زكريا. والدارمي (2719) ، قال: أخبرنا أبو نعيم ، قال: حدثنا زكريا. والبخاري (1/9) قال: حدثنا آدم بن أبي إياس ، قال: حدثنا شعبة ، عن عبد الله بن أبي السفر ، وإسماعيل بن أبي خالد. وفي (8/127) ، قال: حدثنا أبو نعيم ، قال: حدثنا زكريا. وفي الأدب المفرد (1144) ، قال: حدثنا محمد بن سلام ، قال: أخبرنا عَبْدة ، عن ابن أبي خالد. وأبو داود (2481) ، قال: حدثنا مُسَدَّد ، قال: حدثنا يحيى ، عن إسماعيل بن أبي خالد. والنسائي (8/105) قال:أخبرنا عَمرو ابن علي ، قال: حدثنا يحيى ، عن إسماعيل. وفي الكبرى (تحفة الأشراف) (8834) عن محمد بن عبد الله ابن يزيد ، عن سفيان بن عُيينة ، عن إسماعيل.
(ح) وعن يوسف بن عيسى ، عن الفضل بن موسى ، عن إسماعيل .
أربعتهم - داود بن أبي هند ، وإسماعيل بن أبي خالد ، وزكريا بن أبي زائدة ، وعبد الله بن أبي السفر- عن الشعبي ، فذكره.
(*) في رواية داود بن أبي هند : «... والمُهَاجِرُ من هَجرَ السُّوء - أو قال - : مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ» .

28 - (م) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال :إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» . أخرجه مسلم (1) .
__________
(1) رقم 40 في الإيمان : باب تفاضل الإسلام .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه عن جابر أبو الزبير :
1 - أخرجه الحميدي (1276) ، والترمذي (387) ، قال: حدثنا ابن أبي عمر. كلاهما - الحميدي ، وابن أبي عمر- عن سفيان بن عيينة .
2 - وأخرجه أحمد (3/325) ، قال: حدثنا أبو عبيدة الحداد . وفي (3/374) ، قال: حدثنا كثير بن هشام ، وعبد بن حميد (1063) ، قال: حدثني مسلم بن إبراهيم. ومسلم (1/66) ، قال: حدثني إسحاق ابن منصور ، قال: أخبرنا معاذ - وهو ابن هشام - .
أربعتهم - أبو عبيدة ، وكثير ، ومسلم ، ومعاذ - قالوا : حدثنا هشام الدسْتَوائي .
3 - وأخرجه أحمد (3/391) قال: حدثنا النضر بن إسماعيل أبو المغيرة ، وعبد بن حميد (1060) ، قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى .
كلاهما - النضر ، وعبيد الله - عن ابن أبي ليلى .
4 - وأخرجه أحمد (3/346) ، قال: حدثنا موسى ، قال: حدثنا ابن لَهيعة.
5 - وأخرجه مسلم (1/48) ، قال: حدثنا حسن الحُلواني ، وعبد بن حميد ، وفي (2/175) قال: حدثنا عبد بن حميد. وابن ماجة (1421) ، قال: حدثنا بكر بن خلف أبو بشر .
ثلاثتهم - حسن ، وعبد ، وبكر - عن أبي عاصم ، عن ابن جريج .
6 - وأخرجه مسلم (1/66) ، قال: حدثني أبو أيوب الغيلاني - سليمان بن عبيد الله- وحجاج بن الشاعر ، قالا: حدثنا عبد الملك بن عمرو قال: حدثنا قرة.
ستتهم - سفيان ، وهشام ، وابن أبي ليلى ، وابن لهيعة ، وابن جريج ، وقرة- عن أبي الزبير ، فذكره.
قلت: رواية أبي الزبير عن جابر فيها مقال مشهور ، وعندي غض الطرف عنها. والله أعلم .
ك

29 - (خ م ت س) أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال : قلت : يا رسول الله ، أيُّ المسلمين أفضل ؟ قال : «من سلم المسلمون من لسانه -[242]- ويده» . أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (1) .
__________
(1) البخاري 1/52 في الإيمان : باب من سلم المسلمون من لسانه ويده . ومسلم رقم 42 في الإيمان : باب بيان تفاضل الإسلام . والترمذي 2506 في صفة القيامة : باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والنسائي 8/106 ، 107 في الإيمان : باب : أي الإسلام أفضل .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح: أخرجه البخاري (1/10) ، قال: حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد القرشي ، قال: حدثنا أبي. ومسلم (1/48) ، قال: حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي ، قال: حدثني أبي.
(ح) وحدثنيه إبراهيم بن سعيد الجوهري ، قال: حدثنا أبو أسامة. والترمذي (2504) ، (2628) ، قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، قال: حدثنا أبو أسامة . والنسائي (8/106) ، قال: أخبرنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي ، عن أبيه.
كلاهما - يحيى بن سعيد ، وأبو أسامة- عن بُريدة بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبي بردة ، فذكره .

30 - (خ م س) عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن رَجُلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : أيُّ الإسلامِ خيرٌ ؟ قال : «تُطعِمُ الطعامَ ، وتَقْرَأُ السلامَ على مَنْ عَرَفْتَ ومَنْ لم تَعرِف» . أخرجه البخاري ومسلم والنسائي (1) .
__________
(1) البخاري 1/52 ، 53 في الإيمان : باب إطعام الطعام من الإسلام . ومسلم رقم 39 في الإيمان : باب بيان تفاضل الإسلام ، والنسائي 8/107 ، باب أي الإسلام خير .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (2/169) (6581) ، قال: حدثنا حجاج ، وأبو النضر ، والبخاري (1/10) ، قال: حدثنا عَمرو بن خالد. وفي (1/14) ، وفي الأدب المفرد (1013) ، قال: حدثنا قُتيبة. وفي (8/65) ، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف. وفي الأدب المفرد (1050) ، قال: حدثنا عبد الله بن صالح. ومسلم (1/47) ، قال: حدثنا قُتيبة بن سعيد.
(ح) وحدثنا محمد بن رُمح بن المُهاجر ، وأبو داود (5194) ، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد ، وابن ماجة (3253) ، قال: حدثنا محمد بن رُمح والنسائي (8/107) ، قال: أخبرنا قتيبة.
سبعتهم - حجاج بن محمد ، وأبو النضر هاشم بن القاسم ، وعَمرو ، وقتيبة ، وعبد الله بن يوسف ، وعبد الله ابن صالح ، ومحمد بن رُمح- عن الليث ، قال: حدثني يزيد بن أبي حَبيب ، عن أبي الخير ، فذكره.

31 - (ت) أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «إذا رأيتم الرجل يَعتَادُ المسجِدَ ، فاشْهَدُوا لَهُ بالإيمان ، فإنَّ الله عز وجل يقول : {إنَّمَا يَعْمُرُ مساجد اللهِ مَنْ آمَنَ باللّه واليومِ الآخِرِ...} الآية [التوبة : الآية 17] .» أخرجه الترمذي (1) .
__________
(1) رقم 3092 في التفسير من سورة التوبة ، وأخرجه الدارمي وابن ماجة ، كلهم من حديث دراج أبي السمح ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري . نقول : ذكر الحافظ في " التقريب " في ترجمة دراج أنه صدوق لكن في حديثه عن أبي الهيثم ضعيف . وقد ضعفه الذهبي في " تلخيص المستدرك " ومغلطاي في شرح ابن ماجة ، ومع ذلك فقد حسنه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ، كما قال المنذري في " الترغيب والترهيب " في الترغيب في لزوم المساجد .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
إسناده ضعيف :
1 - أخرجه أحمد (3/68) قال: حدثنا سُريج ، قال: حدثنا ابن وهب. والدارمي (1226) قال: أخبرنا عبد الله بن الزبير الحُميدي ، قال: حدثنا عبد الله بن وَهْب ، وابن ماجة (802) ، قالك حدثنا أبو كُريب قال: حدثنا رِشْدِين بن سعد ، والترمذي (2617) ، قال: حدثنا ابن أبي عمر ، قال: حدثنا عبد الله بن وَهْب. وفي (3093) قال: حدثنا أبو كريب ، قال: حدثنا رِشْدِين بن سعد. وابن خزيمة (1502) ، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال: حدثنا عبد الله بن وَهْب . كلاهما - ابن وهب ، ورشدين - عن عَمرو ابن الحارث .
2 - وأخرجه أحمد (3/76) ، وعبد بن حميد (923) ، قالا: حدثنا الحسن بن موسى ، قال: حدثنا عبد الله بن لهيعة .
كلاهما - عمرو بن الحارث ، وابن لهيعة - عن درَّاج أبي السَّمْح ، عن أبي الهيثم ، فذكره.
قلت: ومداره على درَّاج عن أبي الهيثم ، وقد ضعفوه ، ومشاه بعضهم في غير روايته عن أبي الهيثم.

32 - (د) أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «ثلاثة مِنْ أصل الإيمان : الكفّ عمّن قال : لا إله إلا الله ، ولا نُكَفِّرُهُ بذَنْبٍ ، ولا -[243]- نُخرجُه من الإسلام بِعمَلٍ ، والجهاد ماضٍ مُنذُ بَعَثَنِي الله إلى أن يُقاتِلَ آخِرُ هذه الأمَّةِ الدَّجّالَ ، لا يُبْطِلُه جَوْرُ جائرٍ ولا عدلُ عادِلٍ ، والإيمانُ بالأقدار» . أخرجه أبوداود (1) .
__________
(1) أبو داود رقم 2532 في الجهاد : باب في الغزو مع أئمة الجور ، وفي سنده يزيد بن أبي نشبة الراوي عن أنس بن مالك وهو مجهول كما في " التقريب " لكن معني الحديث صحيح .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
رواه أبو داود (2532) ، قال: ثنا سعيد بن منصور ، قال: ثنا أبو معاوية ، قال: حدثنا جعفر بن برقان ، عن يزيد بن أبي نبشة عن أنس .
قلت: الراوي عن أنس مجهول ، راجع ترجمته من :
التهذيب (11/364) ، ميزان الاعتدال (4/440) ، الإكمال لابن ماكولا (5/83) ، والحديث بنحوه ثابت عن أنس - رضي الله عنه - من غير هذا الطريق .

33 - (م د) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : جاء ناسٌ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فسألوه : إنَّا نَجدُ في أنفسنا ما يتعاظَمُ أحدُنا أن يتكلَّم به ؟ قال: «وقد وجَدتُموه ؟» قالوا : نعم ، قال : «ذاك صَريحُ الإيمان» (1) . وفي أخرى «الحمد لله الذي ردَّ كيدَهُ إلى الوسوسة» . أخرجه مسلم وأبو داود (2) .
__________
(1) أي : إن استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان ، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلاً عن اعتقاده ، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالاً محققاً ، وانتفت عنه الريبة والشكوك .
(2) مسلم في الإيمان : باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها رقم (132) ، وأبو داود في الأدب : باب الوسوسة رقم 5111 . تنبيه الرواية الأخرى التي ذكرها المصنف لم ترد عند مسلم ولا عند أبي داود من حديث أبي هريرة ، وإنما أخرجها أبو داود في الأدب رقم 5112 وأحمد في المسند رقم 2097 من حديث ابن عباس قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن أحدنا يجد في نفسه يعرض بالشيء لأن يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم به ، -[244]- فقال : " الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة " وإسناده قوي ، وصححه ابن حبان .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أبو صالح :
أخرجه أحمد (2/397) ، قال: ثنا أبو الجواب الضبي الأحوص بن جواب ، قال: حدثنا عمار بن رزيق ، عن الأعمش ، وفي (2/456) قال: حدثنا عجلان ، عن عبد الله بن دينار ، كلاهما عن أبي صالح فذكره . ورواه أحمد قال : حدثنا محمد بن جعفر وحجاج ، قالا: حدثنا شُعبة ، عن عاصم بن بَهْدَلة .
(ح) وحدثنا معاوية ، قال: حدثنا زائدة ، عن عاصم . ومسلم (1/83) قال: حدثني زُهير بن حرب ، قال : حدثنا جرير ، عن سُهيل.
(ح) وحدثنا محمد بن بشار ، قال: حدثنا ابن أبي عَدي ، عن شعبة .
(ح) وحدثني محمد بن عَمرو بن جبلة بن أبي رَوَّاد وأبو بكر بن إسحاق ، قالا: حدثنا أبو الجّواب ، عن عمار ابن رُزيق.
كلاهما - شعبة ، وعمار - عن الأعمش . وأبو داود (5111) ، قال: حدثنا أحمد بن يونس ، قال: حدثنا زُهير ، قال: حدثنا سُهيل. والنسائي في عمل اليوم والليلة (664) ، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، قال: أخبرنا جرير ، عن سهيل ، وفي عمل اليوم والليلة (تحفة الأشراف) (12398) ، عن محمد بن مُثنى ، عن ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن الأعمش . وفي عمل اليوم والليلة (تحفة الأشراف) (12813) عن عَمرو بن علي ، عن غُندر ، عن شعبة ، عن عاصم .
(ح) وعن ابن مثنى ، عن ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن عاصم .
(ح) وعن إسحاق بن إبراهيم ، عن الوليد بن عُقبة ومُصعب ، هو ابن المقدام ، كلاهما عن زائدة ، عن عاصم.
ثلاثتهم - الأعمش ، وعاصم بن بهدلة ، وسهيل بن أبي صالح - عن أبي صالح ذكوان ، فذكره.
- ورواه عن أبي هريرة أبو سلمة بن عبد الرحمن :
أخرجه أحمد (2/441) ، قال: ثنا محمد بن عبيد ، ويزيد ، والبخاري (1284) ، في الأدب المفرد عن ابن سلام ، قال: أخبرنا عبدة ، ثلاثتهم عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة فذكره.

34 - (م) عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : سُئِلَ رَسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوسوسة ؟ فقال : «تِلك مَحضُ الإيمان» . -[244]-
وفي رواية قال : سُئِلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوسوسة ؟ فقالوا : إنَّ أحدَنا ليجدُ في نفسه ما لأنْ يَحْتَرِقَ حتى يَصيرَ حَمَمَةً ، أو يَخِرَّ من السماء إلى الأرض ، أحبُّ إليه من أن يتكلَّم به ؟ قال : «ذلك محض الإيمان» .أخرجه مسلم (1) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
محض : المحضُ : الخالص من كل شيء ، وكذلك الصريح مثله ، ومنه الصريح الظاهر: وهو ضد الكناية ، وإنما قال في هذا الحديث : «ذاك صريح الإيمان» يعني أن صريح الإيمان: هو الذي يَمنعكم من قبول ما يلقيه الشيطان في أنفسكم ، والتصديق به ، حتى يصير ذلك وسوسة ، لا تتمكن في قلوبكم ، ولا تطمئن إليه نفوسكم ، وليس معناه: أن الوسوسة نفسها صريح الإيمان ، لأنها إنما تتولد من فعل الشيطان وتَسويله ، فكيف تكون إيمانًا صريحًا ؟ ! .
حَمَمَة : الحَمَمة : الفحمةُ ، وجمعها : حُمَم .
يَخِرُّ : خرَّ يخرّ : إذا وقع من موضعٍ عالٍ .
__________
(1) الرواية الأولى أخرجها مسلم رقم 133 في الإيمان باب الوسوسة في الإيمان ، وأما الرواية الثانية فلم يخرجها مسلم ، ولعلها من زيادات الحميدي على " الصحيحين "، فإن المؤلف ذكر في المقدمة ص 55 أنه قد اعتمد كتاب الحميدي في نقله عن " الصحيحين " وقد ذكرنا في التعليق هناك بأن العلماء ذكروا بأن الحميدي لم يقتصر في كتابه على ذكر ألفاظ " الصحيحين " ، بل أتى فيه بزيادات صرح بأنها من كتب المستخرجين عليهما .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه مسلم (1/83) ، قال: حدثنا يوسف بن يعقوب الصفار ، والنسائي في عمل اليوم والليلة (التحفة 9446) عن الحسين بن منصور ، كلاهما عن علي بن عثام ، عن سُعير بن الخمس ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن ابن مسعود. قلت: وروي من وجه آخر مرسل لكنه لا يعل الموصول .
أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة [666] ، قال: أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن ، قال: ثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره.

الباب الثاني : في أحكام الإيمان والإسلام ، وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول : في حكم الإقرار بالشهادتين
35 - (خ م) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أُمِرْتُ أن أقاتِل الناسَ حتى يَشهدُوا أن لا إله إلا الله ، وأنَّ محمدًا رسولُ الله ، ويقيموا الصلاةَ ، ويُؤتوا الزكاةَ ، فإذا فَعَلوا ذلِكَ عَصمُوا مني دِمائهُمْ ، إلا بحق الإسلام ، وحِسابُهُم على الله» . أخرجه البخاري ومسلم (1) ، إلا أن مسلمًا لم يذكر «إلا بحق الإسلام» .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
عصموا : العِصْمَة : المنع ، والعصمة من الله تعالى : أن يدفع الشر عن العبد.
__________
(1) البخاري 1/70 ، 71 في الإيمان : باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة ، ومسلم فيه أيضاً : باب الأمر بقتال الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله رقم (22) .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه البخاري (1/12) ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد المسندي ، قال: حدثنا أبو روح الحرمي بن عمارة. ومسلم (1/39) ، قال: حدثنا أبو غسان المسبعي مالك بن عبد الواحد ، قال: حدثنا عبد الملك بن الصباح كلاهما عن شعبة ، عن واقد بن محمد قال: سمعت أبي يحدث عن ابن عمر.

36 - (خ م ت د س) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أمِرْتُ أنْ أقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَقولوا : لا إله إلا اللهُ ، فمن قال : لا إله إلا اللهُ ، فقد عَصَمَ منّي نَفسَهُ وماَلهُ إلا بِحقِّهِ ، وحسابُه على الله (1)» .
وفي رواية «حتى يشهَدوا أن لا إله إلا الله ، ويُؤمِنُوا بي وبما جئتُ به ، فإذا فَعلوا ذلك عَصموا منِّي دماءَهم وأموالَهم إلا بحقِّها ، وحسابُهم على الله» . هذه رواية البخاري ومسلم والنسائي (2) .ورواية الترمذي وأبي داود «أمرتُ أن أقاتلَ الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عَصموا...» الحديث.
وقال أبو داود : «منعوا مني دماءهم وأموالَهم إلا بحقِّها وحسابُهم على الله» . مثلَ حديث أبي هريرة.
__________
(1) قال القاضي عياض : اختصاص عصمة المال والنفس بمن قال : لا إله إلا الله ، تعبير عن الإجابة إلى الإيمان ، وأن المراد بهذا مشركو العرب وأهل الأوثان ومن لا يوحد ، وهم كانوا أول من دعي إلى الإسلام وقوتل عليه ، فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد ، فلا يكتفى في عصمته بقوله : لا إله إلا الله ، إذ كان يقولها في كفره ، وهي من اعتقاده ، فلذلك جاء في الحديث : وأني رسول الله ، ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة .
قال النووي رحمه الله : ولابد مع هذا من الإيمان بجميع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الرواية الأخرى : " حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به " .
(2) البخاري 3/211 في أول الزكاة ، و 12/233 في استتابة المرتدين باب قتل من أبى قبول الفرائض ، ومسلم رقم 21 في الإيمان : باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله . والترمذي رقم 2610 في الإيمان الباب الأول ، والنسائي في الزكاة ، باب مانع الزكاة 5/14 ، وأبو داود في الجهاد ، باب على ما يقاتل المشركون رقم 2640 .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه عن أبي هريرة سعيد بن المسيب :
أخرجه البخاري (4/58) ، قال: حدثنا أبو اليمان ، قال: أخبرنا شُعيب. ومسلم (1/38) ، قال: حدثنا أبو الطاهر ، وحرملة بن يحيى ، وأحمد بن عيسى ، قال أحمد: حدثنا. وقال الآخران: أخبرنا ابن وهب ، قال: أخبرني يونس ، والنسائي (6/4) ، قال: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، والحارث بن مسكين ، قراءة عليه وأنا أسمع ، عن ابن وهب ، قال: أخبرني يونس. وفي (6/7 ، 7/78) قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن المغيرة ، قال: حدثنا عثمان ، عن شعيب. وفي (6/7) ، قال: أخبرني عَمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير ، قال: حدثنا أبي ، قال: حدثنا شعيب. وفي (7/77) قال: قال الحارث بن مسكين ، قراءة عليه وأنا أسمع ، عن ابن وهب ، قال: أخبرني يونس.
كلاهما - شعيب بن أبي حمزة ، ويونس بن يزيد - عن ابن شهاب الزهري ، قال: حدثنا سعيد بن المُسَيَّب ، فذكره .
- ورواه عنه أيضًا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة :
أخرجه أحمد (1/11) ، (67) ، (2/423) قال: حدثنا محمد بن يزيد ، قال: حدثنا سُفيان بن حسين. وفي (2/528) ، قال: حدثنا رَوح ، قال: حدثنا محمد بن أبي حفصة ، والنسائي (7/77) قال: أخبرنا زياد بن أيوب ، قال: حدثنا محمد بن يزيد ، قال: ثنا سفيان: كلاهما عن الزهري ، عن عبيد الله بن عتبة ، فذكره .
قلت: قال النسائي: سفيان في الزهري ، ليس بالقوي .
- ورواه عنه كثير بن عبيد :
أخرجه أحمد (2/345) ، قال: ثنا عفان ، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد ، وابن خزيمة (2248) ، قال: ثنا محمد بن أبان ، عن أبي نعيم كلاهما عن أبي العنبس ، سعيد بن كثير ، قال : حدثني أبي .
- ورواه عنه أبو صالح :
أخرجه مسلم (1/39) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شَيبة ، قال: حدثنا حفص بن غياث ، وأبو داود (2640) ، قال: حدثنا مُسَدَّد ، قال: حدثنا أبو معاوية ، وابن ماجة (3927) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال: حدثنا أبو معاوية وحفص بن غياث ، والترمذي (2606) ، قال: حدثنا هَنّاد ، قال: حدثنا أبو معاوية ، والنسائي (7/79) قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن المُبارك ، قال: حدثنا أبو معاوية.
(ح) وأنبأنا أحمد بن حرب ، قال: حدثنا أبو معاوية .
(ح) وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، قال: أنبأنا يعلى بن عُبيد. ثلاثتهم - حفص ، وأبو معاوية ، ويعلى- عن الأعمش .
كلاهما - عاصم ، والأعمش - عن أبي صالح ، فذكره .

37 - وفي أخرى له (م ت) جابر - رضي الله عنه - زيادة في آخره ، وقرأ -[247]- : {إنَّما أنت مذكّر * لَستَ عليهم بمسَيْطِر} [الغاشية : الآية 21 ، 22] .وأخرجه الترمذي ومسلم من حديث جابر (1) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
المُسَيْطِرُ : المُتَسَلِّطُ على الشيء ليتعهَّدَ أَحواله ، ويكتب أعماله ، ويُشرفَ عليه ، وأصله من السطر: الكتابة.
__________
(1) مسلم في الإيمان : باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله . والترمذي في التفسير في تفسير سورة الغاشية رقم (3338) وقال : هذا حديث حسن صحيح . وأخرجه أحمد .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه عن جابر أبو الزبير :
1 - أخرجه أحمد (3/295) ، قال: حدثنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا ابن جُريج.
2 - وأخرجه أحمد (3/300) ، قال: حدثنا وكيع.
(ح) وعبد الرحمن .
ومسلم (1/39) ، قال: حدثني أبو بكر بن أبي شيبة ، قال: حدثنا وكيع.
(ح) وحدثني محمد بن المثنى ، قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن مهدي- .
والترمذي (3341) قال: حدثنا محمد بن بشار ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، والنسائي في الكبرى - تحفة الأشراف - (2744) ، عن عمرو بن منصور ، عن أبي نعيم . ثلاثتهم - وكيع ، وعبد الرحمن ، وأبو نعيم- عن سفيان .
كلاهما - ابن جريج ، وسفيان - عن أبي الزبير ، فذكره .
- ورواه عنه أيضًا : عبد الله بن عقيل:
أخرجه أحمد (3/322) ، قال: ثنا أبو عامر ، قال: ثنا زهير.
(ح) وأبو النضر ، قال: ثنا شريك ، وفي (3/339) ، قال: ثنا الأسود ، قال: ثنا شريك.
وفي (3/394) ، قال: ثنا إسحاق بن عيسى ، قال: ثنا شريك كلاهما عن عبد الله بن عقيل ، عن جابر.
قلت: وشريك مختلف فيه لكنه توبع.
- ورواه عنه أيضًا أبو سفيان :
أخرجه مسلم (1/39) ، قال: ثنا ابن أبي شيبة ، قال: ثنا حفص بن غياث ، وابن ماجة [3928] قال: ثنا سويد بن سعيد ، قال: ثنا علي بن مسهر ، والنسائي (7/79) قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، قال: أنبأنا يعلى بن عبيد.
كلهم عن الأعمش عن أبي سفيان ، عن جابر ، فذكره .

38 - (خ ت د س) أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «أمِرْتُ أن أقاتِلَ الناسَ حتَّى يقولوا : لا إله إلا الله ، وأنَّ محمدًا رسولُ الله ، فإذا شَهِدوا أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله ، واسْتَقْبَلوا قبلتنا ، وأكلوا ذبيحتَنا ، وصلَّوْا صلاتَنا ، حَرُمت علينا دماؤُهم وأموالُهم إلا بحقِّها» .
زاد في رواية : «وحسابُهم على الله» .
وفي أخرى قال : سأل ميمونُ بن سياهٍ أنَسًا : ما يُحَرِّمُ دمَ العبدِ ومالَه ؟ قال : ? «مَنْ شَهِدَ أنْ لا إله إلا الله ، واستَقْبَلَ قبلَتَنا ، وصلَّى صلاتنا ، وأكلَ ذبيحتنا ، فهو المسلم ، له ما للمسلم ، وعليه ما على المسلم» .
موقوفٌ ، هذا لفظُ البخاري ، ووافقه الترمذيِ على الأولى ، والنسائي على الروايتين ، وأبو داود والنسائي أيضًا على الأولى. وزاد فيها - بعد قوله -[248]- «بحقها» - : «لهم ما للمسلمين ، وعليهم ما على المسلمين» (1) .
__________
(1) البخاري 1/417 ، في الصلاة ، باب فضل استقبال القبلة ، والترمذي رقم 2609 في الإيمان الباب الأول ، وأبو داود رقم 2641 في الجهاد ، باب على ما يقاتل المشركون ، والنسائي 8/109 في الإيمان : باب على ما يقاتل الناس و 7/75 ، 76 في كتاب تحريم الدم .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
رواه عن أنس حميد :
1 - أخرجه أحمد (3/199) ، قال: حدثنا علي بن إسحاق ، وفي (3/224) قال: حدثنا علي بن إسحاق ، والحسن بن يحيى ، والبخاري (1/108) قال: حدثنا نُعيم . وأبو داود (2641) ، والترمذي (2608) قالا: حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني ، والنسائي (7/76 ، 8/109) قال: أخبرنا محمد بن حاتم بن نعيم ، قال: أنبأنا حبان.
خمستهم - علي ، والحسن ، ونعيم ، وسعيد ، وحبان- عن عبد الله بن المبارك .
2 - وأخرجه أبو داود (2642) قال: حدثنا سليمان بن داود المهري ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: أخبرني يحيى بن أيوب.
3- وأخرجه النسائي (7/75) قال: أخبرنا هارون بن محمد ، عن محمد بن عيسى بن سميع.
ثلاثتهم - ابن المبارك ، ويحيى بن أيوب ، ومحمد بن عيسى- عن حميد ، فذكره.
- ورواه عنه أيضًا ميمون سياه :
أخرجه البخاري (1/108) ، قال: ثنا عمرو بن العباس ، والنسائي (8/105) قال: حدثنا منصور بن سعد ، عن ميمون ، فذكره .

39 - (س) النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجلٌ ذاتَ يومٍ ، فسَارّه ، فقال : «اقتُلُوهُ» ، ثم قال : «أيشهد أن لا إله إلا الله ؟» قال : قالوا: نعم ، ولكنه يقولُها تعَوُّذًا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا تَقتُلوهُ ، فإني إنّما أمرتُ أنْ أقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عَصَموا مني دماءَهم وأموالَهُم إلا بحقِّها ، وحسابُهُم على الله» . أخرجه النسائي (1) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
تعوُّذًا : تعوذتُ به ، واستعذتُ به ، أي : لجأتُ إليه ، واعتصمتُ به ، والمراد في الحديث: أنه يقرُّ بالشهادة لاجئًا إليها ، لتدفع عنه القتل ، وليس بمُخلِصٍ ، فلذلك قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : «ذَرْهُ» أي اتركه ودعه.
__________
(1) 7/79 ، 80 في تحريم الدم ، وإسناده حسن .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
معلول :
أخرجه النسائي (7/79) قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك ، قال: ثنا الأسود ، قال: حدثنا إسرائيل عن سماك ، عن النعمان ، فذكره .
قلت: نقل الحافظ المزي في التحفة (9/11623) قول أبي عبد الرحمن النسائي : حديث الأسود خطأ ، وصوّب رواية سماك عن النعمان بن سالم ، عن أوس - رضي الله عنه-.

40 - (س) أوس بن حذيفة - رضي الله عنه - قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وَفْدِ ثقيف ، فكُنتُ معه في قُبَّةٍ ، فنام (1) مَن كانَ في القُبَّةِ ، غَيْرِي وغَيْرَهُ ، فجاءَ رجل فسارَّهُ ، فقال: اذهَبْ فاقْتُلهُ. ثم قال : أيشْهَدُ -[249]- أن لا إله إلا الله ، وأنّي رسول الله ؟ قال : إنّه يقولها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ذرْهُ» . ثم قال : «أُمِرْتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَقولوا: لا إله إلا الله ، فإذا قالوها ، حَرُمَتْ دماؤُهم وأموالهم إلا بحقِّها» .
وفي أخرى : دَخَلَ علينا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونحن في قُبَّةٍ في مسجد المدينَة ، وقال: «إنَّهُ أُوحِيَ إليَّ أن أقاتلَ الناسَ حتّى يقولوا : لا إله إلا الله» .وذكر نحوه. أخرجه النسائي (2) .
__________
(1) في المطبوع : فقام .
(2) 7/80 ، 81 في تحريم الدم ، وإسناده صحيح .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (4/8) قال: حدثنا محمد بن جعفر. والدارمي (2450) قال: أخبرنا هاشم ابن القاسم ، والنسائي (7/80) قال: أخبرنا محمد بن بشار ، قال: حدثنا محمد بن جعفر. قالا -ابن جعفر ، وهاشم- : حدثنا شعبة. وأخرجه النسائي (7/80) قال: أخبرنا أحمد بن سليمان ، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن أَعْيَن ، قال: حدثنا زُهير ، قال: حدثنا سِماك.
كلاهما - شعبة ، وسماك- عن النعمان بن سالم ، فذكره.
* وأخرجه أحمد (4/8) ، وابن ماجة (3929) ، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. والنسائي (7/81) قال: أخبرني هارون بن عبد الله.
ثلاثتهم - أحمد ، وأبو بكر ، وهارون- عن عبد الله بن بكر السهمي ، وأخرجه أحمد أيضًا (4/9) قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري .
كلاهما - السهمّي ، والأنصاري- عن حاتم بن أبي صَغيرة ، عن النعمان بن سالم ، عن عَمرو بن أوس ، عن أبيه أوس ، فذكره.
* وأخرجه النسائي في الكبرى (تحفة الأشراف) (1738) ، عن أحمد بن سليمان ، عن عُبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن النعمان بن سالم ، عن رجل حدثه ، قال: دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره.
قلت: راجع الحديث المتقدم .

41 - (ط) عبيد الله بن عدي بن الخيار - رضي الله عنه - قال : بَيْنَما رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ، جالِسٌ بين ظَهْرَيْ النّاس ، إذ جاءَهُ رجلٌ ، فَسارَّهُ ، فلم نَدْرِ ما سارَّه (1) ، حتَّى جَهَرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإذَا هو يَسْتَأْذِنُهُ في قَتْلِ رَجُلٍ من المنافقين ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حين جهَرَ : «ألَيْسَ يَشْهدَ أن لا إله إلا الله ، وأنَّ محمَّدًا رسول الله ؟» فقال الرَّجل : بلى ! ولا شهادَةَ له ، قال : «أليس يُصلِّي ؟» قال : بلى ! ولا صلاة له ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم (2)» . أخرجه «الموطأ» (3) .
__________
(1) في الموطأ : " فلم يدر ما ساره به " .
(2) في الموطأ : نهاني الله عنهم .
(3) رقم 84 ، في " قصر الصلاة في السفر " : باب جامع الصلاة 1/171 ، قال ابن عبد البر : هكذا رواه سائر رواة الموطأ مرسلاً ، وعبيد الله لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
مرسل : رواه مالك [414] عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار مرسلاً.
قال الزرقاني : أرسله جميع رواة الموطأ إلا روح بن عبادة فرواه عن مالك موصولاً فقال: عن رجل من الأنصار ، ورواه الليث وابن أخي الزهري ، مثل رواية روح عن مالك سواء ، ورواه صالح بن كيسان ، وأبو أويس عن الزهري ، عن عطاء ، عن عبيد الله ، عن عبد الله بن عدي الأنصاري ، فسمى الرجل المبهم ، ذكره ابن عبد البر ، وأسند هذه الطرق . أه.
الشرح (1/495) ط/ دار الكتب العلمية .

42 - (م) طارق الأشجعي - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول -[250]- الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : «من قال : لا إله إلا الله ، وكَفَرَ بما يُعْبَدُ من دون الله ، حَرُمَ مالُه ودَمُهُ ، وحسابُه على الله» .وفي رواية «مَنْ وحَّدَ الله» وذكَرَ مثله. أخرجه مسلم (1) .
__________
(1) رقم (23) في الإيمان : باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (3/472 ، 6/394) ، قال: حدثنا يزيد بن هارون ، وفي (6/394) ، قال: حدثنا إسماعيل بن محمد ، قال: حدثنا مروان بن معاوية ، ومسلم (1/39) ، حدثنا سويد بن سعيد ، وابن أبي عمر ، قال: حدثنا مروان . وفي (1/40) قال: حدثنا ابن أبي شيبة ، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر.
(ح) وحدثنيه زهير بن حرب ، قال: حدثنا يزيد بن هارون كلهم عن أبي مالك الأشجعي ، عن أبيه -طارق ابن أشيم الأشجعي - .

الفصل الثاني : في أحكام البيعة
43 - (خ م ت س) عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال : «كُنّا مَعَ رسول الله في مَجلس ، فقال : «تُبايعوني على ألا تُشركُوا بالله شيئًا ، ولا تَسْرِقوا ، ولا تَزْنُوا ، ولا تَقتُلوا النُّفْسَ الَّتي حرَّمَ الله إلا بالحقِّ» .
وفي رواية : «ولا تَقْتُلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تَفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تَعصوني في معروف ، فمنْ وفَّى منكم فأجرُهُ على الله ، ومنْ أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به في الدنيا فهو كفّارة له وطهْر ، ومَن أصاب شيئًا من ذلك فستَره الله عليه ، فأمْرُه إلى الله ، إن شاءَ عَفَا عنه ، وإن شاءَ عَذَّبَهُ» . قال : فبايَعناه على ذلك.
وفي أخرى ، فَتَلاَ علينا آية النِّساءِ : {ألا يُشْرِكْنَ بالله شيئًا...} الآية [الممتحنة: الآية 11] .
وفي أخرى : إنِّي لَمِنَ النُّقَبَاءِ ، الَّذين بايَعُوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، بايعْنَاهُ -[251]- على ألا نُشْرِكَ بالله شَيْئًا ، وذكَرَ نَحْوَه.
وزاد : «ولا ننْتَهِبَ ولا نَعْصِي بالجَنَّةِ ، إنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ ، فإنْ غَشينَا من ذلك شيئًا ، كان قَضاءُ ذلك إلى الله عزَّ وجلَّ» . هذا لفظ البُخاري ومُسلم.
وفي رواية لمسلم قال : أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كما أخذ على النساء : ألا نُشرك بالله شيئًا ، ولا نَسْرِقَ ، ولا نَزنيَ ، ولا نَقْتُلَ أولادَنا ، ولا يَعْضَهَ بَعْضُنا بعضًا» ثم ذكر نحوَه ، ووافقهما الترمذي على الرواية الأولى.
وأخرجه النسائي. قال : بايَعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[ليلة العقبة] (1) في رهط ، فقال : «أبايعكم على ألا تُشْرِكوا بالله شيئًا ، ولا تَسْرِقُوا ، ولا تَزْنُوا ، [ولا تَشربُوا] (2) ، ولا تَقْتُلوا أولادَكم ، ولا تأتوا ببتهان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوني في معروف ، فمن وفَّى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئًا فأُخِذ به في الدنيا ، فهو كفارةٌ له وطهورٌ ، ومَنْ سَتَرَهُ الله ، فذلك إلى الله ، إن شاء عذَّبه ، وإن شاءَ غَفَرَ لَهُ (3)» . -[252]- وله في أخرى نحو الرواية الأولى.

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
بُهْتَان : البُهتان: الكذب ، وهو في الآية والحديث : كناية عن ولد الزنا ، يريد: أنَّ المرأة لا تأتي بولدٍ من غير بعلها ، فتنسبه إلى بعلها .
تفترونه : الافتراء : الكذب.
معروفٍ : كل ما ندب إليه الشرع ، أو نهى عنه من المحَسَّنات والمقبَّحات .
البيعة : المعاقَدةُ على الإسلام ، والإمامة ، والإمارة ، والمُعاهدَةُ على كل ما يقع عليه اتفاق ، والمراد بها في الحديث : المعاقدة على الإسلام ، وإعطاء العهود به .
النقباء : جمع نَقيب ، وهو عَريف القوم والمقدَّم عليهم ، الذي يتعرَّف أخبارهم ، ويُنَقِّبُ عن أحوالهم ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جعل ليلة العَقَبَة كل واحدٍ من الجماعة الذين بايعوه نقيبًا على قومه وجماعته ، ليأخذوا -[253]- عليهم الإسلام ، ويُعَرِّفُوهُم شرائطه ، وكان عُبادة بن الصامت من جملتهم ، وكان عدد النقباء ليلتئذ اثني عشر نقيبًا من الأنصار .
يَعْضَه : عضهتُ الرجل : رميته بالعضيهة ، وهي الكذب والبهتان .
العَقَبة : هي عقبةُ مِنى تُرمى بها الحجرةُ في الحج ، وهما ليلتان : ليلة العقبة الأولى ، وليلة العقبة الثانية من قابل ، وكانت البيعة في شعْب قريب من العقبة ، وبه الآن مسجدٌ يعرف بموضع البيعة.
الرَّهْطُ : الجماعة من الناس ، من الثلاثة إلى التسعة ، قال الجوهري: لا تكون فيهم امرأة .
فأُخذ به : أُخذ به فلان ، يعني بذنبه: أي عوقب به وجوزي عليه.
الكفارة : الفعلة التي من شأنها أن تكفِّر الخطيئة ، أي تَسْتُرُها ، وهي فَعَّالة منه.
__________
(1) هذه الزيادة لم نجدها في " سنن النسائي " ولا نحسبها تصح ، لأن هذه البيعة كانت بعد الهجرة بزمن كما حققه الحافظ في " الفتح " .
(2) هذه الزيادة جاءت في الأصل ولم ترد في سنن النسائي .
(3) البخاري 1/60 - 65 ، في الإيمان باب علامة الإيمان حب الأنصار وفي تفسير سورة الممتحنة 8/490 . ومسلم رقم (1709) في الحدود : باب الحدود كفارات لأهلها . والترمذي رقم (1439) في الحدود باب الحدود كفارة لأهلها . والنسائي 7/148 في البيعة : باب البيعة على فراق المشرك ، تنبيه : قال الحافظ في " الفتح " 1/57 : واعلم أن عبادة بن الصامت لم ينفرد بروايته هذا المعنى ، بل روى ذلك علي بن أبي طالب ، وهو في الترمذي ، وصححه الحاكم ، وفيه " من أصاب ذنباً فعوقب به في الدنيا ، فالله أكرم من أن يثني العقوبة على عبده في الآخرة " . وهو عند الطبراني ، بإسناد حسن ، من حديث أبي تميمة الهجيمي -[252]- ولأحمد من حديث خزيمة بن ثابت بإسناد حسن ، ولفظه " من أصاب ذنباً أقيم عليه ذلك الذنب ، فهو كفارة له " ، وللطبراني عن ابن عمرو مرفوعاً : " ما عوقب رجل على ذنب إلا جعله الله كفارة لما أصاب من ذلك الذنب " ، ويستفاد من ذلك الحديث أن إقامة الحد كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود ، وهو قول الجمهور ، وقيل : لابد من التوبة ، وبذلك جزم بعض التابعين ، وهو قول للمعتزلة ، ووافقهم ابن حزم ، ومن المفسرين البغوي ، وطائفة يسيرة ، واستدلوا باستثناء من تاب في قوله تعالى : {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} والجواب في ذلك أنه في عقوبة الدنيا ولذلك قيدت بالقدرة عليه .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه عن عبادة - رضي الله عنه - أبو إدريس الخولاني :
1 - أخرجه الحميدي (387) ، وأحمد (5/314) ، والبخاري (6/187) ، قال: حدثنا علي بن عَبد الله ، وفي (8/198) قال: حدثنا محمد بن يوسف. ومسلم (5/126) قال: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي ، وأبو بكر بن أبي شَيبة ، وعَمرو الناقد ، وإسحاق بن إبراهيم ، وابن نُمير . والترمذي (1439) قال: حدثنا قُتيبة . والنسائي (7/161 ، 8/108) قال: أخبرنا قُتيبة. عشرتهم - الحميدي ، وأحمد ، وعلي ، وابن يوسف ، ويحيى ، وأبو بكر ، والنَّاقد ، وإسحاق ، وابن نُمير ، وقُتيبة - عن سُيان بن عُيَيْنَة .
2 - وأخرجه أحمد (5/320) قال: حدثنا محمد بن جعفر. وفي (5/320) ، قال: قال عبد الرزاق. والبخاري (8/201 ، 9/169) قال: حدثنا عبد الله بن محمد الجعفي ، قال: حدثنا هشام بن يوسف. ومسلم (5/127) ، قال: حدثنا عَبد بن حُميد ، قال: أخبرنا عبد الرزاق . والنسائي (7/148) ، قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ، قال: حدثنا غُنْدَر .
ثلاثتهم - محمد بن جعفر ، غُندَر ، عبد الرزاق ، وهشام- عن مَعْمَر .
3 - وأخرجه الدارمي (2457) ، قال: حدثنا عثمان بن عُمر ، قالك حدثنا يُونس.
4 - وأخرجه البخاري (1/11) ، (5/104) ، (9/99) قال: حدثنا أبو اليمان ، قال: أخبرنا شُعيب.
5 - وأخرجه البخاري (5/70) قال: حدثنا إسحاق بن منصور ، قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ، قال: حدثنا ابن أخي ابن شهاب .
6 - وأخرجه النسائي (7/141) ، قال: أخبرنا عُبيد الله بن سَعد بن إبراهيم بن سَعد ، قال: حدثني عَمِّي ، قال: حدثنا أبي ، عن صالح.
ستتهم - ابن عُيَيْنَة ، ومَعمر ، ويُونس ، وشعيب ، وابن أخي ابن شهاب ، وصالح- عن الزهري ، عن أبي إدريس الخولاني ، فذكره.
* أخرجه النسائي (7/142) قال: أخبرني أحمد بن سعيد ، قال: حدثنا يعقوب ، قال: حدثنا أبي ، عن صالح بن كيسان ، عن الحارث بن فُضيل ، أن ابن شهاب حدثه ، عن عُبادة ، فذكره (ليس فيه أبو إدريس الخولاني) وزاد فيه الحارث بن فُضيل .

44 - (خ م ط س) عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة ، في العُسر واليُسر ، والمنْشَط ، والمكْرَه وعلى أثَرَةٍ علينا ، وعلى ألا نُنازع الأمر أهْلَهُ ، وعلى أن نقول بالحق أينما كُنّا لا نخافُ في الله لَوْمَةَ لائم.وفي رواية بمعناه ، وفيه «ولا نُنازع الأمرَ أهله» .
قال : «إلا أن تَرَوْا كُفرًا بَواحًا ، عندكم فيه من الله برهان» . -[254]-
وأخرجه البخاري ومسلم و «الموطأ» والنسائي (1) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
المَنْشَط : الأمر الذي تَنشط له ، وتخف إليه ، وتُؤثر فعله.
المَكْرَه : الأمرُ الذي تكرهه ، وتتثاقل عنه .
الأَثَرَةُ : الاستئثار بالشيء ، والانفراد به ، والمراد في الحديث: إن مُنِعْنَا حَقّنا من الغنائم ، والفَيءِ ، وأُعْطِي غيرنا ، نَصْبِر على ذلك.
كُفرًا بَوَاحًا : الكُفْرُ البواح : الجهار .
البرهان : الحُجَّة والدليل .
__________
(1) البخاري 13/167 في الأحكام : باب كيف يبايع الإمام الناس ، ومسلم رقم (1709) في الإمارة ، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ، والموطأ 2/445 ، 446 كتاب الجهاد : باب الترغيب في الجهاد . والنسائي 7/137 و 138 في البيعة : باب البيعة على السمع والطاعة ، وأخرجه ابن ماجة رقم (2866) في الجهاد : باب البيعة .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : - رواه عن عبادة ابنه الوليد :
1 - أخرجه أحمد (3/441) قال: حدثنا محمد بن جعفر ، قال: حدثنا شعبة ، عن يحيى بن سعيد القاضي ، وفي (5/316) قال: حدثنا يعقوب ، قال : حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، والبخاري (9/96) قال: حدثنا إسماعيل ، قال: حدثني مالك ، عن يحيى بن سعيد ، ومسلم (6/16) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شَيبة ، قال: حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن يحيى بن سعيد ، وعُبيد الله بن عُمر.
(ح) وحدثناه ابن نُمير ، قال: حدثنا عبد الله - يعني ابن إدريس - ، قال: حدثنا ابن عَجْلان ، وعُبيد الله بن عُمر ، ويحيى بن سعيد.
(ح) وحدثنا ابن أبي عُمر ، قال: حدثنا عبد العزيز - يعني الدَّرَاوَرْدي - ، عن يزيد -وهو ابن الهاد-. وابن ماجة (2866) قال: حدثنا علي بن محمد ، قال: حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن محمد بن إسحاق ، ويحيى ابن سعيد ، وعُبيد الله بن عُمر ، وابن عَجلان.
والنسائي (7/138) قال: أخبرنا عيسى بن حَماد ، قال: أنبأنا الليث ، عن يحيى بن سعيد ، وفي (7/138) قال: أخبرنا محمد بن سلمة ، والحارث بن مسكين - قراءة عليه وأنا أسمع- ، عن ابن القاسم ، قال: حدثني مالك ، عن يحيى بن سعيد ، وفي (7/139) ، قال: أخبرنا محمد بن يحيى بن أيوب ، قال: حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن ابن إسحاق ، ويحيى بن سعيد . وفي (7/139) ، قال: أخبرني هارون بن عبد الله ، قال: حدثنا أبو أسامة ، قال: حدثني الوليد بن كثير ، وفي (7/139) قال: أخبرنا محمد بن الوليد ، قال: حدثني الوليد بن كثير . وفي (7/139) قال: أخبرنا محمد بن الوليد ، زائد قال: حدثنا محمد ، قال: حدثنا شُعبة ، عن يحيى بن سعيد.
ستتهم - يحيى بن سعيد ، وابن إسحاق ، وعُبيد الله ، وابن عَجلان ، وابن الهاد ، والوليد بن كثير- عن عُبادة ابن الوليد بن عبادة بن الصامت .
2 - وأخرجه أحمد (5/318) ، قال: حدثنا هاشم بن القاسم ، وعفان ، قالا: حدثنا محمد بن طلحة ، عن الأعمش .
كلاهما - عُبادة بن الوليد ، والأعمش - عن الوليد بن عُبادة فذكره .
* أخرجه الحميدي (389) ، وأحمد (5/314) قالا: حدثنا سفيان ، قال: حدثنا يحيى بن سعيد ، وفي (5/319) قال أحمد : حدثنا وكيع ، قال: حدثنا أسامة بن زيد ، والنسائي (7/137) ، قال: أنبأنا قُتيبة بن سعيد ، قال: حدّثنا الليث ، عن يحيى بن سعيد.
كلاهما - يحيى ، وأسامة - عن عبادة بن الوليد بن عُبادة بن الصامت ، عن عبادة بن الصامت ، قال: بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره ، ليس فيه : الوليد بن عبادة .
* وأخرجه أحمد (3/441) قال: حدثنا محمد بن جعفر ، قال: حدثنا شعبة ، عن سيار. والنسائي (7/139) قال: أخبرنا محمد بن الوليد ، قال: حدثنا محمد ، قال: حدثنا شُعبة ، عن سَيَّار. وفي الكبرى - تحفة الأشراف - (5118) عن قُتيبة ، عن مالك ، عن يحيى.
كلاهما - سيار ، ويحيى - عن عبادة بن الوليد ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره ليس فيه : عُبادة بن الصامت.

45 - (م د س) أبو إدريس الخولاني (1) - رضي الله عنه - قال : «حَدَّثني الحبيبُ الأمين - أمَّا هو فحبيبٌ إليَّ ، وأمَّا هو عندي فأمينٌ - عَوْفُ بن مالك الأشجَعيّ ، قال : كُنَّا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسْعة ، أوْ ثمانية ، أوْ سَبْعة ، فقال : ألا تُبَايعُونَ رسولَ الله ؟» وكُنَّا حديث عَهدٍ بِبَيْعَةٍ ، فقُلْنا : قدْ بايعنَاكَ يا رسول الله ، ثم قال : «ألا تبايعون رسول الله ؟ قال : فبسطنا أيدينا ، وقلنا : قد بايعناك يا رسول الله ، فَعَلاَمَ نُبايِعُك ؟ قال : «أن تعْبُدُوا -[255]- الله ولا تشركوا به شيئًا ، وتُصَلُّوا الصلوات الخمس ، وتَسمعوا وتُطيعوا» - وأسَرَّ كَلِمَةً خفيَّةً - قال : «ولا تَسألوا النَّاس شيئًا» . فلقَدْ رأيتُ بعضَ أولئك النَّفَر يَسْقُطُ سَوْطُ أحدِهِمْ ، فما يسْألُ أحدًا يُنَاولُهُ إياه (2)» .
وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي ، إلا أن لفظ النسائي أخْصَرُ.
__________
(1) نسبة إلى قبيلته خولان ، واسمه عائذ الله بن عبد الله بن عمرو ، الشامي ، أحد الأعلام من التابعين روى عن عمر ومعاوية وأُبَيّ ، وبلال وأبي ذر وحذيفة ، مات رحمه الله سنة ثمانين .
(2) مسلم رقم (1043) في الزكاة : باب كراهة المسألة للناس . وأبو داود رقم (1642) في الزكاة : باب البيعة على الصلوات الخمس . والنسائي 1/229 في الصلاة ، باب البيعة على الصلوات الخمس ، وأخرجه ابن ماجة رقم (2867) في الجهاد : باب البيعة .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه مسلم (3/97) ، قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، وسلمة بن شبيب. قال سلمة: حدثنا. وقال الدارمي : أخبرنا مروان ، وهو ابن محمد الدمشقي ، وأبو داود (1642) ، قال: حدثنا هشام ابن عمار ، قال: حدثنا الوليد. وابن ماجة (2867) قال: حدثنا هشام بن عمار ، قال: حدثنا الوليد بن مسلم . والنسائي (1/229) ، وفي الكبرى (312) ، قال: أخبرنا عمرو بن منصور ، قال: حدثنا أبو مُسْهِر .
ثلاثتهم - مروان بن محمد ، والوليد بن مسلم ، وأبو مُسْهِر عبد الأعلى بن مُسْهِر- عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي مسلم الخولاني ، فذكره.

46 - (ط ت س) أميمة بنت رقيقة - رحمها الله - قالت : أتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نِسْوَةٍ من الأنصار ، نُبايعه على الإسلام ، فقلنا : نُبايعك على ألا نُشْرِك بالله شيئًا ، ولا نسرِقَ ، ولا نَزْني ، ولا نَقْتُلَ أولادنا ، ولا نَأتِي بِبُهْتانٍ نَفتَريه بين أيدينا وأرجُلِنَا ، ولا نَعصيك في معروف ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «فيما استطعتُنَّ وأطقْتُنَّ» . فقلنا : «الله ورسوله أرحمُ بنا منَّا بأنفُسِنا ، هَلُمَّ نُبايعُكَ يا رسول الله ، فقال : إني لا أصافِحُ النساءَ ، إنما قَولي لمائة امرأة كقولي لامْرأَةٍ واحدةٍ» .
هذه رواية «الموطأ» والنسائي.
ورواية الترمذي مختصرة ، قالت :بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نسوة فقال : «فيما استطعتُن وأطقتُن» . قلتُ : اللهُ ورسولهُ أرحم بنا من أنفُسنا ، قُلتُ : يا رسول الله : بَايعْنا - قال سفيان : تَعني صافِحْنا - فقال رسول الله -[256]- صلى الله عليه وسلم - : «إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأةٍ واحدةٍ» (1) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
هَلُمَّ : بمعنى تَعالَ وَهاتِ ، وفيها لغتان ، فأهل الحجاز يُسَوُّون فيها بين المذكر والمؤنث ، والواحد والاثنين والجمع ، بصيغة واحدة ، مبنية على الفَتح ، وبنوا تميم يُلحقونها علامةَ ما اقترنتْ به ، فيقولون هَلُمَّا ، وهَلُمِّي ، وهَلُمُّوا .
__________
(1) الموطأ 2/982 في البيعة : باب ما جاء في البيعة ، والترمذي رقم (1597) : باب 7 في السير ، والنسائي 7/149 في البيعة : باب بيعة النساء ، وأخرجه ابن ماجة رقم (2874) في الجهاد باب البيعة ، وإسناده صحيح .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه عن أميمة محمد بن المنكدر :
أخرجه مالك في الموطأ (608) ، والحميدي (341) ، قال: حدثنا سُفيان وأحمد (6/75 (
r)) ، قال: حدثنا سُفيان بن عُيينة .
(ح) وحدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال: حدثني أبي ، عن ابن إسحاق.
(ح) وحدثنا إسحاق بن عيسى . قال: أخبرنا مالك .
(ح) وحدثنا عبد الرحمن بن مَهدي ، قال: حدثنا سفيان ،
(ح) وحدثنا وكيع. قال: حدثنا سُفيان ، وابن ماجة (2874) ، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. قال: حدثنا سُفيان بن عُيينة. والترمذي (1597) قال: حدثنا قُتيبة. قال: حدثنا سفيان بن عُيينة. والنسائي (7/149) قال: أخبرنا محمد بن بشار . قال : حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سُفيان. وفي (7/152) قال: أخبرنا قُتَيْبة. قال: حدثنا سُفيان . وفي الكبرى (تحفة الأشراف) (11/15781) عن الحارث بن مسكين ، عن ابن القاسم ، عن مالك .
أربعتهم - مالك ، وسُفيان بن عُيينة ، وابن إسحاق ، وسُفيان الثوري- عن محمد بن المنكدر ، فذكره.

47 - (خ م د ت س) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : كنَّا إذا بايَعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السَّمع والطَّاعة يقول لنا : «فيما استطعت - أو قال : استَطَعْتُم» .
اتَّفقَ الستة على إخراجه (1) .
__________
(1) البخاري 13/167 في الأحكام : باب كيف يبايع الإمام الناس ، ومسلم رقم (1867) في الإمارة : باب البيعة على السمع والطاعة ، والموطأ 2/982 في البيعة : باب ما جاء في البيعة ، وأبو داود رقم (1240) : باب ما جاء في البيعة ، والترمذي رقم (1597) : في السير باب 37 ، والنسائي 7/152 في البيعة : باب البيعة فيما يستطيع الإنسان .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه مالك (608) ، والحميدي (640) قال: حدثنا سفيان. وأحمد (2/9) (4565) قال: حدثنا سفيان. وفي (2/62) (5282) قال: حدثنا عبد الرحمن ، قال: حدثنا سفيان ، وشُعبة. وفي (2/81) (5531) قال: حدثنا محمد بن جعفر ، قال: حدثنا شُعبة. وفي (2/101) (5771) قال: حدثنا عفان ، قال: حدثنا شُعبة. وفي (2/139) (6243) قال: حدثنا حجاج ، قال: حدثنا شُعبة . و «البخاري» (9/96) قال: حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال: أخبرنا مالك ، و «مسلم» (6/29) حدثنا يحيى بن أيوب ، وقُتَيبة ، وابن حُجْر ، قالوا: حدثنا إسماعيل ، وهو ابن جعفر. وأبو داود (2940) ، قال: حدثنا حفص بن عُمر ، قال: حدثنا شعبة ، والترمذي (1593) قال: حدثنا علي بن حُجْر ، قال: أخبرنا إسماعيل بن جعفر. والنسائي (7/152) قال: أخبرنا قُتيبة ، قال: حدثنا سفيان.
(ح) وأخبرني علي بن حُجْر ، عن إسماعيل.
(ح) وأخبرنا الحسن بن محمد ، قال: حدثنا حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال: أخبرني مُوسى بن عُقبة.
ستتهم - مالك ، وسفيان بن عيينة ، وسفيان الثوري ، وشعبة ، وإسماعيل بن جعفر ، وموسى بن عُقبة- عن عبد الله بن دينار ، فذكره .

48 - (خ م) مجاشع بن مسعود - رضي الله عنه - قال : إنه جاء بأخيه مُجالد بن مسعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : هذا مجالِدٌ ، يُبايعُكَ على الهجرة ، فقال : «لا هجرة بعدَ فتح مكة ، ولكن أُبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد» . -[257]-
وفي أخرى «ولكنْ أُبايعه على الإسلام» .
وفي أخرى : قال : أتيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا وأخي ، فقلتُ : بايِعْنا على الهجرة. فقال : «مَضَتِ الهجرَةُ لأهلِها» فقلتُ : علام تُبايعُنا ؟ قال : «على الإسلام والجهاد» .
وفي أخرى : قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أبايعه على الهجرة ، فقال : «إنَّ الهجرة قد مضت لأهلها ، ولكن على الإسلام والجهادِ والخيْرِ» . أخرجه البخاري ومسلم (1) .
__________
(1) البخاري 6/84 في الجهاد : باب البيعة في الحرب ، ومسلم رقم (1863) في الإمارة : باب المبايعة بعد فتح مكة .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (3/468) ، قال: حدثنا بكر بن عيسى ، قال: حدثنا أبو عوانة ، عن عاصم الأحول. وفي (3/469) ، قال: حدثنا عفان ، قال: حدثنا يزيد بن زريع ، قال: حدثنا خالد الحذاء. وفي (3/469) قال: حدثنا أحمد بن عبد الملك بن واقد ، قال: حدثنا زهير ، قال: حدثنا عاصم الأحول ، والبخاري (4/61) قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال: سمع محمد بن فضيل ، عن عاصم . وفي (4/92) قال: حدثنا إبراهيم بن موسى ، قال: أخبرنا يزيد بن زريع ، عن خالد. وفي (5/193) قال: حدثنا عمرو بن خالد ، قال: حدثنا زهير ، عن عاصم .
(ح) وحدثنا محمد بن أبي بكر ، قال: حدثنا الفضيل بن سليمان ، قال: حدثنا عاصم . ومسلم (6/27) قال: حدثنا محمد بن الصباح أبو جعفر ، قال: حدثنا إسماعيل بن زكرياء ، عن عاصم الأحول.
(ح) وحدثني سويد بن سعيد ، قال: حدثنا علي بن مسهر ، عن عاصم . وفي (6/28) قال: حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ، قال: حدثنا محمد بن فضيل ، عن عاصم .
كلاهما - عاصم الأحول ، وخالد الحذاء - عن أبي عثمان النهدي ، فذكره.

49 - (س) الهرماس بن زياد - رضي الله عنه - قال : «مَدَدت يدي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا غلام ليُبايعَني ، فلم يُبايعْني» ، أخرجه النسائي (1) .
__________
(1) 7/150 في البيعة : باب بيعة الغلام ، وإسناده حسن .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
إسناده حسن : رواه النسائي (7/150) قال: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام قال : حدثنا عمر بن يونس ، عن عكرمة بن عمار ، فذكره .

50 - (د) عبد الله بن هشام - رضي الله عنه - وكان قد أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وذهَبتْ به أمُّهُ زَينبُ بنتُ حُميدٍ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله بايِعْهُ ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «هو صغير ، ومسح رأسَهُ» . أخرجه أبو داود (1) .
__________
(1) رقم (2942) في الخراج والإمارة : باب ما جاء في البيعة ، وإسناده صحيح . وأخرجه البخاري أيضاً في الأحكام : باب بيعة الصغير 13/171 ، وزاد فيه " ودعا له ، وكان يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله " .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (4/233) ، قال: حدثنا عبد الله بن يزيد. والبخاري (3/184) ، قال: حدثنا أصبغ بن الفرج ، قال: أخبرني عبد الله بن وهب ، وفي (9/98) قال: حدثنا علي بن عبد الله ، قال: حدثنا عبد الله بن يزيد ، وأبو داود (2942) قال: حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ، قال: حدثنا عبد الله بن يزيد.
كلاهما - عبد الله بن يزيد ، وعبد الله بن وهب- عن سعيد بن أبي أيوب ، قال: حدثني أبو عَقيل زهرة بن معبد ، فذكره .

51 - (خ م د) عروة بن الزبير - رضي الله عنهما - أن عائشة - رضي -[258]- الله عنها - أخْبَرَتْهُ عن بيعة النساء قالت : ما مَسَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بيدِهِ امرأةً قطُّ ، إلا أن يأخذَ عليها ، فإذا أخذ عليها وأعطَتْهُ ، قال : «اذهبي ، فقد بايعتُك» (1) . أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود (2) .
__________
(1) هذا الاستثناء منقطع ، وتقدير الكلام : ما مس امرأة قط ، لكن يأخذ عليها البيعة بالكلام ، فإذا أخذها بالكلام قال : " اذهبي فقد بايعتك " ولم يمس يدها . وهذا التقدير مصرح به في رواية أميمة بنت رقيقة التي تقدمت رقم (46) .
(2) البخاري في تفسير سورة الممتحنة 10/261 ، وفي الطلاق : باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمي أو الحربي 11/345 وفي الأحكام : باب بيعة النساء 16/330 ، ومسلم رقم (1866) في الإمارة : باب بيعة النساء ، وأبو داود رقم (2941) في الخراج : باب ما جاء في البيعة .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (6/114) قال:حدثنا إبراهيم بن أبي العباس ، قال: حدثنا أبو أويس ، وفي (6/153 ، 163) قال: حدثنا عبد الرزاق ، قال:أخبرنا مَعْمر ، وفي (6/153) قال:حدثنا يحيى بن آدم ، قال: حدثنا ابن المبارك ، عن معمر ، وفي (6/270) ، قال: حدثنا يعقوب ، قال: حدثنا ابن أخي ابن شهاب ، والبخاري (5/162 ، 6/186) قال: حدثنا إسحاق ، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال: حدثنا ابن أخي ابن شهاب . وفي (7/63) قال: حدثنا يحيى بن بُكير. قال : حدثنا الليث ، عن عُقَيل. وفي (9/99) قال: حدثنا محمود قال: حدثنا عبد الرزاق . قال: أخبرنا مَعْمر. ومسلم (6/29) قال: حدثني أبو الطاهر أحمد بن عَمرو بن سَرْح . قال: أخبرنا ابن وهب. قال : أخبرني يونس بن يزيد .
(ح) وحدثني هارون بن سعيد الأيلي وأبو الطاهر قال أبو الطاهر أخبرنا . وقال هارون : حدثنا ابن وهب قال : حدثني مالك. وأبو داود (2941) قال: حدثنا أحمد بن صالح. قال: حدثنا ابن وهب. قال: حدثني مالك. وابن ماجة (2875) قال: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح المصري ، قال: حدثنا عبد الله بن وهب. قال: أخبرني يونس. والترمذي (3306) قال: حدثنا عبد بن حُميد قال: حدثنا عبد الرزاق ، عن مَعْمر ، والنسائي في الكبرى (تحفة الأشراف) (12/16668) ، عن محمد بن يحيى بن عبد الله ، عن عبد الرزاق ، عن مَعْمر . وفي (12/16697) عن يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، عن يونس.
ستتهم - أبو أويس عبد الله بن عبد الله ، ومَعْمر ، وابن أخي ابن شهاب ، وعُقيل بن خالد ، ويونس بن يزيد ، ومالك- عن ابن شهاب الزهري ، قال: أخبرني عروة بن الزبير ، فذكره.
* أخرجه أحمد (6/151) قال: حدثنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا مَعْمر ، عن الزهري ، أو غيره ، عن عروة ، عن عائشة. قالت: جاءت فاطمةُ بنتُ عُتبة .

الفصل الثالث : في أحكام متفرقة
52 - (ت) سليمان بن عمرو بن الأحوص - رحمه الله - (1) قال : حدَّثني أبي : أنه شهدَ حجَّةَ الوداع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذَكَّرَ ووعظ ، ثم قال : «أيُّ يوم أحرَمُ ؟ أي يوم أحرَمُ ؟ أي يوم أحرمُ ؟» قال : فقال الناسُ : يومُ الحج الأكبر يا رسول الله ، قال : «فإنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ كحرمةِ يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في -[259]- شهركم هذا ، ألا لا يجني جانٍ إلا على نفسه ، ولا يجني والد على ولده ، ولا يَجني ولَدٌ على والده ألا إن المسلم أخو المسلم ، فليس يحلُّ لمسلمٍ من أخيه شيء إلا ما أحلَّ من نفسهِ. ألا وإنَّ كلَّ ربًا في الجاهلية موضوعٌ ، لكُم رُؤوسُ أموالِكم لا تَظلِمُون ولا تُظْلَمون ، غير رِبا العبَّاس ، فإنَّه موضوعٌ كله ، ألا وإن كلَّ دَمٍ كان في الجاهلية موضوعٌ ، وأوَّلُ دمٍ أضعُ من دم الجاهلية : دمُ الحارث (2) بن عبد المطلب ، وكان مُسْتَرضْعًا في بني ليثٍ ، فقتلتْه هُذَيلٌ ، ألا واستَوصوا بالنساء خيرًا ، فإنَّهُنَّ عَوانٌ عندكم ، ليس تملكون شيئًا غيرذلك ، إلا أنْ يأتين بفاحشة مبيِّنة ، فإن فعلْنَ ذلك فاهجرُوهنَّ في المضاجع ، واضربوهن ضربًا غير مُبَرِّحٍ ، فإن أطعنكُم فلا تَبغوا عليهن سبيلاً ، ألا وإن لكم على نسائكم حقًّا ، ولنسائكم عليكم حقًّا ، فأمَّا حقُّكُمْ على نسائكم ، فلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُم مَن تكرهون ، ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون ، ألا وإن حَقَّهُنَّ عليكم : أنْ تُحْسِنُوا إليهنَّ في كسوتهن وطعامهن» .
وفي رواية قال : سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في حَجَّةِ الوداع للناس : «أيُّ يوم هذا ؟» قالوا : يومُ الحجِّ الأكبر ، قال : «فإن دماءَكم وأموالَكم وأعراضكُم بيْنَكمْ حرامٌ كحُرمَة يومكم هذا ، ألا لا يَجني جانٍ على ولده ، ولا مولودٌ على والده ، ألا وإن الشيطان قد أيس أن يُعْبَدَ في -[260]- بلدكم هذا أبدًا ، ولكن سيكونُ له طاعةٌ فيما تحتقرون مِنْ أعمالكم ، فسيَرْضى به» . أخرجه الترمذي (3) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
الحَجّ الأكبر : هو يوم النحر ، وقيل: يوم عَرفة ، وإنما سُمي الحج الأكبر؛ لأنهم يُسمُّون العمرة : الحج الأصغر.
وأعراضكم : الأعراض ، جمع عَرض ، وهو النفس ، وقيل: الحَسَبُ .
لا يجني جانٍ : الجناية: الذَّنْبُ ، وما يفعله الإنسان مما يوجب عليه الجزاءُ ، إما في الدنيا وإما في الآخرة ، فقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يجني جانٍ إلا على نفسه» يريد : أنه لا يُطَالَبُ بجنايته غيرُهُ ، من أقاربه وأَباعده ، وقد فسَّره في الحديث بقوله : «لا يجني ولدٌ على والده ، ولا يجني والدٌ على ولده» أي إذا جنى أحدهما ، لا يطَالَبُ الآخر بجنايته ، وقد كان ذلك معتادًا بين العرب.
عوان : جمع عانية ، وهي مؤنثة العاني ، وهو الأسير ، شبه النساء بالأسرى عند الرجال ، لتحكمهم فيهن ، واستيلاءهم عليهن.
بفاحشة : الفاحشة : الفعلة القبيحة ، وأراد به هاهنا الزنا. -[261]-
مبيِّنة : ظاهرة واضحة .
مبرح : ضربته ضربًا مُبَرِّحًا ، أي : شديدًا شاقًا.
فلا تبغوا عليهن سبيلاً : أي إن أطعنكم فيما تريدون منهن ، فلا يبقى لكم عليهنَّ طريق ولا حكم فيما عداه ، إلا أن يكون جورًا وتَعسُّفًا .
__________
(1) سليمان بن عمرو بن الأحوص الأزدي الجشمي تابعي كوفي موثق ، روى عن أبيه وأمه ، ولهما صحبة . وعنه شبيب بن غرقدة . ذكره ابن حبان في الثقات . وفي " المطبوع " سليمان بن عمر ، وهو تحريف .
(2) في حديث جابر عند مسلم " دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، قال النووي : قال المحققون : والجمهور اسم هذا الابن : إياس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، وقيل : اسمه حارثة ، وقيل : آدم .
(3) رقم (3087) في تفسير سورة التوبة ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وهو كما قال . وفي الفتن باب تحريم الدماء رقم (2610) .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (3/426) ، قال: حدثنا يحيى بن آدم ، قال: حدثنا أبو الأحوص ، وفي (3/498) قال: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، قال: حدثنا زائدة. وأبو داود (3334) قال: حدثنا مسدد ، قال: حدثنا أبو الأحوص ، وابن ماجة (1851) ، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال: حدثنا الحسين بن علي ، عن زائدة. وفي (2669) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال: حدثنا أبو الأحوص ، وفي (3055) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وهناد بن السري قالا: حدثنا أبو الأحوص ، والترمذي (1163 ، 3087) قال: حدثنا الحسن ابن علي الخلال ، قال: حدثنا الحسين بن علي الجعفي ، عن زائدة. وفي (2159) قال: حدثنا هناد ، قال: حدثنا أبو الأحوص ، والنسائي في الكبرى (الورقة 53 ب) قال: أخبرنا هناد بن السري ، عن أبي الأحوص ، وفي (الورقة 124- أ) قال: أخبرنا أحمد بن سليمان ، قال: حدثنا حسين بن علي ، عن زائدة.
كلاهما - أبو الأحوص ، وزائدة - عن شبيب بن غرقدة ، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص ، فذكره.
قلت: قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
ك

53 - (خ م) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّة الوَداع : «ألا أيُّ شهرٍ تعْلمونه أعظمُ حُرْمةً ؟» قالوا : ألا شهرنا هذا ، قال : «ألا أيُّ بلد تعْلمونه أعظمُ حرْمَةً ؟» قالوا : ألا بلدنا هذا ، قال : «ألا أيُّ يومٍ تعلمونه أعظَمُ حرمةً ؟» قالوا : ألا يومُنا هذا. قال : «فإن الله تبارك وتعالى قد حرَّم عليكم دماءَكم وأموالَكمْ وأعراضَكم إلا بحقِّها كحُرمَةِ يومِكم هذا في بلدكم هذا ، في شهركم هذا ، ألا هلْ بلَّغتُ؟» ثلاثًا - كلُّ ذلك يُجيبونه : ألا نَعَمْ ، قال : ويْحَكُم ، - أو وَيلَكم (1) - لا تَرْجِعُنَّ بعدي كفَّاراً يضربُ (2) بعضُكم رقابَ بعض» . -[262]- أخرجه البخاري ، ولمسلمٍ نحوه (3) .
__________
(1) قوله : " ويحكم " أو قال : " ويلكم " قال : هما كلمتان تستعملهما العرب بمعنى التعجب والتوجع . قال سيبويه : " ويل " كلمة تقال لمن وقع في هلكة و " ويح " كلمة ترحم ، وحكي عنه : " ويح " زجر لمن أشرف على الهلكة . وقال غيره : ولا يراد بها الدعاء بإيقاع الهلكة ، ولكن يراد منها الترحم والتعجب ، وروي عن عمر بن الخطاب ، قال : " ويح " كلمة رحمة . وقال الهروي : " ويح " كلمة لمن وقع في هلكة لا يستحقها ، فيترحم عليه ، ويرثى له ، و " ويل " للذي يستحقها فلا يترحم عليه .
(2) قال الإمام النووي في شرح مسلم 2/55 ، 56 في معناه سبعة أقوال :
أحدها : أن ذلك كفر في حق المستحل بغير حق . -[262]-
والثاني : كفر النعمة وحق الإسلام .
والثالث : أنه يقرب من الكفر ويؤدي إليه .
والرابع : فعل كفعل الكفار .
والخامس : حقيقة الكفر ، ومعناه : لا تكفروا ، بل دوموا مسلمين .
والسادس : - حكاه الخطابي وغيره - أن المراد بالكفار المتكفرون بالسلاح ، يقال : تكفر الرجل بسلاحه : إذا لبسه . قال الأزهري في كتاب " تهذيب اللغة " : يقال للابس السلاح : كافر .
والسابع : قاله الخطابي : لا يكفر بعضكم بعضاً ، فتستحلوا قتال بعضكم بعضاً ، وأظهر الأقاويل الرابع ، وهو اختيار القاضي رحمه الله .
ثم إن الرواية " يضرب " برفع الباء ، هذا هو الصواب . وكذا رواه المتقدمون والمتأخرون وبه يصح المقصود هنا .
ونقل القاضي عياض أن بعض العلماء ضبطه بإسكان الباء ، قال القاضي : وهو إحالة للمعنى ، والصواب الضم .
قلت : وكذا قال أبو البقاء العكبري : إنه يجوز جزم الباء على تقدير شرط مضمر ، أي : إن ترجعوا يضرب .
وأما قوله عليه الصلاة والسلام : " بعدي " فقال القاضي عياض : قال الهروي : معناه : بعد فراقي من موقفي هذا ، وكان هذا يوم النحر يعني في حجة الوداع ، أو يكون بعدي ، أي خلافي ، أي لا تخلفوني في أنفسكم بغير الذي أمرتكم به ، أو يكون قد تحقق عليه الصلاة والسلام أن هذا لا يكون في حياته ، فنهاهم عنه بعد مماته .
(3) البخاري 12/75 في الحدود : باب ظهر المؤمن حمى ، وفي الديات 12/170 باب قوله تعالى : {ومن أحياها} وفي الحج 3/458 باب الخطبة أيام منى ، وفي المغازي 8/82 باب حجة الوداع ، وفي الفتن 13/22 باب قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ترجعوا بعدي كفاراً " ، وفي الأدب 10/387 ، قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم} ، وأخرجه مسلم رقم (66) في الإيمان ، باب بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ترجعوا بعدي كفاراً " ، وأخرجه أبو داود رقم (4686) في السنة : باب الدليل على زيادة الإيمان .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (2/85) (5578) (2/104) (5810) قال:حدثنا محمد بن جعفر ، قال: حدثنا شُعبة ، عن واقد بن محمد بن زيد ، وفي (2/87) (5604) قال:حدثنا عبد الرحمن ، قال:حدثنا شعبة ، عن واقد ابن محمد ، وفي (2/104) (5809) ، قال: حدثنا عفان ، قال:حدثنا شعبة ، عن واقد بن عبد الله - كذا قال عفان ، وإنما هو واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر- وفي (2/135) (6185) قال:حدثني يعقوب ، قال: حدثنا عاصم بن محمد ، عن أخيه عمر بن محمد ، والبخاري (2/216) ، (8/18) قال: حدثنا محمد بن المثنى ، قال: حدثنا يزيد بن هارون ، قال: أخبرنا عاصم بن محمد بن زيد ، وفي (5/223) قال: حدثنا يحيى بن سليمان ، قال: أخبرني ابن وهب ، قالك حدثني عمر بن محمد ، وفي (8/48) قال: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ، قال: حدثنا خالد بن الحارث ، قال: حدثنا شعبة ، عن واقد بن محمد بن زيد ، وفي (8/198) قال: حدثني محمد بن عبد الله ، قال: حدثنا عاصم بن علي ، قال: حدثنا عاصم بن محمد ، عن واقد بن محمد . وفي (9/3) قال: حدثنا أبو الوليد ، قال: حدثنا شعبة ، قال: واقد بن عبد الله أخبرني. وفي (9/63) قال: حدثنا حجاج بن منهال ، قال: حدثنا شعبة ، قال: أخبرني واقد.
ومسلم (1/58) قال: حدثنا عُبيد الله بن معاذ ، قال: حدثنا أبي ، قال: حدثنا شعبة ، عن واقد بن محمد.
(ح) وحدثني أبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو بكر بن خلاد الباهلي ، قالا: حدثنا محمد بن جعفر ، قال: حدثنا شعبة ، عن واقد بن محمد بن زيد.
(ح) وحدثني حرملة بن يحيى ، قال: أخبرنا عبد الله بن وهب ، قال: حدثني عمر بن محمد.
وأبو داود (4686) قال: حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، قال: حدثنا شعبة ، قال: قال واقد بن عبد الله أخبرني. وابن ماجة (3943) قال: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، قال: حدثنا الوليد بن مُسلم ، قال: أخبرني عمر ابن محمد. والنسائي (7/126) قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحكم ، قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة ، عن واقد بن محمد بن زيد.
ثلاثتهم - واقد بن محمد ، وعمر بن محمد ، وعاصم بن محمد - عن أبيهم محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه فذكره .

54 - (خ) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم --[263]- خطب الناس يوم النحر فقال : «يا أيُّها الناس ، أيُّ يومٍ هذا ؟» قالوا :يومٌ حرامٌ ، قال : «وأيُّ بلدٍ هذا ؟» قالوا : بلد حرام ، قال : «فأيُّ شهر هذا؟» قالوا : شهر حرام ، قال : «فإنَّ دماءَكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا» - فأعادها مرارًا - ثم رفع رأسه فقال : «اللهمَّ هل بلغْتُ ؟ اللهم هل بلغت» قال ابن عباس : فوالذي نفسي بيده إنَّها لوصيَّتُه إلى أمَّتِه ، «فليُبَلِّغْ الشاهدُ الغائبَ ، لا تَرجِعوا بعدي كفَّارًا يَضرب بعضكم رقابَ بعض» .أخرجه البخاري (1) .
__________
(1) في الحج 3/452 باب الخطبة أيام منى .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (1/230) (2036) قال:حدثنا ابن نُمير.والبخاري (2/215) ، وفي خلق أفعال العباد (39 ، 50) قال:حدثنا علي بن عبد الله ، قال: حدثني يحيى بن سعيد ، وفي (9/63) قال:حدثنا أحمد ابن إشكاب ، قال: حدثنا محمد بن فُضيل ، والترمذي (2193) قال:حدثنا أبو حفص عمرو بن علي قال:حدثنا يحيى بن سعيد.
ثلاثتهم - ابن نُمير ، ويحيى ، ومحمد بن فضيل- عن فضيل بن غَزْوَان ، عن عكرمة ، فذكره.

55 - (خ م د) أبو بكرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «إنَّ الزَّمانَ قد استدار كهيأته يومَ خلق اللهُ السموات والأرض ، السَّنةُ اثنا عشر شهرًا منها : أربعةٌ حُرُمٌ ، ثلاثَةٌ متواليات : ذو القعدة ، وذو الحِجَّة والمحرَّمُ ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بين جُمادَى وشَعبانَ ، أيُّ شهر هذا ؟» قُلنا : اللهُ ورسولُه أعلمُ ، فَسكَت حتى ظنَنَّا أنَّه سَيُسَمِّيه بغير اسمه ، فقال : «أليس ذا الحجة ؟» قلنا : بلى ، قال : «أيُّ بلد هذا؟» قلنا : الله ورسُوله أعلم ، فَسكَتَ حتى ظننَّا أنَّه سَيُسمِّيه بغير اسمه ، قال : «أليس البلدَةَ الحرام ؟» قلنا : بلى ، قال : «فأيُّ يومٍ هذا ؟» قلنا : الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : «أليس يومَ النَّحْر ؟» قلنا : بلى ، قال : «فإنَّ دِماءَكم وأموالَكم وأعراضكم عليكم حرامٌ ، كحُرمَةِ يومكم هذا ، -[264]- في بلدِكم هذا ، في شهركم هذا ، وستلْقَون ربَّكم فيسألُكُم عن أعْمالِكم ألا فلا ترجعوا بعدي كُفّارًا ، يَضْرِبُ بعضُكُم رقابَ بعضٍ ، ألا ليُبَلِّغِ الشاهِدُ الغائبَ ، فَلعلَّ بعضَ منْ يَبْلُغُهُ أن يكون أوْعى من بعض من سَمِعَهُ» ثم قال : «ألا هلْ بَلَّغتُ؟ ألا هل بلغت؟» قلنا : نعم ! قال : «اللَّهُمَّ اشْهدُ» .
وفي رواية : أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَعَدَ على بَعيره ، وأمسك إنسانٌ بِخِطامِهِ ، أو بِزمَامِهِ ، فقال : «أيُّ شهرٍ هذا ؟» - وذكرَ نحوه مختصرًا - أخرجه البخاري ومسلم.
وزاد مسلم في رواية «ثُمَّ انْكَفَأ إلى كبْشَيْن أمْلَحَيْنِ ، فَذَبحهما ، وإلى جُزَيعَةٍ من الغَنَم فَقسَمَها بَيْننَا» .
وأخرج أبو داود طرفًا من أوله ، إلى قوله «بين جُمادى وشعبان» .
قال الحميدي : قال الدارقطني : زيادةُ مسلم وَهْمٌ من ابن عَوْنٍ عن ابنِ سيرين ، وإنَّما رواه ابن سيرين عن أنس.
وزاد في رواية «فلمَّا كان يومُ حُرِّقَ ابنُ الحضْرميّ (1) ، حين حَرَّقهُ جاريةُ -[265]- ابنُ قُدَامة ، قال : أشرفوا على أبي بَكْرَةَ ، فقالوا : هذا أبو بكرة يراك ، قال عبدُ الرحمن : فحدثتني أمِّي عن أبي بكرة أنه قال : لَو دخلوا عليَّ ما بَهَشْتُ لهم بِقَصَبَةٍ» (2) .
ووجَدتُ في كتاب رزين بن معاوية العَبْدَريّ - رحمه الله - ، الجامع لهذه الصحاح زيادةً في آخر هذا الحديث لم أجدها في الأصول التي نقلتُ منها : وهي هذه:
«ثلاث لا يَغِلَّ عليهنَّ قلبُ مسلمٍ أبدًا : إخلاصُ العمل لله ، ومناصحَةُ وُلاة الأمر ، ولزومُ جماعة المسلمين ، فإن دعوتَهُم تُحيطُ من ورائِهم (3)» . -[266]-

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
الزمان قد استدار : بمعنى : دار ، وذلك أنَّ العربَ كانوا يؤخرون المحرم إلى صفر ، وهو النَّسيء ، ويفعلون ذلك سنةً بعد سنةٍ ، فينتقل المحرَّم من شهر إلى شهرٍ ، حتى جعلوه في جميع شهور السنة ، فلما كان تلك السنة كان قد عاد إلى زمنه المخصوص به قبل أن ينقلوه.
رجب مضر : أضافَ رجبًا إلى مُضَرَ ؛ لأنهم كانوا يُعَظِّمُونَهُ ، فكأنهم اختصوا به ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «الذي بين جمادى وشعبان» ذكره تأكيدًا للبيان وإيضاحًا؛ لأنَّهم كانوا يُنْسِئْونَهُ ، ويُؤخِّرونَه من شهرٍ إلى شهر ، فيحولونه عن موضعه ، فبين لهم أن رجبًا هو الشهر الذي بين جمادى وشعبان ، لا ما كانوا يسمون على حسب النَّسيء.
أوعى : وعى يَعي : إذا حفظ ، وأوعى أفعل ، مثله .
قوله : «لا ترجعُنَّ بعدي كُفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض» قال -[267]- الهروي : قال الأزهري: فيه قولان: أحدهما : لابسين السلاح ، يقال: كفر فوق درعه: إذا لبس فوقها ثوبًا ، والثاني: أنه يُكفّر الناس فيكفُر ، كما تفعله الخوارج إذا استعرضوا الناس ، وذلك كقوله عليه الصلاة والسلام: «مَن قال لأخيه: يا كافر ، فقد باء به أحدهما» .
الانكفاء : الرجوع إلى الشيء والميل إليه .
أَملحين : الأملح من الغنم : النَّقيُّ البياض ، وقيل: هو المختلط سواده وبياضه ، إلا أن البياض فيه أكثر .
جُزيْعةُ : القطعة من الغنم ، هكذا ذكره الجوهري ، وذكرها ابن فارس في المجمل : الجَزِيعة ، بفتح الجيم وكسر الزاي.
بَهَشت : إذا ملت إليه ، وأقبلت نحوه ، يقال لكل من نظر إلى شيء فمال إليه ، وأعجبه : بهش إليه ، وقد يكون للمدافعة والذَّبِّ ، والمراد به : ما دفعتهم بقصبةٍ ، ولا قاتلتهم بها.
لا يَغِلَّ عليهن قَلبُ مؤمن : تُروى هذه الكلمة بفتح الياء وكسر الغين ، وهو من الغِلِّ: الحقد والضِّغن ، يقول: لا يدخله شيء من الحقد يزيله عن الحق ، ويُروى بضم الياء وكسر الغين من الخيانةٍ ، والإغلال: الخيانة في كل شيء .
وقوله : «عليهن» في موضع الحال ، أي : لا يغلُّ كائنًا عليهن قلبُ -[268]- مؤمن ، وإنما انتصب على النكرة لتقدمه ، والمعنى : أنَّ هذه الخلال المذكورة في الحديث ، تُسْتَصْلَحُ بها القلوب ، فمن تمسك بها ، طَهُرَ قلبه من الدَّغَل والفساد .
__________
(1) قال الحافظ في " الفتح " 13/23 : وابن الحضرمي فيما ذكره العسكري اسمه عبد الله بن عمرو بن الحضرمي ، وأبوه عمرو ، هو أول من قتل من المشركين يوم بدر ، وعلى هذا ، فلعبد الله رؤية ، وقد ذكره بعضهم في الصحابة ، ففي " الاستيعاب " قال الواقدي : ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وروى عن عمر ، وعند المدائني أنه عبد الله بن عامر الحضرمي ، وهو ابن عمرو المذكور ، والعلاء بن الحضرمي الصحابي المشهور عمه ، وجارية بن قدامة هو ابن مالك بن زهير بن الحصين التميمي السعدي ، وكان السبب في ذلك ما حكاه العسكري في الصحابة : كان جارية يلقب محرقاً ، لأنه أحرق ابن الحضرمي بالبصرة ، وكان معاوية وجه ابن الحضرمي إلى البصرة ليستنفرهم -[265]- على قتال علي ، فوجه علي جارية بن قدامة ، فحصره فتحصن منه ابن الحضرمي في دار فأحرقها جارية عليه وقوله : هذا أبو بكرة يراك ، قال المهلب : لما فعل جارية بابن الحضرمي ما فعل أمر جارية بعضهم أن يشرفوا على أبي بكرة ليختبر إن كان محارباً أو في الطاعة ، وكان قد قال له خيثمة : هذا أبو بكرة يراك ، وما صنعت بابن الحضرمي ، فربما أنكره عليك بسلاح أو بكلام ، فلما سمع أبو بكرة ذلك وهو في علية له ، قال : لو دخلوا علي داري ما رفعت عليهم قصبة ، لأني لا أرى قتال المسلمين ، فكيف أن أقاتلهم بسلاح ؟! .
(2) البخاري 3/459 في الحج ، باب الخطبة أيام منى ، وفي الأضاحي 10/6 باب من قال : الأضحى يوم النحر ، وفي التفسير 8/244 باب تفسير سورة براءة ، وفي بدء الخلق 6/211 باب ما جاء في سبع أرضين ، وفي الفتن 13/23 ، باب لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، وفي العلم 1/145 ، باب رب مبلغ أوعى من سامع ، وأخرجه مسلم رقم (1679) في القسامة ، باب تحريم الدماء ، وأبو داود رقم (1947) في الحج ، باب الأشهر الحرم .
(3) لم نر هذه الزيادة فيما بين أيدينا من المصادر من رواية أبي بكرة ، وقد جاء في " الترغيب والترهيب " 1/23 في إخلاص العمل لله ، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع " نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها ؛ فرب حامل فقه ليس بفقيه ، -[266]- ثلاث لا يغل عليهن ... " الحديث ثم قال : رواه البزار بإسناد حسن .
نقول : أخرج الشافعي في مسنده 1/14 من حديث ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نضر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها ، فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاث لا يغل عليهم قلب مسلم : إخلاص العمل لله ، والنصيحة للمسلمين ، ولزوم جماعتهم ، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم " وإسناده صحيح ، وأخرجه أحمد في المسند 5/183 وغيره من حديث زيد بن ثابت ، وإسناده صحيح ، وصححه ابن حبان والحافظ ابن حجر ، وفي الباب عن أبي الدرداء ، ومعاذ بن جبل ، والنعمان بن بشير ، وأبي قرصافة ، وجابر ، وأنس ، وجبير بن مطعم ، انظر تخريجها في " مجمع الزوائد " 1/137 - 139 للحافظ الهيثمي .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (5/37) قال: حدثنا محمد بن أبي عدي ، وفي (5/45) قال: حدثنا هوذة بن خليفة ، والدارمي (1922) قال: أخبرنا أبو حاتم أشهل بن حاتم ، والبخاري (1/26) ، قال: حدثنا مسدد ، قال: حدثنا بشر. ومسلم (5/108) قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي ، قال: حدثنا يزيد بن زريع. (ح) وحدثنا محمد بن المثنى ، قالك حدثنا حماد بن مسعدة ، والترمذي (1520) قال: حدثنا الحسن بن علي الخلال ، قال: حدثنا أزهر بن سعد السمان. والنسائي (7/220) قال : أخبرنا حميد بن مسعدة في حديثه ، عن يزيد بن زريع ، وفي الكبرى (الورقة 53-ب) قال: أخبرنا إسماعيل بن مسعود ، قال: حدثنا بشر. وفي (الورقة 76- أ) قال: أخبرنا سليمان بن سَلْم ، قال: أخبرنا النضر.
ثمانيتهم - محمد بن أبي عدي ، وهوذة ، وأشهل ، وبشر بن المفضل ، ويزيد ، وحماد بن مسعدة ، وأزهر ، والنضر بن شميل- عن عبد الله بن عون ، عن محمد بن سيرين ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، فذكره.
* أخرجه أحمد (5/39) قال: حدثنا يحيى بن سعيد ، وفي (5/49) قال: حدثنا أبو عامر. والبخاري (2/216) وفي خلق أفعال العباد (51) قال: حدثني عبد الله بن محمد ، قال: حدثنا أبو عامر . وفي (9/63) ، وفي خلق أفعال العباد (51) قال: حدثنا مسدد ، قال: حدثنا يحيى. ومسلم (5/108 ، 109) قال: حدثني محمد بن حاتم بن ميمون ، قال: حدثنا يحيى بن سعيد.
(ح) وحدثنا محمد بن عمرو بن جبلة ، وأحمد بن خراش ، قالا: حدثنا أبو عامرعبد الملك بن عَمرو. وابن ماجة (233) ، قال: حدثنا محمد بن بشار ، قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان أملاه علينا. والنسائي في الكبرى (الورقة 53 - ب ، 76- أ) قال: أخبرنا عبيد الله بن سعيد ، قال: حدثنا أبو عامر. وابن خزيمة (2952) ، قال: حدثناه بندار ، قال: حدثنا أبو عامر.
كلاهما - يحيى ، وأبو عامر- عن قرة بن خالد ، عن محمد بن سيرين ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، وعن رجل آخر ، وهو في نفسي أفضل من عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبي بكرة به.
وفي رواية أبي عامر : عن قرة بن خالد ، عن محمد بن سيرين ، قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبي بكرة - ورجل أفضل في نفسي من عبد الرحمن ، حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي بكرة به.
* وأخرجه البخاري (1/37) ، (6/83) قال: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ، قال: حدثنا حماد بن زيد. وفي (4/130) (5/224) ، (9/163) قال: حدثنا محمد بن المثنى ، قال: حدثنا عبد الوهاب ، وفي (7/129) ، قال: حدثنا محمد بن سلام ، قال: حدثنا عبد الوهاب ، ومسلم (5/107) قال: حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ، ويحيى بن حبيب الحارثي ، قالا: حدثنا عبد الوهاب الثقفي ، وأبو داود (1948) قال: حدثنا محمد بن يحيى بن فياض ، قال: حدثنا عبد الوهاب .
كلاهما - حماد ، وعبد الوهاب- عن أيوب السختياني ، عن محمد بن سيرين ، عن ابن أبي بكرة ، فذكره.
* وأخرجه أحمد (5/37) قال: حدثنا إسماعيل ، قال: أخبرنا أيوب ، وفي (5/40) قال: حدثنا أسباط بن محمد ، قال: حدثنا أشعث ، وأبو داود (1947) قال: حدثنا مسدد ، قال: حدثنا إسماعيل ، قال: حدثنا أيوب ، والنسائي (7/127) قال: أخبرنا عمرو بن زرارة ، قال: أنبأنا إسماعيل ، عن أيوب.
كلاهما - أيوب ، وأشعث- عن محمد بن سيرين ، عن أبي بكرة ، فذكره.
ليس فيه عبد الرحمن بن أبي بكر.
وأخرجه أحمد (5/44) قال: حدثنا أسود بن عامر (5/45) قال: حدثنا عفان كلاهما عن حماد بن سلمة ، عن يونس ، عن الحسن ، ومحمد ، عن أبي بكرة ، فذكره مختصرًا.

56 - (خ م ط ت د) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ما مِن مولودٍ (1) إلا يُولَدُ على الفِطْرةِ» ، ثم يقول : «اقرؤوا {فِطرةَ اللَّهِ التي فَطر الناس عَليها ، لا تَبديلَ لخلق الله ، ذلك الدِّينُ القَيِّمُ} [الروم : الآية 30]» كذا عند مسلم.
وزاد البخاري : فأبَواهُ يُهَوِّدانِهِ ، أوْ يُنَصِّرانِهِ ، أوْ يُمجِّسانِهِ ، كما تُنْتَجُ البَهيمَةُ (2) بهيمةً جَمْعاءَ ، هلْ تُحِسُّون فيها من جَدْعاءَ ، ثم يقولُ أبو هريرة : -[269]- {فِطرةَ اللهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ، لا تَبْديلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ، ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ} .
وزاد مسلم أيضًا من رواية أخرى.
وفي رواية لهما قال : «ما من مولود إلا يُولَدُ على الفطرةِ ، فأبواه يُهَوِّدانِهِ ويُنَصِّرانه ، كما تُنْتجون الإبل ، فهل تَجدون فيها جَدْعاءَ ، حتَّى تكونُوا أنتم تجدعونَها» قالوا : يا رسول الله ، أفرأيت من يموت صغيرًا ؟ قال : «الله أعلَمُ بما كانوا عاملين (3)» .
وفي أخرى لمسلم : «ما من مولودٍ إلا يُولَدُ على الفطرةِ ، فأبواه يهودانه وينصِّرانه ، ويشرِّكانه» . فقال رجل : يا رسول الله ، أرأيت لو مات قبل ذلك ؟ قال: «الله أعلمُ بما كانوا عاملين» .
وفي أخرى : «ما من مولود يولدُ إلا وهو على المِلَّةِ» .
زاد في أخرى «على المِلة ، حتى يُبيِّن عنه لسانُه» .
هذه هي طرقُ البخاري ومسلم (4) . -[270]-
ووافقهما الموطأ والترمذي وأبو داود نحو ذلك وبمعناه.

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
الفطرة : الخلقة ، أراد بقوله : «كل مولود يولد على الفطرة» أي يولد على ابتداء الخلقة في علم الله تعالى مؤمنًا أو كافرًا ، وقيل: يولد على الخلقة التي فُطر عليها في الرحم: من سعادة ، أو شقاوة ، فأبواه يهودانه ، يعني في حكم الدنيا ، وقيل: كل مولود يولد على الملة الإسلامية ، والدين الحق ، وإنما أبواه ينقلانه إلى دينهما ، وقيل معناه: أن كل مولود من البشر إنما يولد في مبدإِ الخلقة ، وأصل الجِبلة ، على الفطرة السليمة ، والطبع المتهيىء لقبول الدين الحق ، فلو تُرك عليها لاستمر على لزومها ، ولم يفارقها إلى غيرها ؛ لأن هذا الدين الحق حسنه موجود في النفوس ، وبِشْرُهُ في القُلوب ، وإنما يعدل عنه من يعدل إلى غيره لآفة من آفات الشر والتقليد ، فلو سَلِمَ المولود من تلك الآفات لم يعتقد غيره ، ثم تمثل بأولاد اليهود والنصارى في اتباعهم لآبائهم ، والميل إلى أديانهم فيزِلُّون بذلك عن الفطرة السليمة .
الدين القيم : المستقيم الذي لا زَيغ فيه ، ولا ميل عن الحق.
تُنْتَجُ : نُتِجَت الناقة تُنتَج ، فهي منتوجة : إذا وَلَدَت .
جمعاء : الجمعاء من البهائم وغيرها : التي لم يذهب من بدنها شيء .
تُحِسُّون : أحْسَسْتُ بالشيء : إذا شعرت به وعلمته .
جدعاء : أي : هل ترون فيها من جدعاء ؟ والجدعاء : المقطوعة الأذن -[271]- أو الأنف ، أو الشَّفَة ، أو اليد ونحو ذلك .
ومعنى هذا الحديث : أن المولود يولد على نوع من الجبلة ، وهي فطرة الله تعالى ، وكونه متهيئًا لقبول الحقيقة طبعًا وطوعًا ، ولو خلَّته شياطين الإنس والجن وما يختار ، لم يَخْتَر إلا إياها ، وضرب لذلك - الجمعاء والجدعاء- مثلاً ، يعني : أن البهيمة تُولد سوية الأطراف ، سليمة من الجدع ونحوه ، لولا الناس وتعرضهم إليها ، لبقيت كما وُلدت سليمة .
وقوله : «الله أعلم بما كانوا عاملين» إشارة إلى تعلق المثوبة والعقوبة بالعمل.
__________
(1) من زائدة ، ومولود : مبتدأ ، ويولد خبره ، وتقديره : ما مولود يولد على أمر إلا على الفطرة ، وهي لغة : الخلقة - والمراد بها في أشهر الأقوال : الإسلام ، قال ابن عبد البر : وهو المعروف عند عامة السلف ، وأجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى : {فطرة الله التي فطر الناس عليها} الإسلام .
(2) قال النووي : " كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء " هو بضم التاء الأولى . وفتح الثانية ، ورفع " البهيمة " ، ونصب " بهيمة " ، ومعناه : كما تلد البهيمة بهيمة جمعاء - بالمد - وهي مقطوعة الأذن ، أو غيرها من الأعضاء ، ومعناه : أن البهيمة تلد البهيمة كاملة الأعضاء لا نقص فيها ، وإنما يحدث فيها النقص والجدع بعد ولادتها .
و " كما تنتج " يروى على البناء للمفعول . قال الجوهري : نتجت الناقة ، على ما لم يسم فاعله تنتج نتاجاً : ولدت .
ولفظ " كما " إما حال ، أي : يهود الوالدان المولود ، بعد أن خلق على الفطرة ، تشبيهاً بالبهيمة التي جدعت بعد سلامتها ، وإما صفة مصدر محذوف ، أي : يغيرانه تغييراً ، مثل تغييرهم البهيمة -[269]- السليمة ، والأفعال الثلاثة تنازعت في " كما " على التقديرين ، وقوله " بهيمة " مفعول ثان لقوله " تنتج " .
(3) أي ذلك من شأن الله سبحانه ، لا من شأنكم ، فلا تسألوا عنه .
(4) البخاري في الجنائز 3/176 ، باب إذا أسلم الصبي ، و 197 - 199 فيه أيضاً ، باب ما قيل في أولاد المشركين ، وأخرجه مسلم رقم (2658) في القدر ، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة ، والموطأ رقم (52) الجنائز ، باب جامع الجنائز ، والترمذي رقم (2139) ، في القدر : باب كل مولود يولد على الملة ، وأبو داود رقم (4714) في السنة ، باب ذراري المشركين .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه عن أبي هريرة عبد الرحمن بن هرمز الأعرج :
أخرجه مالك في الموطأ صفحة (165) ، والحميدي (1111 ، 1113) قال: حدثنا سفيان ، وأحمد (2/244) قال: حدثنا سفيان. وفي (2/464) قال: حدثنا عبد الرحمن ، قال: حدثنا زائدة ، ومسلم (8/54) قال: حدثنا ابن أبي عُمر ، قال: حدثنا سفيان ، وأبو داود (4714) ، قال: حدثنا القَعنبيُّ ، عن مالك .
ثلاثتهم - مالك ، وسفيان بن عيينة ، وزائدة- عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن عبد الرحمن بن هُرمز ، فذكره.
- ورواه عنه أيضًا أبو صالح :
أخرجه أحمد (2/253) ، قال: حدثنا أبو معاوية ووكيع ومحمد بن عُبيد.
(ح) وابن نُمير .
(ح) وحدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ، قال : سمعت أبي ، عن أبي حمزة.
(ح) وحدثنا أبو معاوية . وفي (2/410) قال: حدثنا محمد بن جعفر ، قال: حدثنا شعبة. وفي (2/481) قال: حدثنا وكيع ، ومسلم (8/53) قال: حدثنا زُهير بن حرب ، قال: حدثنا جرير.
(ح) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو كُريب ، قالا: حدثنا أبو معاوية .
(ح) وحدثنا ابن نُمير قال: حدثنا أبي.
والترمذي (2138) قال: حدثنا محمد بن يحيى القُطَعي البصري ، قال: حدثنا عبد العزيز بن ربيعة البناني (ح) أبو كُريب والحسين بن حُريث ، قالا: حدثنا وكيع .
ثمانيتهم - أبو معاوية ، ووكيع ، ومحمد بن عُبيد ، وعبد الله بن نُمير ، وأبو حمزة ، وشعبة ، وجرير بن عبد الحميد ، وعبد العزيز - عن سليمان الأعمش ، عن أبي صالح ، فذكره .
- ورواه عنه سعيد بن المسيب :
أخرجه أحمد (2/233) ، قال: حدثنا عبد الأعلى ، عن معمر ، وفي (2/275) قال: حدثنا عبد الرزاق ، قال: حدثنا معمر ، ومسلم (8/52 ، 53) ، قال: حدثنا حاجب بن الوليد ، قال: ثنا محمد بن حرب ، عن الزبيدي.
(ح) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال: حدثنا عبد الأعلى (ح) وحدثنا عبد بن حميد ، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، كلاهما عن معمر .
كلاهما - معمر ، ومحمد بن الوليد- عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب .
- ورواه عنه أيضًا طاوس :
أخرجه الحميدي (1113) ، قال: حدثنا سُفيان ، قال: وحدثناه عمرو ، وأحمد (2/282) ، قال: حدثنا إبراهيم بن خالد ، قال: حدثنا رَباح ، عن عمر بن حبيب ، عن عمرو بن دينار ، وفي (2/346) قال: حدثنا عفان ، قال: حدثنا حماد بن سلمة ، عن قيس. والنسائي (4/58) قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن المُبارك ، قال: حدثنا الأسود بن عامر ، قال: حدثنا حماد ، عن قيس ، هو ابن سعد.
كلاهما - عمرو بن دينار ، وقيس- عن طاوس ، فذكره .
- ورواه عنه أيضًا أبو سلمة بن عبد الرحمن :
أخرجه أحمد (2/393) ، قال: حدثنا حسين ، قال: حدثنا ابن أبي ذئب ، والبخاري (2/118 ، 6/143) قال: حدثنا عَبْدان ، قال: أخبرنا عبد الله ، قال: أخبرنا يونس ، وفي (2/125) قال: حدثنا آدم ، قال: حدثنا ابن أبي ذئب ، ومسلم (8/53) ، قال: حدثني أبو الطاهر ، وأحمد بن عيسى ، قالا: حدثنا ابن وهب ، قال: أخبرني يونس بن يزيد.
كلاهما - محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ، ويونس بن يزيد- عن ابن شهاب الزهري ، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، فذكره.

الباب الثالث : في أحاديث متفرقة تتعلق بالإيمان والإسلام
57 - (خ م ت) أبو هريرة - رضي الله عنه - : قال : قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ المؤمِنِ كَمَثَلِ خَامَةِ الزَّرْعِ ، مِنْ حيثُ أَتتْها الريحُ تُفِيئُها ، فإذا اعْتدَلتْ تُلَقَّى بالبلاء ، والْفاجِرُ كالأَرَزَةِ صَمَّاء معتدلةً ، حتَّى يَقْصِمَها الله إِذَا شاءَ» .
وفي أُخرى : «مثل المؤمن مثل الزرع ، لا تزال الريح تُميله ، ولا يزال المُؤمِنُ يُصيبُه البَلاءُ ، وَمَثلُ المُنَافِقُ كَمَثلِ شَجَرةِ الأرْز لا تهتز حتى تَسْتَحْصِدَ» . -[272]-
أخرجه البخاري ، والترمذيّ مثلَ الرواية الثانية ، إِلا أَنَّه ذكَرَ فيها «الخَامَةَ مِن الزَّرعِ (1)» .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
خامة : الخامات من النبات : الغضَّةُ الرطبة اللينة .
تُفيئها : أي تُميلها كذا وكذا ، حتى ترجع من جانب إلى جانب.
كالأرَزَةِ : بفتح الراء: شجرةُ الأرزِن ، وهو خشب معروف ، وبسكونها : شجرة الصنوبر ، والصنوبر: ثمرها.
يقصِمُها : القَصْمُ : الكسر ، يقال: قَصَمْتُ الشيء قَصمًا : كسرته حتى يبين وينفصل .
تستحصد : الاستحصاد: التهيؤ للحصد ، وهو القطع.
صماء : الصماء المكتنزة ، التي لا تخلخل فيها .
__________
(1) البخاري 10/93 في المرضى ، باب ما جاء في كفارة المرضى ، ومسلم رقم (2809) في صفات المنافقين ، باب مثل المؤمن كالزرع ، والترمذي رقم (2870) في الأمثال ، باب 4 .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه مسلم في التوبة عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن عبد الأعلى ، ومن طريق عبد بن حميد ، كلاهما عن عبد الرزاق ، عن معمر عن الزهري عن سعيد بن أبي هريرة «فذكره» .
والترمذي في الأمثال (2870) عن الحسن بن علي الخلال وغير واحد ، كلهم عن عبد الرزاق به.
* وسقط في التحفة العزو للبخاري ، وهو عنده في كتاب المرضى (10/93) باب ما جاء في كفارة المرضى.

58 - (خ م) كعب بن مالك - رضي الله عنه - : قال : قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : «مثل المؤمن : كمثلِ الخَامَةِ مِنَ الزَّرعِ ، تُفِيئها الريحُ ، تَصرَعُهَا مرةً ، وتَعْدِلُها أُخرى ، حتى تَهيجَ» .
وفي أُخرى : «حتّى يأتِيَهُ أَجلُهُ ، ومثلُ المنافق : مثلُ الأرْزةِ المُجْذِيَةِ على أَصْلِها ، لا يُفيئها شيءٌ ، حتّى يكونَ انجعافُها مَرَّةً واحدةً» . أَخرجه -[273]- البخاري ، ومسلم (1) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
تَصْرَعُها : أي ترميها وتُلقيها ، من المصارعة .
تهيج : هاج النبات هيجًا: إذا أخذ في الجفاف والاصفرار ، بعد الغضاضة والاخضرار .
المجذية : الثابتة ، يقال: جَذا يجذُو ، وأجذى يُجذي لغتان .
انجعافُها : الانجعاف: الانقلاع ، وهو مطاوع: جعَفْتُ الشيء : إذا قلعته .
__________
(1) البخاري 10/91 ، 92 في المرضى ، باب ما جاء في كفارة المرضى ، ومسلم رقم (2810) في صفات المنافقين ، باب مثل المؤمن كالزرع .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح :أخرجه أحمد (6/386) ، قال: حدثنا يزيد ، وأبو النضر ، قالا:أخبرنا المسعودي.وعبد بن حميد (373) قال:أخبرنا جعفر بن عون ، قال:أخبرنا المسعودي ، ومسلم (8/136) قال:حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن نمير ، ومحمد بن بشر ، قالا: حدثنا زكريا بن أبي زائدة.
(ح) وحدثناه محمد بن بشار ، قال: حدثنا يحيى ، وهو القطان ، عن سفيان ، والنسائي في الكبرى (الورقة 98) قال: أخبرنا محمد بن بشار ، قال: حدثنا يحيى ، عن سفيان.
ثلاثتهم - المسعودي ، وزكريا ، وسفيان- عن سعد بن إبراهيم ، عن ابن كعب بن مالك ، فذكره.
* أخرجه أحمد (3/454) قال: حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن سعد ، عن عبد الله ، أو عبد الرحمن ابن كعب بن مالك . (قال عبد الرحمن : هو شك - يعني سفيان) عن أبيه ، فذكره .
* وأخرجه الدارمي (2752) قال: حدثنا محمد بن يوسف. والبخاري (7/149) قال: حدثنا مسدد. قال: حدثنا يحيى ، ومسلم (8/136) قال: حدثنيه محمد بن حاتم ، ومحمود بن غيلان ، قالا: حدثنا بشر بن السري.
(ح) وحدثناه عبد الله بن هاشم ، قال: حدثنا يحيى ، وهو القطان .
ثلاثتهم - ابن يوسف ، ويحيى ، وبشر- عن سفيان ، عن سعد بن إبراهيم ، عن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، فذكره .
* وأخرجه مسلم (8/136) قال: حدثني زهير بن حرب ، قال: حدثنا بشر بن السري ، وعبد الرحمن بن مهدي ، قالا: حدثنا سفيان ، عن سعد بن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، فذكره .

59 - (خ م) ابن عمر - رضي الله عنهما - : قال : قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : «مَثلُ المؤمنِ كمَثَل شجرةٍِ خضراءَ ، لا يسقُط ورقُها ، ولا يَتَحاتُّ» . فقال القومُ كذا ، هي شجرةُ كذا ، فأَرَدتُ أَن أَقولَ : هي النَّخْلةُ ، وأَنا غلام شاب ، فَاستَحْيَيْتُ ، فقال : «هي النَّخْلَةُ» . أَخرجه البخاريّ ، ومسلم ، وأَخرجاهُ من طُرقٍ أُخرى ، أَطْولَ من هذا بزيادةٍ أَوجبتْ ذِكْرهُ في غير هذا الموضع (1) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
يتحاتّ : تحاتّ ورقُ الشجر : إذا انتثر وتساقط بنفسه .
__________
(1) البخاري 1/133 ، 134 في العلم ، باب ما يقوله المحدث ، ومسلم رقم (2811) في صفات المنافقين ، باب مثل المؤمن كالزرع .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (2/31) [4859] قال: حدثنا يزيد بن هارون ، والبخاري (8/36) قال: حدثنا آدم ، كلاهما عن شعبة ، قال: ثنا محارب بن دثار ، عن ابن عمر ، فذكره .
قلت: ولم يخرجه مسلم بهذا اللفظ ، إنما أخرجه من حديث عبد الله بن دينار ، ومجاهد ، ونافع عن ابن عمر ، فتدبر.

60 - (ت) النواس بن سمعان - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إنَّ الله ضربَ مَثَلاً صراطًا مُستقيمًا ، على كَنَفَي الصّراطِ ، زُوْرَان (1) لهما أَبوابٌ مُفتَّحةٌ ، على الأبوابِ سُتُورٌ ، وداعٍ يَدْعو على رأْس الصِّراطِ ، وداعٍ يدعو فوقَه : {واللهُ يَدْعو إِلى دارِ السَّلامِ ويَهدي من يشاءُ إلى صراطٍ مستقيم} [يونس: 25] ، والأبواب التي على كَنَفِي الصراطِ حدود الله ، فلا يَقَعُ أَحدٌ في حُدودِ الله حتى يَكْشِف السِّتْر ، والذي يدْعو من فوقِهِ واعِظُ ربِّهِ» . أخرجه الترمذي (2) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
كنفي : كَنف الشيء : جانبه .
حدود : جمع حدٍّ ، وهي أحكام الشرع ، وأصل الحد : الفاصل -[275]- بين الشيئين ، فكأن حدود الشرع فواصل بين الحلال والحرام .
وهذا حديثٌ وجدتُهُ في كتاب رزين بن معاوية ، ولم أجده في الأصول .
__________
(1) أي جداران ، وفي حديث ابن مسعود الآتي " سوران " والظاهر أن السين قد أبدلت بالزاي ، كم يقال في الأسدي : الأزدي .
(2) رقم (2863) في الأمثال ، باب رقم 1 ، وقال : هذا حديث حسن غريب . نقول : وأخرجه أحمد في المسند 4/182 من حديث النواس بن سمعان بلفظ : " ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً ، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وعلى باب الصراط داع يقول : يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً ، ولا تعوجوا (وفي المسند : تتفرجوا ، وهو تحريف) ، وداع يدعو من جوف الصراط : فإذا أراد أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب ، قال : ويحك لا تفتحه ، فإنك إن تفتحه تلجه ، والصراط : الإسلام : والسوران : حدود الله تعالى ، والأبواب المفتحة : محارم الله تعالى ، وذلك الداعي على رأس الصراط : كتاب الله عز وجل ، والداعي فوق الصراط : واعظ الله في قلب كل مسلم " ، وإسناده صحيح ، وأخرجه الحاكم في المستدرك 2/318 ، وقال : صحيح على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
إسناده محتمل :
1 - أخرجه أحمد (4/182) قال: حدثنا الحسن بن سوار أبو العلاء قال: حدثنا ليث ، يعني ابن سعد ، عن معاوية بن صالح ، أن عبد الرحمن بن جبير حدثه .
2 - وأخرجه أحمد (4/183) قال: حدثنا حيوة بن شريح ، والترمذي (2859) قال: حدثنا علي بن حُجْر السعدي ، والنسائي في الكبرى (تحفة الأشراف) (9/11714) عن علي بن حُجْر ، وعمرو بن عثمان ، ثلاثتهم - حيوة ، وعلي ، وعمرو - عن بقية بن الوليد ، عن بحير بن سعد ، عن خالد بن مَعدان .
كلاهما - عبد الرحمن بن جبير ، وخالد بن مَعدان - عن جبير بن نفير ، فذكره.
قلت: الإسناد الأول فيه معاوية بن صالح ، مختلف فيه ، صاحب إفرادات ويغرب بحديث أهل الشام ، وهذا منها ، وفي الإسناد الثاني بقية بن الوليد المدلس ، والله أعلم .

61 - () ابن مسعود - رضي الله عنه - : قال : إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «ضَرَبَ اللهُ مَثلاً صراطًا مُستقيمًا ، وعن جَنَبتي الصِّراط سورانِ فيهما أَبْوابٌ مُفَتَّحةٌ ، وعلى الأبْوابِ ستُورٌ مُرْخَاةٌ ، وعندَ رَأْسِ الصِّراطِ داع يقول : استقيموا على الصراط ولا تَعْوَجُّوا ، وفوقَ ذلك داعٍ يَدْعو كُلَّما همَّ عَبْدٌ أَنْ يَفْتَحَ شيئًا من تلك الأَبواب ، قال : ويْحَكَ ، لا تفْتَحْهُ ، فإنك إِن تفتحه تَلِجْهُ. ثم فسَّره فأَخبر : أَنَّ الصّراط : هو الإِسلام ، وأَن الأبواب المفتَّحة ، محارمُ الله ، وأَنَّ السُّتورَ المُرْخاةَ : حُدودُ الله ، والدَّاعي على رَأْسِ الصراطِ : هو القُرآنُ ، وأَنَّ الدَّاعِي منْ فوقِهِ : هو واعظُ الله في قلْبِ كُلِّ مؤمنٍ (1)» .
__________
(1) الحديث بهذا اللفظ لا يعرف من حديث ابن مسعود ، وإنما هو من حديث النواس بن سمعان ، وقد روى الإمام أحمد في " المسند " 4142 ، 4437 ، والحاكم 2/368 ، والطبري 12/230 من حديث عبد الله بن مسعود قال : خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً ، ثم خط عن يمينه وشماله خطوطاً ، ثم قال : هذا سبيل الله وهذه السبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ، ثم قرأ {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} ، وإسناده حسن ، وصححه الحاكم ، وأقره الذهبي .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
غريب : لا يعرف من حديث ابن مسعود ، إنما هو من حديث «النواس» السابق. ورزين العبدي زياداته على الأصول غريبة المخارج ، وهذا أولها. وقد ثبرت عن هذا الحديث فلم أهتد إليه.

62 - (م) أبو هريرة - رضي الله عنه - : قال : إِنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «بَدَأَ الإِسلامُ غريبًا ، وسَيَعُودُ غريبًا كما بدَأَ ، فطُوبَى للغرباءِ (1)» . -[276]- أَخرجه مسلم (2) .
__________
(1) قال النووي في شرح مسلم : " بدأ الإسلام غريباً " كذا ضبطناه : " بدأ " بالهمزة من الابتداء ، و " طوبى " فعلى من الطيب ، قال الفراء : وإنما جاءت الواو لضمة الطاء ، قال : وفيها -[276]- لغتان . تقول العرب : طوباك ، وطوبى لك .
وأما معنى " طوبى " فاختلف المفسرون في معنى قوله تعالى : {طوبى لهم} [الرعد : 29] فروي عن ابن عباس أن معناه : فرح وقرة عين ، وقال عكرمة : نعمى لهم ، وقال الضحاك : غبطة لهم ، وقال قتادة : حسنى لهم ، وعن قتادة أيضاً معناه : أصابوا خيراً ، وقال إبراهيم : خير لهم وكرامة . وقال عجلان : دوام الخير ، وقيل : الجنة ، وقيل : شجرة في الجنة ، وكل هذه الأقوال محتملة في الحديث .
وقال القاضي عياض : روى ابن أبي أويس عن مالك : معنى بدأ غريباً ، أي بدأ الإسلام غريباً في المدينة ، وسيعود إليها .
وظاهر الحديث العموم ، وأن الإسلام بدأ في آحاد من الناس وقلة ثم انتشر وظهر ، ثم سيلحق أهله النقص والاختلاف ، حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلة أيضاً كما بدأ .
وجاء في الحديث تفسير الغرباء " هم النزاع من القبائل " قال الهروي : أراد بذلك المهاجرين الذين هجروا أوطانهم إلى الله تعالى .
نقول : وللحافظ ابن رجب الحنبلي رسالة قيمة استوفى فيها شرح هذا الحديث سماها " كشف الكربة في وصف أهل الغربة " .
(2) رقم (145) في الإيمان ، باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه مسلم في الإيمان (145) قال: حدثنا محمد بن عباد ، وابن أبي عمر ، جميعًا عن مروان الفزاري. قال ابن عباد: حدثنا مروان عن يزيد - يعني ابن كيسان- ، عن أبي حازم عن أبي هريرة «فذكره» .قلت: وفي الباب عن ابن عمر ، وهو مخرج في مسلم (146) ، وعن عمرو بن عوف عند الترمذي ، قال الألباني : إسناده واهٍ جدًا . المشكاة (170) .

63 - (ت) عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : قال : إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «إن الإِسلامَ بَدَأَ غريبًا ؛ وسيعودُ غريبًا كما بدأَ ، فطوبَى للغرباء» . أَخرجه الترمذيّ (1) .
__________
(1) رقم (2631) في الإيمان ، باب 13 وقال : حديث حسن غريب صحيح .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
حسن صحيح : رواه الترمذي في الإيمان (13/1) عن أبي كريب ، وابن ماجة في الفتن عن سفيان عن وكيع - كلاهما عن حفص بن غياث ، عن الأعمش عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن ابن مسعود . قلت: قال أبو عيسى الترمذي: حسن صحيح ، تفرد به حفص ، إنما نعرفه من حديثه. أه.
ورواه أحمد (1/398) ، والدارمي (2758) .

الكتاب الثاني : في الاعتصام بالكتاب والسنة ، وفيه بابان
الباب الأول : في الاستمساك بهما
64 - (ط) مالك بن أنس - رحمه الله - : بَلَغَهُ ، أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «تَركْتُ فيكُمْ أَمْرَيْنِ لنْ تَضِلُّوا ما تَمسَّكْتُمْ بهما : كتابَ الله ، وسنّة رسولِهِ» . أَخرجه الموطأ (1) .
__________
(1) في القدر رقم 3 باب النهي عن القول بالقدر بلاغاً ، لكن يشهد له حديث ابن عباس عند الحاكم 1/93 بسند حسن فيتقوى به .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
الموطأ [1727] كتاب الجامع «باب النهي عن القول بالقدر» .
قال الإمام الزرقاني: مر أن بلاغه صحيح كما قال ابن عيينة ، وقد أخرجه ابن عبد البر من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده ، وعزاه للحاكم .
شرح الموطأ (4/307) ط/ دار الكتب العلمية بيروت .
قلت: له شاهد من حديث ابن عباس ، أخرجه الحاكم (1/93) وقد صح من غير بلاغ الموطأ في غير حديث.

65 - (ت) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - : قال : رأَيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّة الوَداع يوم عرفة ، وهو على ناقته القَصْواءِ ، يَخْطُبُ ، فَسَمِعْتُهُ يقول: «إِني تَركْتُ فيكم ما إنْ أَخذْتُمْ به لن تَضِلُّوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيْتي» . أخرجه الترمذي (1) .
ٍ
[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
(القصواء) :اسم ناقة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم تكن قصواء ،لأن الناقة -[278]-القصواء هي التي قُطع طرف أذنها ، ولم تكن ناقته كذلك ، يقال : ناقة قصواء ، وشاة قصواء ، ولا يقال : جمل أقصى ، وإنما يقال : مقصو ، ومقصي ، تركوا فيه القياس .
__________
(1) رقم (3790) في المناقب ، باب 77 ، وإسناده ضعيف ، لكن يشهد له حديث زيد بن أرقم الآتي ، ولذا قال الترمذي رحمه الله : هذا حديث حسن غريب .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
إسناده ضعيف : أخرجه الترمذي [3786] قال: حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفى ، قال: حدثنا زيد ابن الحسن هو الأنماطي ، عن جعفر بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جابر فذكره.
قلت: قال الترمذي: وفي الباب عن أبي ذر ، وأبي سعيد ، وزيد بن أرقم ، وحذيفة بن أسيد ، وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ، وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان ، وغير واحد من أهل العلم. أه.
قلت: الحسن بن زيد فيه ضعف ، قال ابن عدي: لعل شعبة لم يرو عن أضعف منه. انظر الكاشف (1/338) [1848] .

66 - (ت) زيد بن أرقم - رضي الله عنه - : قال : قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : «إِنِّي تَاركٌ فيكم ما إن تَمسَّكْتُمْ به لن تَضِلُّوا بعدي ، أَحدُهما أَعظمُ من الآخر ، وهو كتابُ الله ، حبلٌ مَمْدودٌ من السَّمَاءِ إِلى الأرض ، وعترتي أَهل بيتي ، لنْ يَفْترقا حتى يردَا عليَّ الحوضَ ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ؟» . أخرجه الترمذي (1) .
__________
(1) رقم (3790) في المناقب ، باب 77 ، وقال : حديث حسن غريب .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
أخرجه الترمذي (3788) قال: حدثنا علي بن المنذر ، قال: ثنا محمد بن فضيل ، قال: حدثنا الأعمش عطية عن أبي سعيد ، والأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد ، فذكره.
قلت: الأعمش يدلس ، وفي القلب من هذا السند شيء ، وعطية هو العوفي ضعفوه بشدة ، وقد تكلم فيه ، والله أعلم .

67 - (د ت) قال عبد الرَّحمن بن عمرو السُّلَميّ وحُجْر بن حُجْر : أَتينَا العِرباضَ بْنَ ساريةَ - رضي الله عنه - وهو ممَّن نَزل فيه : {ولا عَلَى الَّذين إِذَا ما أَتَوْكَ لِتحْمِلَهم قلتَ لا أَجدُ ما أحمِلُكُم عليه} [التوبة : 92] فسلّمنا ، وقُلنا: أَتيناكَ زائريْنَ ، وعائديْنَ ، ومُقْتَبِسَيْن ، فقال العرباضُ : صلى بنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يومٍ ، ثمّ أقبل علينا بوجهه ، فوعَظَنا موعِظةً بَليغةً ، ذَرَفتْ منها العيون ، ووَجِلت منها القلوبُ ، فقالَ رجل : يا رسولَ الله ، كأنَّ هذه موعظةُ مودِّعٍ ، فماذا تَعْهدُ إلينا ؟ قال : «أُوصيكم بتقْوى الله ، والسَّمعِ والطاعة ، -[279]- وإنْ عَبْدًا حبشيًّا ، فإنه من يَعِشْ منكم بعدي فسيَرى اختلافًا كثيرًا ، فعليكم بسنّتي وسنّةِ الخلفَاءِ الراشِدينَ المهديِّينَ ، تمسكوا بها ، وعَضُّوا عليها بالنواجِذِ ، وإياكم ومُحدثاتِ الأمورِ ، فإنَّ كلَّ مُحدثَةٍ بدْعةٌ ، وكل بدْعَةٍ ضَلاَلَة» .هذه رواية أبي داود.وأخرجه الترمذي ، ولم يذكر الصَّلاة ، وفي آخِرِه: تقديم وتأخير (1) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
مقتبسين : الاقتباس في الأصل : أخْذُ القبَس من النار ، وأراد به: الأخذ من العلم والأدب.
ذرفت : العينُ تذرفُ : إذا دَمعت .
وجلت : وَجل القلبُ يَوْجَلُ : إذا خاف وفَزع ، والوجل: الفزع.
تعهد : عهد إليه بكذا يعهد : إذا أوصى إليه.
الراشدين: الراشد: اسم فاعل من رشد يَرشَدُ ، ورَشَدَ يرْشُدُ رشدًا ، وهو خلاف الغي ، وأرشدته أنا: إذا هديته .
المهديين : المهدي: الذي قد هداه الله إلى الحق ، هداه يهديه فهو مهدي ، والله هاديه. -[280]-
وإن عَبْدًا حبشيّاً : أي : أطع صاحب الأمر ، واسمع له ، وإن كان عبدًا حبشيّاً ، فحذف «كان» وهي مرادة.
وَعَضُّوا عليها بالنواجذ: النَّواجِذُ : الأضراس التي بعد الناب ، جمع ناجذ ، وهذا مثلٌ في شدة الاستمساك بالأمر؛ لأنَّ العَضَّ بالنّواجذ عَضٌّ بمعظم الأسنان التي قبلها والتي بعدها.
الهدي: بفتح الهاء ، وسكون الدال: الطريقةُ والسيرةُ.
محدثات الأمور: ما لم يكن معروفًا في كتاب ، ولا سنة ، ولا إجماع.
بدعة : الابتداع: إذا كان من الله وحده فهو إخراجُ الشيء من العدم إلى الوجود ، وهو تكوين الأشياء بعد أن لم تكن ، وليس ذلك إلا إلى الله تعالى ، فأمَّا الابتداع من المخلوقين ، فإن كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله ، فهو في حَيِّز الذمِّ والإنكار ، وإن كان واقعًا تحت عموم ما ندب الله إليه ، وحضَّ عليه أو رسوله ، فهو في حيِّز المدح ، وإن لم يكن مثاله موجودًا ، كنوعٍ من الجود والسخاء ، وفعل المعروف ، فهذا فعل من الأعمال المحمودة لم يكن الفاعل قد سُبق إليه؛ ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما وَرَدَ الشرع به؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قد جعل له في ذلك ثوابًا فقال: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حسَنَة ، كان له أجرُها وأجرُ من عمل بها» وقال في ضده : «من سَنَّ سُنَّةً سيئة ، كان عليه وِزرُها ووزرُ من عمل بها (2)» .
وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله ، ويعضد ذلك قول -[281]- عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- في صلاة التراويح: «نِعْمتِ البدعة هذه» لما كانت من أفعال الخير ، وداخلةً في حيِّز المدح ، سمَّاها بدعة ومدحها ، وهي وإن كان النبيٍّ - صلى الله عليه وسلم - قد صلاها - إلا أنه تركها ، ولم يحافظ عليها ، ولا جمع الناس عليها ، فمحافظة عمر عليها ، وجمعه الناس لها ، وندبُهُم إليها بدعة ، لكنها بدعةٌ محمودة ممدوحة .
__________
(1) أبو داود في " السنة " رقم (4607) : باب لزوم السنة ، والترمذي في العلم رقم (2678) : باب 16 ، وإسناده صحيح ، وأخرجه أحمد في المسند 4/126 ، 127، وابن ماجة في المقدمة رقم 42 باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين . وانظر شرح هذا الحديث مفصلاً في " جامع العلوم والحكم " للحافظ ابن رجب الحنبلي .
(2) قطعة من حديث طويل أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1017) من حديث جرير .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (4/126) ، وأبو داود (4607) ، قال: حدثنا أحمد بن حَنبل ، قال: حدثنا الوليد بن مسلم ، قال: حدثنا ثور بن يزيد ، قال: حدثني خالد بن مَعْدان ، قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي ، وحجر بن حجر ، فذكراه.
* أخرجه أحمد (4/126) قال: حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدي ، قال: حدثنا مُعاوية- يعني ابن صالح- عن ضمرة بن حبيب . وفي (4/126) قال: حدثنا الضحاك بن مخلد ، عن ثور ، عن خالد بن مَعْدان ، والدارمي (96) قال: أخبرنا أبو عاصم ، قال: أخبرنا ثور بن يزيد ، قال: حدثني خالد بن مَعْدان . وابن ماجة (43) قال: حدثنا إسماعيل بن بشر بن منصور ، وإسحاق بن إبراهيم السواق ، قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدي ، عن مُعاوية بن صالح ، عن ضمرة بن حبيب ، وفي (44) قال: حدثنا يحيى بن حكيم ، قال: حدثنا عبد الملك ابن الصباح المسمعي ، قال: حدثنا ثور بن يزيد ، عن خالد بن مَعْدان.
والترمذي (2676) قال: حدثنا علي ابن حُجْر ، قال: أخبرنا بقية بن الوليد ، عن بحر بن سعد ، عن خالد بن مَعْدان.
(ح) وحدثنا الحسن بن علي الخلال ، وغير واحد ، قالوا: أخبرنا أبو عاصم ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن مَعدْان .
كلاهما - ضمرة بن حبيب ، وخالد بن مَعْدان- عن عبد الرحمن بن عَمرو السلمي ، أنه سمع العرباض بن سارية ، فذكره. ليس فيه : (حُجْر بن حُجر) .
قلت: والحديث عند ابن ماجة أيضًا من رواية يحيى بن أبي المطاع عن العرباض (42) ، وعند أحمد (4/127) من رواية عبد الله بن أبي بلال عن العرباض - رضي الله عنه- .

68 - (د ت) المقدام بن معد يكرب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ألا هلْ عَسَى رجلٌ يَبْلُغُهُ الحديثُ عنِّي ، هو مُتَّكئٌ على أرِيكَتِهِ ، فيقول : بيننا وبينكم كتابُ الله ، فما وجدنا فيه حلالاً استحللْناهُ ، وما وَجَدْنا فيه حرامًا حرَّمْنَاهُ ، وإن ما حرَّم رسولُ الله كما حَرَّمَ اللهُ» هذه رواية الترمذي. ورواية أبي داود : قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ألا إني أوتيتُ هذا الكتاب ، ومثلَهُ معهُ ، ألا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعان على أريكته ، يقولُ : عليكم بِهذَا القُرآن ، فما وَجدْتُم فيه من حلالٍ فأحِلُّوهُ ، وما وجدْتُم فيه من حرام فَحَرِّموهُ ، ألا لا يَحِلُّ لكُم الحِمارُ الأهليّ ، ولا كلُّ ذي نَاب مِنَ السِّبَاعِ ، ولا لُقْطَةُ مُعاهدٍ ، إلا أنْ يَستَغْنِيَ عنها صَاحِبُها ، ومن نَزَلَ بقَومٍ ، فعليهم أن يُقْرُوهُ ، فإن لم يُقْرُوهُ ؛ فله أن يُعْقِبَهُمْ بمثل قِرَاهُ (1)» . -[282]-

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
أَريكته : الأريكة : السرير في الحَجَلَة ، ولا يسمى منفردًا أريكة ، وقيل: هو كل اتُّكِيءَ عليه.
يوشك : أوشَكَ : إذا أسرع وقرب ، يوشك إيشاكًا.
اللُّقطة : ما وجدته مرميّاً في الأرض ، لا تعرف له صاحبًا.
معاهد : المعاهد : الذي بينك وبينه عهدٌ وموادعة ، والمراد به: من كان بينه وبين المسلمين معاقدة وموادعة ، ومهادنة ، فلا يجوز أن تُتَملّكَ لقطته؛ لأنه معصوم المال ، يجري حكمه مجرى حكم الذمي.
يقروه : القِرى: ما يُعدُّ للضيف النازل من النزل .
يعقبهم : ويُعقِبهم - مشددًا ومخففًا - بمعنى أنه يأخذ منهم ، ويغنم من أموالهم ، بقدر قِراه ، ومثله قوله تعالى : {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم} [الممتحنة: 11] وعَقبتم ، أي : فكانت الغلبة لكم ، فغنمتم منهم .
أُوتيتُ : قال الخطابي في شرح هذا الحديث: قوله -صلى الله عليه وسلم- : «أوتيتُ هذا الكتاب ومثلَه» يحتمل وجهين من التأويل:
أحدهما : أن معناه: أنه أُوتي من الوحي الباطن غير المتلوِّ مثل ما أعطى من الظاهر المتلو .
والثاني : أنه أوتي الكتاب وحيًا ، وأوتي من البيان مثله ، أي: أُذن له أن يبين ما في الكتاب ، فيعم ويخص ، ويزيد عليه ، ويشرع ما ليس في الكتاب ، فيكون في وجوب العمل به ، ولزوم قبوله كالظاهر المتلو من القرآن . -[283]-
وقوله : ويوشك رجل شبعان على أريكته ، يقول: عليكم بهذا القرآن ، فإنه -صلى الله عليه وسلم- يحذَّر بهذا القول من مخالفة السنن التي سَنَّها هو مما ليس في القرآن. وإنما أراد بالأريكة: صِفة أصحاب الترفه والدعة الذين لزموا البيوت ، ولم يطلبوا العلم من مظانه .
وقوله : «إلا أن يستغني عنها صاحبها» معناه: أن يتركها صاحبها لمن يأخذها ، استغناءً عنها ، كقوله تعالى : {فكفروا وتولَّوا واستغنى الله} [التغابن: 6] معناه: تركهم الله استغناءً عنهم ، وقوله: «فله أن يعقبهم بمثل قراه» هذا في الحال المضطر الذي لا يجد طعامًا ، ويخاف التلف على نفسه ، فله أن يأخذ من مالهم بقدر قِراه ، عوض ما حَرَمُوه من قراه.
__________
(1) أبو داود رقم (4604) في السنة : باب لزوم السنة ، وسنده صحيح ، والترمذي رقم (2666) في العلم : باب رقم (60) وقال : هذا حديث حسن ، وأخرجه أحمد في المسند 4/130 ـ 132 ، وابن ماجة رقم (12) في المقدمة ، باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
حسن : أخرجه أحمد (4/132) ، قال: حدثنا عبد الرحمن ، وزيد بن حباب ، والدارمي (592) قال: أخبرنا أسد بن موسى ، وابن ماجة (12) (3193) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال: حدثنا زيد بن الحباب ، والترمذي (2664) قال: حدثنا محمد بن بشار ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي.
ثلاثتهم - عبد الرحمن ، وزيد ، وأسد- قالوا: حدثنا معاوية بن صالح ، عن الحسن بن جابر اللخمي ، فذكره .
قلت: مداره على الحسن بن جابر ، حسن أبو عيسى الترمذي له هذا الحديث ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وأرّخ وفاته ، كذا ابن سعد في الطبقات ، وللحديث شواهد إلا جملة : «ومن نزل بقوم ...» لم أعثر له على شاهد يحضرني الآن ، والحديث محتمل ، والله أعلم .
راجع ترجمة الحسن من التهذيب (2/259) / ط الهند .

69 - (د ت) أبو رافع - رضي الله عنه - أن رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال : «لا أعْرِفَنَّ الرَّجُلَ منكم يأتيه الأمْرُ من أمري : إمَّا أمَرْتُ به ، أو نهيتُ عنه ، وهو متكئ على أريكته ، فيقول ، ما نَدْري ما هذا ؟ عندنا كتابُ الله ، وليس هذا فيه. وما لرسول الله أنْ يقول ما يُخالفُ القرآن ، وبالقرآن هَدَاهُ اللهُ» . أخرجه الترمذي وأبو داود.
ولفظُهما أخصر من هذا ، وهُوَ : أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «لا أُلْفِيَنَّ أحدَكُم متَّكئًا على أريكته ، يأتيه أمري : ممَّا أمرتُ به ، أو نَهيتُ عنه ، فيقولُ : لا أدْرِي ، ما وجدْنا في كتاب الله اتَّبعْناهُ» . -[284]- واللفظ الأول مما وجدته في كتاب رزين (1) :

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
لا أُلفينَّ : ألفيت الشيء أُلفيه : إذا وجدته وصادفته .
__________
(1) أبو داود رقم (4605) في السنة : باب لزوم السنة ، والترمذي رقم (2666) في العلم : باب رقم (10) وإسناده صحيح . وقال الترمذي : حسن ، وأخرجه أحمد 6/8 ، وابن ماجة في المقدمة رقم (13) .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
أخرجه الحميدي (551) قال: حدثنا سفيان. وأحمد (6/8) قال: حدثنا علي بن إسحاق ، قال: أخبرنا عبد الله. قال: أخبرنا ابن لهيعة ، وأحمد أيضًا قال: حدثنا سفيان. وأبو داود (4605) قال: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ، وعبد الله بن محمد النفيلي. قالا: حدثنا سفيان.
كلاهما - سفيان ، وعبد الله بن لهيعة- عن سالم أبي النضر ، عن عبيدالله بن أبي رافع ، فذكره.
* قال الحميدي: قال سفيان: وحدثنا ابن المنكدر ، مرسلاً ، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... الحديث.
قال الحميدي: قال سفيان: وأنا لحديث ابن المنكدر أحفظ لأني سمعته أولاً. وقد حفظت هذا أيضًا.
* وأخرجه ابن ماجة (13) قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي ، قال: حدثنا سفيان بن عُيينة ، في بيته أنا سألته ، عن سالم أبي النضر ، ثم مرَّ في الحديث. قال: أو زيد بن أسلم ، عن عبيدالله بن أبي رافع ، فذكره.
* وأخرجه الترمذي (2663) قال: حدثنا قتيبة. قال: حدثنا سفيان بن عُيينة ، عن محمد بن المنكدر ، وسالم أبي النضر ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبي رافع ، وغيره رفعه ، فذكره.
* قال الترمذي: وروى بعضهم ، عن سفيان ، عن ابن المنكدر ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً. وسالم أبي النضر ، عن عبيدالله بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- . وكان ابن عيينة إذا روى هذا الحديث على الانفراد بَيَّنَ حديث محمد بن المنكدر من حديث سالم أبي النضر ، وإذا جمعهما روى هكذا.
قلت: قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن .
* اللفظة التي أشار إليها المؤلف - رحمه الله- من كتاب رزين إنما هي مروية من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أخرجه أحمد في المسند (2/367) ، وابن ماجة (21) .

70 - (خ م) أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إنَّ مَثَلَ ما بعثني الله به من الهدى والعلم ، كمثل غَيْثٍ (1) أصاب -[285]- أرضًا ، فكانت منها طَائِفَةٌ طيِّبَةٌ ، قَبِلَت الماءَ فأنْبَتت الكلأ والعُشْبَ الكثير ، وكان منها أجادِبُ أمْسَكت الماءَ ، فنفع الله بها النَّاسَ ، فشربوا منها ، وسَقَوْا ورَعَوا ، وأصابَ طَائِفَةً منها أخْرى ، إنَّما هي قِيعَانٌ لا تُمسِكُ ماءً ، ولا تُنْبِتُ كلأً ، فذلك مَثَلُ مَنْ فَقُه في دين اللهِ عزَّ وجلَّ ، ونَفَعَهُ ما بعثني الله به ، فعلِمَ وعلَّم ، ومَثَلُ من لم يَرْفع بذلك رَأسًا ، ولمْ يقبل هُدى اللهِ الذي أُرْسِلْتُ به» . أخرجه البخاري ومسلم (2) .
__________
(1) قال النووي في شرح مسلم ، أما الغيث : فهو المطر ، وأما العشب والكلأ والحشيش ، فكلها أسماء للنبات ، لكن الحشيش مختص باليابس ، والعشب والخلا - مقصوراً - مختصان بالرطب ، و " الكلأ " بالهمز يقع على اليابس والرطب .
وقال الخطابي وابن عباس " الخلا " يقع على اليابس ، وهذا شاذ ضعيف .
" والأجادب " بالجيم والدال المهملة ، وهي التي لا تنبت كلأ .
وقال الخطابي : هي الأرض تمسك الماء ، فلا يسرع فيها التصوب .
قال ابن بطال وصاحب " المطالع " وآخرون : هو جمع جدب ، على غير قياس ، كما قالوا : في حسن : جمعه محاسن ، والقياس ، أن محاسن جمع محسن ، وكذا قالوا : مشابه ، في جمع شبه ، وقياسه : أن يكون جمع مشبه .
قال الخطابي ، وقال بعضهم : أحادب - بالحاء المهملة والدال - قال : وليس بشيء ، وقال بعضهم : أجارد - بالجيم والراء والدال - قال : وهو صحيح المعنى إن ساعدته الرواية .
قال الأصمعي : الأجارد من الأرض ، ما لا ينبت الكلأ ، معناه : أنها جرداء يابسة ، لا يسترها النبات .
وقال بعضهم : إنما هي " إخاذات " بالخاء والذال المعجمتين وبالألف ، وهو جمع إخاذة ، وهي الغدير الذي يحمل الماء .
وقد ذكر صاحب " المطالع " هذه الأوجه التي ذكرها الخطابي ، فجعلها روايات منقولة ، وقال القاضي عياض -[285]- في الشرح : لم يرد هذا الحرف في مسلم ، ولا في غيره ، إلا بالدال المهملة ، من الجدب ، الذي هو ضد الخصب ، وعليه شرح الشارحون .
(2) البخاري 1/185 في العلم ، باب فضل من علم وعلم . ومسلم رقم (2282) في الفضائل ، باب بيان مثل ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم ، وقد جاء في " الفتح " 1/161 : قال القرطبي وغيره : ضرب النبي صلى الله عليه وسلم ، لما جاء به من الدين مثلاً بالغيث العام الذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه ، وكذا حال الناس قبل مبعثه ، فكما أن الغيث يحيي البلد الميت ، فكذا علوم الدين تحيي القلب الميت ، ثم شبه السامعين له بالأرض المختلفة التي ينزل بها الغيث ، فمنهم العالم العامل المعلم ، فهو بمنزلة الأرض الطيبة شربت فانتفعت في نفسها وأنبتت فنفعت غيرها ، ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه ، غير أنه لم يعمل بنوافله ، أو لم يتفقه فيما جمع لكنه أداه لغيره ، فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس به ، وهو المشار إليه بقوله " نضر الله امرءاً سمع مقالتي فأداها كما سمعها " ، ومنهم من يسمع العلم فلا يحفظه ولا يعمل به ، ولا ينقله لغيره ، فهو بمنزلة الأرض السبخة أو الملساء التي لا تقبل الماء أو تفسده على غيرها ، وإنما جمع في المثل بين الطائفتين الأوليين المحمودتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما ، وأفرد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النفع بها ، والله أعلم .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح :
أخرجه أحمد (4/399) ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد. (قال عبد الله بن أحمد: وسمعته أنا من عبد الله ابن محمد) . والبخاري (1/30) قال: حدثنا محمد بن العلاء. ومسلم (7/63) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو عامر الأشعري ، ومحمد بن العلاء ، والنسائي في الكبرى (تحفة الأشراف) (9044) عن القاسم ابن زكريا الكوفي .
أربعتهم - عبد الله بن محمد أبو بكر بن أبي شيبة ، ومحمد بن العلاء ، وأبو عامر ، والقاسم- عن أبي أسامة حماد بن أسامة ، عن بُريد بن عبد الله بن أبي بردة ، عن أبي بُردة ، فذكره.

71 - (خ م) وعنه - رضي الله عنه - أن رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال : «إن مَثَلي ومَثَلُ ما بعثني الله به ، كمثل رجلٍ أتى قَوْمَهُ فقال : إنِّي رأيتُ الجيش بِعَيْنيَّ ، و [إِنيِّ] (1) أنا النَّذيرُ العُريان ، فالنَّجاءَ ، النَّجاءَ ، فأطاعَهُ طائِفَةٌ من -[286]- قَوْمِهِ ، فأدْلَجوا ، فانطلقوا على مَهْلِهِمْ فنَجَوْا ، وكذَّبت طائفَةٌ منهم ، فأصبحوا مكانَهم ، فصبَّحهم الجيش فأهلكَهم ، واجْتَاحَهُم ، فذلك مثل من أطاعني ، واتَّبَعَ ما جئْتُ به ، ومَثَلُ من عصاني ، وكذَّبَ ما جئتُ به من الحقِّ» . أخرجه البخاري ومسلم (2) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
الكلأ : العشب ، وسواء يابسُه ورَطْبُه.
أجادب : قال أبو عبد الله الحُمَيدي - صاحب كتاب «الجمع بين الصحيحين» في شرح غريب كتابه - الذي رأيناه من الروايات في هذا الحديث: أجادب ، بدالٍ قبل باء ، قال: وحكاه الهروي في الجمع بين الغريبين: أجارد ، براء قبل دال ، يقال: مواضع منجردة من النبات ، ويقال: مكان أجرد ، وأرض جرداء: إذا لم تُنبت ، والحديث يدل على أن المراد به الأرض الصلبة ، التي تُمسك الماء .
قلت: وقال الجوهري في كتاب «الصحاح» ، ويقال: فضاء أجرد ، لا نبات به ، والجمع أجارد ، إلا أن لفظة الحديث في الروايات «أجادب» ولعل لها معنى لم يعرف ، والله بلطفه يهدي إليه.
قلت: وذكر الهروي - رحمه الله - أيضًا في كتابه ، في موضع آخر -[287]- : «وكانت فيها إخاذات أمسكت الماء» وقال : الإخاذات: الغُدران التي تأخذ ماء السماء ، فتحبسه على الشاربين ، واحدتها: إخاذة ، وهذا مناسبٌ للفظ الحديث ، فإنه قال: «وكان منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله به الناس ، وشربوا منه» والله أعلم .
قال الخطابي: وأما أجادب فهو غلط وتصحيف ، قال: وقد روي أحادب بالحاء المهملة والباء.
النَّجاءَ : أي: اطلبوا الخلاص ، وأنجوا أنفسكم وخلصوها.
فاجتاحهم: استأصلهم ، وهو من الجائحة التي تهلك الأشياء.
القيعان: جمع قاع ، وهو المستوي من الأرض.
النذير العريان: الذي لا ثوب عليه ، وخص العريان؛ لأنه أبين في العين ، وأصل هذا: أن الرجل منهم كان إذا أنذر قومه ، وجاء من بلد بعيد انسلخ من ثيابه ، ليكون أَبْيَنَ للعين .
أدلجوا : إذا خُفِّف - من أدلج يُدلج - كان بمعنى: سار الليل كله ، وإذا ثقل -من ادَّلج يدَّلج- كان إذا سار آخر الليل.
__________
(1) زيادة من البخاري ومسلم .
(2) البخاري 14/98 في الرقاق : باب الانتهاء عن المعاصي ، ومسلم رقم (2283) في الفضائل : باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه البخاري (8/126 ، 9/115) قال: حدثنا محمد بن العلاء أبو كُريب. ومسلم (7/63) قال: حدثنا عبد الله بن بَرَّاد الأشعري ، وأبو كُريب.
كلاهما - محمد بن العلاء أبو كريب ، وعبد الله بن براد- قالا: حدثنا أبو أسامة ، عن بُريد بن عبد الله بن أبي بردة ، عن أبي بُردة ، فذكره.

72 - (خ م ت) أبو هريرة - رضي الله عنه - أنه سمع رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول : «إنما مَثَلي ومَثَل النَّاسِ ، كمثل رجلٍ استوقَدَ نارًا ، فلمَّا أضَاءتْ ما حَوْلَهُ ، جعَلَ الفَراشُ وهذي الدوابُّ ، الَّتي تقع في النَّار ، تَقَع فيها ، -[288]- فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ (1) ويَغْلِبْنَهُ ، فَيَتَقَحَّمْنَ (2) فيها ، فأنا آخِذُ بِحُجَزِكُم (3) عن النَّار ، وأنتُم تَقَحَّمُونَ (4) فيها» . هذه رواية البخاري.
ولمسلم نحوُها ، وقال في آخرها : «فذلك مثلي ومثلُكُم ، أنا آخذٌ بِحُجَزكم عن النار ، هلُمَّ عن النَّار ، هلُمَّ عن النَّار ، فتَغْلِبُوني (5) وتَقَحَّمُونَ (6) فيها» . وأخرجه الترمذي بنحوه (7) .
__________
(1) وفي وراية يزعهن ، أي : يدفعهن .
(2) في المطبوع : يقتحمن .
(3) الحجز : جمع حجزة ، وهي معقد الإزار ، وحجزة السراويل معروفة .
(4) في المطبوع : تقتحمون .
(5) في مسلم : فتغلبوني تقحمون فيها .
(6) " التقحم " الإقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تثبت .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم " أنا آخذ بحجزكم " فروي بوجهين : أحدهما : اسم فاعل بكسر الخاء وتنوين الذال ، والثاني : فعل مضارع بضم الذال بلا تنوين ، والأول : أشهر ، وهما صحيحان .
وأما " تفلتون " فروي بوجهين ، أحدهما : فتح التاء المثناة والفاء واللام المشددة ، والثاني : ضم التاء وإسكان الفاء وكسر اللام المخففة - تفلتون - وكلاهما صحيح ، يقال : أفلت مني وتفلت : إذا نازعك الغلبة والهرب ، ثم غلب وهرب ، ومقصود الحديث : أنه صلى الله عليه وسلم ، أرسله الله ليمنع بقدر طاقته تساقط الجاهلين والمخالفين بشركهم وبمعاصيهم وشهواتهم في غضب الله وعذابه في الدنيا ، وفي نار الآخرة ، وهم حريصون بعمى بصائرهم وجاهليتهم على الوقوع في ذلك مع منعه إياهم وقبضه على مواضع المنع منهم ، فهم يتساقطون في الفساد تساقط الفراش في النار ، لهواهم وضعف تمييزهم ، فكلاهما حريص على هلاك نفسه ، ساع في ذلك .
(7) البخاري 14/100 في الرقاق : باب الانتهاء عن المعاصي ، و 7/274 في حديث الأنبياء : باب قوله تعالى : {ووهبنا لداود سليمان} ، وأخرجه مسلم رقم (2284) في الفضائل : باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ، والترمذي رقم (2877) في الأمثال : باب رقم (7) .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه الحميدي (1038) قال: حدثنا سفيان. وأحمد (2/244) قال: حدثنا سفيان. والبخاري (4/198 ، 8/126) قال: حدثنا أبو اليمان. قال: أخبرنا شُعيب. ومسلم (7/63) قال: حدثنا قُتَيبة بن سعيد. قال: حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن القرشي.
(ح) وحدثناه عمرو الناقد وابن أبي عمر. قالا: حدثنا سفيان. والترمذي (2874) قال: حدثنا قُتَيبة. قال: حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن.
ثلاثتهم - سفيان ، وشعيب ، والمغيرة بن عبد الرحمن- عن أبي الزناد ، عن عبد الرحمن الأعرج ، فذكره.
قلت: والحديث ورد عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة - رضي الله عنه-: عند أحمد (2/539) .
وعن همام بن منبه عن أبي هريرة :
أخرجه أحمد (2/312) ، ومسلم (7/63) ، من طريق أحمد ، بنحو اللفظ المذكور.
ك

73 - (م) جابر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «مثلي -[289]- ومثلكم كمثل رجل أوْقَدَ نارًا ، فَجَعَلَ الجَنَادِبُ والفَرَاشُ يَقَعْنَ فيها ، وهُوَ يَذُبُّهُنَّ عنها ، وأنا آخِذٌ بِحُجَزِكُم عن النار ، وأنتم تَفَلَّتُونَ مِن يَدِي» .أخرجه مسلم (1) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
الجنادب: جمع جُنْدُب ، وهو طائر كالجراد ، يَصِرُّ في الحرِّ .
تَفلَّتون: التَّفلُّت والانفلات: التخلص من اليد.
__________
(1) رقم (2285) في الفضائل : باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (3/361) قال: ثنا عفان ، ومسلم (7/64) قال: حدثني محمد بن حاتم ، قال: حدثنا ابن مهدي.
كلاهما قالا: حدثنا سليم بن حيَّان ، قال: أخبرنا سعيد بن ميناء عن جابر - رضي الله عنه- ، فذكره.

74 - (خ) بن مسعود - رضي الله عنه - قال : «إنَّ أحسنَ الحديثِ كِتَابُ اللهِ ، وأحسنُ الهَدْيِ هَدْيُ محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، وشَرُّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها ، وإنَّ ما تُوعدونَ لآتٍ ، وما أنتُم بمعجزين» أخرجه البخاري (1) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
الهَدي: بفتح الهاء ، وسكون الدال: الطريقة والسِّيرة.
__________
(1) 17/9 في الاعتصام : باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و 13/125 في الأدب : باب الهدي الصالح .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه البخاري كتاب الأدب ، عن أبي الوليد ، عن شعبة ، عن مخارق ، عن طارق ، عن ابن مسعود ، فذكره.
ورواه أيضًا في الاعتصام بالسنة عن آدم عن شعبة عن عمرو بن مرة ، عن مرة الطيب ، عن ابن مسعود ، فذكره .

75 - (خ م د) عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «مَنْ أحْدَثَ في أمرنا هذا ما لَيْسَ منهُ فهو رَدٌّ» .
وفي رواية «منْ عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا ، فَهو ردٌّ» . أخرجه -[290]- البخاري ومسلم وأبو داود (1) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
فهو رَدٌّ : أمرٌ ردٌّ : إذا كان مخالفًا لما عليه السُّنة .
__________
(1) البخاري تعليقاً بصيغة الجزم 4/298 في البيوع : باب النجش ووصله في الصلح 5/221 : باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود ، ومسلم رقم (1718) في الأقضية : باب نقض الأحكام الباطلة ، وأبو داود في السنة : باب لزوم السنة 2/506 ، وأخرجه ابن ماجة في المقدمة : باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم رقم 14 .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (6/73) قال: حدثنا إسحاق بن عيسى ، قال: حدثني عبد الله بن جعفر الزهري من آل المسور ابن مخرمة. وفي (6/146) قال: حدثنا محمد بن جعفر غُنْدَر. قال: حدثنا عبد الله بن جعفر المخرمي. وفي (6/180) قال: حدثنا عبد الرحمن. قال: حدثنا عبد الله بن جعفر. وفي (6/240) قال: حدثنا يزيد ، عن إبراهيم بن سعد. وفي (6/256) قال: حدثنا حماد بن خالد. قال: حدثنا عبد الله ابن جعفر. وفي (6/270) قال: حدثنا يعقوب. قال: حدثنا أبي. والبخاري (3/241) قال: حدثنا يعقوب. قال: حدثنا إبراهيم بن سعد. وفي خلق أفعال العباد (29) قال: حدثنا العلاء بن عبد الجبار. قال: حدثنا عبد الله بن جعفر المخرمي. ومسلم (5/132) قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن الصَّبَّاح ، وعبد الله بن عون الهلالي ، جميعًا عن إبراهيم بن سعد. قال ابن الصَّبَّاح: حدثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
(ح) وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، وعَبْد بن حميد. جميعًا عن أبي عامر. قال عبد: حدثنا عبد الملك بن عَمرو. قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري. وأبو داود (4606) قال: حدثنا محمد بن الصباح البزاز. قال: حدثنا إبراهيم بن سعد. (ح) وحدثنا محمد بن عيسى. قال: حدثنا عبد الله بن جعفر المخرمي ، وإبراهيم بن سعد. وابن ماجة (14) قال: حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان العثماني. قال: حدثنا إبراهيم ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
كلاهما - عبد الله بن جعفر المخرمي الزهري ، وإبراهيم بن سعد- عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة- رضي الله عنها- فذكره.

76 - (د) أبو ذر - رضي الله عنه - قال :قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «مَنْ فارقَ الجَمَاعَةَ شِبرًا (1) ، فقَدْ خَلَعَ ربْقَةَ الإسلام من عُنُقه» أخرجه أبو داود (2) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
رِبقة الإسلام: أراد بربقة الإسلام: عقد الإسلام ، وأصله: أن الرِّبق: حَبل فيه عدة عرى ، تُشد بها الغنم ، الواحدة من العُرَى: رِبقةٌ .
__________
(1) في سنن أبي داود : قيد شبر .
(2) في السنة : باب في قتل الخوارج رقم (4758) ، وأخرجه أحمد 5/180 ، وفي سنده عندهما خالد بن وهبان ، وهو مجهول ، لكن يشهد له حديث الحارث الأشعري الطويل ، فيصح به ، وفيه " فإنه من فارق الجماعة قيد شبر ، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع " ، أخرجه الإمام أحمد 5/344 ، والترمذي رقم (2867) في الأمثال : الباب الثالث ، وقال : حديث حسن صحيح . وصححه الحاكم 1/422 على شرطهما ، ووافقه الذهبي ، وصححه ابن خزيمة وابن حبان .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
إسناده ضعيف: أخرجه أحمد (5/180) قال: ثنا يحيى بن آدم ، قال: ثنا زهير. (ح) وثنا أسود بن عامر ، قال: ثنا أبو بكر. وأبو داود (4758) قال: ثنا أحمد بن يونس ، قال: ثنا زهير ، وأبو بكر بن عياش ، ومندل. وعبد الله بن أحمد (5/180- زوائد) قال: ثنا أحمد بن محمد ، قال: ثنا أبو بكر- يعني ابن عياش- ثلاثتهم عن مطرف ابن طريف ، عن أبي الجهم ، عن خالد بن وهبان ، عن أبي ذر - رضي الله عنه- فذكره.
قلت: خالد بن وهبان مجهول.

77 - (خ) علي - رضي الله عنه - قال : «اقْضُوا كما كُنْتُم تَقْضونَ ، -[291]- فإنِّي أكْرَهُ الخِلاَفَ (1) ، حتَّى يكونَ النَّاسُ جَمَاعَةً ، وأموت كما ماتَ أصْحابي . فكان ابنُ سيرين يرى عامَّةَ ما يَروُونَ عن عليٍّ كذبًا» . أخرجه البخاري (2) .
__________
(1) في البخاري : الاختلاف ؛ أي : الذي يؤدي إلى النزاع .
(2) 8/75 في المناقب : باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
أثر صحيح : رواه البخاري (3707) قال: حدثنا علي بن الجعد ، أخبرنا شعبة ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، عن علي فذكر قوله.
قلت: ذكر الحافظ متابعة حماد بن زيد لشعبة ، وعزاه لابن المنذر. راجع الفتح (7/91) ط.الريان.

78 - (خ ت) أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال الزُّهْريّ : دخلتُ على أنس وهو يبكي ، فقلت : «ما يُبكيكَ ؟» قال : «لا أعرف شيئًا ممَّا أدركْتُ ، إلا هذه الصلاةَ ، وهذه الصلاةُ قد ضُيِّعتْ» .
وفي أخرى : قال أنسُ : «لا أعْرفُ شيئًا مما كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» . قِيلَ : «الصلاة (1) ؟» قال : «أليس صَنَعْتُم ما صنَعْتُم فيها ؟» . أخرجه البخاريّ ، وأخرج الثانية الترمذي (2) .
وهذه أحاديث وجدتها في كتاب رزين ، ولم أجدها في الأصول.
__________
(1) قال الحافظ : أي : قيل له : الصلاة هي شيء مما كان على عهده صلى الله عليه وسلم وهي باقية فكيف يصح هذا السلب العام ؟ فأجاب بأنهم غيروها أيضاً بأن أخرجوها عن الوقت ، وهذا الذي قال لأنس ذلك يقال له : أبو رافع ، بينه أحمد بن حنبل في روايته لهذا الحديث عن روح عن عثمان بن سعد عن أنس ... فذكر نحوه ، قال أبو رافع : يا أبا حمزة ، ولا الصلاة ؟ فقال له أنس : قد علمتم ما صنع الحجاج في الصلاة .
(2) البخاري 2/152 في مواقيت الصلاة ، باب تضييع الصلاة عن وقتها ، والترمذي رقم (2449) في صفة القيامة والرقائق والورع ، باب بئس العبد عبد سها ولها ونسي المقابر والبلى . قال الترمذي : حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث أبي عمر الجوني ، وقد روي من غير وجه عن أنس .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
أثر صحيح :
رواه البخاري (2/152) ، والترمذي (2449) ، وقال: حسن غريب من هذا الوجه من حديث أبي عمران الجوني ، وقد روي من غير وجه عن أنس. أه.

79 - () أبو هريرة - رضي الله عنه - دخَلَ السُّوقَ فقالَ : «أراكم ها هنا وميراثُ محمد - صلى الله عليه وسلم - يُقسمُ في المسجد ؟» ! فذهبوا وانصرفوا ، فقالوا : ما رأينا -[292]- شيئًا يُقْسَمُ ، رأينا قومًا يَقرؤون القرآن ، قال : «فذلكم ميراثُ نبيكم (1)» .
__________
(1) أورده الحافظ الهيثمي في " مجمع الزوائد " 1/123 ، 124 . باب فضل العالم والمتعلم ، من رواية الطبراني في " الأوسط " وقال : إسناده حسن .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
إسناده حسن : قاله الحافظ الهيثمي ، وعزاه للطبراني في الأوسط (المجمع 1/123) .

80 - () ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : «مَن كانَ مُسْتَنًّا ، فَلْيَسْتَنَّ بمن قد ماتَ ، فإنَّ الحيَّ لا تُؤمَنُ عليه الفِتْنَةُ ، أولئك أصحابُ محمد - صلى الله عليه وسلم - ، كانوا أفضلَ هذه الأمة : أبرَّها قلوبًا ، وأعمقَها علمًا ، وأقلَّها تكلُّفًا ، اختارهم الله لصحبة نبيِّه ، ولإقامة دِينه ، فاعرِفوا لهم فضلَهم ، واتبعُوهم على أثرهم ، وتمسَّكوا بما استَطَعْتُم من أخلاقِهم وسيَرِهم ، فإنهم كانوا على الهُدَى المستقيم (1)» .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
مُسْتَنًّا : المستن : الذي يعمل بالسنة ، سنَّ واستن.
__________
(1) أخرجه أبو عمر بن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " 2/97 والهروي ورقة 86 وفيه من طريق قتادة عنه ؛ فهو منقطع .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/97) .

81 - () ابن عباس - رضي الله عنهما - «مَن تَعَلَّمَ كتابَ الله ثُمَّ اتَّبَعَ ما فيه هَداهُ اللهُ من الضَّلالَةِ في الدنيا ، ووقاه يوم القيامة سوءَ الحساب» .
وفي رواية قال : من اقتدى بكتاب الله ، لا يَضِلُّ في الدنيا ولا يَشقى في الآخرة ، ثم تلا هذه الآية : {فمن اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ ولا يَشقى} . [طه : الآية 123] .
__________
[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
لم أقف على تخريجه ، وقد سبرت فيه حيث مظان الوجود..

82 - () عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - يَنْمِيه إلى عمر بن الخطاب أنه قال : «تُرِكْتُم على الواضحة ، ليلُها كنهارِها ، وكونوا على دين الأعراب وغلمان -[293]- الكُتَّاب (1)» .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
يَنميه: نميت الشيء أنميه إليه: إذا أسندته إليه ورفعته.
الواضحة : البينة ، وهي صفة لمحذوف ، تقديره: على الملة الواضحة الظاهرة.
دين الأعراب: أراد بقوله: دين الأعراب والغلمان والصبيان ، الوقوف عند قبول ظاهر الشريعة ، واتباعها من غير تفتيش عن الشبه ، وتنقير عن أقوال أهل الزيغ والأهواء ، ومثله قوله: «عليكم بدين العجائز» .
__________
(1) أخرج أحمد 4/126 وابن ماجة في المقدمة رقم 43 باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين من حديث العرباض بن سارية مرفوعاً " قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك " وفي سنده عبد الرحمن بن عمرو السلمي لم يوثقه غير ابن حبان ، وذكره المنذري في " الترغيب والترهيب " 1/46 عن ابن أبي عاصم في كتاب السنة وقال : إسناده حسن .

83 - () علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - «تُركْتُم على الجادَّة ، مَنهجٍ عليه أمُّ الكتاب» .

الباب الثاني : في الاقتصاد والاقتصار في الأعمال
84 - (خ م س) أنس بن مالك - رضي الله عنه - جاء ثلاثةُ رَهْطٍ -[294]- إلى بُيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما أُخْبِروا كأنَّهم تَقَالُّوها ، قالوا : فأينَ نَحنُ مِن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر ؟ قال أحدُهم : أمَّا أنا فأصَلِّي اللَّيلَ أبدًا ، وقال الآخرُ : وأنا أصُومُ الدَّهرَ ولا أفُطِرُ ، وقالَ الآخرُ : وأنا أعْتَزِلُ النِّساءَ ولا أتَزَوَّجُ أبدًا ، فجاءَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم ، فقال: «أنتم الذين قُلتم كذا وكذا ؟ أمَا والله ، إنِّي لأخْشاكم لله ، وأتقاكم له ، ولكني أصُومُ وأفْطِرُ ، وأصَلِّي وأرْقُدُ ، وأتَزَوَّجُ النِّساءَ ، فَمَن رغِبَ عَنْ سُنَّتِي فليس منِّي» . أخرجه البخاري ومسلم.
وأخرجه النسائي ، وهذا لفظه : أنَّ نَفرًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال بعضهم : لا أتَزَوَّجُ [النساء] (1) ، وقال بعضهم : لا آكُلُ اللحم ، وقال بعضهم : لا أنام على فراش ، وقال بعضهم : أصومُ ولا أفْطِرُ ، فبلغ ذلك رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فحَمِدَ الله وأثْنَى عليه ، ثم قال : «ما بَالُ أقوامٍ يقولون كذا وكذا ؟ لكني أصلِّي وأنامُ ، وأصومُ وأفطِرُ ، وأتَزَوَّجُ النساءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عن سُنَّتي فليس مني (2)» . -[295]-

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
تقالُّوه : التَّقال: تفاعل من القِلَّة ، كأنهم استقلوا ذلك لأنفسهم من الفعل ، فأرادوا أن يُكثروا منه.
رغب عن الشيء: الرَّغبة في الشيء : إيثاره ، والميل إليه ، والرغبة عنه: تركه ، والصدوف عنه.
__________
(1) زيادة من النسائي .
(2) البخاري 11/4 في النكاح ، باب الترغيب في النكاح ، ومسلم رقم (1401) فيه ، باب استحباب النكاح ، والنسائي 6/60 في النكاح أيضاً باب النهي عن التبتل ، قال الحافظ في " الفتح " : وفي الحديث دلالة على فضل النكاح والترغيب فيه ، وفيه تتبع أحوال الأكابر للتأسي بأفعالهم ، وأنه إذا تعذرت معرفته من الرجال جاز استكشافه من النساء ، وأن من عزم على عمل بر واحتاج إلى إظهاره حيث يأمن الرياء لم يكن ذلك ممنوعاً ، وفيه تقديم الحمد والثناء على الله عند إلقاء مسائل العلم وبيان الأحكام للمكلفين وإزالة الشبهة عن المجتهدين ، وأن المباحات قد تنقلب بالقصد إلى الكراهة والاستحباب .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه عن أنس حميد :
أخرجه البخاري (7/2) ، قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال: أخبرنا محمد بن جعفر - ابن أبي كثير- ، قال: أخبرنا حُميد ، فذكره .
- ورواه عنه ثابت البناني:
أخرجه أحمد (3/241) قال: حدثنا مؤمل. وفي (3/259) قال: حدثنا أسود بن عامر ، وفي (3/285) قال: حدثنا عفان. وعبد بن حميد (1318) قال: حدثنا محمد بن الفضل ، ومسلم (4/129) قال: حدثني أبو بكر بن نافع ، قال: حدثنا بَهز. والنسائي (6/60) قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، قال: أنبأنا عفان.
خمستهم - مؤمل ، وأسود ، وعفان ، وابن الفضل ، وبهز- عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، فذكره.

85 - (خ م) عائشة - رضي الله عنها - قالت : صَنَعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا فرَخَّصَ فيه ، فتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ ، فبَلَغَ ذلك رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَخَطَبَ ، فَحَمِدَ الله [وأثْنَى عليه] (1) ، ثمَّ قال: «ما بالُ أقْوَامٍ يَتَنَزَّهونَ عن الشيء أصْنَعُهُ ، فوَاللهِ إنِّي لأعْلَمُهُم بِاللهِ ، وأشَدُّهُم لهُ خَشْيَةً» . أخرجه البخاري ومسلم (2) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
فتنزه : التنزه : التباعد عن الشيء ، أي: أنهم تركوه ولم يعملوا به ، ولا اقتدوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه.
__________
(1) زيادة ليست في البخاري ومسلم .
(2) البخاري 13/125 ، 126 في الأدب : باب من لم يواجه الناس بالعتاب ، وفي الاعتصام : باب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين والبدع ، وأخرجه مسلم رقم (2356) في الفضائل : باب علمه صلى الله عليه وسلم بالله تعالى وشدة خشيته ، قال الحافظ في " الفتح " : 13/128 ، وفي الحديث الحث على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وذم التعمق والتنزه عن المباح ، وحسن العشرة عند الموعظة والإنكار والتلطف في ذلك .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (6/45) قال: حدثنا أبو مُعاوية. وفي (6/181) قال: حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان. والبخاري (8/31 ، 9/120) ، وفي الأدب المفرد (436) قال: حدثنا عُمر بن حفص. قال: حدثنا أبي . ومسلم (7/90) قال: حدثنا زُهير بن حرب. قال: حدثنا جرير.
(ح) وحدثنا أبو سعيد الأشج. قال: حدثنا حفص ، يعني ابن غياث.
(ح) وحدثناه إسحاق بن إبراهيم وعلي بن خشرم . قالا: أخبرنا عيسى بن يونس.
(ح) وحدثنا أبو كُريب ، قال: حدثنا أبو معاوية. والنسائي في عمل اليوم والليلة (234) قال: أخبرنا محمد ابن بشار. قال: حدثنا عبد الرحمن. قال: حدثنا سفيان.
وابن خزيمة (2015 ، 2021) قال: حدثنا بُندار. قال: حدثنا عبد الرحمن ، قال: حدثنا سفيان.
خمستهم - أبو معاوية الضرير ، وسفيان الثوري ، وحفص بن غياث ، وجرير ، وعيسى بن يونس- عن الأعمش ، عن مسلم أبي الضحى عن مسروق عن عائشة ، فذكره.

86 - (د) عائشة - رضي الله عنها - قالت : بَعَثَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى -[296]- عُثْمانَ بْنِ مَظْعُونٍ : «أرَغْبَةً عَن سُنَّتي ؟» فقال : لا ، والله يا رسول الله ولكن سُنَّتَكَ أطْلُبُ ، قال : «فإنِّي أنامُ ، وأصَلِّي ، وأصُومُ ، وأفْطِرُ ، وأنْكِحُ النِّسَاءَ ، فاتَّقِ الله يا عُثمانُ ، فإنَّ لأهْلِكَ عليك حقًّا ، وإنَّ لِنَفْسِكَ عليك حقًّا ، فَصُم وأفْطِر ، وصَلِّ ونَمْ» . أخرجه أبو داود (1) .ووَجدتُ في كتاب رزين زيادةً لم أجدها في الأصول ، وهي :قالت عائشة : وكان حَلَفَ أنْ يَقُومَ الليلَ كلَّهُ ، ويصومَ النهار ، ولا ينكح النساءَ ، فسألَ عن يمينه ، فنَزَل {لا يُؤاخِذُكُم اللَّهُ باللَّغْوِ في أيْمَانِكُم} (2) [البقرة : الآية 225] .وفي رواية أنه هو الذي سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عما نواه ، قبل أن يَعزِمَ ، وهو أصحُّ.ووجدتُ له فيه عن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمرَهُم -[297]- أمرهم من العَمَلِ بما يُطِيقُون ، قالوا : لَسنا كهيئتِك ، إنَّ الله عزَّ وجلَّ قد غفر لك ما تَقَدَّمَ من ذنبك وما تأخَّر ، فيغضبُ ، حتى يُعْرَفَ الْغَضَبُ في وجهه ، ثم يقول : «إنَّ أتقاكم وأعلمكم بالله أنا (3)» .
__________
(1) رقم (1369) في أبواب قيام الليل ، باب ما يؤمر به من القصد بالصلاة ورجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق لكن يشهد له أحاديث صحاح .
(2) للعلماء في المراد باللغو هاهنا خمسة أقوال :
أحدها : أن يحلف على الشيء يظن أنه كما حلف ، ثم يتبين له أنه بخلافه ، وإلى هذا المعنى ذهب أبو هريرة وابن عباس والحسن وعطاء والشعبي وابن جبير ومجاهد وقتادة والسدي عن أشياخه ، ومالك ومقاتل .
والثاني : أنه قول الرجل : لا والله ، وبلى والله من غير قصد لعقد اليمين ، وهو قول عائشة وطاوس وعروة والنخعي والشافعي .
والثالث : أنه يمين الرجل وهو غضبان ، رواه طاوس عن ابن عباس .
والرابع : أنه حلف الرجل على معصية فليحنث وليكفر ولا إثم عليه قاله سعيد بن جبير .
والخامس : أن يحلف الرجل على شيء ثم ينساه ، قاله النخعي . انظر زاد المسير 1/254 ، 255 لابن الجوزي بتحقيقي مع الأستاذ شعيب الأرنؤوط .
(3) الحديث أخرجه البخاري في " صحيحه " 1/67 في الإيمان : باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أنا أعلمكم بالله " . وهو من غرائب الصحيح لا يعرف إلا من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة .
قال الحافظ في " الفتح " وفي هذا الحديث فوائد .
الأولى : أن الأعمال الصالحة ترقي صاحبها إلى المراتب السنية من رفع الدرجات ومحو الخطيئات ، لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهم استدلالهم ، ولا تعليلهم من هذه الجهة ، بل من الجهة الأخرى .
الثانية : أن العبد إذا بلغ الغاية في العبادة وثمراتها ، كان ذلك أدعى له إلى المواظبة عليها استبقاء للنعمة ، واستزادة لها بالشكر عليها .
الثالثة : الوقوف عند ما حدد الشارع من عزيمة ورخصة ، واعتقاد أن الأخذ بالأرفق الموافق للشرع أولى من الأشق المخالف له .
الرابعة : أن الأولى من العبادة القصد والملازمة لا المبالغة المفضية إلى الترك .
الخامسة : التنبيه على شدة رغبة الصحابة في العبادة وطلبهم الازدياد من الخير .
السادسة : مشروعية الغضب عند مخالفة الأمر الشرعي ، والإنكار على الحاذق المتأهل لفهم المعنى إذا قصر في الفهم تحريضاً له على التيقظ .
السابعة : جواز تحدث المرء بما فيه الفضل بحسب الحاجة لذلك عند الأمن من المباهاة والتعاظم .
الثامنة : بيان أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم رتبة الكمال الإنساني ، لأنه منحصر في الحكمتين العلمية والعملية ، وقد أشار إلى الأولى بقوله : " أعلمكم " وإلى الثانية بقوله : " أتقاكم " .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : - رواه عن عائشة عروة - :
أخرجه أحمد (6/68) ، وأبو داود (1369) قال: حدثنا عبيد الله بن سعد ، كلاهما عن يعقوب بن إبراهيم ابن سعد ، قال: حدثني أبي ، عن ابن إسحاق ، قال: حدثني هشام بن عروة ، عن أبيه ، فذكره.
- ورواه عن عائشة يحيى بن يعمر :
أخرجه أحمد (6/106) .
- ورواه عن عائشة : أبو فاختة :
أخرجه أحمد (6/106) بألفاظ متقاربة .

87 - (خ م د س) عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال : «أُخْبِرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : أنِّي أقُولُ :والله لأصُومَنَّ النَّهارَ ، ولأقُومَنَّ اللَّيلَ ما عِشْتُ ، فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : «أنت الَّذي تَقُولُ ذلك ؟» فقلت له : قد قلتُه ، بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، قال : «فإنك لا تَسْتطيعُ ذلك ، فَصُمْ -[298]- وأفْطِرْ ، ونَمْ ، وقُمْ ، وصُمْ من الشَّهرِ ثلاثَةَ أيَّامٍ ، فإنَّ الحَسَنَةَ بعشْرِ أمثالها ، وذلك مِثْلُ صيام الدَّهر» ، قُلتُ : إنِّي أطِيقُ أفْضَلَ من ذلك ، قال : «فصُمْ يومًا وأفطِرْ يومَينِ» ، قلت : فإنِّي أطيقُ أفضلَ من ذلك ، قال : «فصُم يومًا وأفطِر يومًا ، فذلك صيام دَاودَ عليه السلام ، وهو أعدلُ الصيام» - وفي رواية : أفضَلُ الصيام - قُلتُ : فإني أطيقُ أفضلَ من ذلك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا أفْضَلَ من ذلك» .
زاد في رواية ، قال عبد الله بن عمرو ، لأنْ أكونَ قبلتُ الثَّلاثة الأيام التي قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ، أحبُّ إليَّ من أهلي ومالي» .وفي رواية أخرى : قال : قال لي رسول الله : «ألَمْ أخْبَرْ أنك تَصومُ النهار ، وتقوم الليل ؟ قال : قلت : بلى يا رسول الله ، قال : «فلا تَفْعَلْ ، صُمْ وأفطِرْ ، ونَم وقُم ، فإنَّ لِجسدِك عليك حقًّا ، وإنَّ لِعَينِكَ عليك حقًّا ، وإنَّ لزوجِك عليك حقًّا ، وإنَّ لزوْرِك (1) عليك حقًّا ، وإنَّ بحَسْبِك أن تصُومَ من كل شهر ثلاثة أيام ، فإنَّ لك بكُلِّ حسَنَةٍ عشرَ أمثالها ، فإذًا ذلك (2) صيامُ الدَّهر» . فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ ، قلتُ : يا رسول الله : إنِّي أجدُ قُوَّةً ، قال: «صُمْ صيامَ نبي الله داود عليه السلام ، لا تَزِدْ عليه» . قلت : وما كان -[299]- صيام داود ؟ قال : «نصف الدهر» . فكان عبدُ الله يقول بعدَ ما كَبِرَ : يا لَيْتَني قَبِلْتُ رُخصَةَ النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وفي أخرى قال : «ألم أخبَر أنَّك تَصوم الدَّهر ، وتَقْرَأ القرآن كلَّ ليلة ؟» فقلتُ : بلى ، يا نَبيَّ الله ، ولم أُرِد بذلك إلا الخير ، وفيه قال : «فصُم صومَ داودَ ، فإنه كان أعبد النَّاس» - وفيه قال - : «واقرأ القرآن في كل شهر» ، قال : قلتُ : يا نبيَّ الله ، إني أطيقُ أفضلَ من ذلك ، قال : «فاقرأهُ في كلِّ عشرين» ، قال : فقلتُ: يا نبيَّ الله ، إني أطيق أفضل من ذلك ، قال : «فاقرأهُ في عشر» ، قلت : يا نبيَّ الله ، إني أطيق أفضل من ذلك ، قال : «فاقرأه في سَبعٍ ، لا تزد على ذلك» . قال: فَشَدَّدْتُ فَشُدِّد عليَّ ، وقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : إنك لا تدري لَعلَّكَ يَطولُ بك عُمُرٌ» ، قال : فصِرتُ إلى الذي قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما كبِرْتُ وَدِدتُ أني كنتُ قَبِلْتُ رُخصة نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم -.زاد مسلم «فإنَّ لِوُلْدِك عليك حقًّا» .
وفي أخرى : قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : «إنكَ لَتَصومُ النَّهار ، وتقومُ الليل ؟» قلت : نعم ، قال : «إذا فعلتَ ذلك هَجَمَتْ لَهُ العَيْنُ ، ونَفِهَت له النَّفسُ ، لا صامَ من صامَ الأبد ، صومُ ثلاثة أيامٍ صومُ الدَّهر كلِّه» . قلت : فإن أطيق أكثر من ذلك ، قال: «فصم صوم داود ، كان يصوم يومًا ويُفْطِرُ يومًا ، ولا يَفِرُّ إذا لاقى (3)» . -[300]-
وزاد في رواية : «مِن لي (4) بهذه يا نبي الله» .وفي رواية نحوه ، وفيه «وصُم من كل عشرةِ أيَّام يومًا ، ولك أجر تسعة» - وفي - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «لا صامَ من صامَ الأبدَ» ثلاثًا. هذه روايات البخاري ومسلم. ووافقهما أبو داود على الرواية الأولى.والنسائي على الأولى والثانية ، وألفاظُهُم جميعُهم متقاربة باتفاق المعنى. وأخرج البخاري والنسائي عنه.
قال البخاري : قال عبد الله بن عَمْرو : أنكَحَني أبي امرأةً ذات حَسبٍ ، وكان يتعاهدُ كَنَّتَهُ ، فيسألها عن بَعْلِها ، فتقول له : نِعْمَ الرَّجُلُ من رجلٍ لم يطأ لنا فراشًا ، ولم يُفَتِّش لنا كَنَفًا مُذْ أتَيْناهُ ، فَلَمَّا طال ذلك عليه ، ذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : «ألقني به» فلقيتُهُ بَعدُ ، فقال : «كيف تصوم ؟» قلت : كلَّ يومٍ. قال : «وكيف تَخْتِمُ ؟» قلت : كلَّ ليلة ، فقال : «صُم كلَّ شهرٍ ثلاثة أيَّامٍ ، واقرأ القرآن في كل شهر» . قال : قلت : فإني أطيق أكثَر من ذلك ، قال : «صُم ثلاثة أيام في الجمعة» . قال : قلت : أطيق أكثر من ذلك ، قال : «أفطر يومين وصم يومًا» . قال: قلت : أطيق أكثر من ذلك ، قال : «صم أفضل الصوم ، صوم داود : صيام يوم. وإفطار يوم. واقرأ في كل سَبْعِ ليال مَرَّةً» قال: فَلَيْتَني قَبِلتُ رُخصة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك -[301]- أنِّي كَبِرْتُ وضَعُفْتُ ، وكان يقرأ على بعض أهله السُّبُع من القرآن بالنَّهار ، والَّذي يقرؤه يَعرضُهُ منَ الليل ، ليكون أخفَّ عليه بالليل ، وإذا أراد أن يَتَقَوَّى أفطر أيَّامًا ، وأحصَى وصام مثلَهُنَّ ، كراهِيةَ أن يَتْرَكَ شيئًا فارق عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ورواية النسائي قال : زَوَّجني أبي امرأة ، فجاء يزورنا ، فقال : كيف تَرَيْنَ بَعْلَكِ ؟ قالت : نعم الرجلُ ، لا ينام الليل ، ولا يُفْطِرُ النَّهارَ ، فوقع بي وقال : زوَّجْتُك امرأةً من المسلمين ، فعَضَلْتَها ، قال : فجعلتُ لا ألتفِت إلى قوله ، مما عند من القُوَّةِ والاجتهاد ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقال : «لكني أنا أقوم وأنامُ ، وأصومُ وأفطِرُ ، فَقُمْ ونَم ، وصُم وأفطر» - وذكر الصوم نحو ما تَقدَّم ، وقال : «اقرأ القرآن في شهر» ، ثم انتهى إلى خمس عشرة ، وأنا أقول : أنا أقوى من ذلك.
وأخرجه مثل رواية البخاري ، ولم يذكر فيه القراءة.
وأخرج الترمذي طرفًا من هذه الروايات ، وهو قوله : «أفْضَلُ الصَّوم صَوْمُ أخي داود ، كان يصومُ يومًا ويُفْطِرُ يومًا ، ولا يَفِرُّ إذا لاقى» .ولِقلَّةِ ما أخرَجَ منه لم نُعْلِمْ عليه علاَمته (5) . -[302]- وسيجيء ذِكْرُهُ مع باقي روايات هذا الحديث في كتاب الصَّوم من حرف الصاد.
وقد أخرج البخاري ومسلمٌ وأبو داود والنسائي هذا الحديث مختصرًا جامعًا ، فقال : إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «إنَّ أحبَّ الصيام إلى الله : صيامُ داودَ ، وأحبَّ الصلاة إلى الله: صلاةُ داود ، كان ينامُ نِصْفَ الليل ، ويقومُ ثُلُثَهُ ، وينَامُ سُدُسَهُ ، وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا (6)» .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
بحسبك (7) : أحسَبه هذا الأمر يُحسِبه: إذا كفاه .
هجمت: العين: إذا غارت ودخلت في نُقرتها من الضعف والمرض.
نَفِهَت النفس : إذا أعيت وكلَّت .
ذات حسب: الحسب: ما يعدُّه الرجل من مفاخر آبائه ، ويقال : -[303]- حَسَبُهُ : دينه ، ويقال: ماله ، وقيل: الحسب يكون في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف.
كَنّته: الكنة : امرأة الابن أو الأخ.
بعلها : بعل المرأة : زوجها .
كَنفًا : لم يفتش لنا كنفًا ، الكنف: الجانب ، أرادت: أنه لم يقربها ، ولم يستعلم لها حالاً خَفيَت عنه.
فوقع بي: وقع بي فلان: إذا لامك وعَنَّفَك ، وأما وَقعت فيه ، فهو من الوقيعة ، وهي الغيبة.
فعضلتها: العضل : المنع ، والمراد: أنك لم تعاملها معاملة الأزواج لنسائهم ، ولا تركتها بنفسها لتتزوج ، وتتصرف في نفسها كما تريد.
__________
(1) الزور : الزائرون ، يقال : رجل زائر ، وقوم زور ، وزار مثل مسافر وسفر وسفار ، ونسوة زور أيضاً ، وزور - مثل نوم ونوح - زائرات صحاح .
(2) " فإذاً ذلك " روي " إذاً " بالتنوين ، وبلفظ " إذا " التي للمفاجأة .
(3) أي : إذا لاقى العدو ، أي : لا يهرب من قتال الكفار .
(4) أي : من يكفل لي بهذه الخصلة التي لداود عليه السلام ، لا سيما عدم الفرار والصبر والثبات عند لقاء العدو .
(5) البخاري 5/123 في الصوم : باب صوم الدهر ، وباب حق الضيف في الصوم ، وباب حق الجسم في الصوم ، وباب حق الأهل في الصوم ، وباب صوم يوم وإفطار يوم ، وباب صوم داود ، وفي التهجد ، باب من نام عند السحر ، وباب ما يكره من ترك قيام العمل لمن كان يقومه ، وفي الأنبياء : باب قول الله تعالى {وآتينا داود زبورا} [الإسراء : 55] وفي فضائل القرآن : باب في كم يقرأ القرآن -[302]- وفي النكاح : باب لزوجك عليك حق ، وفي الأدب : باب حق الضيف والاستئذان ، وباب من ألقي له وسادة . وأخرجه مسلم رقم (1159) في الصيام : باب النهي عن صوم الدهر . وأبو داود رقم 2425 في الصيام : باب في صوم الدهر . والنسائي 4/209 - 215 في الصيام : باب صوم يوم وإفطار يوم وذكر الزيادة في الصيام والنقصان وصوم عشرة أيام من الشهر . والترمذي رقم (770) في الصوم ، باب ما جاء في سرد الصوم .
(6) البخاري 3/258 في التهجد : باب من نام عند السحر ، ومسلم رقم (1159) في الصيام : باب النهي عن صوم الدهر وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم . وأبو داود رقم 2448 في الصوم : باب في صوم يوم وفطر يوم . والنسائي 3/214 في فضل صلاة الليل : باب صلاة نبي الله داود عليه السلام .
(7) الباء في " بحسبك " زائدة ، ومعناه أن صوم الثلاثة الأيام من كل شهر كافيك .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه عن ابن عمرو : ابن المسيب ، وأبو سلمة :
أخرجه أحمد (2/187) (6760) قال: حدثنا عبد الرزاق ، قال: حدثنا مَعْمر. وفي (2/188) (6761) قال: حدثنا رَوْح ، قال: حدثنا محمد بن أبي حفصة ، والبخاري (3/51) قال: حدثنا أبو اليمان ، قال: أخبرنا شعيب ، وفي (4/195) قال: حدثنا يحيى بن بُكَير ، قال: حدثنا الليث ، عن عُقيل. ومسلم (3/162) قال: حدثني أبو الطاهر ، قال: سمعت عبد الله بن وهب يحدث عن يونس. (ح) وحدثني حَرْمَلة ابن يحيى ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: أخبرني يونس . وأبو داود (2427) قال: حدثنا الحسن بن علي ، قال: حدثنا عبد الرزاق ، قال: حدثنا معمر. والنسائي (4/211) قال: أخبرنا الربيع بن سليمان ، قال: حدثنا ابن وهب ، قال: أخبرني يونس.
خمستهم - معمر ، ومحمد بن أبي حفصة ، وشُعيب ، وعُقيل بن خالد ، ويونس- عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، فذكراه.
- ورواه عن ابن عمرو مجاهد:
رواه أحمد (2/158) ، والنسائي (4/209) ، والبخاري (3/52) ، وابن خزيمة (197) .
- ورواه عنه أيضًا ابن أبي ربيعة :
رواه أحمد (2/224) ، والنسائي (4/212) .
- ورواه عنه أبو عياض:
رواه أحمد (2/205) ، والنسائي (4/212) ، وابن خزيمة (2106) .
- ورواه عنه أبو مليح:
رواه البخاري (3/53) ، ومسلم (3/165) ، والنسائي (4/215) .
- ورواه عنه عمرو بن أوس :
رواه البخاري (2/63) ، والحميدي [589] ، وأحمد (2/160) ، وأبو داود [2448] .
قلت: ومن التابعين رواة الخبر: أبو العباس المكي ، وشعيب بن عبد الله بن عمرو ، وهلال بن طلحة ، ويزيد ابن الشخير.

88 - (خ م ط د ت س) عائشة - رضي الله عنها - قالت : كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - حصيرٌ ، وكان يُحَجِّرُهُ باللَّيل فيُصلي فيه ، ويَبْسُطُهُ بِالنَّهار ، فَيَجْلِس عليه ، فجعل النَّاسُ يَثُوبُونَ إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ، يُصَلُّونَ بصلاته ، حتَّى كَثُرُوا ، فأقبَلَ ، فقال : «يا أيُّها النَّاسُ ، خُذُوا من الأعمال ما تطيقون ، فإنَّ الله لا يَمَلُّ (1) -[304]- حتَّى تَملُّوا (*) ، وإنَّ أحَبَّ الأعمال إلى الله ما دَامَ وإن قلَّ» .
زاد في رواية : «وكان آلُ محمَّدٍ إذا عَمِلُوا عَملاً أثبَتُوه» .
وفي رواية قال : إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سُئلَ ، أيُّ العَمَل أحبُّ إلى الله ؟ قال : «أدْوَمُهُ وإنْ قَلَّ» .
زادَ في رواية «واكْلَفُوا من الْعَمَلِ ما تُطيقون» .
وفي رواية أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «سَدِّدُوا وقاربُوا ، واعلموا أنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ أحَدَكُم عَمَلُهُ الجَنَّةَ ، وأنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله أدْوَمُها وإنْ قلَّ» .
زاد في أخرى : «وأبشِرُوا ، قالوا : ولا أنتَ يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا ، إلا أن يَتَغَمَّدَني اللهُ بِمَغْفِرَةٍ ورَحْمَةٍ» . -[305]-
هذه روايات البخاري ومسلم.
وللبخاري و «الموطأ» . قالت : كان أحبُّ الأعمال إلى الله الَّذي يدومُ عليه صاحبُهُ.
ولمسلم : كان أحبُّ الأعمال إلى الله أدومَها وإن قلَّ.
وكانت عائشة إذا عَمِلتِ العمل لَزِمَتْهُ.
وفي رواية الترمذي : كان أحب العمل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ديم عليه.
وفي أخرى له قال : سُئِلَتْ عائِشةُ وأمُّ سَلَمَة : أيُّ العمل كان أحبَّ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالتا : ما دِيمَ عَلَيْهِ وإنْ قَلَّ.
وفي رواية أبي داود : أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «اكْلَفوا من العمل ما تُطيقون ، فإنَّ الله لا يَملُّ حتَّى تَملُّوا (*) ، وإنَّ أحبَّ العملِ إلى الله أدومُهُ وإن قلَّ ، وكان إذا عمل عملاً أثبته» .
وفي أخرى له قال : سألتُ عائشةَ : كيف كان عملُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ هل كان يَخُصُّ شيئًا من الأيام ؟ قالت : لا ، كان عَملُه دِيمةً ، وأيُّكم يستطيع ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستطيع ؟.
وفي رواية النسائي. قالت : كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصيرةٌ يَبْسُطُها ، ويحتجرها بالليل ، فيُصلي فيها ، ففَطِنَ له النَّاس ، فصلَّوْا بصلاتِهِ ، وبينهم وبينه الحصيرة ، فقال : «اكلَفُوا مِنَ العَملِ ما تُطيقون ، فإنَّ الله تبارك وتعالى لا يمل حتَّى تملُّوا ، فإنَّ أحبَّ العمل إلى الله أدْوَمُهُ وإن قَلَّ ، ثُمَّ تركَ مُصَلاَّه ذلك. فما عاد له حتى قبضَه الله عزَّ وجلَّ ، وكان إذا عَمِلَ عملاً -[306]- أثْبَتَهُ (2)» .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
يُحَجِّرُهُ : حَجَّرَهُ يُحَجِّرُهُ ، أي : يتخذه حُجْرة وناحية ينفرد عليه فيها.
يثوبون : أي : يرجعون إليه ، ويجتمعون عنده.
لا يملّ حتى تملّوا : المراد بهذا الحديث ، أن الله لا يملُّ أبدًا ، ملَلْتُم أو لم تَملُّوا ، فجرى مجرى قولهم: لا أفعله حتى يشيب الغراب ، ويَبْيَضَّ القَار. وقيل معناه: إن الله لا يطرحكم حتى تتركوا العمل له ، وتزهدوا في الرغبة إليه ، فسمَّى الفعلين مَللاً ، وكلاهما ليس بملل ، كعادة العرب في وضع الفعل إذا وافق معناه ، نحو قوله :
ثم أضحَوا لعب الدهر بهم ... وكذاك الدَّهْرُ يُودِي بالرجال
فجعل إهلاكه إياهم لَعِبًا.
وقيل معناه: إن الله لا يقطع عنكم فضله ، حتَّى تملوا سؤاله ، فسمَّى فعلَ الله مللاً ، وليس بملل ، على جهة الازدواج ، كقوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه} وكقوله تعالى: {وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلُها} وهذا شائع في -[307]- العربية ، وكثيرٌ في القرآن.
سَدِّدُوا : اقصدوا السَّداد من الأمر ، وهو الصواب.
وقاربوا : اطلبوا المقاربة ، وهي القصد في الأمر الذي لا غُلو فيه ولا تقصير.
يتغمدني : تغمده الله برحمته: إذا غفر له ورحمه ، وأصله: كأنه جعل رحمته له غمدًا سَتَرَه بها وغشَّاه.
اكلفوا : كَلِفْتُ بهذا الأمر ، أكْلَف به: إذا أُولعت به ، وكَلَّفَه تكليفًا: إذا أمره بما شق عليه ، والمُتَكلِّفُ : المُتَعَرِّضُ لما لا يعنيه ، وتكلفت الشيء : تجشمته.
ديمة : الديمةُ: المطر الدائم في سكون ، شَبَّهَتْ عمله في دوامه مع الاقتصاد بديمة المطر.
__________
(1) قال الحافظ في " فتح الباري " 1/94 ، هو بفتح الميم في الموضعين ، والملال : استثقال الشيء ، ونفور النفس عنه بعد محبته ، وهو محال على الله تعالى باتفاق وقال الإسماعيلي ، وجماعة من المحققين : إنما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازاً ، كما قال تعالى : {وجزاء سيئة سيئة مثلها} [سورة الشورى : 40] ونظائرها ، قال القرطبي : وجه مجازه : أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن قطع العمل مللاً ، عبر عن ذلك بالملال ، من باب تسمية الشيء باسم سببه .
وقال الهروي ؛ معناه : لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله ، فتزهدوا في الرغبة إليه . وقال غيره معناه : لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم . -[304]-
وهذا كله بناء على أن " حتى " على بابها في انتهاء الغاية وما يترتب عليها من المفهوم .
وجنح بعضهم إلى تأويلها ، فقيل : معناه : لا يمل الله إذا مللتم ، وهو مستعمل في كلام العرب ، يقولون : لا أفعل كذا حتى يبيض الفأر ، وحتى يشيب الغراب ، ومنه قولهم في البليغ : لا ينقطع حتى ينقطع خصومه ، لأنه لو انقطع حين ينقطعون لم يكن له عليهم مزية ، وهذا المثال أشبه من الذي قبله ، لأن شيب الغراب ليس ممكناً عادة ، بخلاف الملل من العابد .
وقال المازري : قيل : إن " حتى " هنا بمعنى الواو ، فيكون التقدير ، لا يمل وتملون ، فنفى عنه الملل ، وأثبته لهم .
قال : وقيل : " حتى " بمعنى " حين " ، والأول أليق ، وأجري على القواعد ، وأنه من باب المقابلة اللفظية .
ويؤيده : ما وقع في بعض طرق حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ " اكلفوا من العمل ما تطيقون ، فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل " لكن في إسناده موسى بن عبيدة ، وهو ضعيف .
وقال ابن حبان في " صحيحه " : هذا من ألفاظ التعارف ، التي لا يتهيأ للمخاطب أن يعرف القصد مما يخاطب به إلا بها ، وهذا رأيه في جميع المتشابه (*) .
(2) البخاري 1/109 ، 110 في الإيمان ، باب أحب الدين إلى الله أدومه و 14/78 و79 في الرقاق ، باب القصد والمداومة على العمل ، ومسلم رقم (782) في الصلاة ، باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل ، والموطأ 1/118 بلاغاً في صلاة الليل ، باب ما جاء في صلاة الليل ، وأبو داود 1/315 في صلاة الليل ، باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة ، والنسائي 3/218 في صلاة الليل ، باب الاختلاف على عائشة في إحياء الليل .

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة :
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - : هل نثبت أن نثبت صفة الملل لله عز وجل ؟ فأجاب بقوله : جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله : ((فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملوا)) .
فمن العلماء من قال : إنَّ هذا دليل على إثبات الملل لله ، لكن ؛ ملل الله ليس كملل المخلوق ؛ إذ إنَّ ملل المخلوق نقص ؛ لأنه يدل على سأمه وضجره من هذا الشيء ، أما ملل الله ؛ فهو كمال وليس فيه نقص ، ويجري هذا كسائر الصفات التي نثبتها لله على وجه الكمال وإن كانت في حق المخلوق ليست كمالاً .
ومن العلماء من يقول : إنَّ قوله : ((لا يَمَلُّ حتى تملوا)) ؛ يراد به بيان أنه مهما عملت من عمل ؛ فإنَّ الله يجازيك عليه ؛ فاعمل ما بدا لك ؛ فإنَّ الله لا يمل من ثوابك حتى تمل من العمل ، وعلى هذا ، فيكون المراد بالملل لازم الملل .
ومنهم من قال : إنَّ هذا الحديث لا يدل على صفة الملل لله إطلاقاً ؛ لأنَّ قول القائل : لا أقوم حتى تقوم ؛ لا يستلزم قيام الثاني ، وهذا أيضاً : ((لا يمل حتى تملوا)) ؛ لا يستلزم ثبوت الملل لله عَزَّ وجَلَّ .
وعلى كل حال يجب علينا أن نعتقد أنَّ الله تعالى مُنَزَّه عن كل صفة نقص من الملل وغيره ، وإذا ثبت أنَّ هذا الحديث دليل على الملل ؛ فالمراد به ملل ليس كملل المخلوق)) اهـ .
[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - جمع وترتيب فهد السليمان : 1 174 - 175]

وصفة (الملل) من الصفات المقيدة فيقال (الله يمل ممن يمل منه) ولا تطلق لله بدون تقييد
" الأولى أن يُلزَم ما جاء في الكتاب والسنة . مثل صفة (الملل) ، الله جل وعلا لا يقال إنه يوصف بالملل هذا باطل ، لأن الملل نقص ولكن الله جل وعلا وصف نفسه بأنه يمل ممن مل منه وهذا على جهة الكمال .
فإن هذه الصفات التي تحتمل كمالاً ونقصاً فإن لله جل وعلا منها الكمال . والكمال فيها يكون على أنحاء منها أن يكون على وجه المقابلة .
قال جل وعلا {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} وقال جل وعلا {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} فهو جل وعلا يخادع من خادعه ، يستهزئ بمن استهزأ به ، وهذا كمال لأنه من آثار أنه جل وعلا . عزيز جبار ذو الجلال وذو الكمال وذو القدرة العظيمة فهو جل وعلا لا يعجزه شيء .
[شرح العقيدة الواسطية - الشريط الثالث - للشيخ صالح آل الشيخ]


[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح :
أخرجه الحميدي (183) قال: حدثنا سُفيان. قال: حدثنا به محمد بن عَجْلان ، عن سعيد المقبري ، وأحمد (6/40) قال: حدثنا سُفيان ، عن ابن عجلان ، عن سعيد. وفي (6/61) قال: حدثنا ابن نُمير. قال: حدثنا محمد.
(ح) ويزيد . قال: أخبرنا محمد. وفي (6/84) قال: حدثنا أبو المغيرة. قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير. وفي (6/241) قال: حدثنا معاذ. قال: أخبرنا محمد بن عَمرو. وفي (6/267) قال: حدثنا يعقوب. قال: حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق. قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي. والبخاري (1/186) قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر. قال: حدثنا ابن أبي فُدَيك. قال: حدثنا ابن أبي ذئب ، عن المقبري. وفي (7/199) قال: حدثنا محمد بن أبي بكر. قال: حدثنا مُعتمر ، عن عُبيدالله ، عن سعيد ابن أبي سعيد. ومسلم (2/188) قال: حدثنا محمد بن المثنى. قال: حدثنا عبد الوهاب ، يعني الثقفي. قال: حدثنا عُبيدالله ، عن سعيد بن أبي سعيد. وأبو داود (1368) قال: حدثنا قُتَيبة. قال: حدثنا الليث ، عن ابن عَجْلان ، عن سعيد المقبري. وفي (1374) قال: حدثنا هنَّاد. قال: حدثنا عَبْدة ، عن محمد بن عَمرو ، عن محمد بن إبراهيم ، وابن ماجة (942) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شَيبة. قال: حدثنا محمد بن بشر ، عن عُبيدالله بن عمر. قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد. والنسائي (2/68) ، وفي الكبرى (749) قال: أخبرنا قُتيبة. قال: حدثنا الليث ، عن ابن عَجلان ، عن سعيد المقبري ، وابن خزيمة (1283) قال: حدثنا علي بن خَشْرَم ، قال: أخبرنا عيسى ، عن الأوزاعي ، عن يحيى. وفي (1626) قال: حدثنا عبد الجبار بن العلاء وسعيد بن عبد الرحمن. قالا: حدثنا سفيان ، عن ابن عجلان ، عن سعيد وهو المقبري.
أربعتهم - سعيد المقبري ، ومحمد بن عمرو ، ويحيى بن أبي كثير ، ومحمد بن إبراهيم- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، فذكره.

89 - (خ م س) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لَنْ يُدْخِلَ أحدًا منكم عَمَلُه الجَنَّةَ» . قالوا : ولا أنتَ ؟ قال : «ولا أنا ، إلا أنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ بِفَضلٍ ورَحْمَةٍ (1)» . هذا للبخاري - وزاد مسلم «ولكن سَدِّدُوا» . في بعض طُرقه -. -[308]- وفي أخرى لمسلم. قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «قاربوا وسدِّدُوا ، واْعْلَمُوا أنهُ لن يُنجِيَ أحدًا منكم عملُهُ» . قالوا : ولا أنت ؟ قال : «ولا أنا ، إلا أن يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ برحمَةٍ منه وفَضل» .
وللبخاري مثلُها ، إلى قوله «برحمةٍ» وزادَ «سَدِّدُوا وقاربُوا ، واغْدُوا ورُوحُوا ، وشيئًا من الدُّلْجةِ ، والقَصْدَ القَصْدَ تبلُغُوا» .
وفي أخرى للبخاري وللنسائي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إنَّ هذا الدِّين يُسْرٌ ، ولنْ يُشادَّ الدِّينَ أحدٌ إلا غَلَبَه ، فَسَدِّدُوا وقاربوا ، وأبْشِرُوا ، واسْتَعِينُوا بالغُدوةِ والرَّوْحَة ، وشيءٍ من الدُّلْجةِ (2)» .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
واغدوا : الغُدُوُّ : الخروج بكرة . -[309]-
وروحوا : الرَّواح: العود عَشيّاً ، والمراد: اعملوا أطراف النهار وَقْتًا وَقْتًا.
الدُّلجةُ : سير الليل ، والمراد به العمل في الليل ، وقوله: «وشيئًا من الدُّلجة» إشارة إلى تقليله.
والقَصد : العدل في الفعل والقول ، والوسط بين الطرفين.
يشاد : المشادَّة: مفاعلة من الشدة ، أي: لن يغالب ، ولن يقاوي أحدٌ الدين إلا غلبه.
__________
(1) وقد أجاب ابن الجوزي رحمه الله ، كما نقله ابن حجر في " الفتح " 11/253 عن الجمع بين هذا الحديث وقوله تعالى : {وتلك الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} ، بأربعة أجوبة :
الأول : أن التوفيق للعمل من رحمة الله ولولا رحمة الله السابقة ما حصل الإيمان ولا الطاعة التي يحصل بها النجاة .
الثاني : أن منافع العبد لسيده ، فعمله مستحق لمولاه ، فمهما أنعم عليه من الجزاء فهو من فضله . -[308]-
الثالث : جاء في بعض الأحاديث أن نفس دخول الجنة برحمة الله ، واقتسام الدرجات بالأعمال .
الرابع : أن أعمال الطاعات كانت في زمن يسير ، والثواب لا ينفد ، فالإنعام الذي لا ينفد في جزاء ما ينفد بالفضل لا بمقابلة الأعمال .
وقال ابن القيم في مفتاح دار السعادة : الباء المقتضية للدخول غير الباء النافية ، فالأولى السببية الدالة على أن الأعمال سبب الدخول المقتضية له كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها ، والثانية باء المعاوضة نحو اشتريت منه بكذا ، فأخبر أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمل أحد ، وأنه لولا رحمة الله لعبده لما أدخله الجنة ، لأن العمل بمجرده ولو تناهى لا يوجب بمجرده دخول الجنة ، ولا أن يكون عوضاً لها لأنه ولو وقع على الوجه الذي يحبه الله لا يقاوم نعمة الله ، بل جميع العمل لا يوازي نعمة واحدة ، فتبقى سائر نعمه مقتضية لشكرها وهو لم يوفها حق شكرها .
(2) البخاري في المرضى 10/109 ، باب تمني المريض الموت ، وفي الرقاق 11/252 ، 254 ، باب القصد والمداومة على العمل ، ومسلم رقم (2816) في صفات المنافقين ، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله ، والنسائي 8/121 ، 122 في الإيمان ، باب الدين يسر .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه عن أبي هريرة أبو صالح :
أخرجه أحمد (2/343) قال: حدثنا عفان. قال: حدثنا خالد بن عبد الله ، عن سُهيل ، وفي (2/466) قال: حدثنا أسود بن عامر ، قال: أخبرنا أبو بكر عن أبي حَصين. وفي (2/495) قال: حدثنا ابن نُمير ، عن الأعمش . (ح) ويعلى . قال: حدثنا الأعمش. وفي (3/362) قال: حدثنا عفان. قال: حدثنا عبد العزيز ابن مسلم. قال: حدثنا سُليمان الأعمش. ومسلم (8/140) ، قال: حدثني زهير بن حرب. قال: حدثنا جرير ، عن سهيل. وفي (8/140) قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نُمير. قال: حدثنا أبي ، قال: حدثنا الأعمش. وفي (8/140) قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال: حدثنا جرير ، عن الأعمش. وفي (8/141) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شَيبة وأبو كريب. قالا: حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش. وابن ماجة (4201) قال: حدثنا عبد الله بن عامر بن زُرَارة وإسماعيل بن موسى. قالا: حدثنا شريك بن عبد الله ، عن الأعمش.
ثلاثتهم - سُهيل ، وأبو حَصين عثمان بن عاصم ، والأعمش- عن أبي صالح ، فذكره.
- ورواه أيضًا عنه أبو عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف :
أخرجه أحمد (2/264) ، والبخاري (7/157) ، ومسلم (8/140) .
- ورواه عنه أيضًا بسر بن سعيد:
أخرجه أحمد (2/451) ، ومسلم (8/139) .
- ورواه عنه أيضًا سعيد المقبري :
أخرجه أحمد (2/514) ، والبخاري في الأدب المفرد (461) .
- ورواه عنه أيضًا ابن سيرين :
أخرجه أحمد (2/235) ، ومسلم (8/140) .
- ورواه عنه أيضًا عبد الرحمن بن أبي عمرة:
رواه أحمد (2/482) .
قلت: ومن الرواة أبي سلمة ، وأبي زياد الطحان ، ومحمد بن زياد ، وهمام.

90 - (م) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال : سمعت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : «لا يُدْخِلُ أحدًا منكم عملُهُ الجنَّةَ ، ولا يُجيرُه من النَّار ، ولا أنا ، إلا برحمة الله عز وجل» .
وفي رواية قال : «قاربُوا وسَدِّدُوا ، واعلموا أنهُ لن يَنْجُوَ منكم أحدٌ بِعَملِه» . قالوا : يا رسول الله ، ولا أنتَ ؟ قال : «ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» أخرجه مسلم (1) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
يجيره : الإجارةُ : الإعانة والنصرة .
__________
(1) رقم (2817) في صفات المنافقين ، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (3/394) ، قال: ثنا الحسن ، قال: ثنا ابن لهيعة ، ومسلم (8/141) قال: حدثني سلمة بن شبيب ، قال: ثنا الحسن بن أعين قال: حدثنا معقل.
كلاهما عن أبي الزبير عن جابر - رضي الله عنه - فذكره .

91 - (خ م) أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «يَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا ، وبَشِّرُوا ولا تُنَفِّرُوا» . -[310]-
وفي رواية : «وسَكِّنُوا ولا تُنَفِّرُوا» . أخرجه البخاري ومسلم (1) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
التيسير: ضد التعسير ، أراد به: التَّسهيل في الدين ، وترك التشديد.
__________
(1) البخاري 1/171 في العلم ، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة ، ومسلم رقم (1734) في الجهاد ، باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه أحمد عن روح قال: ثنا شعبة ، وفي (3/211) عن محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، وحجاج ، ورواه البخاري في العلم عن بندار ، وفي الأدب عن آدم ، ومسلم في المغازي عن عبيدالله بن معاذ عن أبيه ، وعن أبي بكر ، عن عبيد بن سعيد ، وعن محمد بن الوليد عن غندر ، خمستهم عن شعبة ، عن أبي التياح ، عن أنس - رضي الله عنه - فذكره .

92 - (د) سهل بن أبي أمامة - رضي الله عنهما - أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة ، في زمان عُمَرَ بن عبد العزيز ، وهو أميرُ المدينة (1) فإذا هو يُصلي صلاةً خفيفة دَقيقة ، كأنها صلاةُ مُسافِرٍ ، أو قريبٌ منها ، فلما سلَّم قال : يرحمُك الله ، أرأيت هذه الصلاة المكتوبةَ ، أو شيء تَنَفّلتَه ؟ قال : إنَّها لَلْمكتوبَةُ ، وإنها لصلاةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أخطأتُ إلا شيئًا سَهَوْتُ عنه ، ثم قال : إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تُشدِّدوا على أنفسكم فَيُشَدَّدَ عليكم ، فإنَّ قومًا شدَّدُوا على أنفسهم ، فشُدِّدَ عليْهِم ، فتلْك بقاياهم في الصَّوامِعِ والدِّيار ، رَهْبانِيَّةً ابتَدَعوها ما كتبناها عليهم» . ثم غَدا من الغد ، فقال ألا تركبُ لننظُرَ ونعتبِرَ ؟ قال: نعم ، فركبُوا جميعًا ، فإذا بديار بَادَ أهْلُها وانْقَضوْا وفَنُوا ، خاويةً على عُروشِها ، فقال : تَعْرِفُ هذه الديار ؟ فقال : «ما أعرَفَني بها وبأهلها ، هؤلاء أهلُ ديار أهلَكهُمْ البَغْيُ والحسدُ ، إنَّ الحسدَ يُطفِئ نُور الحسنات ، والبغيُ يصدِّقُ ذلك أو يُكَذِّبُهُ ، والعَيْن تزني ، والكفُّ والقَدَمُ -[311]- والجسَدُ واللسانُ ، والفرجُ يُصَدِّقُ ذلك أو يُكَذِّبُهُ» . أخرجه أبو داود (2) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
دقيقة : أراد بقوله: «صلاةً دقيقة» أي: خفيفة لا إطالة فيها ، ولا تَكلُّف ولا رياء.
رهبانية ابتدعوها: الرهبانية: ترك الملاذ من المطعم ، والمشرب ، والمنكح ، والمسكن الحلال ، والانقطاع في الصوامع ، كما يفعله رهابين النَّصارى ، وابتداعها: فعلها من عند أنفسهم ، من غير أن تفرض عليهم ، أو تُسَنَّ لهم.
باد أهلها: بادَ القومُ : إذا هلكوا وانقرضوا .
خاوية: خَوَى البيت: إذا سقط وإذا خلا.
عروشها : عريشُ البيت : سقفه ، والمعنى : أن البيت إذا سقط سقط بعضه على بعض ، وأصل ذلك: أن يسقط السَّقف ، ثم تسقط الحيطان عليه.
البغيُ : مجاوزة الحد في الظلم والتعدي.
__________
(1) في المطبوع " المؤمنين " .
(2) 4/581 رقم (4904) في الأدب ، باب في الحسد ، وذكره ابن كثير في تفسيره 4/316 عن أبي يعلى الموصلي ، وفي سنده سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء الراوي عن سهل بن أبي أمامة ، لم يوثقه غير ابن حبان .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
إسناده ضعيف : أخرجه أبو داود (4904) ، قال: حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا عبد الله بن وهب ، قال: أخبرني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء ، أن سهل بن أبي أمامة فذكره.
قلت: سعيد بن عبد الرحمن تفرد ابن حبان بتوثيقه ، وهو مجهول .

93 - (خ د س) أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد ، فإذا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بين السَّاريتين ، فقال : ما هذا الحبلُ ؟ -[312]- قالوا : حَبلٌ لزينبَ ، فإذا فَترتْ تعلَّقتْ به ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «لا ، حُلُّوهُ ، ليُصلِّ أحَدُكُم نَشاطَهُ ، فإذا فَتَر فَلْيَقْعُدْ» هذه رواية البخاري والنسائي.
وفي رواية أبي دواد : «ما هذا الحبلُ» ؟ فقيل : يا رسول الله ، حَمْنَةُ بنت جَحْشٍ (1) تُصلِّي ، فإذا أعْيَتْ تَعَلَّقَتْ به ، فقال : «حُلُّوه ، لتُصَلي ما أطَاقَتْ ، فإذا أعْيَتْ فَلْتَجْلِسْ» .
وفي رواية له قالوا : زيْنَبُ تُصَلِّي ، فإذا كَسِلَت ، أو فَتَرَتْ أمْسَكَتْ به ، فقال: «حُلُّوهُ ، ليُصلِّ أحدُكُم نشاطَهُ ، فإذا كَسِلَ أو فَتَر فليقعد (2)» .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
فَتَرَتْ : الفُتُور : ضد النشاط والخفة .
أعيت : الإعياء : التعب.
__________
(1) هي أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنهما .
(2) البخاري 3/278 في أبواب التهجد ، باب ما يكره من التشديد في العبادة ، وأبو داود رقم (1312) في الصلاة ، باب النعاس في الصلاة ، والنسائي 3/218 ، 219 في قيام الليل : باب الاختلاف على عائشة في إحياء الليل . وفي الحديث الحث على الاقتصاد في العبادة ، والنهي عن التعمق فيها ، والأمر بالإقبال عليها بنشاط ، وفيه إزالة المنكر باليد واللسان ، وجواز تنفل النساء في المسجد .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه عن أنس عبد العزيز بن صهيب :
1 - أخرجه أحمد (3/101) ، ومسلم (2/189) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وزهير بن حرب ، وأبو داود (1312) قال: حدثنا زياد بن أيوب ، وهارون بن عبَّاد. والنسائي في الكبرى (1215) قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم . وابن خزيمة (1180) قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، سبعتهم - أحمد ، وأبو بكر ، وزهير ، وزياد ، وهارون ، وإسحاق ، ويعقوب- عن إسماعيل بن إبراهيم بن عُلَيَّة .
2 - وأخرجه البخاري (2/67) قال: حدثنا أبو معمر. ومسلم (2/189) قال: وحدثناه شيبان بن فروخ. وابن ماجة (1371) ، والنسائي (3/218) كلاهما عن عمران بن موسى. ثلاثتهم - أبو معمر ، وشيبان ، وعمران- عن عبد الوارث بن سعيد.
كلاهما - إسماعيل ، وعبد الوارث- عن عبد العزيز بن صهيب ، فذكره.
* أخرجه ابن خزيمة (1181) قال: حدثنا إبراهيم بن مستمر البصري ، قال: حدثنا أبو حبيب مسلم بن يحيى مؤذن مسجد بني رفاعة ، قال: حدثنا شعبة ، عن عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس بن مالك ، نحوه ، غير أنه قال: «قالوا: لميمونة بنت الحارث» .
- ورواه عنه أيضًا حميد :
أخرجه أحمد (3/184) ، وعبد بن حميد (1404) .

94 - (خ م ط س) عائشة - رضي الله عنها - قالت : كانت عِندي امرأةٌ من بَني أسَدٍ ، فدخلَ عليَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : «مَنْ هَذِهِ ؟» قُلْتُ : فُلانة ، لا تنامُ من الليل ، تذكُرُ من صَلاَتِها ، قال : «مَهُ ، عليكم من الأعمال ما تُطيقون ، فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملُّوا ، وكان أحبُّ الدِّين ما داوم -[313]- عليه صاحبُهُ» ، أخرجه البخاري ومسلم والنسائي.
وفي أخرى لمسلم : أنَّ الحوْلاءَ بنتَ تُوَيْتٍ (1) مرَّتْ بها ، وعندها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقلتُ: هذه الحَوْلاءُ بنتُ تُويْت ، وزعموا أنها لا تنام اللَّيلَ ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تنامُ الليل ؟ خُذُوا من العمل ما تُطيقون ، فوالله لا يَسأمُ اللهُ حتى تسْأمُوا» .
وأخرجه «الموطأ» مُرسلاً عن إسماعيل بن أبي حكيم ، أنهُ بَلغَهُ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ امرأة من اللَّيلِ تُصَلِّي ، فقال : «مَن هذه ؟» قيل : الحوْلاءُ بنتُ تُوَيْت لا تَنامُ اللَّيلَ ، فكَرِهَ ذَلِكَ ، حتَّى عُرِفَتِ الكَرَاهِيَةُ في وجهِهِ ، ثمَّ قال : «إنَّ الله لا يَملُّ حتَّى تملُّوا ، اكْلَفُوا من العمل ما لكم به طاقَةٌ (2)» .
ٍ
[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
(مه) بمعنى : أسكت
(لا يسأم) السآمة : الضجر والملل ، والمعنى مثله في قوله " لايمل حتى تملوا".
__________
(1) الحولاء بنت تويت - بضم التاء فوقها نقطتان - بن حبيب بن أسد بن عبد العزى ابن قصي القرشية الأسدية ، هاجرت إلى المدينة ، وكانت كثيرة العبادة . اهـ . من " أسد الغابة " .
(2) البخاري 3/279 في التهجد : باب ما يكره من التشديد في العبادة ، ومسلم رقم (785) في صلاة المسافرين : باب أمر من نعس في صلاته ، والموطأ 1/118 في صلاة الليل : باب ما جاء في صلاة الليل ، والنسائي 3/218 في قيام الليل : باب الاختلاف على عائشة في إحياء الليل .

95 - (ت) أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال : «إنَّ لِكُلِّ شيءٍ شِرَّةً ، ولكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً (1) ، فإنْ صاحِبُها سَدَّدَ وقارَبَ فَارْجُوهُ ، وإنْ أُشِيرَ إليه بالأصابع فلا تَعُدُّوه» أخرجه الترمذي (2) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
شِرَّةٌ : الشرة : النشاط ، ويقال: شرة الشباب: أوله.
__________
(1) قال القاضي : الشرة بكسر الشين والتشديد : الحرص على الشيء والنشاط فيه ، و " صاحبها " فاعل دل عليه ما بعده ، ونظيره قوله تعالى : {وإن أحد من المشركين استجارك} .
والمعنى : أن من قصد في الأمور ، وسلك الطريق المستقيم ، واجتنب جانبي إفراط الشرة ، وتفريط الفترة ، فارجوه ، ولا تلتفتوا إلى شهرته فيما بين الناس ، واعتقادهم فيه .
وقال الطيبي : ذهب إلى أن " إن " الشرطية الثانية من تتمة الأولى ، فلعل الظاهر أن تكون مثلها في الاستقلال ، فيكون تفصيلاً لذلك المجمل ، فإن قوله : " لكل شيء شرة إلخ " معناه : أن لكل شيء من الأعمال الظاهرة ، والأخلاق الباطنة طرفين ، إفراطاً وتفريطاً ، فالمحمود هو القصد بينهما ، فإن رأيتم أحداً يسلك سبيل القصد ، فارجوه أن يكون من الفائزين ، ولا تقطعوا له ، فإن الله هو الذي يتولى السرائر ، وإن رأيتموه يسلك سبيل الإفراط والغلو حتى يشار إليه بالأصابع ، فلا تثبتوا القول فيه بأنه من الخائبين ، فإن الله هو الذي يطلع على الضمائر .
(2) رقم (2455) في صفة القيامة : باب رقم 21 ، وقال : هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه . ونقول : إسناده حسن وصححه ابن حبان رقم 2518 موارد ، وأخرجه أيضاً من حديث عبد الله بن عمر .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
إسناده ضعيف:
أخرجه الترمذي (2453) ، قال: ثنا يوسف بن سلمان أبو عمر البصري ، قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن ابن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، فذكره.
قلت: في إسناده محمد بن عجلان اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة ، وهذا منها. وفي الباب عن ابن عمر أخرجه ابن حبان [2518/موارد] .

96 - (خ ت) أبو جحيفة - رضي الله عنه - قال : آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين سلمان وأبي الدرداء ، فزار سلمان أبا الدَّرْداء ، فرأى أمَّ الدَّرْداء مُتَبَذِّلَةً ، فقال لها : ما شأنُك ؟ فقالتْ : أخوكَ أبو الدرداء ليس له حاجةٌ في الدنيا ، -[315]- فجاء أبو الدرداء ، فصنعَ له طعامًا ، فقال له : كُلْ ، فإني صائمٌ ، قال : ما أنا بآكل حتى تأكُلَ ، فأكل ، فلما كان الليلُ ذهب أبو الدرداء يقومُ ، فقال : نم ، فنام ، ثمَّ ذهب يقوم ، فقال : نم ، فلما كان من آخر الليل ، قال : سلمانُ : قُم الآن ، فصلَّيَا ، فقال له سلمانُ : إنَّ لربِّكَ عليك حقًّا ، وإنَّ لِنَفسكَ عليك حقًّا ، ولأهلك عليك حقًّا ، فأعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فذكرَ ذلك له ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «صَدَقَ سلمانُ» أخرجه البخاري والترمذي.
وزاد الترمذي فيه «ولضَيْفِكَ عليك حقًّا (1)» .
__________
(1) البخاري 13/151 في الأدب : باب صنع الطعام والتكلف للضيف و 5/112 - 114 في الصوم : باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع ، وأخرجه الترمذي رقم (2415) في الزهد ، باب أعط كل ذي حق حقه . وفي هذا الحديث من الفوائد : المؤاخاة ، وزيارة الإخوان ، والمبيت عندهم ، وجواز مخاطبة الأجنبية للحاجة ، والسؤال عما تترتب عليه المصلحة وإن كان في الظاهر لا يتعلق بالسائل ، وفيه النصح للمسلم ، وتنبيه من أغفل ، وفضل قيام آخر الليل ، ومشروعية تزيين المرأة لزوجها ، وثبوت حق المرأة على الزوج في حسن العشرة ، وجواز الفطر من صوم التطوع ... .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه البخاري (3/49) ، (8/40) ، والترمذي (2413) قالا: حدثنا محمد بن بشار ، وابن خزيمة [2144] قال: حدثنا محمد بن بشار . (ح) وحدثنا يوسف بن مسى .
كلاهما عن جعفر بن عون العمري ، قال : ثنا أبو العميس ، عن عون بن أبي جحيفة ، فذكره.

97 - (م ت) حنظلة بن الربيع الأسيدي (1) - رضي الله عنه - وكان من كُتَّاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لَقيَنِي أبو بكر ، فقال : كيف أنتَ يا حنظَلَةُ ؟ قال : قُلتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ قالَ : سبحان الله ! ما تَقُولُ ؟ قال : قُلْتُ : نكونُ عند رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يُذكِّرُنا بالنَّار والجنَّةِ [حتَّى] (2) كأنَّا رأيَ -[316]- عَيْنٍ ، فإذا خرجنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عافَسْنا الأزْواج والأولاد ، والضَّيْعات ، ونسينا كثيرًا ، قال أبو بكر - رضي الله عنه - : فوالله إنَّا لَنَلْقَى مثل هذا ، فانطَلَقْتُ أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت : نَافَقَ حنظلَةُ يا رسول الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «وما ذاك؟» قلتُ : يا رسول الله نكون عندك تُذكِّرُنا بالنار والجنة [حتى] (3) كأنَّا رأيَ عَيْنٍ ، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضَّيْعاتِ ، ونَسينا كثيرًا. فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : «والذي نفسي بيده ، لو تَدومُونَ على ما تكونون عندي ، وفي الذِّكرِ ، لصافَحَتْكم الملائكة على فُرُشِكُم ، وفي طُرُقِكم ، ولكن يا حنظلةُ ساعَةً وساعَةً - ثلاث مِرار -» (4) .
وفي رواية قال : كُنَّا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فذكرَ النَّارَ ، ثمَّ جِئتُ إلى البيتِ ، فضاحَكْتُ الصِّبْيان ، ولاعَبتُ المرأةَ ، فخرجتُ ، فلقيتُ أبا بكر ، فذكرتُ ذلك له. فقال : وأنا قد فعلت مثل ما تذكُرُ ، فلقينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت : يا رسول الله نافق حنظلةُ ، فقال : «مه ؟» فحدثته بالحديث. وقال أبو بكر : وأنا فعلت مِثْلَ ما فَعلَ. فقال : «يا حنظلة ، ساعةً وساعةً ، لو كانت تكون قلوبُكم كما تكونُ عند الذكر لصافحتكم الملائكةُ ، حتى تُسلِّمَ عليكم في الطريق» . أخرجه مسلم والترمذي. -[317]-
إلا أنَّ الترمذي قال : «ساعةً وساعةً ، ساعةً وساعةً» (5) .
واقتصر الترمذي أيضًا منه على طرف يسير قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لو أنكم تكُونُون كما تكونون عندي ، لأظَلَّتْكُمُ الملائِكَةُ بأجنحتها» (6) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
نافق : النفاق : ضد الإخلاص ، وأراد به في الحديث: أنني في الظاهر إذا كنت عند النبي -صلى الله عليه وسلم- أخْلصتُ ، وإذا انفردت عنه رغبتُ في الدنيا ، وتركتُ ما كنت عليه ، فكأنه نوع من الظاهر والباطن ، وما كان يرضى أن يُسامِحَ به نفسه ، وكذلك كان الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين ، يؤاخذون أنفسهم بأقل الأشياء.
رأي عين : جعلتَ الشَّيءَ رأي عينك ، أي : بمرأى منك ، وفي مقابلتك ، وهو منصوب بإضمار «نَرى» .
عافَسْنَا : المعَافَسَةُ : المعالجة والممارسة والملاعبةُ .
الضَّيْعَاتُ : جمع ضَيْعَة ، وهي الصناعةُ والحِرفَةُ .
__________
(1) الأسيدي ضبطوه بوجهين أصحهما وأشهرهما : ضم الهمزة وفتح السين وكسر الياء المشددة .
والثاني : كذلك إلا أنه بإسكان الياء ، وهو منسوب إلى بني أسيد بطن من بني تميم .
(2) زيادة من مسلم .
(3) زيادة من مسلم .
(4) في مسلم : ثلاث مرات .
(5) مسلم رقم (2750) في التوبة ، باب فضل دوام الذكر ، والترمذي رقم (2516) في صفة القيامة ، باب ولكن يا حنظلة .
(6) الترمذي رقم (2454) في صفة القيامة ، باب الورع والتقوى .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح :
1 - أخرجه أحمد (4/178) ، قال: حدثنا أبو نعيم . وفي (4/346) قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري ، ومسلم (8/95) قال: حدثني زهير بن حرب ، قال: حدثنا الفضل بن دُكين. وابن ماجة (4239) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال: حدثنا الفضل بن دكين. كلاهما - أبو نعيم الفضل بن دكين ، وأبوأحمد- قالا: حدثنا سفيان .
2- وأخرجه مسلم (8/94) قال: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي ، وقَطَن بن نُسَيْر. والترمذي (2514) قال: حدثنا بشر بن هلال البصري.
(ح) وحدثنا هارون بن عبد الله البزاز ، قال: حدثنا سيار ، أربعتهم- يحيى ، وقطن ، وبشر ، وسيار- عن جعفر ابن سليمان.
3 - وأخرجه مسلم (8/95) قال: حدثني إسحاق بن منصور ، قال: أخبرنا عبد الصمد ، قال: سمعت أبي.
ثلاثتهم - سفيان ، وجعفر ، وعبد الوارث- عن سعيد الجُرَيْري ، عن أبي عثمان النهدي ، فذكره.

98 - (ط) مالك بن أنس - رحمه الله - بلغه : أن عائشة ، كانت ترسلُ إلى أهلِها بَعدَ العَتَمة ، فتقول : ألا تُريحون الكُتَّاب ؟. أخرجه «الموطأ» (1) . -[318]-

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
الكُتَّاب : جمع كاتب ، وأرادَتِ الحَفظة الكرام الكاتبين ، وذلك بعثًا لهم على ترك العمل ، وطلب الاقتصاد.
وهذه أحاديث وجدتُها في كتاب رزين ، ولم أجدها في الأصول .
__________
(1) 2/987 بلاغاً ، باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
الموطأ [1918] كتاب الجامع - باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله .

99 - () ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : كانت مولاةٌ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خُبِّر عنها : أنها تَقوم الليل ، وتَصومُ النَّهار ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لكُلِّ عاملٍ شِرَّةٌ ، ولكل شِرَّةٍ فَتْرَةٌ ، فمن صارت فترته إلى سُنَّتي فقد اهتدى ، ومن أخطأ فقد ضَلَّ (1)» .
__________
(1) هو بمعنى حديث أبي هريرة رقم 95 ، وانظر تخريجه .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
عزاه الهيثمي للبزار وقال: رجاله رجال الصحيح . المجمع (2/258 ، 259) .
قلت: وفي الباب عن أبي هريرة تقدم برقم [95] ، وعن ابن عمرو لكنه معلول ، راجع العلل [1927] ، ورجح أبو حاتم إرسال هذا الحديث.

100 - () معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «لن يُنْجِيَ أحدَكُم عَمَلُهُ» . قالوا : ولا أنت ؟ قال : «ولا أنا إلا أنْ يَتَغَمَّدَنِيَ الله برحمة منه ، فسدِّدُوا ، وقارِبوا ، واغْدوا ، ورُوحوا ، وشيئًا من الدُّلْجة والقصد القَصد القصدَ ، تَبْلُغُوا ، وإنَّ أحبَّ الأعْمالِ إلى الله تعالى ما داوم عليه صاحبُهُ ، وإن قلَّ ، فاكْلَفوا من العمل ما تُطيقون ، فإنَّ الله لا يملُّ حتى تَملُّوا» (1) .
__________
(1) لم نجد هذا الحديث فيما بين أيدينا من المصادر من حديث معاذ ، ومعناه ثابت في الصحاح عن غيره كما تقدم .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
غريب : لم أقف عليه من حديث معاذ - رضي الله عنه - ، وهو غريب من حديثه. وقد تقدم من حديث أبي هريرة وغيره .

101 - () أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : -[319]- «خيْرُ الأمورِ أوساطها» (1) .
ٍ
[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
(خير الأمور أوساطها) معناه : أن كل خصلة محمودة ، فإن لها طرفين مذمومين ، مثل أن السخاء وسط بين البخل والتبذير ، والشجاعة وسط بين الجبن والتهور ، والإنسان مأمور أن يتجنب كل وصف مذموم ، وتجنبه بالتعري منه ، والتبعد عنه ، فكلما ازداد منه بعداً ازداد منه تعرياً ، وأبعد الجهات والأماكن والمقادير من كل طرفين ، فإنما هو وسطها ، لأن الوسط أبعد الجهات من الأطراف ، وهو غاية البعد عنها ، فإذا كان في الوسط ، فقد تعرى عن الأطراف المذمومة بقدر الإمكان ، فلهذا كان خير الأمور أوساطها .
__________
(1) قال السخاوي في " المقاصد الحسنة " : رواه ابن السمعاني في " ذيل تاريخ بغداد " بسند فيه مجهول عن علي مرفوعاً ، وللديلمي بلا سند عن ابن عباس مرفوعاً " خير الأعمال أوسطها " وقال العجلوني في " كشف الخفاء " : قال ابن الفرس : ضعيف .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
عزاه الحافظ السخاوي لابن السمعاني في ذيل تاريخ بغداد بسند فيه مجهول عن علي مرفوعًا ، وللديلمي بلا سند عن ابن عباس - بنحوه - . وقال العجلوني : قال ابن الغرس : ضعيف.
قلت: وقفت عليه مقطوعًا من قول «مطرف» بسند صحيح رواه البيهقي في الشعب [6601] ط/ دار الكتب العلمية . ولم أهتد إليه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
خير الأمور أوساطها : معناه : أن كل خصلة محمودة ، فإن لها طرفين ، مذمومين ، مثل أن السَّخَاء وسطٌ بين البخل والتَّبذير ، والشجاعة وسطٌ بين الجُبن والتهور ، والإنسان مأمورٌ أن يتجنَّب كلَّ وصفٍ مذمومٍ ، وتجنُّبُه بالتَّعَرِّي منه ، والتَّبَعُّد عنه ، فكلما ازداد منه بُعدًا ازداد منه تعريّاً ، وأبعدُ الجهاتِ والأماكن والمقادير من كل طرفين ، فإنما هو وسطها؛ لأن الوسط أبعد الجهات من الأطراف ، وهو غاية البعد عنها ، فإذا كان في الوسط ، فقد تَعَرَّى عن الأطراف المذمومة بقدر الإمكان ، فلهذا كان خير الأمور أوساطها .

الكتاب الثالث : في الأمانة
102 - (خ م ت) حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال : حدَّثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثين (1) ، قد رأيتُ أحدَهما ، وأنا أنْتَظِرُ الآخر ، حَدَّثنا -[320]- أنَّ الأمانة (2) نزلت في جَذْرِ قلوب الرِّجال ، ثم نزل القرآن ، فَعلِمُوا من القرآن ، وعلموا من السُّنَّة. ثم حدَّثنا عن رفْع الأمانة ، فقال : «ينامُ الرجُلُ النومَةَ ، فتُقْبَضُ الأمانةُ من قلبه ، فيظَلُّ أثَرُها مِثْلُ أثَرِ الْوَكْتِ ، ثمَّ ينامُ النَّومةَ ، فَتُقْبَض الأمانةُ من قبله ، فيظلُّ أثَرُها مثْلُ أثَرِ الْمجْلِ ، كَجَمْرِ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ ، فَتراه مُنْتبِرًا ، وليس فيه شيءٌ - ثم أخَذَ حصى فدحْرَجَهُ على رجْلِهِ - فيُصْبِحُ النَّاسُ يتبايَعون ، فلا يكاد أحدٌ يُؤدِّيَ الأمانةَ ، حتَّى يُقالُ : إنَّ في بني فلانٍ رَجُلاً أمينًا ، حتى يقال للرجل : ما أجْلَدَهُ ، ما أظْرَفَهُ ، ما أعْقَلَهُ ، وما في قلبه مِثْقَالُ حبَّةٍ من خَردلٍ من إيمانٍ ، ولقد أتى عليَّ زمانٌ وما أبالي أيّكُم بايعْتُ (3) ، لئِن كان مُسلمًا ليَرُدَّنَّه عليَّ دينُهُ ، وإنْ كان -[321]- نَصْرانيًا أو يَهوديًا ليَرْدَّنه عليَّ ساعيه ، وأما اليوم فما كنتُ أبايع منكم إلا فلانًا وفلانًا» أخرجه البخاري ومسلم والترمذي (4) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
جَذْر : الشيء : بفتح الجيم وكسرها : أَصله .
الوَكْتُ : النُّقْطَةُ في الشيء من غير لونه .
المَجْلُ : غِلظُ الجلد من أثر العمل ، وقيل: إنما هي النّفاطات في الجلد .
مُنْتَبرًا : المُنْتَبرُ : المنتفخ وليس فيه شيء ، وكل شيء رفع شيئًا ، فقد نَبَرَهُ ، ومنه اشتق المنبر.
ساعيه : الساعي: واحد السُّعاة ، وهم الولاة على القوم ، يعني أنَّ المسلمين كانوا مُهْتَمِّين بالإسلام ، فيحتفظون بالصدق والأمانة ، والملوك ذوو عدل ، فما كنت أبالي من أُعامِل: إن كان مسلمًا ردَّه إليَّ بالخروج عن الحق عَمَلُهُ بمقتضى الإسلام ، وإن كان غير مُسلم أنصفني منه عامله.
__________
(1) أي في باب الأمانة ، إذ له أحاديث كثيرة ، وأولهما : في نزول الأمانة ، وثانيهما : في رفعها .
(2) قال ابن التين : الأمانة : كل ما يخفى ولا يعلمه إلا الله من المكلف ، وعن ابن عباس : هي الفرائض التي أمروا بها ونهوا عنها ، وقال أبو بكر بن العربي : المراد بالأمانة في هذا الحديث الإيمان ، وتحقيق ذلك فيما ذكر من رفعها أن الأعمال السيئة لا تزال تضعف الإيمان حتى إذا تناهى الضعف لم يبق إلا أثر الإيمان وهو التلفظ باللسان والاعتقاد الضعيف في ظاهر القلب ، فشبهه بالأثر في ظاهر البدن ، وكنى عن ضعف الإيمان بالنوم ، وضرب مثلا لزهوق الإيمان عن القلب حالاً بزهوق الحجر عن الرجل حتى يقع على بالأرض .
(3) قوله : " أيكم بايعت " معنى المبايعة هنا : البيع والشراء المعروفان ، أي : كنت أعلم أن الأمانة في الناس ، فكنت أقدم على معاملة من اتفق ، غير باحث عن حاله ، وثوقاً بأمانته ، فإنه إن كان مسلماً فدينه يمنعه من الخيانة ، ويحمله على أداء الأمانة . وإن كان كافراً فساعيه - وهو الذي يسعى له ؛ أي الوالي عليه - يقوم بالأمانة في ولايته فينصفني ، ويستخرج حقي منه ، وكل من ولي شيئاً على قوم فهو ساعيهم ، مثل سعاة الزكاة . وأما اليوم فقد ذهبت الأمانة ، فلست أثق اليوم بأحد أأتمنه على بيع أو شراء ، إلا فلاناً وفلاناً ، يعني أفراداً من الناس قلائل .
(4) البخاري 14/116 - 117 في الرقاق : باب رفع الأمانة و 16/148 - 149 في الفتن : باب إذا بقي في حثالة من الناس وأخرجه مسلم رقم (143) في الإيمان : باب رفع الأمانة والإيمان ، والترمذي رقم (2180) في الفتن : باب ما جاء في رفع الأمانة ، وأخرجه ابن ماجة رقم (4053) في الفتن : باب ذهاب الأمانة .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه الحميدي (446) ، قال: حدثنا سفيان. وأحمد (5/383) قال: حدثنا أبو معاوية. وفيه (5/383) قال: حدثنا وكيع ، وفي (5/384 ، 403) قالك حدثنا محمد بن جعفر ، قال: حدثنا شعبة ، والبخاري (8/129) ، (9/66) قال: حدثنا محمد بن كثير ، قال: أخبرنا سفيان. وفي (9/114) قال: حدثنا علي ابن عبد الله ، قال: حدثنا سفيان ، ومسلم (1/88) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال: حدثنا أبو معاوية ، ووكيع (ح) وحدثنا أبو كريب ، قال: حدثنا أبو معاوية. وفي (1/89) قال: حدثنا ابن نمير ، قال: حدثنا أبي ، ووكيع (ح) وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال: حدثنا عيسى بن يونس ، وابن ماجة (4053) قال: حدثنا علي بن محمد ، قال: حدثنا وكيع ، والترمذي (2179) قالك حدثنا هناد ، قال: حدثنا أبو معاوية.
سبعتهم - سفيان بن عيينة ، وأبو معاوية ، ووكيع ، وشعبة ، وسفيان الثوري ، وعبد الله بن نمير ، وعيسى- عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، فذكره.

103 - (خ) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجلس يُحدِّثُ القومَ ، جاءَهُ أعرابيٌّ فقال : مَتَى السَّاعَةُ ؟ فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُحَدِّثُ ، فقال بعض القوم : سَمِعَ ما قال ، فكره ما قال ، وقال بعضهم : -[322]- بل لم يَسمع ، حتَّى إذا قَضَى حديثَه ، قال : «أين السائل عن الساعة ؟» قال : ها أنا يا رسول الله ، قال : «إذا ضُيِّعَتِ الأمانةُ فانتظر الساعة» . قال : كيف إضاعتُها يا رسول الله ؟ قال : «إذا وُسِّدَ (1) الأمْرُ إلى غير أهله فانتظر السَّاعة» . أخرجه البخاري (2) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
وُسِّدَ : بمعنى : أُسْنِدَ .
__________
(1) أي : أسند ، وأصله من الوسادة ، وكان من شأن الأمير عندهم إذا جلس أن تثنى تحته وسادة ، فقوله : وسد ، أي : جعل له غير أهله وساداً ، فتكون " إلى " بمعنى اللام ، وأتى بها ليدل على تضمين معنى " أسند " كما جاء في الرواية الثانية في الرقاق .
(2) 1/150 ، 151 في العلم : باب من سئل علماً وهو مشتغل في حديثه و 14/116 و 117 في الرقاق : باب رفع الأمانة .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (2/361) قال: حدثنا يونس ، وسريج. والبخاري (1/23) ، (8/129) قال: حدثنا محمد بن سنان. وفي (1/23) قال: حدثني إبراهيم بن المنذر. قال: حدثنا محمد بن فليح.
أربعتهم عن فليح بن سليمان ، قال: حدثنا هلال بن علي ، عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة فذكره.

104 - (ت د) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أدِّ الأمانةَ إلى من ائْتَمنَكَ ، ولا تَخُنْ مَنْ خانَك (1)» . أخرجه الترمذي -[323]- وأبو داود (2) .
__________
(1) أي : لا تعامله بمعاملته ، ولا تقابل خيانته بخيانتك . قال في " سبل السلام " : وفيه دليل على أنه لا يجازي بالإساءة من أساء ، وحمله الجمهور على أنه مستحب ، لدلالة قوله تعالى : {وجزاء سيئة سيئة مثلها} {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} على الجواز وهذه هي المعروفة بمسألة الظفر وفيها أقوال للعلماء ، هذا القول الأول ، وهو الأشهر من أقوال الشافعي ، وسواء أكان من جنس ما أخذ عليه أو من غير جنسه .
والثاني : يجوز إذا كان من جنس ما أخذ عليه لا من غيره ، لظاهر قوله : {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} وقوله : {مثلها} وهو رأي الحنفية .
والثالث : لا يجوز ذلك إلا بحكم الحاكم ، لظاهر النهي في الحديث ، وقوله تعالى : {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} وأجيب أنه ليس أكلاً بالباطل ، والحديث يحمل فيه على الندب .
الرابع لابن حزم : أنه يجب عليه أن يأخذ بقدر حقه سواء كان من نوع ما هو عليه أو من غيره ، ويبيع ويستوفي حقه ، فإن فضل على ما هو له رده له أو لورثته ، وإن نقص بقي في ذمة من عليه الحق ، فإن لم يفعل ذلك ، فهو عاص لله عز وجل ، إلا أن يحلله أو يبرئه فهو مأجور . فإن كان -[323]- الحق الذي له لا بينة عليه وظفر بشيء من مال من عنده له الحق أخذه ، فإن طولب أنكر ، فإن استحلف حلف وهو مأجور في ذلك ، قال : وهو قول الشافعي وأبي سليمان وأصحابهما ، وكذلك عندنا كل من ظفر لظالم بمال ففرض عليه أخذه وإنصاف المظلوم منه ، واستدل بالآيتين وبقوله تعالى : {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل} وبقوله تعالى : {والحرمات قصاص} وبقوله : {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} وبقوله صلى الله عليه وسلم لهند امرأة أبي سفيان : " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " وبحديث البخاري " إن نزلتم بقوم وأمروا لكم بما ينبغي للضيف ، فاقبلوا ، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف " .
(2) حديث صحيح وهوفي الترمذي رقم (1264) في البيوع ، باب رقم (38) وحسنه ، وأبو داود 2/260 في البيوع ، باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده ، وأخرجه الدارمي في " سننه " 2/264 وإسناده حسن ، فإن فيه شريكاً وهو سيء الحفظ وقد تابعه قيس بن الربيع وهو موصوف بالاختلاط ، وتضعيف ابن حزم له في " المحلى " ضعيف لا يلتفت إليه . وفي الباب عن أنس عند الدارقطني والضياء ، وأبي أمامة عند الطبراني ، وأبي بن كعب عند الدارقطني .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
إسناده ضعيف : أخرجه أبو داود في البيوع ، عن أبي كريب محمد بن العلاء ، وأحمد بن إبراهيم كلاهما عن طلق بن غنام ، عن شريك ، وقيس بن الربيع كلاهما عن أبي الحصين.ولم يذكر أحمد «قيس» .
وأخرجه الترمذي في البيوع عن أبي كريب به .
قلت: رجاله ثقات خلا شريك النخعي والمقترن به ، قيس بن الربيع ، ولا أرى أن هذا يعضد الطريق ، بل هناك شبة الاتحاد والله أعلم . والحديث ضعفه ابن حزم في «المحلى» .

105 - (د) يوسف بن ماهك - رحمه الله -[تابعي مكي] قال : كنتُ أكتُبُ لفُلانٍ نَفَقَةَ أيتام كانَ ولِيَّهُمْ ، فغالَطوهُ بألف درهم ، فأدَّاها إليهم ، فأدركتُ لهم من أموالهم مثْلَها ، قال: قلت : اقْبضِ الألفَ الذي ذَهَبُوا به منك ، قال : حدَّثني أبي أنَّه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : «أدِّ الأمانَةَ إلى مَنِ ائتمنك ، ولا تَخُن من خانَكَ» . أخرجه أبو داود (1) .
__________
(1) 2/260 في البيوع ، باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده وفي سنده مجهول ، لكن يشهد له الحديث الذي قبله .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
إسناده ضعيف :
أخرجه أبو داود في البيوع عن أبي كامل الجحدري ، عن يزيد بن زريع ، عن حميد الطويل ، عن يوسف بن ماهك ، عن فلان ، عن أبيه . قلت: في إسناده مجهول .

106 - (خ م د س) أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي -[324]- صلى الله عليه وسلم - قال : «إنَّ الخازِنَ المسلِمَ الأمينَ الذي يُعطي ما أمِرَ به ، فيعطيه كاملاً مُوَفَّرًا ، طَيِّبَةً به نَفْسُهُ ، فيدفَعهُ ، إلى الذي أمِرَ له به ، أحدُ المتَصَدِّقِينَ» . هذه رواية البخاري ومسلم وأبي داود.
ورواية النسائي قال : «المؤمنُ للمؤمن كالبنيان يَشُدُّ بعضُهُ بعضًا» - وقال : «الخازنُ الأمينُ الذي يُعطي ما أمِرَ به طَيِّبًا به نفسُهُ ، أحَدُ المتصدِّقين» (1) .
__________
(1) البخاري 4/45 في الزكاة : باب أجر الخادم إذا تصدق بأمر صاحبه و 5/399 في الوكالة : باب وكالة الأمين في الخزانة و 5/347 في الإجارة ، باب استئجار الرجل الصالح ، وأخرجه مسلم رقم (1023) في الزكاة ، باب أجر الخازن والأمين ، وأبو داود رقم (1684) في الزكاة ، باب أجر الخازن ، والنسائي 5/79 - 80 في الزكاة ، باب أجر الخازن إذا تصدق بإذن مولاه .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه عن أبي موسى أبو بردة عن أبيه :
أخرجه الحميدي (769) قال: حدثنا سفيان. وأحمد (4/394) قال: حدثنا حماد بن أسامة. وفي (4/404) قال: حدثنا سفيان. وفي (4/409) قال: حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان. والبخاري (2/142 ، 3/135) قال: حدثنا محمد بن العلاء ، قال: حدثنا أبو أسامة. وفي (3/115) قال: حدثنا محمد بن يوسف ، قال: حدثنا سفيان. ومسلم (3/90) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو عامر الأشعري ، وابن نمير ، وأبو كريب. كلهم عن أبي أسامة. وأبو داود (1684) قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، ومحمد بن العلاء ، قالا: حدثنا أبو أسامة. والنسائي (5/79) قال: أخبرني عبد الله بن الهيثم بن عثمان ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال: حدثنا سفيان.
ثلاثتهم - سفيان بن عُيينة ، وحماد بن أسامة أبو أسامة ، وسفيان الثوري- عن بُريد بن عبد الله بن أبي بردة ، قال: أخبرني جَدِّي أبو بُردة ، فذكره.

الكتاب الرابع : في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
107 - (م ت د س) أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال طارق بن شهاب: أولُ من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مَروان ، فقام إليه رجلٌ فقال : الصَّلاةُ قبل الخطبة ، قال : قد تُرِك ما هنالك ، فقال أبو سعيد : أمَّا هذا فقد قَضى ما عليه ، سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : «من رأى منكُم منكرًا فلْيُغَيِّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان» . هذه رواية مسلم. -[325]-
ورواية الترمذي مثلها ، إلا أنه قال : فقام رجل فقال : يا مروان ، خالَفْتَ السُّنَّة. فقال : يا فلانُ ، تُرِك ما هُنَالك.
وفي رواية أبي داود : قال : يا مروان ، خالَفْتَ السُّنَّةَ ، أخرَجت المنبر في يوم عيد ، ولم يكن يُخْرَجُ فيه ، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة ، فقال أبو سعيد: مَن هذا ؟ قالوا : فلانُ بنُ فلان ، فقال : أمَّا هذا فقد قَضى ما عليه ... وذكر الحديث.
وفي رواية النسائي ، لم يذكر العيد والخطبة ، وهذا لفظه : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من رأى منكم منكرًا فَغَيَّرَهُ فقد برِئَ ، ومن لم يستطع أن يُغَيِّره بيده ، فغيَّره بلسانه فقد برئ ، ومن لم يستطع أن يغيره بلسانه فغيره بقلبه فقد برئ ، وذلك أضعف الإيمان» (1) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
ترك ما هنالك : أي ترك ما تعرفه من السُّنَّة التي قد أنكرت مخالفتي لها.
__________
(1) مسلم رقم (49) في الإيمان ، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان ، والترمذي رقم (2173) في الفتن ، باب ما جاء في تغيير المنكر باليد ، وأبو داود رقم (1140) في صلاة العيدين : باب الخطبة يوم العيد ورقم (4340) في الملاحم : باب الأمر والنهي ، والنسائي 8/111 في الإيمان : باب تفاضل أهل الإيمان ، وأخرجه ابن ماجة رقم (4013) في الفتن ، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح:
1 - أخرجه أحمد (3/31) قال: حدثنا وكيع ، وفي (3/36) قال: حدثنا أبو عامر ، وفي (3/36) أيضًا ، قال: حدثناه عبد الله بن الحارث. وفي (3/42) قال: حدثنا إسماعيل بن عمر أبو المنذر. وفي (3/54) قال: حدثنا عبد الرزاق. وفي (3/54) قال: حدثنا يحيى. ومسلم (3/20) قال: حدثنا يحيى بن أيوب ، وقُتيبة ، وابن حُجْر ، قالوا: حدثنا إسماعيل بن جعفر. وابن ماجة (1288) قال: حدثنا أبو كُريب ، قال: حدثنا أبو أسامة. والنسائي (3/187) قال: أخبرنا قُتيبة ، قال: حدثنا عبد العزيز . وفي (3/190) قال: أخبرنا عمرو ابن علي ، قال: حدثنا يحيى. وابن خزيمة (1445) قال: حدثنا سَلْم بن جُنادة ، قال: حدثنا وكيع. وفي (1449) قال: حدثنا علي بن حُجْر السَّعْدي ، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر. تسعتهم - وكيع ، وأبو عامر ، وابن الحارث ، وأبو المُنذر ، وعبد الرزاق ، ويحيى ، وإسماعيل بن جعفر ، وأبو أسامة ، وعبد العزيز بن محمد - عن داود بن قيس الفَرّاء.
2 - وأخرجه أحمد (3/56) قال: حدثنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا ابن جُريج ، قال: أخبرني الحارث بن عبد الرحمن .
3 - وأخرجه البخاري (2/22) . وابن خزيمة (1430) قال: حدثنا محمد بن يحيى ، وزكريا بن يحيى بن أَبَان. ثلاثتهم - البخاري ، وابن يحيى ، وزكريا- قالوا: حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال: حدثنا محمد بن جعفر ، قال: أخبرني زيد- وهو ابن أسلم-.
ثلاثتهم عن عياض بن عبد الله بن أبي السرح عن أبي سعيد ، فذكره.

108 - (م) عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم --[326]- قال : «مَا مِنْ نبيٍّ بعثَهُ اللهُ في أمَّةٍ قَبْلي ، إلا كانَ له من أمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ (1) ، وأصحابٌ يأخذون بسُنَّتِه ، ويقتدون بأمره ، ثم إنَّها (2) تَخْلُفُ من بعدهم خُلوف يقولون ما لا يفعلون ، ويفعلون ما لا يؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جَاهَدَهُم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، لَيس وراءَ ذلك من الإيمان حَبَّةُ خَرْدَل» . قال أبو رافع : فحدَّثتُ عبدَ الله بن عمر ، فأنكَرَه عليَّ ، فقدِمَ ابنُ مسعودُ فنَزَلَ بقناةٍ (3) فاسْتَتْبَعَني إليه ابن عمر يَعودُهُ ، فانطلقت معه ، فلما جَلَسنا سألتُ ابنَ مسعودٍ عن هذا الحديث ؟ فَحَدَّثنيه ، كما حَدَّثْتُه ابن عمر. أخرجه مسلم (4) . -[327]-

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
حَوَاريُّون : الحواريُّ: النَّاصِرُ ، والمختص بالرجل المصافي له ، ومنه الحواريون أصحاب المسيح [عيسى] عليه السلام .
خلوف : جمع خَلْف ، وهو من يجيء بعد مَن مضى ، قال الله تعالى : {فخلف من بعدهم خلف} [مريم : 59] .
فاستتبعني: اسْتَتْبَعَني : أخذني معه ، وجعلني تبعًا له.
__________
(1) قال النووي في شرح مسلم 2/28 : وأما الحواريون المذكورون فاختلف فيهم ، فقال الأزهري وغيره : هم خلصان الأنبياء وأصفياؤهم ، والخلصان الذين نقوا من كل عيب ، وقال غيرهم : هم أنصارهم وقيل : المجاهدون ، وقيل : الذي يصلحون للخلافة بعدهم .
(2) قال النووي : الضمير في " إنها " هو الذي يسميه النحويون : ضمير القصة والشأن ، ومعنى " تخلف " تحدث ، وهو بضم اللام ، وأما الخلوف : فبضم الخاء ، وهو جمع خلف بإسكان اللام وهو الخالف بشر ، وأما بفتح اللام فهو الخالف بخير ، هذا هو الأشهر ، وقال جماعة من أهل اللغة ، منهم أبو زيد : يقال كل واحد منهما بالفتح والإسكان ، ومنهم من جوز الفتح في الشر ، ولم يجوز الإسكان في الخير .
(3) قال النووي في شرح مسلم 2/29 : هكذا هو في بعض الأصول المحققة بقناة : بالقاف المفتوحة ، وآخره تاء التأنيث وهو غير مصروف للعلمية والتأنيث ، وهكذا ذكره أبو عبد الله الحميدي في " الجمع بين الصحيحين " ووقع في أكثر الأصول ، ولمعظم رواة مسلم " بفنائه " بالفاء المكسورة وبالمد ، وآخره هاء الضمير قبلها همزة - والفناء : ما بين أيدي المنازل والدور ، وكذا رواه أبو عوانة الاسفراييني ، قال القاضي عياض في رواية السمرقندي : بقناة ، وهو الصواب .
وقناة : واد من أودية المدينة ، عليه مال من أموالها . قال : ورواية الجمهور " بفنائه " وهو خطأ وتصحيف .
(4) رقم 50 في الإيمان : باب كون النهي عن المنكر من الإيمان .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه مسلم في الإيمان [50] قال: حدثني عمرو الناقد ، وأبو بكر بن النضر ، وعبد بن حميد ، واللفظ لعبد. قالوا: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، قال: حدثني أبي عن أبي صالح بن كيسان ، عن الحارث ، عن جعفر بن عبد الله بن الحكم ، عن عبد الرحمن بن مسور ، عن أبي رافع ، عن عبد الله بن مسعود ، فذكره. وأورد له في المتابعات .

109 - (د ت) وعنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إنَّ أولَ ما دخلَ النقْصُ على (1) بني إسرائيل : أنه كان الرجلُ يلقى الرَّجُلَ ، فيقولُ له : يا هذا اتق الله ، ودَعْ ما تَصنع ، فإنه لا يحل لك ، ثم يلقاه من الغد ، وهو على حاله ، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيلَه وشريبَه وقَعيدَه ، فلما فعلوا ذلك ، ضَرَبَ اللهُ قُلوبَ بعضِهم ببَعضٍ. ثم قال : {لُعِنَ الذين كفروا من بني إسرائيلَ على لسان داودَ وعيسى ابن مريمَ ذلك بما عَصَوْا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهَون عن منكرٍ فعلوه لبئسَ ما كانوا يفعلون * ترى كثيرًا منهم يَتَوَلَّون الذين كفروا لبئسَ ما قَدَّمَت لهم أنفُسُهم} - إلى قوله - {فاسقون} [المائدة : الآيات 78 - 81] ثم قال : كلاَّ والله ، لتأمُرُنَّ بالمعروف ، ولَتَنْهَوُنَّ عن المنكر ، ولَتأخُذُنَّ على يَدِ الظَّالم ، ولَتَأطِرُنَّهُ على الحق أطْرًا ، أو لَتَقْصُرُنَّهُ على الحقِّ قصرًا» . -[328]-
زاد في رواية : «أو ليَضْربنَّ اللهُ بقُلوب بعضكم بعضًا ، ثم لَيَلْعنَنَّكُم كما لَعَنهم» . هذه رواية أبي داود.
ورواية الترمذي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لما وقَعَتْ بنو إسرائيل في المعاصي ، نَهتْهُم علماؤهم ، فلم ينتَهُوا ، فجالَسُوهُمْ (2) في مَجَالِسِهِم ، وآكَلُوهم وشَاربوهم ، فضربَ اللهُ قُلُوبَ بعضهِم ببعض ، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ، ذلك بما عَصَوْا وكانوا يعتدون» فجَلسَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وكان مُتَّكئًا ، فقال (3) : «لا ، والذي نفسي بيده ، حتى تأطِروهم على الحق -[329]- أطرًا (4)» .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
أكيله وشريبه وقعيده : الأكِيل والشَّريب والقَعيد: المؤاكل والمشارب ، والمقاعد: المجالس ، وهذا البناء فَعيل بمعنى مفاعل .
لتأطرنه : الأطر: العطف ، أي: لتعطفونه ، وتردونه إلى الحق الذي خالفه.
لتقصرنه : القصر: الحبس ، يقال: قصرتُ نفسي على الشيء ، أي: حبستها عليه.
__________
(1) وفي نسخة : في .
(2) قوله : " فجالسوهم " أي العلماء في مجالسهم : أي في مجلس بني إسرائيل العصاة ومساكنهم ، و " آكلوهم " بمد الهمزة من المؤاكلة مفاعلة للمشاركة في الأكل ؛ وكذا قوله : " وشاربوهم " وقوله " فضرب الله " أي خلط قلوب بعضهم ببعض ، يقال : ضرب اللبن بعضه ببعض : أي خلطه . ذكره الراغب ، وقال ابن مالك : الباء للسببية ، أي سود الله قلب من لم يعصه بشؤم من عصى ، فصارت قلوب جميعهم قاسية بعيدة عن قبول الحق والخير والرحمة ، بسبب المعاصي ومخالطة بعضهم بعضاً . أو ألقى بينهم العداوة ، وقوله : قلب من لم يعص : ليس على إطلاقه ، لأن مؤاكلتهم ومشاربتهم من غير إكراه وإلجاء ، بعد عدم انتهائهم عن معاصيهم - معصية ظاهرة ، لأن مقتضى البغض في الله أن يبعدوا عنهم ، ويهجروهم ويقاطعوهم ولا يواصلواهم ، ولذا قال " فلعنهم " أي العاصين ، والساكتين والمصاحبين ، ففيه تغليب .
(3) قوله : فقال : " لا " أي : لا تعذرون ، أو لا تنجون من العذاب أنتم أيتها الأمة حتى تأطروهم : بهمزة ساكنة ويبدل وبكسر الطاء ، أطراً : بفتح الهمزة مفعول مطلق للتأكيد ، أي حتى تمنعوا أمثالهم من أهل المعصية ، وإن لم ينتهوا من أفعالهم ، فتمتنعوا أنتم عن مواصلتهم ومؤاكلتهم ومجالستهم .
وقال الشارح : الأطر : الإمالة والتحريف من جانب إلى جانب ، أي حتى تمنعوا الظلمة والفسقة عن الظلم ، وتميلوهم عن الباطل إلى الحق ، وفي الفائق : " حتى " متعلقة بـ " لا " . كأن قائلاً قال له عند ذكره مظالم بني إسرائيل : هل نعذر في غلبة الظالمين وشأنهم ؟ فقال : لا ، حتى تأطروهم وتأخذوا على أيديهم ، والمعنى : لا تعذرون حتى تجبروا الظالم على الإذعان للحق وإعطاء النصفة للمظلوم ، واليمين معترضة بين " لا " و " حتى " ، وليست هذه بتلك التي يجيء بها المقسم تأكيداً لقسمه .
(4) أبو داود رقم (4336) في الملاحم : باب الأمر والنهي . والترمذي رقم (3050) في أبواب تفسير القرآن : باب 48 من تفسير سورة المائدة وحسنه ، ورواه ابن ماجة رقم (4006) في الفتن : باب الأمر بالمعروف ، والطبري 10/491 ، وفي سنده عند الجميع انقطاع ، لأن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه كما نص عليه غير واحد . وفي الباب عن أبي موسى عند الطبراني ، قال الهيثمي في " المجمع " 7/269 : ورجاله رجال الصحيح .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
إسناده ضعيف : أخرجه أحمد (1/391) (3713) قال:حدثنا يزيد ، قال:أنبأنا شريك بن عبد الله ، عن علي بن بذيمة. وأبو داود (4336) قال: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، قال: حدثنا يونس بن راشد ، عن علي بن بذيمة. وفي (4337) قال: حدثنا خلف بن هشام ، قال: حدثنا أبو شهاب الحناط ، عن العلاء بن المسيب ، عن عمرو ابن مرة ، عن سالم. وابن ماجة (4006) . والترمذي (3048) - قال ابن ماجة: حدثنا محمد بن بشار ، وقال الترمذي: حدثنا بندار ، قال: حدثنا أبو داود الطيالسي وأملاه عليّ ، قال: حدثنا محمد ابن مسلم بن أبي الوضاح ، عن علي بن بذيمة. والترمذي (3047) قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن ، قال: أخبرنا يزيد بن هارون ، قال: أخبرنا شريك ، عن علي بن بذيمة.
كلاهما - علي بن بذيمة ، وسالم الأفطس- عن أبي عُبيدة ، فذكره.
* أخرجه ابن ماجة (4006) ، والترمذي (3048) قال ابن ماجة: حدثنا محمد بن بشار ، وقال الترمذي: حدثنا بندار ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال: حدثنا سفيان ، عن علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة ، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فذكره مرسلاً (ليس فيه عبد الله بن مسعود) .
قلت: أبو عبيدة ، اسمه كنيته ، لم يلق أباه ، ومدار الطرق عليه كما ترى.

110 - (ت) أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لما وقع النَّقْصُ في بني إسرائيل ، كان الرَّجُلُ منهم يرى أخاه يقع على الذَّنْب ، فينهاه عنه ، فإذا كان الغدُ ، لم يمنعْهُ ما رأى منه أن يكون أكيلَه وشريبَه وخَليطه ، فضرب الله قُلُوبَ بعضِهِم ببعض ، ونزل فيهم القرآن فقال : {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عَصَوا وكانُوا يعتدون} - وقرأ حتى بلغ - {ولو كانوا يؤمنون -[330]- بالله والنبي وما أُنزِل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنَّ كثيرًا منهم فاسقون} . [المائدة : الآيات : 78 - 81] .
قال : وكان متكئًا فجلس وقال : «لا ، حتى تأخذوا على يد الظالم ، فَتَأطِرُوه على الحق أطْرًا» . أخرجه الترمذي.
وقال : قد رواه أبو عبيدة عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله ، فيكون هذا الحديث ، هو الحديث الذي قبله من رواية أبي داود (1) .
__________
(1) الترمذي رقم (3051) في أبواب تفسير القرآن : باب 48 ، وأخرجه الطبري 10/493 ، من حديث سفيان الثوري ، حدثنا علي بن بذيمة عن أبي عبيدة أظنه عن مسروق ، عن عبد الله قال ... فذكره ، وقد علق عليه العلامة أحمد شاكر رحمه الله بقوله : وطريق سفيان عن علي ابن بذيمة يأتي أيضاً برقم (12309 ، 12311) مرسلاً عن أبي عبيدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليس فيه ذكر عبد الله بن مسعود وهو المعروف من رواية سفيان ، روى الترمذي في السنن في التفسير قال عبد الله بن عبد الرحمن : قال يزيد بن هارون : وكان سفيان الثوري لا يقول فيه عبد الله يعني أنه مرسل من خبر أبي عبيدة ، فأفأدنا الطبري هنا أن سفيان الثوري رواه مرة أخرى عن أبي عبيدة : أظنه عن مسروق عن عبد الله فلم يذكر " عبد الله " فحسب ، بل شك في أن أبا عبيدة رواه عن مسروق عن عبد الله ، فإذا صح ظن سفيان هذا ، فإنه حديث صحيح الإسناد غير منقطع ولا مرسل .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
إسناده ضعيف : راجع الحديث المتقدم .

111 - (ت د) قيس بن أبي حازم - رضي الله عنه - قال : قال أبو بكر ، بعد أن حَمِد الله وأثنى عليه : يا أيُّها الناس ، إنكم تقرؤونَ هذه الآية وتَضَعونَها على غير موضِعِها ، {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفُسَكُم لا يضُرُّكم من ضلَّ إذا اهتديتم} [المائدة : الآية 105] ، وإنما سمعنا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يَديه ، أوشَكَ أن -[331]- يَعُمَّهُم الله بعقاب» . وإني سمعت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : «ما من قوم يُعْمَلُ فيهم بالمعاصي ، ثُمَّ يَقْدِرُونَ على أنْ يُغَيِّرُوا ولا يغيرون ، إلا يوشِكُ أن يَعُمَّهُم الله بعقاب» .وقال شعبة فيه : «ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي ، وهم أكْثَرُ ممن يعمل بها» هذه رواية أبي داود.
وله أيضًا ، وللترمذي مختصرًا إلى قوله : «أن يَعْمَّهم الله بعقاب» . الأولى (1) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
أَوْشَك : أسرع ، وقد سبق ذكره في كتاب «الاعتصام» صفحة (282) .
__________
(1) الترمذي رقم (3059) في أبواب تفسير القرآن من سورة المائدة ، ورقم (2169) في الفتن باب ما جاء في نزول العذاب إذا لم يغير المنكر ، وأبو داود رقم (4338) في الملاحم : باب الأمر والنهي . وأخرجه ابن ماجة رقم (4005) في الفتن : باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأحمد في " المسند " رقم 2 ، وإسناده قوي ، وقد أطال الحافظ في " تهذيب التهذيب " 1/267، 268 الكلام على هذا الحديث ، ونسبه لصحيح ابن خزيمة ، وقال : هذا الحديث جيد الإسناد .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه الحميدي (3) قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري. وأحمد (1/2) (1) قال: حدثنا عبد الله بن نمير. وفي (1/5) (16) قال: حدثنا هاشم بن القاسم ، قال: حدثنا زُهير - يعني ابن معاوية- وفي (1/7) (29) قال: حدثنا حماد بن أسامة. وفي (1/7) (30) قال: حدثنا يزيد بن هارون. وفي (1/9) (53) قال: حدثنا محمد بن جعفر ، قال: حدثنا شُعبة ، وعبد بن حميد (1) قال: أخبرنا يزيد ابن هارون. وأبو داود (4338) قال: حدثنا وهب بن بَقية ، عن خالد. (ح) وحدثنا عمرو بن عون ، قال: أخبرنا هُشيم. وابن ماجة (4005) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال: حدثنا عبد الله بن نمير ، وأبو أسامة. والترمذي (2168) (3057) قال: حدثنا أحمد بن منيع ، قال: حدثنا يزيد بن هارون . وفي (2168) قال: حدثنا محمد بن بشار ، قال: حدثنا يزيد بن هارون. والنسائي في الكبرى (تحفة الأشراف) (6615) عن عُتبة بن عبد الله عن ابن المبارك .
تسعتهم - مروان ، وعبد الله بن نمير ، وزهير بن معاوية ، وحماد بن أسامة أبو أسامة ، ويزيد ، وشعبة ، وخالد ، وهشيم ، وابن المبارك- عن إسماعيل بن أبي خالد ، قال: حدثنا قيس بن أبي حازم ، فذكره.

112 - (د) جرير بن عبد الله [البجلي]- رضي الله عنه - قال : سمعت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : «ما من رجل يكون في قومٍ يُعْمَل فيهم بالمعاصي ، يقدرون على أن يُغَيِّرُوا عليه ولا يُغَيِّرون ، إلا أصابهم الله منه (1) بعقابٍ قبل أن يَموتوا» . -[332]- أخرجه أبو داود (2) .
__________
(1) قال الطيبي : الضمير المجرور عائد إلى الرجل ، أو إلى عدم التغيير ، وتكون " من " ابتدائية ، أي : بسبب شؤمه ، ويحتمل أن يعود إلى الله تعالى ، أي : عذاباً من عنده ، وهذا أبلغ ، كقوله تعالى : {يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن} .
(2) رقم (4339) في الملاحم : باب الأمر والنهي . وأخرجه ابن ماجة رقم (4009) في الفتن : باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفي سنده ابن جرير ، قيل اسمه : عبيد الله لم يوثقه غير ابن حبان ، لكن يشهد له الحديث السابق .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
إسناده ضعيف : أخرجه أحمد (4/361 ، 366) قال: ثنا حجاج بن محمد. وفي (4/363) قال: ثنا يزيد بن هارون. وفي (4/366) قال: ثنا أسود بن عامر ، ثلاثتهم عن أبي إسحاق عن المنذر بن جرير عن أبيه فذكره.
قلت: اختلفوا في اسم ابن جرير ، والراجح أنه مجهول تفرد عنه أبو إسحاق ، وله شيوخ مجاهيل لا يروي عنهم غيره. ورواه أحمد (4/364) ، وابن ماجة [4009] وفيهم عبيد الله بن جرير. وأبو داود عن مسدد ، قال: ثنا أبو الأحوص ، قال: ثنا أبو إسحاق ، عن ابن جرير ، فذكره.

113 - (ت) حذيفة [بن اليمان]- رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «والذي نفسي بيده لتأمُرُنَّ بالمعروف ولَتَنْهَوُنَّ عن المنكر ، أو لَيُوشِكَنَّ الله يبعثُ عليكم عقابًا منه ، ثم تدعونه فلا يستجيبُ لكم» . أخرجه الترمذي (1) .
__________
(1) رقم (2170) في الفتن : باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفي سنده عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري الأشهلي الراوي عن حذيفة لم يوثقه غير ابن حبان ، وللحديث شاهد عند الطبراني في الأوسط عن ابن عمر وآخر عند الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة ، بلفظ " لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم " انظر " مجمع الزوائد " 7/266 .

114 - (د) ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : سمعت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : «إنكم مَنْصورون ومصيبون ومفتوحٌ عليكم ، فمن أدرك ذلك منكم فليتَّق الله ، ولْيَأمُرْ بالمعروف ، ولْيَنْهَ عن المنكر ، ومن كذبَ عليَّ مُتعمِّدًا فلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ من النار» . أخرجه أبو داود (1) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
فلْيَتَبَوَّأ : أي: فليتخذ له مباءة ، والمباءة : المنزل .
__________
(1) كذا الأصل ، وهو كذلك في المشكاة ، ولم نجده عنده بعد التتبع ؛ والنابلسي في " ذخائر المواريث " نسبه إلى الترمذي وابن ماجة ولم ينسبه إليه وهو في " سنن الترمذي " رقم (2258) في الفتن باب رقم 70 وإسناده حسن وقال الترمذي : حسن صحيح . وأخرجه أحمد في " المسند " رقم (3694) و (3801) و (4156) . وصححه الحافظ .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
حسن صحيح : رواه الترمذي في الفتن ، عن محمود بن غيلان ، عن أبي داود ، عن شعبة ، عن سماك ابن حرب ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه .
وقال : حسن صحيح .
والنسائي في الزينة ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو ، عن سفيان ، عن سماك به.
قلت: وهم ابن الأثير - رحمه الله - في عزو الحديث لأبي داود.

115 - (د) عُرس بن عميرة الكندي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «إذا عُمِلَتِ الخطيئةُ في الأرض ، كان من شهدها وكرهها - وفي رواية - فأنكرها ، كمن غاب عنها ، ومن غاب عنها فرضِيها ، كان كمَن شَهِدَهَا» . أخرجه أبو داود (1) .
__________
(1) 2/438 في الملاحم : باب الأمر والنهي ، وإسناده حسن .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
الأشبه الإرسال : أخرجه أبو داود (4345) قال: ثنا محمد بن العلاء ، قال: أخبرنا أبو بكر ، قال: ثنا المغيرة بن زياد الموصلي ، عن عدي بن عدي ، فذكره.
وقال أبو داود (4346) ثنا أحمد بن يونس ، قال: ثنا أبو شهاب ، عن المغيرة بن زياد ، عن عدي بن عدي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً .

116 - (ت د) أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إنَّ من أعظم الجهاد كلمة عدلٍ عند سُلطان جائرٍ» .هذه رواية الترمذي.
ورواية أبي داود : «أفضلُ الجهاد كلمةُ عدل عند سلطان جائر ، وأمير جائر (1)» .
__________
(1) الترمذي رقم (2175) في الفتن : باب ما جاء في أفضل الجهاد ، وحسنه . و أبو داود 2/438 في الملاحم : باب الأمر والنهي ، وأخرجه ابن ماجه رقم (4011) في الفتن ، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفي سنده عطية العوفي لا يحتج بحديثه ، لكنه يتقوى برواية النسائي الآتية .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
إسناده ضعيف جدًا : أخرجه أبو داود [4344] قال: ثنا محمد بن عبادة الواسطي ، قالك ثنا يزيد. وابن ماجة [4011] قال: ثنا القاسم بن زكريا بن دينار ، قال: ثنا عبد الرحمن بن مصعب. (ح) وحدثنا محمد بن عبادة الواسطي ، قال: ثنا يزيد. والترمذي [2174] قال: ثنا القاسم بن دينار ، قال: ثنا عبد الرحمن ابن مصعب أبو يزيد.
كلاهما قالا: ثنا إسرائيل ، قال: ثنا محمد بن جحادة ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري فذكره.
قلت: عطية العوفي ، واه بمرة ، وقد تكلم فيه.

117 - (س) طارق بن شهاب - رضي الله عنه - أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد وضَعَ رِجْلَهُ في الغَرْزِ : أيُّ الجهادِ أفضلُ ؟ قال : «كلمةُ حقٍ عند سلطان جائر» . أخرجه النسائي (1) . -[334]-

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
الغرز : ركاب رحل البعير من جلد ، فإذا كان من خشب أو حديد ، فهو ركاب. كذا ذكره الجوهري.
__________
(1) 7/161 في البيعة ، باب فضل من تكلم بالحق عند إمام جائر ، ورجاله ثقات ، وقال المنذري في " الترغيب والترهيب " 3/168 : إسناده حسن .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
إسناده حسن : رواه النسائي (7/161) قال: أخبرنا إسحاق بن منصور ، قال:حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن طارق بن شهاب ، فذكره.
قلت: رجاله ثقات ، وإبهام الصحابي لا يضر .

118 - () أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أتَدْرُون كيف دخَلَ النقصُ على بني إسرائيل ؟...» وذكر الحديث بنحو حديث ابن مسعود ، وأبي عبيدة (1) وقد سبق ، هذا وجدْتُهُ في كتاب رزين ، ولم أجده في الأصول.
__________
(1) يعني ابن عبد الله بن مسعود .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
لم أقف عليه .

الكتاب الخامس : في الاعتكاف
119 - (خ م ط د ت س) عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأواخِرَ من رمضان ، حتَّى تَوَفَّاهُ الله عز وجل ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أزواجُهُ بعدَهُ.
وفي رواية : كان يُجاوِرُ العشرَ الأواخِرَ من رمضان ، ويقول : «تَحَرَّوْا ليلة القدر في العشْر الأواخِرِ من رمضان» .
وفي رواية : كان يعتكف في كل رمضان ، فإذا صلَّى الغَدَاةَ ، جاءَ -[335]- مكانه الذي اعتَكَف فيه ، قال : فاستأذَنَتْه عائشةُ أنْ تَعْتكف ، فأذِنَ لها ، فضربتْ فيه قُبَّةً ، فسمِعَتْ بها حَفْصَةُ ، فضربتْ فيه قُبَّةً ، وسمِعَتْ زينبُ ، فضربتُ قُبَّةً أخرى ، فلما انصرف رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الغَدَاةِ ، أبْصَرَ أرْبَعَ قبابٍ ، فقال : «ما هذا ؟» فأُخْبِر خَبَرَهن. فقال : «ما حَمَلَهُنَّ على هذا ؟ آلبرّ (1) ؟ انْزِعوها ، فلا أراها» ، فنُزعت ، فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في آخر العشر من شوال.
وفي أخرى : كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يَعْتَكِفَ ، صلَّى الفجر ثم دَخَلَ مُعتكَفه - ثم ذكر نحوه... - إلى أنْ قال : فلما صلَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفجر ، نظر فإذا الأخْبِيَةُ ، فقال : «آلبرَّ يُرِدْنَ ؟» فأمَر بخبائه فقُوِّض ، وتَرَك الاعتكاف في شهر رمضان ، حتى اعتَكَفَ في العشر الأوَّل من شوّال. هذه روايات البخاري ومسلم.
ورواية «الموطأ» أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يَعتكِفَ ، فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يَعْتكِفَ فيه ، وجد أخبيةً :خِباءَ عائشة ، وخِباءَ حفصةَ ، وخِباءَ زينبَ ، فلما رآها سألَ عنها ؟ فقيل له : هذا خِباءُ عائشة وحفصة وزينب ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «آلبرَّ (2) يقولون بِهِنَّ ، ثُمَّ -[336]- انصَرفَ فلم يعتكِف ، حتى اعتكَفَ عشرًا من شوال» .
وأخرجه الترمذي عن عائشة وأبي هريرة معًا مختصرًا ، قال : كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قَبَضَهُ اللهُ عزَّوجلَّ.وله في أخرى عن عائشة : كان إذا أن يعتكف صلَّى الفَجْرَ ، ثمَّ دخَلَ في مُعْتَكَفِه. وأخرجه أبو داود مثل رواية البخاري ومسلم الأولى.
وأخرجه أيضًا قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يعتكف صلَّى الفجر ، ثُمَّ دخَلَ مُعتَكَفَهُ ، وإنه أراد مرة أن يَعتكفَ في العشْر الأواخِرِ من رمضان ، قالت : فأمَرَ ببنائِهِ فضُربَ ، فلمَّا رأيتُ ذلك أمَرْتُ ببنائي فَضُربَ ، قالت : وأمر غيري من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ببنائها فَضُربَ ، فلمَّا صلَّى الفجر ، نَظَرَ إلى الأبنيةِ ، فقال : «ما هذه ؟ آلِبِرَّ يُرِدْنَ ؟ آلبرَّ يُرِدْنَ ؟» - وفي رواية : «آلبرَّ يُرِدْنَ ؟» مرةً واحدةً - فأمر ببنائه فَقُوِّضَ ، وأمَرَ أزواجُهُ بأبْنِيَتِهِنَّ فَقُوِّضتْ ، ثم أخَّرَ الاعتكاف إلى العشر الأول ، يعني من شوال.وفي رواية قال : اعتكف عشرين من شوَّال.وأخرجه النسائي بنحو من رواية البخاري ومسلم الآخرة (3) . -[337]-

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
يعتكف : العَكْفُ : الحبس ، يقال: عَكَفَهُ يَعْكُفُهُ ويَعكِفُه عَكفًا: حبسه ووقفه ، ومنه الاعتكاف في المسجد ، وهو حبس النفس به ، وعكف على الشيء يعكف ويعكف عكوفًا: أقبل عليه مواظبًا .
يُجاور : المجاورة : الاعتكاف في المسجد .
تَحَرَّوا : التحري: القصد والاجتهاد في الطلب.
قُبَّةٌ : القبة من الأبنية: ذوات الجدران معروفة ، ومن الخيام: بيت صغير.
خِباء : الخِباء : واحد الأخبية من وبر أو صوف ، ولا يكون من شعر ، وهو على عمودين أو ثلاثة ، وما فوق ذلك فهو بيت .
فقوِّض : تقويض الخباء والخيمة : رفعهما وإزالتهما .
ببنائه : البناء : واحد الأبنية ، وهي البيوت التي يسكنها العرب في الصحراء ، فمنها الطِّرَافُ ، ويكون من أدم ، والخباء ، وقد ذكر ، والقبة ، وقد ذكرت .
البر : اسم جامع للخير كله ، ومنه قوله تعالى : {ولكن البر من آمن بالله ...} الآية [البقرة: 177] .
__________
(1) قال الكرماني : " ما حملهن " " ما " نافية ، و " البر " فاعل حمل ، أو : استفهامية ، و " آلبر " بهمزة الاستفهام : مبتدأ خبره محذوف ، و " فلا أرى " - يروى - بالرفع وبالجزم .
(2) بهمزة ممدودة ، ونصب البر " يقولون " بمعنى : يظنون ، وفيه إجراء القول مجرى فعل الظن على اللغة المشهورة ، فالبر مفعول ثان وهما في الأصل مبتدأ وخبر ، أي : طلب البر ، وخالص العمل [لله] (*) ، تظنون بهن ، ويجوز الرفع على الحكاية .
(3) البخاري 4/226 في التراويح ، باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر و 236 في الاعتكاف ، باب الاعتكاف في العشر الأواخر ، و 224 ، باب الاعتكاف ، ومسلم رقم 1183 في الاعتكاف ، باب متى يدخل من أراد الاعتكاف ، والموطأ 1/316 في الاعتكاف ، باب قضاء الاعتكاف ، والترمذي رقم 790 في الصوم ، باب ما جاء في الاعتكاف ، والنسائي 2/44 -[337]- في المساجد ، باب ضرب الخباء في المساجد ، وأبو داود رقم (2462) و (2464) في الصيام ، باب الاعتكاف ، وخرجه ابن ماجة رقم 1771 في الصيام ، باب ما جاء فيمن يبتدئ الاعتكاف .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (6/92) قال: حدثنا قُتَيبة بن سعيد ، قال: حدثنا ليث بن سعد ، عن عقيل ، وفي (6/232) قال: حدثنا عبد الرزاق. قال: حدثنا معمر. وفي (6/279) قال: حدثنا عامر بن صالح ، قال: حدثني يونس ابن يزيد. والبخاري (3/62) قال: حدثنا عبد الله بن يوسف. قال: حدثنا الليث ، عن عقيل. ومسلم (3/175) قال: حدثنا قُتَيبة بن سعيد. قال: حدثنا ليث ، عن عقيل. وأبو داود (2462) قال: حدثنا قُتيبة ابن سعيد. قال: حدثنا الليث ، عن عقيل. والنسائي في الكبرى (الورقة 44أ) قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد. قال: حدثنا الليث ، عن عُقيل.
ثلاثتهم -عقيل ، ومعمر ، ويونس- عن ابن شهاب الزهري ، عن عروة بن الزبير ، فذكره.
• وأخرجه أحمد (6/168) قال: حدثنا عبد الرزاق وابن بكر. والنسائي في الكبرى (الورقة 44أ) قال: أخبرنا إبراهيم بن الحسن. قال: حدثنا حجاج .
ثلاثتهم -عبد الرزاق ، ومحمد بن بكر ، وحجاج- عن ابن جُريج. قال: وحدثني ابن شهاب عن المعتكف وكيف سنته ، عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير ، عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها أخبرتهما ، فذكراه .
- وروته عنها عمرة :
أخرجه الحميدي (2/195) ، وأحمد (6/84) ، والبخاري (3/63) ، ومسلم (3/175) ، ومالك في الموطأ (210) .
- ورواه عنها المطلب بن عبد الله :
أخرجه ابن خزيمة (2216) .
- ورواه عنها مسروق :
أخرجه الحميدي (187) ، وأحمد (6/40) ، والبخاري (3/61) ، ومسلم (3/175) ، وأبو داود (1376) ، وابن ماجة (1768) ، والنسائي (3/217) ، وابن خزيمة (1214) .
- والأسود بن يزيد:
أخرجه أحمد (6/122) ، والترمذي [796] ، وابن خزيمة (2215) .
قلت: ورواه عنها القاسم وغيره بنحو اللفظ المذكور .

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة : غير واضحة بالمطبوع ، واعتمدناها من مشارق الأنوار للقاضي عياض

120 - (خ م) أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : اعْتَكَفْنا مَعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العَشْرَ الأوْسَطَ (1) ، فلمَّا كان صَبِيحَةَ عِشْرينَ نَقَلْنَا مَتَاعَنا ، فأتَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقال : «مَنْ كان اعتكَفَ فَلْيَرْجِعْ إلى مُعتَكَفِهِ ، فإنِّي رأيتُ هذه اللَّيْلَةَ ، ورأيتُني أسجُدُ في ماءٍ وطينٍ ، فلمَّا رَجَعَ إلى مُعتكَفه ، هاجت السماء ، فَمُطِرنا ، فَوَالَّذي بَعَثَهُ بالحق ، لقد هاجَت السَّماءُ من آخر ذلك اليوم ، وكان المسجدُ على عريش ، فلقد رأيتُ على أنفِهِ وأرنَبَتِهِ أثَرَ الماء والطين» .
وفي رواية نحوه ، إلا أنه قال : حتى إذا كان ليلةَ إحدى وعشرين ، وهي الليلة التي يخرُجُ من صَبيحَتِها من اعتكافه ، قال : «من كان اعتكف معي فَلْيَعتكِف العشر الأواخر» .وفي أخرى : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُجاور في رمضان العشر التي في وسط الشهر ، فإذا كان حينَ يُمسي من عشرين ليلة تمضي ، ويستقْبِلُ إحدى وعشرين ، رجَع إلى مسكنه ، ورجَعَ مَن كان يُجاوِرُ معه ، وأنَّه قام في شهرٍ جاورَ فيه اللَّيلََة التي كان يَرجِعُ فيها فَخَطَبَ الناس ، وأمَرَهُم بما شاء الله ، ثم قال : «كُنتُ أجاوِرُ -[339]- هذه العشْرَ ، ثم قد بَدَا لي أنْ أجاورَ هذه العشْرَ الأواخِرَ ، فمن كان اعْتَكَفَ معي فَلْيَثْبُت في مُعتكَفِه» - ثم ذكره - وفيه «فوكَفَ المسجدُ في مُصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة إحدى وعشرين...» الحديث. أخرجه البخاري ومسلم (2) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
هَاجَتِ السماء : إذا تغيمت ، وكثر ريحها فأمطرت .
عريش : العريش : سقف من خشب وحشيش ، ونحو ذلك .
وأرنَبته: أرنبة الأنف : هي طرف الأنف من مقدَّمه .
__________
(1) قال الحافظ : هكذا وقع في أكثر الروايات ، والمراد بالعشر : الليالي ، وكان من حقها أن توصف بلفظ التأنيث ، لكن وضعت بالمذكر على إرادة الوقت أو الزمان ، أو التقدير : الثلث ، كأنه قال : الليالي العشر التي هي الثلث الأوسط من الشهر ، ووقع في " الموطأ " : العشر الوسط بضم الواو والسين جمع وسطى . ويروى بفتح السين مثل كبر وكبرى ، ورواه الباجي في الموطأ بإسكانها على أنه جمع واسط كبازل وبزل ، وهذا يوافق رواية الأوسط .
(2) البخاري 2/246 في صفة الصلاة : باب السجود على الأنف في الطين ، و 4/222 في التراويح ، باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر ، و 235 باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر ، و 236 في الاعتكاف ، باب الاعتكاف في العشر الأواخر ، و 243 باب الاعتكاف وخروج النبي صبيحة عشرين ، و (244) باب من خرج من اعتكافه عند الصبح ، وأخرجه مسلم رقم (1167) في الصوم ، باب فضل ليلة القدر .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه مالك (212) عن يزيد بن عبد الله بن الهاد ، والبخاري (3/60) قال: حدثنا إبراهيم بن حمزة ، قال: حدثني ابن أبي حازم والدراوردي ، عن يزيد بن الهاد. وفي (3/62) قال: حدثنا إسماعيل ، قال: حدثنا مالك ، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد. ومسلم (3/171) قال: حدثنا قُتيبة بن سعيد ، قال: حدثنا بكر - وهو ابن مُضر- ، عن ابن الهاد.
(ح) وحدثنا ابن أبي عمر ، قال : حدثنا عبد العزيز - يعني الدَّرَاوَرْدي- ، عن يزيد.
(ح) وحدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال: حدثنا المُعْتَمر ، قال: حدثنا عُمارة بن غَزِيَّة الأنصاري. وأبو داود (1382) ، قال: حدثنا القَعْنَبيّ ، عن مالك ، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد.
وابن ماجة (1775) قال: حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصَّنْعَاني ، قال: حدثنا المُعْتَمر بن سليمان ، قال: حدثني عُمارةُ بن غزية. والنسائي (3/79) ، وفي الكبرى (1188) قال: أخبرنا قُتيبة بن سعيد ، قال: حدثنا بكر (وهو ابن مُضر) ، عن ابن الهاد. وفي (2/208) وفي الكبرى (595) قال: أخبرنا محمد بن سلمة ، والحارث بن مسكين ، قراءة عليه وأنا أسمع ، عن ابن القاسم ، قالك حدثني مالك ، ع يزيد بن عبد الله بن الهاد وفي الكبرى (تحفة الأشراف) (4419) عن محمد بن عبد الأعلى عن مُعْتَمر ، عن عُمارة . وابن خزيمة (2171 ، 2219) قال: حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصَّنْعَاني ، قال: حدثنا المُعْتَمر بن سليمان ، قال: حدثني عُمارة بن غَزيَّة . وفي (2243) قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال: أخبرنا عبد الله بن وهب ، أن مالكًا أخبره ، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد. كلاهما - يزيد بن الهاد ، وعمارة- عن محمد بن إبراهيم ابن الحارث التَّيْمي.
وأخرجه الحميدي (756) قال: حدثنا سُفيان. وأحمد (3/7) قال: حدثنا سُفيان. وفي (3/24) قال: حدثنا يحيى ، والبخاري (3/65) قال: حدثنا عبد الرحمن بن بشر ، قال: حدثنا سفيان. وابن خزيمة (2220) قال: حدثنا محمد بن بشار ، قال: حدثنا يحيى بن سعيد ، وعبد الوهاب - يعني ابن عبد المجيد الثقفي- وفي (2238) قال: حدثنا عبد الجبار بن العلاء قال: حدثنا سفيان. ثلاثتهم- سفيان ، ويحيى ، وعبد الوهاب- قالوا: حدثنا محمد بن عَمرو بن علقمة.
وأخرجه الحميدي (756) . وأحمد (3/7) والبخاري (3/65) قال: حدثنا عبد الرحمن بن بشر. وابن خزيمة (2238) قال: حدثنا عبد الجبار بن بالعلاء. أربعتهم -الحميدي ، وأحمد ، وعبد الرحمن ، وعبد الجبار- قالوا: حدثنا سفيان ، قال: حدثنا ابن جريج ، عن سليمان بن أبي مسلم الأحول.
وأخرجه أحمد (3/7) والبخاري (3/65) قال: حدثنا عبد الرحمن بن بشر. كلاهما- أحمد ، وعبد الرحمن- قالا: حدثنا سفيان ، قال: وأظن أن ابن أبي لبيد حدثنا. - ورواية أحمد ليس فيها ظن.
وأخرجه أحمد (3/60) قال: حدثنا إسماعيل ، قال: أخبرنا هشام الدَّسْتَوَائي ، وفي (3/74) قال: حدثنا عفان ، قال: حدثنا همام. وفي (3/94) قال: حدثنا عبد الرزاق ، قالك حدثنا معمر. والبخاري (1/171 ، 212) قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم ، قال: حدثنا هشام. وفي (1/206) قال: حدثنا موسى ، قال: حدثنا همام ، وفي (3/60) قال: حدثنا معاذ بن فضالة ، قال: حدثنا هشام ، وفي (3/64) قال: حدثني عبد الله بن منير ، سمع هارون بن إسماعيل ، قال: حدثنا علي بن المبارك. ومسلم (3/172) قال: حدثنا محمد بن المُثنى ، قال: حدثنا أبو عامر ، قال: حدثنا هشام.
(ح) وحدثنا عبد بن حميد قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا معمر.
(ح) وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، قال: أخبرنا أبو المغيرة ، قال: حدثنا الأوزاعي. وأبو داود (894) ، قال: حدثنا ابن المثنى ، قال: حدثنا صفوان بن عيسى ، قال: حدثنا معمر. وفي (895) قال: حدثنا محمد بن يحيى ، قال: حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر. وفي (911) قال: حدثنا مؤمَّل بن الفضل ، قال: حدثنا عيسى ، عن معمر ، وابن ماجة (1766) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال: حدثنا إسماعيل بن عُلَيَّة ، عن هشام الدَّسْتَوَائي ، والنسائي في الكبرى (تحفة الأشراف) (4419) عن محمد بن عبد الأعلى ، عن خالد بن الحارث ، عن هشام. خمستهم -هشام ، وهمام ، وعلي بن المبارك ، ومعمر ، والأوزاعي - عن يحي بن أبي كثير.
وأخرجه النسائي في الكبرى (الورقة 44/أ) قال: أخبرنا محمد بن بشار ، قال: حدثني يوسف بن يعقوب ، قال: حدثنا شُعبة ، عن أبي الحسن مختصرًا .
ستتهم - محمد بن إبراهيم ، ومحمد بن عمرو ، وسليمان الأحول ، وابن أبي لبيد ، ويحيى ، وأبو الحسن- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، فذكره.
- ورواه عنه أبو النضر :
أخرجه أحمد (3/60) ، ومسلم (3/172) ، وأبو داود [1383] ، وابن خزيمة [2176] ، والنسائي [4332/التحفة] .

121 - (خ م د) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، أخرجه البخاري ومسلم.
وزاد مسلم في رواية أخرى ، قال نافع : وقد أراني ابنُ عمر المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المسجد ، وأخرجه أبو داود بزيادة مسلم (1) .
__________
(1) البخاري 4/235 في الاعتكاف ، باب الاعتكاف في العشر الأواخر ، ومسلم رقم 171 في الاعتكاف ، باب اعتكاف العشر الأواخر . وأبو داود رقم (2465) في الاعتكاف ، باب أين يكون الاعتكاف .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (2/133) (6172) قال: حدثنا علي بن بَحر ، ومسلم (3/174) قال: حدثنا محمد بن مهران الرازي. كلاهما- علي بن بحر ، ومحمد بن مهران- قالا: حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن موسى بن عقبة .
وأخرجه البخاري (3/62) قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الله.
ومسلم (3/174) قال: حدثني أبو الطاهر ، وأبو داود (2465) قال: حدثنا سليمان بن داود المصري. وابن ماجة (1773) قال: حدثنا أحمد بن عَمْرو بن السَّرْح. ثلاثتهم (إسماعيل بن عبد الله ، وأبو الطاهر ، أحمد ابن عمرو بن السرح ، وسليمان بن داود المهري- عن عبد الله بن وهب ، قال: أخبرني يونس بن يزيد.
كلاهما - موسى بن عقبة ، ويونس بن يزيد- عن نافع ، فذكره.

122 - (خ د) أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يَعتكفُ كلَّ رمضانَ عشرَة أيَّامٍ ، فلما كان العامُ الذي قُبِضَ فيه اعتكف عشرين. أخرجه البخاري وأبو داود (1) .
__________
(1) البخاري 4/245 في الاعتكاف ، باب الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان ، وأبو داود رقم (2466) في الاعتكاف ، باب أين يكون الاعتكاف ، وأخرجه ابن ماجة رقم (1769) في الصيام ، باب ما جاء في الاعتكاف .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : رواه عن أبي هريرة أبي صالح:
أخرجه أحمد (2/336) قال: حدثنا يحيى بن آدم . وفي (2/355) قال: حدثنا أسود بن عامر ، وفي (2/401) قال: حدثنا سليمان بن داود الهاشمي ، والدارمي (1786) قال: حدثنا عاصم بن يوسف ، والبخاري (3/67) قال: حدثنا عبد الله بن أبي شيبة. وفي (6/229) قال: حدثنا خالد بن يزيد. وأبو داود (2466) قال: حدثنا هناد. وابن ماجة (1769) قال: حدثنا هناد بن السري. والنسائي في فضائل القرآن (17) قال: أخبرنا عمرو بن منصور ، . قال : حدثنا عاصم بن يوسف. وفي الكبرى (تحفة الأشراف) (9/12844) عن موسى بن حزام الترمذي ، ثقة ، عن يحيى بن آدم.
سبعتهم - يحيى بن آدم ، وأسود بن عامر ، وسليمان بن داود ، وعاصم بن يوسف ، وعبد الله بن أبي شيبة ، وخالد بن يزيد ، وهناد- عن أبي بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، فذكره.
- ورواه عنه سعيد بن المسيب :
أخرجه أحمد (2/281) ، والترمذي [790] ، وابن خزيمة [2223] ، والنسائي (10/13285/ التحفة) عن سعيد «مرسلاً» .

123 - (ت) أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكفُ العشر الأواخر من رمضانَ ، فَلَمْ يعتكفْ عامًا ، فلما كان من العام المقبل اعتكف عشرين. أخرجه الترمذيّ (1) .
__________
(1) رقم (803) في الصوم ، باب ما جاء في الاعتكاف إذا خرج منه ، وقال : حديث حسن غريب .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
إسناده صحيح : أخرجه أحمد (3/104) ، والترمذي (803) ، وابن خزيمة (2226 ، 2227) قال الترمذي ، وابن خزيمة: حدثنا محمد بن بشار.
كلاهما قالا: حدثنا ابن أبي عدي ، قال: أنبأنا حميد عن أنس ، فذكره.

124 - (د) أبي بن كعب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكفُ العشرَ الأواخرَ من رمضان... وذكر مثله. أخرجه أبو داود (1) .
__________
(1) رقم (2463) في الصوم ، باب الاعتكاف ، وخرجه ابن ماجة رقم (1170) في الصوم ، باب ما جاء في الاعتكاف ، وإسناده صحيح .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
إسناده صحيح على شرط مسلم :
أخرجه أحمد (5/141) ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، وحسن بن موسى ، وعفان. وعبد بن حميد (181) ، قال: حدثني سليمان بن حرب ، ويعقوب بن إسحاق ، وأبو داود (2463) قال: حدثنا موسى بن إسماعيل ، وابن ماجة (1770) قال: حدثنا محمد بن يحيى ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، وعبد الله ابن أحمد (5/141) قال: حدثنا هُدبة بن خالد. والنسائي في الكبرى (تحفة الأشراف) (76) ، عن يعقوب ابن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن مهدي. (ح) وعن هارون بن عبد الله ، عن أبي داود. وابن خزيمة (2225) ، قال: حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد ، قال: حدثنا أبي.
تسعتهم - ابن مهدي ، وحسن ، وعفان ، وسليمان ، ويعقوب ، وموسى ، وهدبة ، وأبو داود ، وعبد الصمد- عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي رافع ، فذكره.

125 - (خ م ط د ت س) عائشة - رضي الله عنها - كانت تُرَجِّلُ النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي حائضٌ. وهو مُعتكفٌ في المسجد ، وهي في حُجرَتِها يُناولُها رأسه.
زاد في رواية : وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفًا.
وفي رواية : كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان (1) . -[341]-
وفي رواية : قَالَتْ عائشة - رضي الله عنها - : إنْ كُنتُ لأدْخل البيت للحاجة والمريضُ فيه ، فما أسألُ عنهُ إلا وأنا مارَّةٌ ، هذه رواية البخاري ومسلم.
وفي رواية الترمذي وأبي داود و «الموطأ» : كان إذا اعتكف أدْنى إليَّ رأسَهُ فأرجِّلُهُ. وكان لا يدخُلُ البيت إلا لحاجة الإنسان.
وفي أخرى للموطأ : أنَّ عائشة كانت إذا اعتكَفَت لا تسْأل عن المريض إلا وهي تمشي ، لا تقف.
وفي أخرى لأبي داود قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكون معتكفًا في المسجد ، فيُناولُني رأسَهُ مِنْ خَلَلِ الحُجْرَةِ ، فأغْْسِلُ رأسه.وفي رواية : فأرَجِّلُهُ وأنا حائضٌ.
وفي أخرى لأبي داود قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمرُّ بالمريض وهو معتكف. فيَمُرُّ ولا يُعرِّجُ يسألُ عنه. -[342]-
وفي رواية : قالت : والسنَّة للمعتكف ألا يعودَ مريضًا ، ولا [يُشَيِّع] جنازةً ، ولا يمس امرأةً ولا يُباشِرَها ، ولا يَخْرجَ لحاجةٍ ، إلا لما لابُدَّ منه ، قالت : ولا اعتكاف إلا بصومٍ ، ولا اعتكافَ إلا في مسجد جامع.
وفي رواية النسائي: كان يُخْرِجُ إليَّ رأسَهُ من المسجدِ ، وهُوَ مجاورٌ ، فأغْسِلُهُ ، وأنا حائضٌ.
وفي أخرى : كان يُومئُ إليَّ رأسَهُ ، وهو معتكفٌ ، فأغسِلُهُ ، وأنا حائضٌ (2) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
تَرَجَّلَ : الترجيل : تسريح الشعر.
حوائج الإنسان : كثيرة ، والمراد منها هاهنا: كل ما يضطر إليه مما لا يجوز له فعله في معتكفه.
__________
(1) قال الحافظ : فسرها الزهري بالبول والغائط ، وقد اتفقوا على استثنائهما ، واختلفوا في غيرهما من الحاجات كالأكل والشرب ، ولو خرج لهما فتوضأ خارج المسجد لم يبطل ، ويلتحق بهما القيء -[341]- والقصد لمن احتاج إليه ، ووقع عند أبي داود رقم (2473) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة ، ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه . قال أبو داود : غير عبد الرحمن لا يقول فيه : قالت السنة (وفي الفتح البتة وهو تصحيف) وجزم الدارقطني بان القدر الذي من حديث عائشة قولها : لا يخرج إلا لحاجة وما عداه ممن دونها . وروينا عن علي والنخعي والحسن البصري : إن شهد المعتكف جنازة ، أو عاد مريضاً أو خرج للجمعة بطل اعتكافه ، وبه قال الكوفيون وابن المنذر . وقال الثوري والشافعي وإسحاق : إن شرط شيئاً من ذلك في ابتداء اعتكافه لم يبطل اعتكافه بفعله وهو رواية عن أحمد .
(2) البخاري 1/342 في الحيض ، باب غسل الحائض رأس زوجها ، و 4/236 في الاعتكاف ، باب الحائض ترجل رأس المعتكف ، وباب لا يدخل البيت إلا لحاجة ، وباب غسل المعتكف ، وباب المعتكف يدخل رأسه البيت للغسل ، وفي اللباس ، باب ترجيل الحائض زوجها ، وأخرجه مسلم رقم (297) في الحيض ، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها ، والموطأ 1/312 في الاعتكاف ، باب ذكر الاعتكاف ، والترمذي رقم (804) في الصوم ، باب ما جاء في المعتكف يخرج لحاجته ، وأبو داود رقم (2467) و (2468) و (2469) في الصيام ، باب المعتكف يدخل البيت لحاجته ، والنسائي 1/193 في الحيض ، باب ترجيل الحائض زوجها .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (6/81) قال: حدثنا هاشم ، ويونس. قالا: ثنا ليث ، والبخاري (3/63) قال: ثنا قتيبة ، قال: حدثنا ليث ، ومسلم (1/167) .
قال: حدثنا قُتَيبة بن سعيد. قال: حدثنا ليث.
(ح) وحدثنا محمد بن رُمح . قال: أخبرنا الليث. وأبو داود (2468) قال: حدثنا قُتيبة بن سعيد وعبد الله ابن مسلمة. قالا: حدثنا الليث. وابن ماجة (1776) قال: حدثنا محمد بن رُمح. قال: أنبأنا الليث بن سَعد. والترمذي (804) قال: حدثنا أبو مصعب المدني قراءة ، عن مالك بن أنس. وفي (805) قال: حدثنا قُتيبة. قال: حدثنا الليث بن سعد. والنسائي في السنن الكبرى (تحفة الأشراف) (12/16579) عن قُتيبة ، عن الليث ، وابن خزيمة (2230) قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قالك أخبرنا ابن وهب. قال: أخبرني يونس. وفي (2231) قال: أخبرني ابن عبد الحكم ، أن ابن وهب أخبرهم قال: أخبرني يونس ، ومالك ، والليث.
ثلاثتهم - الليث ، ومالك ، ويونس- عن ابن شهاب ، عن عروة ، وعمرة ، فذكره.
* أخرجه مالك (الموطأ) صفة (208) ، وأحمد (6/104) قال: حدثنا أبو سلمة ، وفي (6/262) قال: حدثنا إسحاق بن عيسى. وفي (6/281) قالك حدثنا عامر بن صالح. ومسلم (1/167) قال: حدثنا يحيى ابن يحيى ، وأبو داود (2467) قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة. والنسائي في الكبرى (تحفة الأشراف) (12/17908) عن محمد بن سلمة ، والحارث بن مسكين ، كلاهما عن ابن القاسم .
ستتهم - أبو سلمة ، وإسحاق بن عيسى ، وعامر بن صالح ، ويحيى بن يحيى ، وعبد الله بن مسلمة ، وابن القاسم- عن مالك ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عمرة ، فذكرته.

126 - (خ د) عائشة - رضي الله عنها - قالت : لقد اعتكفَتْ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأةٌ من أزواجه مستحاضة ، فكانت ترى الدم والصُّفرةَ ، -[343]- وهي تصَلّي ، وربما وضعت الطِّسْتَ تحتها وهي تُصلِّي. أخرجه البخاري وأبو داود.
وفي أخرى للبخاري نحوه ، وفيه : وهي مُسْتَحاضَةٌ ترى الدَّمَ ، فربما وضعت الطَّسْتَ تحتها من الدم.
وزَعَمَ (1) [عكرمة] (2) أن عائشةَ رأتْ ماءَ العُصْفُرِ ، فقالت : كأنَّ هذا شيءٌ كانت فلانةُ تَجِدُهُ (3) .
__________
(1) قال الحافظ في " الفتح " قوله : وزعم ؛ هو معطوف على معنى العنعنة ، أي حدثني عكرمة بكذا ، وزعم كذا ، وأبعد من زعم أنه معلق .
(2) زيادة من صحيح البخاري .
(3) البخاري 1/349 في الحيض : باب اعتكاف المستحاضة ، وفي الاعتكاف ، باب اعتكاف المستحاضة ، وأبو داود رقم (2476) في الصيام باب في المستحاضة تعتكف . وفي الحديث جواز مكث المستحاضة في المسجد ، وصحة اعتكافها وصلاتها ، وجواز حدثها في المسجد عند أمن التلويث ، ويلتحق بها دائم الحدث ومن به جرح يسيل .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (6/131) ، قال: حدثنا عفان. قال: حدثنا يزيد بن زُريع. والدارمي (882) قال: أخبرنا يحيى بن يحيى. قال: حدثنا خالد بن عبد الله. والبخاري (1/84) قال: حدثنا إسحاق الواسطي ، قال: حدثنا خالد بن عبد الله. وفي (1/85) ، (3/64) قال: حدثنا قُتَيبة. قال: حدثنا يزيد بن زُريع. وفي (1/85) قال: حدثنا مسدد ، قال: حدثنا معتمر. وأبو داود (2476) قال: حدثنا محمد بن عيسى وقتيبة ، قالا: حدثنا يزيد. وابن ماجة (1780) قال: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح. قال: حدثنا عفان. قال: حدثنا يزيد بن زريع. والنسائي في الكبرى (تحفة الأشراف) (12/17399) عن قُتيبة وأبي الأشعث العجلي ومحمد بن عبد الله بن بزيع ، عن يزيد بن زُريع.
ثلاثتهم - يزيد بن زريع ، وخالد بن عبد الله ، ومعتمر- عن خالد الحذاء ، عن عكرمة ، فذكره.

127 - (ط) ابن شهاب - رحمه الله - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كان يذهب لحاجة الإنسان في البيوت ، وهو معتكف. أخرجه «الموطأ» مرسلاً (1) .
__________
(1) في الاعتكاف : باب قضاء الاعتكاف 1/317 مرسلاً ؛ وحديث عائشة المتقدم يشهد له .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
أخرجه مالك [707] كتاب الاعتكاف- باب قضاء الاعتكاف ، قال يحيى: حدثني زياد ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، فذكره.
قال الزرقاني: وأرسله هنا ، وقدمه موصولاً أول الكتاب عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة شرح الموطأ (2/283) .
قلت: إسناده عن ابن شهاب عن عروة ، عن عمرة ، وتقدم من تخريجه حديث عمرة .

128 - (خ م د) علي بن الحسين - رضي الله عنهما - أنَّ صَفِيَّةَ زَوجَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنها - قالت : كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - معتكفًا ، فأتيتُه أزُورُه لَيلاً ، فحدَّثتُهُ ثم قُمْتُ لأنْقَلِبَ ، فقام معي ليقْلِبَني ، وكان مَسكنُها في دارِ أسامَةَ بن زيدٍ ، فمرَّ رجلان من الأنصار ، فلمَّا رأيا النبي - صلى الله عليه وسلم - أسرعا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -[344]- «على رِسْلِكُما ، إنَّها صفيةُ بنتُ حُيَيّ» فقالا : سُبْحان الله ، فقال : «إنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مَجْرَى الدمِ ، وإني خشيتُ أن يَقْذِفَ في قلوبكما شرًّا» - أو قال : شيئًا -.
وفي رواية : أنها جاءت تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان - وفيه : حتى إذا بلغت بابَ المسجد عند باب أمِّ سَلَمَةَ - ثم ذكر معناه ، وقال فيه : «إنَّ الشيطانَ يَبْلُغُ من الإنْسان مبلغَ الدم» (1) .ومن الرُّواة من قال : عن علي بن الحسين : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتَتْهُ صَفِيَّةُ (2) . أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود (3) . -[345]-

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
لأنقلب : الانقلاب: الرجوع من حيث جئت.
على رِسْلِكما : يقال : افعله على رِسلك - بكسر الراء- أي: على هينتك ومَهَلِك .
يقذف : يُلقي ويوقع في أنفسكم .
__________
(1) قوله : مبلغ الدم ، أي : كمبلغ الدم ، ووجه الشبه بين طرفي التشبيه : شدة الاتصال وعدم المفارقة ، وكان الشافعي في مجلس ابن عيينة ، فسأله عن هذا الحديث ، فقال : إنما قال لهما ذلك لأنه خاف عليهما الكفر ، إن ظنا به التهمة ، فبادر إلى إعلامهما بمكانها ، نصيحة لهما في الدين قبل أن يقذف الشيطان في قلوبهما أمراً يهلكان به .
(2) هذه الرواية ذكرها البخاري في " صحيحه " في الأحكام 13/142 ، وقال الحافظ : هذا صورته مرسل ، ومن ثم عقبه البخاري بقوله : رواه شعيب وابن مسافر وابن أبي عتيق وإسحاق بن يحيى عن الزهري عن علي يعني ابن حسين عن صفية عن النبي صلى الله عليه وسلم .
(3) البخاري 4/240 في الاعتكاف : باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد ، وباب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه ، وباب هل يدرأ المعتكف عن نفسه ، وفي الجهاد ، باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي بدء الخلق ، باب صفة إبليس وجنوده ، وفي الأدب : باب التكبير والتسبيح عند التعجب ، وفي الأحكام : باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولايته القضاء . وأخرجه مسلم رقم (2175) في السلام ، باب بيان أنه يستحب لمن رئي خالياً بامرأة أن يقول : هذه فلانة . وأبو داود رقم (2470) في الصيام : باب المعتكف يدخل البيت لحاجته . قال الحافظ : وفي الحديث من الفوائد جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة من تشييع زائريه ، والقيام معهم ، والحديث مع غيرهم ، إباحة خلوة المعتكف بالزوجة ، وزيارة المرأة للمعتكف ، وبيان شفقته -[345]- صلى الله عليه وسلم على أمته ، وإرشادهم إلى ما يدفع عنهم الإثم ، وفيه التحرز من التعرض لسوء الظن والاحتفاظ من كيد الشيطان ، والاعتذار . قال ابن دقيق العيد : وهذا متأكد في حق العلماء ومن يقتدي بهم ، فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلاً يوجب سوء الظن بهم وإن كان لهم فيه مخلص ، لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم ، ومن ثم قال بعض العلماء : ينبغي للحاكم أن يبين للمحكوم عليه وجه الحكم إذا كان خافياً نفياً للتهمة ، ومن هنا يظهر خطأ من يتظاهر بمظاهر السوء ، ويعتذر بأنه يجرب بذلك على نفسه ، وقد عظم البلاء بهذا الصنف والله أعلم . وفيه إضافة بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليهن ، وفيه جواز خروج المرأة ليلاً ، وفيه قول : سبحان الله عند التعجب ، وقد وقعت في الحديث لتعظيم الأمر وتهويله ، وللحياء من ذكره .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح : أخرجه أحمد (6/337) قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر .
(ح) وعبد الأعلى عن معمر ، وعبد بن حميد (1556) قال: أخبرنا عبد الرزاق : قال: أخبرنا معمر ، والدارمي (1787) قال: حدثنا أبو اليمان ، قال: أخبرنا شعيب بن أبي حمزة ، والبخاري (3/64 ، 8/60) قال: حدثنا أبو اليماهن ، قال: أخبرنا شعيب ، وفي (3/65) و (4/99) قال: حدثنا سعيد بن عفير ، قال: حدثني الليث قال: حدثني عبد الرحمن بن خالد ، وفي (3/65) ، (8/60) قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال: أخبرني أخي عن سليمان عن محمد بن أبي عتيق ، وفي (4/150) قال: حدثني محمود بن غيلان. قال: حدثنا عبد الرزاق. قال: أخبرنا معمر. ومسلم (7/8) قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، وعبد ابن حميد. قالا: أخبرنا عبد الرزاق. قال: أخبرنا معمر.
(ح) وحدثنيه عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، قال: أخبرنا أبو اليمان. قال: أخبرنا شعيب ، وأبو داود (2470 ، 4994) قال: حدثنا أحمد بن محمد بن شبويه المروزي. قال: حدثني عبد الرزاق. قال: أخبرنا معمر. وفي (2471) قال: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس. قال: حدثنا أبو اليمان ، قال: أخبرنا شعيب ، وابن ماجة (1779) قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ، قال: حدثنا عمر بن عثمان بن عمر بن موسى بن عبيدالله بن معمر ، عن أبيه.
والنسائي في الكبرى (تحفة الأشراف) (11/15901) عن إسحاق بن إبراهيم ، عن عبد الرزاق ، عن معمر.
(ح) وعن محمد بن خالد بن خَليّ ، عن بشر بن شعيب بن أبي حمزة ، عن أبيه.
(ح) وعن محمد بن يحيى بن محمد الحراني ، عن محمد بن موسى بن أعين ، عن أبيه ، عن معمر. وابن خزيمة (2233) قال: حدثنا محمد بن يحيى . قال: حدثنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا معمر. وفي (2234) قال: حدثنا محمد بن يحيى ، قال: حدثنا أبو اليمان. قال: أخبرنا شعيب.
خمستهم - معمر ، وشعيب ، وعبد الرحمن بن خالد ، ومحمد بن أبي عتيق ، وعثمان بن عمر- عن ابن شهاب الزهري ، عن علي بن الحسين ، فذكره .
* وأخرجه البخاري (3/65) قال: حدثنا عبد الله بن محمد. قال: حدثنا هشام بن يوسف ، قال: أخبرنا معمر. وفي (3/65) قال: حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا سفيان. وفي (9/87) قال: حدثنا عبد العزيز ابن عبد الله . قال: حدثنا إبراهيم بن سعد. والنسائي في الكبرى (تحفة الأشراف) (11/15901) عن محمد ابن حاتم ، عن حبان بن موسى ، عن ابن المبارك ، عن سفيان بن عيينة ومعمر ، فرَّقهما .
ثلاثتهم - معمر ، وسفيان بن عيينة ، وإبراهيم بن سعد- عن الزهري ، عن علي بن الحسين ، أن صفية - رضي الله عنها - أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو معتكف ، فذكره نحوه مرسلاً .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسماء الله الحسني بتحقيق أبي نعيم الاصبهاني

طرق حديث الأسماء الحسنى أبو نعيم الأصبهاني وصف الكتاب ومنهجه : لقد رأى الحافظ العَلَمُ أبو نعيم أن حديث " إن لله تسعة...الحديث ...